ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الثانية والثلاثون

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

تغيّر الموقف السوداني وعقد السنمار:

أصبح الأخوة الارتريون جاهزين للسنمار، وهنا حدثت بعض التطورات فقد جاء مندوب

ارتريا من الكفاح المسلح الي الاستقلال 2

عن وزارة الدفاع السودانية وهو اللواء إبراهيم الجعيلي ورافقه أحد أعضاء المجلس العسكري الانتقالي الذي أطاح وأسقط جعفر النميري.

جاء بطائرة هلوكبتر من الخرطوم ونزل في الوحدة السودانية العسكرية في مدينة كسلا، وطلب من الضباط السودانيين أن يُحضروا أحمد ناصر إليه وبالفعل حضر أحمد ناصر ومعه حسين خليفة والدكتور هبتي. وقال اللواء لأحمد ولأخوانه: إننا ارتكبنا خطأ استراتيجياً بتجريدكم من الأسلحة. إن الحكومة السودانية قرّرت إعادة السلاح إلى ثوار الجبهة؟

إذن على قيادة الجبهة أن تطلب عقد سنمار موسّع لمناقشة الأوضاع المستجدة.

ذهبت إلى منطقة راساي واجتمعت بالجنود وسمعت منهم كلاماً قاسياً، حسث يصفون أعضاء المجلس بأنهم متآمرون وهم الذين باعوا الجبهة فهم خونة إذن؟

وأدركت أن هناك عاصفة سوف تهب على من تبقى من أعضاء المجلس والقيادة، وقرّرت أن أفتش عن أصدقائي القياديين، لكنني لم أجد أحداً منهم أبداً، عندها عدتُ أدراجي إلى دمشق.

وأثناء وجودي في دمشق، وصلتني رسالة من صالح اياي يقول فيها"أردو أن تحضر إلى السودان في وقت قريب جداً، لأن هناك سينمار للجبهة سيعقد في وقت قريب، ووجودك ضروري جداً.

سافرت بالفعل إلى خرطوم ثم إلى منطقة راساي الحدودية وفي راساي التقيت بكل من الدكتور يوسف برهانو وعمر محمد وحسين خليفة وادريس قريش وغيرهم فأنا لديّ معلومات غير أكيدة بأن عبدالله ادريس يحضّر شيئاً في السر. وقبل فترة كنت قد قلت لأحمد ناصر، وعبدالله ادريس، كل على حده.

إن وضعكم هذا غير صحي، وإن المرأة الحامل إذا لم تلد طبيعياً، فابحثوا عن طبيب ليولّدها ؟! الوضع كان في حاجة إلى ولادة قيصرية عاجلة، لأن الجنين يمكن أن يموت، فالجنين يجب أن يرى النور، وكنت أقصد إعادة وحدة الجبهة، كنت أريد جرّاحاً ماهراً، يعيد الأمل للشعب الارتري، لا أريد جزّاراً يقطع ما تبقى من الجنين.

أريد ولادة طبيعية تتم بالتفاهم ما بين الأم والجنين، والدكتور هو الواسطة كنت أريد طفلاً صحيحاً معافى يكبر ونكبر معه.

إن الأمين العام للجبهة الشعبية قال: "إننا سنذّوب جبهة التحرير الارترية".

وفي راساي كنت أدور على المقاتلين، وأشحذ هممهم، كان المقاتلون يعتبروني أخاً وصديقاً وفياً لهم فيرتاحون لي ويفضّون لي بأسرارهم حتى الخاصة منها. كان كثير من المقاتلين قد التقيت بهم في أماكن عديدة من ارتريا، تقدم مني أحد المقاتلين وقال: أنسيتني يا أبا سعدة؟

كيف أنساك؟ ألم تحضر لي الماء لأطفئ ظمئي؟ ونحن في طريقنا إلى منطقة سرايين؟

والحقيقة أن هذا الشاب كان يرتاح لي، عندما كنت أطلب منه شيئاً وخاصة عندما أقول له: أرجوك أن تدلق الماء على رأسي لأغسّله؟

ومقاتل آخر كان قد رسمني، في بداية رحلتي، إلى دنكاليا، رسمني وأنا سمين.. وفي منتصف الطريق عاد ورسمني وأنا نحيف، وفي نهاية الرحلة رسمني وأنا هيكل عظمي، هذه الرسوم كانت عبارة عن خطوط غير مفهومة، ولا يُفهم منها غير المحبة والمودة والسعادة لكلينا. هو سعيد لأن صرته كمقاتل سوف تظهر. وأنا سعيد لأني بجانب الحق. كان هذا المقاتل قد صاحبني مرتين، الأولى في دنكاليا، والثانية في المرتفعات عندما كنت مع المناضل حامد محمود أثناء تحرير المدن الارترية.

وفي خور راساي حين كنت أتنقل بين المقاتلين، وجدت الأخ حسين خليفة جالساً مع بعض العسكريين يتناقش معهم باهتمام بالغ فقلت له: أحس أن في الجو شيئاً، والعاصفة أصبحت قريبة.

وقف حسن خليفة وقال لي: متى ستغادرنا يا أبا سعدة؟

هل أنا ثقيل عليك لهذه الدرجة؟

لا... أبداً.. إنما رفيقك محمود حسب يبحث عنك، ويريدك لأمر ضروري وهو موجود في كسلا ينتظرك.

هززتُ رأسي، وتركته حينها أحسست بأن شيئاً يُدار في الخفاء، ذهبت إلى خيمتي القريبة من خيمة أحمد ناصر وجلست على باب الخيمة لوحدي، ومرّ من أمامي الدكتور يوسف برهانو حاملاً بيديه صحناً كبير. جاء وسلّم عليّ وجلسنا دقائق ثم انصرف. كانت أفكاري مبعثرة، كنت أحاول أن أجمع خيوط ما حصل، وما سوف يحصل. ذهبت إلى مكان أحمد ناصر، وكان الوقت ظهراً، وجلسنا تحت صخرة كبيرة كانت تسندها حجرة صغيرة.

قلت لأحمد ناصر: لديّ إحساس بأن شيئاً ما سوف يحدث فأرجو أن تنتبه لنفسك. حضر المناضل موسى وقال: حبابك يا أبا سعدة الغداء جاهز!

وأكلت مع أحمد ناصر وكان هذا آخر غداء لنا سوية بل كان آخر يوم التقيت به في ارتريا.

قلت لأحمد ناصر: اسمع يا أبو حميد هناك شيء يعدّ وفي الخفاء، ولكن لا أعرفه، ولا أعرف مداه، والمقاتلون غير طبيعيين. ثم سألته - ولا زال يذكر:- هل ستضع المرأة؟

ولم يجبني وعدت إلى خيمتي، ولملمت في ذهني مشاهداتي للمقاتلين وللقادة ولكلام حسن خليفة وكلام المسؤول العسكري عثمان صالح لي وكلام صالح اياي عندما أرسل لي رسالة بأن أحضر بسرعة، وعرفت ما سيحدث اليوم أو غداً، لا أريد أن أكون شاهداً على مجزرة يمكن أن تحدث، ودّعت رفاقي وعدت إلى كسلا، وفي بيت أحد المقاتلين حيث نزلت كان ينتظرني شاب قال لي إنه من طرف محمود حسب وحامد آدم سليمان وحامد ويوهنس لأنهم فهموا أنني أعرف ماذا يعدّون أما البقية فقد دخل هذا الكلام عليهم وخرج دون أن يفهموا شيئاً.

تحدثنا عن انهيار الجبهة، وعلى من تقع المسؤولية. ثم قلت لهم إن الوقت تأخر وأنا عائد للخرطوم، وأنا أعتقد أن لديكم أعمالاً هامة أو أحداثاً لذلك ائذنوا لي وأرجو أن أسمع أخباركم، وأن تكون بخير. ودعّتهم وأنا أعرف ما سيفعلون غداً.

أوصلني عبدالله ادريس إلى الباب وقال لمحمود حسب: اتركنا لوحدنا أنا وأبو سعدة.

ثم أخرج من جيبه مفتاحاً صغيراً وقال لي: أنا أعرف أنك بحاجة إلى سيارة، وقريباً سوف أكون في دمشق وسوف أهديك مفتاحاً كهذا وهز المفتاح في وجهي، نريد أن نهديك سيارة جديدة أنت واحد منّا، وفينا إننا سنّوفيك بعضاً من حقك ولو جزءاً صغيراً.

ولم أجب عبدالله بشيء لأن أفكاري قد تأكدت من أن عبدالله يريد أن يفعل شيئاً غداً. يريدني عبدالله إلى جانبه.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click