ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة العاشرة

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

الأسلحة السورية: ويصمت محمد أحمد عبدة ليتكلم عبدالقادر رمضان: أتذكر أبو سعدة حادثة السلاح

ارتريا من الكفاح المسلح الي الاستقلال 2

في السودان عام 1965.

نعم أذكرها جيداً.

وبدأت أروي لهم ما أعرفه عن هذه الحادثة.

بعد سقوط نظام الفريق عبود في السودان في أكتوبر من عام 1961 كان الفريق عبود ونظامه يطارد الثوار الرتريين ويعتقلهم ويسلمهم إلى أثيوبيا لتقتلهم فوراً.

يهز محمد أحمد عبدو رأسه: الله يرحم شهداءنا.

في 26 آذار مارس من عام 1965، اتصل السفير السوري في السودان بالحكومة السودانية، وأخبرها بأن سورية ستقدّم سلاحاً للثوار الارتريين كهدية.

وفي شهر أيار مايو من عام 1965 حطت طائرتان سوريتان من نوع "دي - سي 6" في مطار الخرطوم قادمتين من دمشق، وعلى متنها 60 طناً من الأسلحة والذخائر.

وأنظرُ إلى محمد أحمد عبده و عبدالقادر رمضان وهما يستمعان إلى ما أقول، بل كانا يتلقفانه.

وقاطعني عبدالقادر قائلاً: هذه هي المرة الأولى التي تنقل بها أسلحة بالطائرات. هل تعلم يا أبا سعدة، كم هي كمية السلاح التي وصلت على هاتين الطائرتين؟

تفضل تابع.

اسمحوا لي قال محمد عبده، أن أخبركم عن كمية السحلاح التي وصلت قولوا واحد.

1250 كلاشنكوف أخمص خشبي اثنان.

750 كلاشنكوف أخمص حديدي.

25 رشاش كرينوف متوسط.

20 ديكتروف 4،5 ملم ثنائي السبطانه 7،62.

50 بندقية سيمينوف نصف آلية.

50 قاذف أ ر ب ج 7.

10 رشاش دوشكا 12،7 مم

20 مدفع هاون 81 مم.

10 مدفع هاون 82 مم.

100مسدس ماكروف.

500 قنبلة يدوية دفاعية وهجومية.

1000000 طلقة للرشاشات 7،62

500 قنبلة هاون 61،82،81

1500 قذيفة أ رب ج.

ويصمت محمد أحمد عبده وينظر إليّ قائلاً: وماذا حدث بعد ذلك يا أخ أحمد؟

أتنحنح في جلستي، وأنا صامت، ثم استعيد ذاكرتي، لأقول لأصدقائي، تم تفريغ شحنة الطائرتين في مطار الخرطوم، ووضع السلاح في مخازن الخطوط الجوية السودانية، نقلنا هذه الأسلحة إلى منطقة (بري)، وبري هذه تقع في إحدى ضواحي الخرطوم ثم بوشر بنقل السلاح براً إلى الحدود السودانية، وخلال أسبوع تم نقل معظم السلاح إلى الحدود السودانية الارترية، تمهيداً لنقلها إلى داخل أرتريا.

وماذا حصل بعد ذلك يا عبدالقادر؟

تبسم محمد أحمد عبده ويقول: أنت تعرف يا أخ أحمد ماذا حصل بعد ذلك.

صحيح ولكني أريد أن أسمع منكما.

في مساء يوم الخميس 3 حزيران عام 1965، وتحديداً في الساعة 4،5 داهمت مجموعة من رجال الأمن السوداني ويبلغ عددهم حوالي 50 شخصاً، داهموا منزل الجبهة الموجود، فيه ما تبقى من هدية الشعب السوري الشقيق من السلاح.

ويصمت محمد أحمد عبده.

وبعدين يا محمد؟

ألقى رجال الأمن السودانيين القبض على الشباب الارتريين الذين كانوا يتولون حراسة الأسلحة ثم قام رجال الأمن السودانيين بنقل ما تبقى من الأسلحة إلى مخازن الجيش السوداني.

يسود الصمت قليلاً فأقطعه أنا.

ثم قامت السلطات السودانية باعتقال المناضل/ عثمان صالح سبي ووضعته في السجن، تمام يا محمد أحمد؟ تمام يا عبدالقادر؟

تمام! هذا ما حصل فعلاً يا أبا سعدة!

وفي اليوم ذاته عقد السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة السوداني، مؤتمراً صحافياً قال فيه: وصلت السودان في تاريخ 27/26 مايو الماضي طائرات محملة بالسلاح وهناك خلاف حول هويتها.

يضحك محمد أحمد عبده و عبدالقادر ضحكة عالية.

طائرات محمّلة بالسلاح ولا تُعرف هويتها؟

أرجوكم اسمعوا بقية الرواية: يتابع الصادق المهدي بأن حزبه أبلغ الأمر لمجلس الأمة، وأن لديه معلومات موثقة وهامة، ولن يفصح عنها الآن.

قاطعني محمد أحمد عبده قائلاً: اسمح لي يا أبا سعدة أن أقول لك إن حادث الأسلحة ملفّق، واسمع مني هذه الرواية التي عشتُ أحداثها لحظة بلحظة.

تفضّل يا أخ محمد أحمد.

إن إعلان مؤامرة على لسودان والقبض على مشبوهين وأسلحة في مساء يوم 1965/6/3، والمؤتمر الصحفي الذي عقده الصادق المهدي: أريد به أن يوحي للمواطن العادي بوجود صلة بين الأسلحة وبين حزب الشعب الديمقراطي المعارض.

وقاطعته قائلاً: كثرت الإشاعات وطالت بلدي سورية؟.

الأمن السوداني قام صباح الجمعة في 4/6 باستدعاء كل من اللواء السوداني السابق عبدالرحيم محمد خير ستان عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الديمقراطي والقائم مقام السابق أبو بكر فريد والعقيد السابق محمد علي السيد كل هؤلاء استدعاهم الأمن السوداني وقام باستجوابهم حول الأسلحة التي تم ضبطها ثم أفرجت سلطات الأمن عن كل من السيد/ عبد النور خليل والقائمقام السابق أبو بكر فريد واحتجزت كلاً من اللواء السابق عبدالرحيم شنان والعقيد السابق محمد علي السيد.

وبعد ذلك ترأس السيد وكيل وزارة الداخلية السيد أمير الصاوي التحقيق ولم نسمع بعده شيئاً وبعد أيام صرّح وزير الداخلية في حينها (امبورو) قائلاً: سنحقّق مع كل من نرى له صلة بالأمن، وعلى ما أعتقد بأن السيد/ الرشيد الطاهر وزير العدل ووزير الإعلام والعمل والناطق الرسمي باسم الحكومة بالنيابة قال بالحرف الواحد: يتوقع أن يبحث مجلس الوزراء اليوم في حادثة الأسلحة التي تم العثور عليها في منطقة بري، وحتى ينتهي التحقيق إلى غايته يجب أن نؤكد حقيقة هامة وهي إننا نؤمن بحق كل الحركات التحريرية في أفريقيا والعالم العربي، وإن من حق تلك الحركات علينا أن نؤيدها وأن نشدّ من أزرها حتى تحقّق لشعوبها ما حقّفته ثورة أكتوبر لشعب السودان، وأضاف إن الضمير الوطني يحتّم علينا جميعاً حكومة وشعباً أن نلتزم بهذه السياسة.

وفي يوم السبت 5/6 قال سفير أثيوبيا في السودان صالح حنبت إنه يقوم باتصالات مع المسؤلين السودانيين حول ما تردّد عن اعتقال ارترييت في مخبأ الأسلحة المضبوطة في (بري) وإن هذه الأسلحة موجهة ضد أثيوبيا للتخريب، وإن حكومة سورية وراء هذا؟!.

وإن حكومته تولي هذا الموضوع اهتماماً بالغاً وسوف نرفع شكوى إلى مجلس الأمن ضد سورية ؟! وفي التاريخ ذاته اعتقلت سلطات الأمن وزير العدل والناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية بالنيابة.

واستمرّ التحقيق معهم لمدة ثلاث ساعات وعندما اقترحت سلطات الأمن إطلاق سراحه بتعهد رفض السيد/ الرشيد الطاهر وقال إنه في هذه الحالة من الأفضل أن ينقل إلى سجن كوبر، وقال السيد وزير العدل إنه لم يمانع عندما طلب منه التحقيق في الأسلحة، والأسلحة التي وصلت إلى الخرطوم، وصلت بطريقة شرعية واضحة، وجاءت إلى ثوار ارتريا وقال إن أحد ثوار أرتريا اتصل به في يوم 16/17 أيار من الشهر الماضي، وذكر له أن لديهم أسلحة مهداة من الجمهورية العربية السورية، ستصل إلى الخرطوم، وقد سبق أن تحدثوا في الأمر مع رئيس الوزراء الذي رحّب بالفكرة وأبلغه بشحنة أسلحة الثوار الارتريين القادمة من سورية، وقد وافق رئيس الوزراء، وطلب منه الاتصال بالسيد/ أبو شحمة سكرتير مجلس الوزراء، ليقوم بالإجراءات ليمكّن الارتريين من استلام أسلحتهم، وتساءل السيد/ الرشيد الطاهر وزير العدل، أن الطائرؤةلم تصل في موعدها،والمقرر في 23-29 أيار/مايو وإنه كان موجوداً في كركوج، وقد اتصل الثوار بالسيد/ محمد جبارة العوضي وزير شؤون الرئاسة الذي تعرّف مع سكرتير مجلس الوزراء في تسليم الأسلحة للأرتريين.

وقال السيد الرئيس أنه أبلغ هذه المعلومات عند حضور رئيس مجلس الوزراء، إلى منزله يوم السبت، ولا يري سبباً لما يثار.

فالأسلحة جاءت إلى الخرطوم بطريقة واضحة، وسياسة الحكومة في هذا الأمر أكثر وضوحاً، فقد أعلنت الحكومة أكثر من مرة، مساندتها للحركات التحريرية في أفريقيا والعالم العربي، وسبق أن أعلن الناطق الرسمي في الحكومة السابقة تأييد الحكومة للثوار الارتريين، وقال السيد/ الرشيد الطاهر أن السيد/ سر الختم الخليفة رئيس الوزراء، قد ذكر للوزراء في منزله، أن الرشيد قد اتصل به فعلاً في مسألة خاصة بشحنة أسلحة، ولكنّه كان يعتقد أنها قادمة من الجزائر للثوار الكونغوليين.

وفي الوقت ذاته أصدرت جبهة الميثاق التي ينتمي إليها السيد/ الرشيد الطاهر بياناً قالت فيه: أنني أشيد باسم جبهة الميثاق بالدور المجيد الذي قامبه الأخ/الرشيد الطاهر... بعلم وموافقة رئيس الحكومة في سبيل، تسهيل نقل السلاح، لثوار جبهة التحرير الأرترية المجاهدين، وأعتقد أن جزءاً مثل هذا العمل الرائع.. الذي استلم فيه المبادئ التي تدافع عن جبهة الميثاق، وتلتزم به حكومة السودان في سياستها الخارجية، كما يجب أن يكون تكريماً لا تجريحاً، كما المعاملة التي عُمل بها الأخ/ الرشيد الطاهر.

التوقيع
حسن الترابي
الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي

وفي اليوم ذاته تم القبض على وزير شؤون الرئاسة السيد/ محمد جبارة ونُقل من جنوب السودان، إلى الخرطوم على متن طائرة خاصة للتحقيق معه، وتم التحقيق معه وأطلق سراحه، بأمر من رئيس مجلس الوزراء.

قال السيد الوزير: إن التحقيق معه، جرى حول الأسلحة وأنها أسلحة للأرتريين، مقدّمة هدية من حكومة عربية وإنه تولى الترنيبات المتعلقة بإنتقالها وتسليمها: فلماذا هذه الزوبعة؟

نعم هذا ما حدث باختصار شديد... وخيم الصمت علينا.. أمام كل هذا العمل لم يكن هناك مفهوم سياسي ولم يكن هناك برنامج للثورة وتساءلت: كيف تعبء الجماهير؟

كيف تنتخب قيادة شرعية؟ كيف يكون لكم برنامج وخاصة بعد توسع الجبهة؟.

وعاد عبدالقادر رمضان واستأذن ثم قال: في عام 1965 عندما قام جيش التحرير، في المنطقة الغربية والساحل - مدينة وكرن، بالاتصالات فيما بينهم، آرادوا عمل مناطق وذلك حسب التجربة الجزائرية، وكانت كلها في حينها أعمالاً غير مدروسة دراسة كافية.

وكان ذلك بإشراف المجلس الأعلى، الذي كان يرأسه إدريس محمد آدم، والمجلس الأعلى هو السلطة الوحديدة التي كانت تشرف على الثورة، وقد كان المجلس الأعلى مؤلفاً من:-

1. إدريس محمد آدم.

2. إدريس عثمان كلايدوس.

3. عثمان صالح سبي.

4. محمد صالح حمد.

5. سيد أحمد محمد هاشم.

6. محمد نور.

7. عثمان إدريس خيار.

8. تدلابايرو انضم إلى الحركة عام 1967.

وأثناء ها قام الأخوة المناضلون بتقسيم أرتريا إلى خمسة مناطق حسب التجربة الجزائرية.

نعود ونقول أن هذا التقسيم كان جيداً في حينه، إنما المجلس الأعلى كان يهدف من وراء التقسيم إلى أشياء أخرى، علماً بأننا لم نكن نملك رؤية سياسية مستقبلية، وليس لنا أي برنامج من هنا يجب علينا أن نفهم ما تم قبل المؤتمر الوطني الأول، وانتهت جلستنا وذهبنا سويّة إلى قاعة المؤتمر، قاعة الشرف والوطنية الصادقة، وجلستُ على حجرة وجلس بقربي كل من:-

الزين ياسين.

إدريس قلايدوس.

وافتتحت الجلسة، وكان الكلام كله بالعربية، ثم يترجم إلى التجرينية وبقية اللهجات الأخرى.

وكان يحضر المؤتمر 561 عضواً يمثّلون جيش التحرير، والمنظمات الجماهيرية، وشخصيات وطنية، والمواضيع التي كانت تطرح كثيرة ومتشعبة، لكن أهمها الوحدة الوطنية والرؤية المستقبلية والبرنامج السياسي، والتفاوض مع أثيوبيا، في حال دعت للتفاوض من أجل الاستقلال، ثم موضوع هام أيضاً وهو: علاقة الثورة الارترية بالدول العربية.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click