ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة السابعة والعشرون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
اتفاقية اكتوبر: وفي شهر أكتوبر وبالوساطة السودانية، وبحضور عربي، تم اتفاق سُمي باتفاقية اكتوبر
بين الجبهة والشعبية، وفي الوقت ذاته أرل عثمان رسالة إلى محمد أبو القاسم إبراهيم نائب رئيس الجمهورية السودانية يقول فيها" إذا توحدت جبهة التحرير والجبهة الشعبية في تنظيم واحد فنحن على استعداد أن نحلّ تنظيمياً أي تنظيم قوات التحرير الشعبية".
إنها المزاودة بعينها..! هل أخذ عثمان موافقة قاعدته العسكرية التي تم تشكيلها سريعاً ورأسها أبو بكر محمد جمع.
قال أحمد ناصر لي فيما بعد: عندما اجتمعنا بنائب رئيس الجمهورية السودانية، سألته: هل تعكس هذه الرسالة موقف قوات التحرير الشعبية كافة أم كسابقتها؟ أجابنا رئيس الجمهورية السودانية اللواء محمد أبو قاسم.
دعوهم يتحملون هذه المسؤولية. إن توقيع اتفاقية اكتوبر مع الجبهة الشعبية، والتي مثلّها عن جانب الجبهة، أحمد ناصر وعبد الله سليمان، وعن جانب الجبهة الشعبية مثّله أسياس أفورقي وسعيد باري وقعنا سوية، واتفق على أن تلتقي الأطراف في الساحة الارترية، وكان الموعد بعد شهر، ومرّت الأيام، وكنت أنا في ارتريا، وكنتُ قريباً من منطقة حكات، وذهبت لأشهد هذا اللقاء فجاءت الجبهة الشعبية، ومعها حراسة كاملة، وزيّنت هذه الحراسة (ب. ت. ر) استقدمتها الجبهة الشعبية، أما الجبهة فقد جاءت بصواريخ ب.7.
هل هذه ساحة حرب أم ساحة مفاوضات وحوار أخوي؟ كان كل منهم يريد أن يظهر قوته ويمارس ضغطه كان ذلك في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام1977، وفي هذا اللقاء تمّت مناقشة اتفاقية الخرطوم، فظهر تباين في وجهات النظر.
الجبهة تقول: ننسّق مع بعضنا لنصل إلى مؤتمر وطني تُعلن منه الجبهة الوطنية الديمقراطية الواحدة.
الشعبية تقول: لا.. كل سيء خاضع للتنسيق، وإلى متى سيستمر هذا التنسيق؟ واستمر حوار الطرشان هذا لمدة ثلاثة أيام، وفي النهاية قالت الجبهة الشعبية: إن ما طرحتموه سوف ندرسه، في قياداتنا ونرد عليكم.
قلت لأحمد ناصر: هل ردّوا عليك؟
لا...
فجأة دخلت الشعبية في معركة مصوع وكأن لقاء حكات ليس له أي معنى من جانب الشعبية.
وعندما سألت أحمد ناصر عن معنى ذلك قال: أريد أن أوضّح لك شيئاً إن الأمريكان ضدنا على طول الخط، والسوفييت مع أثيوبيا، ونحن نأخذ سلاحاً من الأشقاء العرب الذين كانوا يشترونه من السوفييت، ويعطوننا إياه، كنا نرى أنه من الضروري استمالة الاتحاد السوفييتي إلينا، أو على الأقل تأمين أن يكون على الحياد، يجب أن نشعر بقيمة المرحلة وأن تعامل معها بذكاء، لا حباً بالاتحاد السوفييتي ولا بغيره، نريد مصلحة وطننا.
نحن نأخذ الكلاشينكوف من العرب، والسوفييت يبيعون هذا السلاح للعرب كي يوجه ضد إسرائيل. إذن هذا السلاح لم يقاض بموقف حجب الدعم عن ارتريا، لأن الأشقاء في الدول العربية سوف يدافعون عن موقفهم الوطني إذا سئلوا من قبل الاحاد السوفييتي: لماذا يعطون السلاح إلى الارتريين؟..
ومن الممكن أن يقول الاتحاد السوفييتي "إن هذا السلاح قد يقف ضد استراتيجيتنا في البحر الأحمر" هل نفتح جبهة جديدة؟ خاصة أن الأمريكان ضدنا بشكل دائم، كما أن لإسرائيل دورها في أثيوبيا وارتريا، فهي تقوم بتدريب الكوماندوس في أثيوبيا. ثم إن شركة انكودا في اسمرا هي التي جندت نفسها وأعطت إسرائيل اللحوم وغيرها في حرب عام1967.
سألت أحمد ناصر: هل كان من الممكن أن يتفهمكم السوفييت ويتفهموا قضيتكم؟
أجاب: ربما وخاصة وأن أشقاؤنا العرب يزكوننا عند السوفييت، وبالإضافة إلى هذا فالاتحاد السوفييتي يناصر كل حركات التحرر في العالم وهو ضد الامبريالية والصهيونية.
ألستم أنتم ماركسيون؟
أجاب أحمد ناصر: لا.. نحن وطنيون.
ثم تابع حديثه: عندما زرنا الاحاد السوفييتي لم يكن أمامنا إلا طريق المصادقة، وشرح مواقفنا ومحاولة تفهم السوفييت لنا، فلا يجوز أن نقوم بمعاداة السوفييت والمعسكر الاشتراكي، لأننا قد نخرج أشقاؤنا العرب الذين لهم علاقة وطيدة مع الاتحاد السوفييتي.
إننا نريد أن نسّهل الطريق لأشقائنا المسؤولين، عندما يطرحون قضيتنا للسوفييت. معظم القادة العرب الذين يقدمون العون والدعم لنا من مال وسلاح وتدريب وغيره قالوا للسوفييت: "إن الثورة الارترية معادية للإمبريالية والصهيونية وعليكم أن تتفهموها".
هذا هو موقفنا في جبهة التحرير، هذه قضية حسّاسة وهامة، لنا ولأشقائنا، وعلينا أن نتعامل معها بدقة وعقلانية.
كنتم تواجهون نظام الدرك الذي يضربكم بسلاح سوفييتي؟.
هذا صحيح كنا نواجه طائرات الميغ والدبابات والصواريخ السوفيتية، وكافة الأسلحة الفتاّكة وعلى الرغم من هذا وحفاظاً على حقنا، وعلى أن يكون الأشقاء العرب في وضع مريح ولا نسبّب الإزعاج لهم ونثير المشاكل فضلنا أن نتعامل بهذه القضية بكل مرونة ونضمّد جراحنا .كنا نقول دائماً إن من حق السوفييت والأثيوبيين، أن يقيموا علاقات من أي نوع يريدونه.
ألا تعتقد يا أخ أحمد أن هذه العلاقة، وأقصد العلاقة بين السوفييت والأثيوبيين، كانت موجهة بالدرجة الأولى ضدكم؟
لا.. إن لأثيوبيا مشاكلها مع كل من الصومال والتغراي والأورومو والعفر. لا شك أننا نحن الارتريون معنيون أكثر من الذي ذكرته .نحن في أول القائمة لضربنا وسحقنا. نحن الذين ساعدنا على إنهاء الامبراطور هيلا سيلاسي. لم يفهمنا المسؤولون في أثيوبيا - رغم ترسانة السلاح، وذُبحنا ليلاً ونهاراً وتم تشريد شعبنا وتدمير قرانا رغم ذلك لابد أن يسقط هذا النظام كسابقه وكما قلت.
يقولون: إن قيادة الجبهة تحالفت تارة مع الشيوعيين وتارة أخرى مع المسيحيين وهكذا.. هذه النغمات التي بدأت قوات التحرير الشعبية بقيادة عثمان، وردّدتها في صحفها وأحاديث أعضائها وبياناتها، والأخطر من ذلك أنهم كانوا يرفعون تقارير بحقنا إلى دول عربية معينّة بالإضافة إلى كل هذا، تراكمت المشاكل في الجبهة وتمّ عزلنا مادياً في هذه الدول العربية.
لقد قمتم بزيارة إلى موسكو في شهر أيار وحزيران 1978 هل هذا صحيح؟
هل تستدرجني وأنت تعرف كل ذلك؟
ألم نطلعك على كل شيء قبل حدوثه؟
يا كحلا من فمك أحلا.
نعم زرنا موسكو وكنتُ أنا على رأس الوفد الذي، ألف من صالح اياي وعبدالله سليمان ويوهنس ذرء ماريام، والتقينا في موسكو بالكسندر ديزا ساسخوف.
وقدمنا مطالبنا وتتلخص بالاستقلال الكامل لأرتريا. كنا نطالب بحل عادل لقضية ارتريا، ألستم أنتم تدعمون حق الشعوب في تقرير مصيرها؟ ألسنا شعباً إذن؟ نريد دعمكم ومساندتكم ليكون لنا دولتنا.
ثم قلنا للسوفييت: يجب أن تدعوا بقية الفصائل الموجودة، على الساحة وكنا نقصد الجبهة الشعبية، وقوات التحرير الشعبية للمشاركة في الحوار ونفضل أن نكون بوفد موحّد وهذا التزام بمواقفنا.
دافع السوفييت عن نظام الدرك وعن منغستو وقال الكسندر ديزا ساسخوف إن منغستو يرأس نظاماً تقدمياً، يمشي إلى الأمام، هذا نظام تقدّمي معادٍ للامبريالية والرجعية والصهيونية. قلنا لهم: يجب أن تفهموننا.
سوف نأخذ دعماً من أي جهة في هذا العالم، طالما هذا الدعم يعزّز من صمودنا، ويحقق لنا استقلالنا، هذا ما دار من حوار ونقاش في موسكو. وكانت فرصتنا أن نلتقي بالسوفييت وجهاً لوجه ونطلعهم على ما نريد وعلى ما نحن عازمون عليه.
ولكن للأسف إن رفاقنا في الفصائل الارترية، استثمروها بشكل رديء، وتمّ تشويهنا وشوّهوا وجه الجبهة المضيء فانعكس على الدعم الذي كنا نتلقاه من الدول العربية البترولية، لقد وقف الأخوة الصوماليون مع أشقائنا أصحاب الدول البترولية ضدّنا.
قلت لأحمد ناصر: سمعت بأنك قمت بزيارات إلى كل الدول العربية في ذلك الحين .فماذا كانت النتيجة؟
نعم زرت معظم البلاد العربية بين عامي 1976-1977 كنت أطلب منهم أو بالأحرى أشحذ منهم أن يمدونا بسيارات لنقل الجرحى والتموين والسلاح، فلم أجد أحداً يقول لنا (تفضل وخذ جزءاً من حاجتكم)، لم نأخذ سيارة واحدة، بينما كانت تُعطى لغيرنا من الفصائل، الأموال والسيارات ومواد تموينية وغيرها، أين هذه الفصائل اليوم؟ من تبخّر تبخّر ومن بقي أصبح تحت رحمة الجبهة الشعبية.
لذلك أقول: (رحم الله إمرءاً عرف نفسه فوقف عند حده). كيف نقف بوجه الاتحاد السوفييتي وهذا مطلبهم، كنا نريد أن نقول لهم: لقد أصبحنا قرب قوسين أو أدنى من الاستقلال، نرجوكم ساعدونا، لا نريد نقوداً بل نريد مواداً غذائية، نريد ذخيرة، نريد مدافع من عيار 62 أو 82 ملم لقد كنا في ضواحي اسمرا، وكنا لوحدنا. ساعدونا اليوم فغداً ترون ارتريا المستقلة الوطنية، وإذا استثنينا سورية والعراق فإنهما لم يبخلا علينا بل أعطونا كل ما طلبنا إنما البقية من أشقائنا ساعدونا قليلاً.
كنا نقول يا إخواننا (ساعدونا فسنكون لم الرديف القوي غداً) فعلى من نراهن؟ هذه هي حساباتنا، وهي حسابات وطنية صرفة. إن الصومال وعثمان سبي وأسياس بدأ هؤلاء يشتمون الاتحاد السوفيتي، وكوبا ثم يعرضون علينا أن نقوم بكيل الشتائم لهم.
قلت لأحمد ناصر: ألم يقاتلكم السوفييت والكوبيون؟
لا.. لم يقاتلون، ولم يدخل ارتريا أحداً من هؤلاء، إلا في الفترة الأخيرة وهم على مستوى الخبراء.
قلت لأحمد ناصر: إنني عندما كنت في أوغادين، أثناء الحرب تم أسر كوبي يدعى ارنالدو كارلوس وأجريت معه مقابلة.
وسألته: لماذا أنت في أوغادين وأنت كوبي؟
أجاب كارلوس: أنا شيوعي، وسأقاتل في أي منطقة تستدعي، أن أكون فيها بجانب الحرية.
قلت لكارلوس (كلنا تقدميون لكننا لم نقاتل مع الأثيوبيين،وهل قتال الصوماليين الذين يقاتلون من أجل أرضهم واستقلالها ضد الأثيوبيين هل هذا القتال هو حرية؟).
ثم سألته سؤالاً آخر: إذا أطلق سراحك اليوم فماذا تفعل؟
فقال: (أعود وأقاتل مرة ثانية).
ويتابع أحمد ناصر: يا أحمد خليها على الله يا أحمد، إن كاسترو كان يقف إلى جانب منغستو هيلا ميريام ويمدّه بالرجال والعتاد. إن الكوبيين لم يحاربونا، لماذا يطلبون منا أن نقول أن كوب تحاربنا؟ لم يكن يحاربنا لا الاتحاد السوفيتي ولا المنظومة الاشتراكية. كانوا يعزّزون منغستو وإذا صح التعبير أكثر نقول: (لم يقاتلونا مباشرة).
إذن كيف تم القبض على عدد من الضباط والخبراء السوفيت داخل ارتريا؟
نعم تم القبض على عدد من الخبراء، فالموضوع إذن كان على مستوى الخبراء فقط وفي الفترة الأخيرة وليس في البداية، لقد بدأ التآمر على الجبهة قديماً، لكنه نشط من جديد. إنهم يريدون هدم هذا البنيان الذي شيّده دم الشعب الارتري، وفي شباط/فبرايرعام 1980 قام وفد من قيادة جبهة تحرير أرتريا إلى موسكو.
ماذا كانت النتيجة؟
لم تأت هذه الزيارة بشيء جديد. أما الشيء الجديد الذي سمعناه فهو: أن جبهة التحرير الارترية لديها برنامج زراعي جيد. سألت أحد قادة الجبهة: هل زاركم وفد واطّلع على تجربتكم الزراعية هذه؟
لا.. لم يدخل السوفييت عن طريقنا، بل عن طريق أثيوبيا.
قالوا "إن برنامجكم الزراعي أفضل برنامج رأيناه في أفريقيا،إنها تجربة رائعة". ثم قالوا "إن كل ما تقدمتم به هو صحيح".
قلنا لهم: (هذا هو الحق ونريد استقلال بلدنا،ونحن لن نتخل ولا نتدخل بشؤون شعب أثيوبيا، نحن ضدّ الامبريالية العالمية والأمريكان وإسرائيل).
قلت لقيادة الجبهة: لقد دفعتم ثمناً غالياً لآرائكم ومعتقداتكم.
• أين جبهة التحرير الارترية اليوم؟
• ومن ساعد الجبهة الشعبية ومن ساعد على إنهاء النظام في أثيوبيا؟ أليس هم الأمريكان؟
أجابني أحد الرفاق قائلاً: هذا كان رأينا ومعتقداتنا، التي قاتلنا من أجلها. إن كلمة الحق قلناها وسنقولها دائماً.
• من توسّط بين الجبهة الشعبية وأثيوبيا؟ أليس هو هرمن كوهين المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية؟
• ألم يستقبل كارتر أسياس أفورقي في طائرته عندما وقف في مطار الخرطوم؟
• من أدار مباحثات أتلنتا وضغط على الأثيوبيين؟ أليس هم الأمريكان؟
هل حباً بسواد عيون الارتريين؟ أليس الأمريكيون هم قمة الامبريالية؟ أين الجبهة العظيمة التي كان مقاتلوها ينتشرون من قرب دولة جيبوتي إلى الحدود السودانية؟ماذا جنت بعض الدول العربية بعد مدّيد المساعدة الحقيقية لهن؟ لن أقول على من توضع المسؤولية،فالتاريخ هو الذي سوف يتكلم .
سألت أحمد ناصر: ماذا قال لكم السوفييت أيضاً؟ سمعت من مصادر موثوقة أن هناك عملاء وجواسيس للامريكان.
أرجوك أن تعفيني من الإجابة، واستطرد متحدثاً: ثم قال لنا السوفييت إن رأيكم هذا في استقلال بلدكم عمّم على صعيد الدولة السوفيتية كلها، لأنه صحيح ومنطقي بموضوعيته. لذا نرجو منكم ألا تقوموا بعمل مثلما يفعل الآخرون. واعتبرتُ هذا انتصاراً لنا ولقضيتنا. طالوا بحقكم هذه آخر كلمة قالوها لنا "طالبو بحقكم".
وازدادت الحملات علينا من كل جانب، وحين أكون في معسكر فورتو في ارتريا، يقولون أني في موسكو، وحين أكون في دمشق أو بغداد يقولون أني أقابل الأثيوبيون سرا.! لإنني لم أقابل في حياتي السياسية حتى الآن اثيوبياً واحداً لا سراً ولا علناً.
قلت لقد علمت من أحد الأصدقاء أن السوفييت قالوا هذا لوفد من الجبهة، بأن قادة الجبهة وقوات التحرير هم عملاء للأمريكان، قال سيمنوف رئيس الوفد السوفييتي (إنهم جواسيس)... قالها بالحرف الواحد .هل صدق سيمنوف أم لا؟
ثم سألت أحمد ناصر: ما رأيك بهذا الكلام؟ هل صحيح ما قاله سيمنوف؟
أجابني أحمد ناصر: قلت لك ما عندي وكفى.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة