ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الثانية
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
المؤتمر الوطني الأول:
كان الشيخ إدريس محمد آدم، يحدثني ويقول: لقد ذهبتُ وأدليتُ بصوتي حول استقلال ارتريا.
فسألته: (يا أبا إبراهيم ما رأيك في الذي، يحدث اليوم في ارتريا، بعد أن تنكر الجميع)؟ وأقصد الذين حكموا وهم على رأس السلطة.
وتساءلت: "أليس من المفروض أن يكون الشيخ إدريس ورفاقه في اسمرا بعد الاستقلال".
لم يجبني أبو إبراهيم بل ابتسم وقال: أسأل نفسك يا أحمد،
وسألني: ألم تكن بجانب من دمّر الجبهة؟! ألم تكن بجانب زملائك، أصحاب حزب العمل؟!
فأجبته: نعم كنت مع أصدقائي، قادة الجبهة، ولم أكن مع أصحاب حزب العمل. أنا كنت وما زلت مع الشعب الارتري. كنت مع أصدقائي قادة الجبهة، وذكرت له أسماءهم."أرجوك يا أبا إبراهيم أن لا تظلمني. ورويت له هذه الحادثة. قبل خروج الجبهة إلى كركون أي قبل انهيار وتفتت جبهة تحرير ارتريا.
كنا ثلاثة في مكتب العلاقات الخارجية بدمشق. وضمن جلسة ضمت كلاً من عبدالله إدريس وصالح أياي وحسين خليفة.
قلت لهم: يا إخوتي أنتم تمشون إلى الهاوية.
وبانفعال شديد صاح بي عبدالله إدريس: "خليك بأفلامك يا أبو سعدة".
فقلت له: أرجوك ألا تظلمني يا شيخ إدريس.
فرد علي وقال: يا أخ أحمد! إذا لم نعد إلى أصالتنا، إلى صدقنا وإلى صفائنا. سيكون المستقبل غير معروف!
وتابع حديثه قائلاً: إن ما يحدث الآن، في ارتريا شيء خطير وخطير جداً.
وروى لي هذه الحادثة: "في يوم من الأيام. اتصل بي رئيس الوزراء الأثيوبي، من أديس أبابا. وكنت في حينها رئيس مجلس النواب في ارتريا، قال لي رئيس الوزراء: إن الامبراطور، ويعني به هيلا سيلاسي سوف يستقبل كبار قادة أثيوبيا" وعليك أن تحضر. وذهبت إلى القصر الامبراطوري. وقد وجدت أمامي - وحسب البرتوكول - رئيس الوزراء وأنا خلفه. وجدت نفسي وجهاً لوجه مع الامبراطور، فما كان من رئيس الوزراء الأثيوبي. إلا أن حرّ ساجداً على حذاء وركبة الامبراطور وقبلّها. وهنا أصابتني الحيرة. فأنا لا أسجد ولا أركع إلا إلى الله عز وجل. وجاء دوري. فرفعت يدي اليمنى إلى مستوى رأسي وقلت بالعربية: السلام عليكم".
واليوم بعد حوالي أربعين عاماً أو أكثر، أجد الشيخ إدريس بقامته المديدة. ولغته العربية التي يتباهى بها وبعروبته، متنقلاً بين السعودية، وسورية، والسودان، ومصر على الرغم من أن ارتريا أصبحت دولة لها استقلالها، ولها صوتها بين دول العالم.
كان أول لقاء بيني وبين الشيخ إدريس عام 1971 في منطقة آر في ارتريا يوم انعقد المؤتمر الوطني الأول، لجبهة التحرير الارترية.
جلست معه وسمعت منه الكثير، كان يحدثني عن العروبة و الإسلام، وعن الوطن والاستقلال، وحرية شعبه، كان في صحبته ابنه، الأخ إبراهيم وهو شاب مناضل كنت أرتاح لطريقة حديث، الشيخ إدريس خاصة عندما يقول لي: اسمع يا أحمد! إن سورية هي البلد العربي الأول، الذي أعطانا السلاح والدعم.
كنا نرسل أبناءنا إلى الجامعات والمدارس، ونرسل شبابنا ليقوموا، بدورات عسكرية، في سورية، والبلاد العربية، وأخيراً أقول: إن سورية هي في ضمير كل ارتري.
أنتم منا ونحن منكم. هل تعلم يا شيخنا، كم هو عدد الشباب الذين، تلقوا تدريبهم العسكري في سورية؟
كثيرون جداً؟
إنهم حوالي 800 شاب. إن أول دورة عسكرية، تلقت التدريب، كانت في سورية، وتألفت من20 شاباً. كان ذلك في عام 1963 أي بعد قيام ثورة الثامن من آذار.
ومن هذه الدورة أذكر، بعض الأسماء التي، ما تزال عالقة في ذاكرتي:-
1. إبراهيم عافه إبراهيم - استشهد.
2. عبدالكريم أحمد.
3. رمضان محمدنور - الذي أصبح فيما بعد، الأمين العام للجبهة الشعبية.
4. محمد علي عمارو: مسؤول الإعلام سابقاً، في الجبهة الشعبية، وسفير حكومة ارتريا، في دولة الإمارات العربية المتحدة ثم في كينيا.
5. الأمين محمد سعيد: الأمين العام للجبهة الشعبية حالياً.
6. أفورفي قبرسلاسي.
7. محمد أحمد عبده: الذي أصبح قائداً عاماً، لجيش التحرير الارتري. وفي نهاية عام 1979 استقبلت الكلية الجوية 9 شباب ليتخرجوا بعد سنوات، ضباطاً طيارين وملاحين. وأذكر منهم الأخ شيكاي رمضان الذي وصل إلى رتبة رائد طيار، في القوى الجوية السورية. هذا على سبيل المثال لا الحصر.
فيقاطعني الشيخ إدريس قائلاً: وبعدها جاءت الخيرات من أشقائنا العرب.
ومن المعروف أن الشيخ إدريس هو رئيس مجلس النواب الارتري الأسبق، ومن مؤسّسي جبهة تحرير ارتريا.
وأنا أتساءل: ماذا يفعل الشيخ إدريس محمد آدم بعد الاستقلال؟! وماذا قدمّت له الحكومة الارترية الحالية؟! لا شيء؟!! ،إنه ما زال يعيش في الخارج، كما كان قبل الاستقلال، وبجواز سفر عربي، وعلى فكرة، إن الشيخ إدريس هو من قبيلة بني عامر، وتعتبر هذه القبيلة، من أكبر القبائل، في ارتريا. ولها فروع كثيرة، وهي قبيلة معروفة بجذورها، ولها نسبها ومكانتها، في المجتمع الارتري،
ومن الأشياء التي أذكرها إنه كان يقول لي: أنت لا بد أن تكون، قد استنتجت بتجربتك الميدانية، وبعد مرور تسعة وعشرين عاماً، ما سأقوله لك الآن: أنت أصبحت تعرف، عاداتنا وتقاليدنا، ولكنني أريد أن أضيف بعض المعلومات التي، من المفروض أن تعرفها جيداً.
أنت تعرف أن الإسلام له جذوره، في كل من ارتريا وأثيوبيا، وتمتد هذه الجذور، إلى أوائل القرن السابع الميلادي، وذلك قبل أن ينتصر الإسلام في مكة، وينتشر في المدينة المنورة، ولقد جاء الإسلام بقيم وأخلاق جديدة، ويضاف إلى ذلك، المصاهرة بين السكان المحليين، والقادمين من العرب المسلمين.
من هنا كان التأثير والتأثر، كما أن المسلمين وبعلاقاتهم، مع المسيحيين، كانوا قدوة حسنة. أبرزها الموقف التاريخي المعروف، حين حوصرت بيت المقدس، من قبل جيوش المسلمين، فطلب المسيحيون، التسليم لأمير المسلمين/ عمر بن الخطاب بنفسه، وجاء الخليفة، واستلم المدينة، وكتب أماناً لسكّانها، على أموالهم وأنفسهم، وكنائسهم وأديرتهم.
من هنا نلاحظ أن الخليفة/ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان أول من منح الكنيسة حقوقها الدينية كاملة، ومن المعروف أن صلاح الدين الأيوبي هو من حرّر القدس أثناء حروب الفرنجة، وللأسف فإن مدينة القدس، سقطت عام 1967 بيد الصهاينة؟.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة