ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الأولى
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
الإهـــــــــــداء:
إلى إخوتي ورفاقي الشهداء..
عثمان صالح سبي - إبراهيم سلطان - ولد آب ولد ماريام - محمود حسب - سعيد صالح
- ولد داويد - إبراهيم عافه - علي حنطي - محمود إبراهيم شكيني - هيلة كرزة - عبدالقادر رمضان - علي محمد إبراهيم - إبراهيم تولدي - حمد صالح حمد- محمود محمد صالح.
إلى السبعين ألف شهيد الذين قدموا دماءهم لأرضهم وشعبهم من أجل تحقيق هدفهم ألا وهو الحرية والاستقلال.
إلى إخوتي ورفاقي الأحياء..
صالح أحمد أياي - محمد عمر يحيى - أحمد محمد ناصر - عبدالله إدريس - خليفة عثمان - حامد تركي صالح - محمد أحمد عبده - حروي تدلابايرو - حامد محمود - الدكتور هبتي تسفا ماريام - آدم صالح - آمنة ملكين - حسن كنتباي - طه ياسين - هيلا إسكادوم - تسفاي تخلة - أحمد صويرة - يوهنس زرءماريام - محمد سعيد ناود - محمد علي عمارو - اسبروم منقستآب - إبراهيم محمد علي - يوسف يرهانو - حمد كلو - إبراهيم منتاي - عمر برج - عثمان دندن.
إلى الشعب الارتيري الأمين الذي عشت معه طيلة ثلاثين عاماً.
إلى الشعب الذي زرع حبوب القمح في تربته لتنمو سنابل الحياة.
إلى كل من شدَّ أزري وأعانني أهديه كتابي هذا أحمد عبد الفتاح أبو سعدة
مقــــــــــــــــدمة:
عندما أعود بذاكرتي قليلاً إلى الوراء. إلى الظلم. من سجن وعذابٍ وفقر وجوع أجد نفسي على حق في انضمامي.إلى هؤلاء الوطنيين من البشر.
بت لا أخاف شيئاً مطلقاً.
الإنسان للإنسان، كنت هكذا وسأبقى ما حييت. مكان إقامتي وسط أشجار الدوم والتاوي، هنا يسود صمت جامد. وأصمت أنا أيضاً، ومن حلال صمتي هذا، كنت ـ أنظر إلى قمم الجبال. هذه القمم المبهرة لعين كل إنسان حر، هذه القمم التي أثرت بي لدرجة أنها أجبرت أفكاري على الانطلاق من حجمها.
لوحدي هنا ودون أحد؟
أنظر إلى السهول والوديان والأنهار، وأنا صامت. ومن خلال صمتي كنت أصحو على خيوط الشمس الملونة، عندها يلمع في نفسي بريق الحرية يصحبه أمل ينير هدفي.
لما أتيت من وطني الحبيب؟! هل استفزتني نفسي لأقاتل من أجل الإنسان؟ نعم أتيتُ من أجل الإنسان المقهور.الإنسان الذي أعطاني القوة لأستمر في هدفي حتى النهاية، وهدفي حرية الإنسان العربي بل الإنسان أينما وجد. أتيتمن أجل الشرارة التي انطلقت في عقلي وقلبي.
ناضلت، قاتلت، اضطهدت، من أجل الإنسان الذي حاولوا أن يجعلوا منه ظالماً ومظلوماً.رأيت تراب الأرض مصبوغاً بدماء النساء والأطفال والشيوخ الذين سالت دماءهم من أجل ذنب اقترفوه، ذنب هو حب الوطن وحريته، هذا هو إيماني بالإنسان..
هذا هو إيماني بالشعب الإرتري الذي أعطى لأرضه حريتها ولوطنه استقلاله، فكنت معه.
أحمد عبد الفتاح أبو سعدة - دمشق
الفصل الأول:
ذكـريات في حياة الإنسان ذكريات لا تنسى. وصور لا تموت. ولعل من أحب هذه الذكريات أن يطل المتذكر على نفسه، مت خلال سجن الماضي، فيرى نفسه، كما تطل غيمة على نهر فترى خيالها فيه.
و مما يثير الفرح، والأسى معاً، أن يرجع المرء إلى الأمس ويسترجع ذكرياته وخاصة إذا كان لتلك الذكريات طابع "مصيري" طابع "نضالي" مع أصدقاء وأخوة كان اللقاء بهم والتعرف عليهم الثمرة الحقيقية في الحياة.
التقينا في المساء، حول القائد إبراهيم سلطان، كان يجلس وحوله،المناضلون والنار مشتعلة، وسماء سوداء لا قمر يسطع ولا نجوم تتلألأ فيها.
أخذ الشباب والشابات، يؤدون رقصة وطنية، والنيران ترافقهم برقصتها، وكأنها عروس تراقصهم، فرحةً سعيدة. الطبول تُدقُ بقوة، والأغاني ترتفع في نغم وطني أرتري جميل.كنت أفهم المعنى، من خلال بعض الكلمات، التي تعلمّتها من الأخوة الثوار.
شعرت بالاندماج فيها، شعرت برباطٍ قوي،يشدني إلى هؤلاء الأخوة. لم أُدهش حينما رأيت كثيراً من المناضلين يتجهون إلى حلبة الرقص. ونهضت معهم، وأخذوا ينشدون بصوت قوي، قوي مدوٍ، وعلائم الرجولة على وجوههم، تدل على الصبر والصمود، والتفاؤل بالنصر.
كانوا يردّدون، أغنيتهم المحببة لديهم:
"الليلة ليلة كوريه (1)، ويا شباب سوريا
الليلة ليلة كوريه، ويا شباب سوريا..."الخ
نظرت حولي فوجدت كل من كان موجوداً، يبتسم في رضى وسعادة. كانوا يردّدون كلمات الأغنية، في حماس منقطع النظير.
إن مشاركتي في الحفل أبعدت عني الشعور بالغربة. بل أزالتها تماماً من داخلي. وأخذت أتجاذب معهم أطراف الحديث. بكل ود وصراحة. فتارة أصفّق مثلهم، وتارة أردّد كلمات الأغنية، ومرة أرقص، ثم أعود وأجلس، بين أخوتي وأهلي الجدد.
التفت إليّ أحد الأخوة وقال لي:
إن كلامك اليوم، كان بسيطاً سهلاً لا يتعب الرأس.
أجبته: شكراً يا محمود، الحقيقة إنني أشعر إني بين أهلي وأصدقائي.
أما سعيد فكان يقترب مني ويمد يده ويقول: انهض. سوف ترقص اليوم، الرقص الأفريقي.
ومن جهة أخرى تمتد يدٌ لتناولني سيفاً.
بدأتُ أضرب الأرض بقدمّي وأصرخ صرخات، لا أعلم ما هي والسيف مشرعٌ، إلى الأعلى، أهزّه يُسرةً ويمنةً، وأمامي صبية أرخت شعرها الأسود الفاحم، إنها صبية المرتفعات الجميلة، تهتز أمامي كأوتار العود، ويهتز قلبي أمام عينيها السوداوين. لقد طلع القمر وأضيئت السماء، وانعكس النور على الجميع، وأنا أهزّ السيف، وأتلاعب به، وهي تهز جسدها، وتتمايل لي مع صوت الربابة، فأقفز على قرع الطبول...
خارت قواي، وجلست ألهث، وجاء صاحب السيف، والتقطه مني، وأنا أستعيد أنفاسي. وبدأ يقفز كالغزال والكانيش تنظر إليَّ، كانت عيناها تقول لي، هل تتعب الرجال؟!.
نعم لقد انقطع نفسي! ونظرت إليها، (رفقاً بي يا ذات الشعر الطويل)، ألا تكفي سهام عينيك، ألم ترِ كيف كان القاطع، يهتز في يدي؟
لا يهمك يا أخ سعيد:قد أبقى عندكم لأعيش معكم، في بلادكم وإلى الأبد..
وتمر السنوات، وأصارع عبر الأيام والشهور، الجبال والوديان وأقدامي تغوص، في رمال الصحراء وعينا تلك الصبية تملأ كياني كله.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة