هاشم محمود... كاتب وطن... مهاجر زاده الكتابة

بقلم الصحفي الأستاذ: صلاح الدين حسين - الملحق الثقافي صحيفة ارتريا الحديثة

شهدت الساحة الأدبية العربية في السنوات الأخيرة تزايدا في أعداد الكتاب الإرتريين الذين رفدوها

مجمل الأعمال الإبداعية للروائي هاشم محمود

بعدد لا بأس به من الروايات الإرترية المكتوبة بلغة الضاد، ولعل أغزرهم إنتاجا وأعمقهم توغلا في الخصوصية الإرترية هو الروائي الشاب هاشم محمود المقيم في دولة قطر والذي وصل إنتاجه الأدبي في فترة وجيزة الي ستة إصدارات تنوعت بين الرواية والمجموعات القصصية وكلها أعمال ارترية بحتة تناقش مشاكل وقضايا وطنية ملحة وتسلط الضوء علي جغرافيا وتاريخ الثورة الإرترية.

هاشم محمود ارتري مفتون بوطنه حد الجنون، جنون الكتابة التي أزاحت الغبار عن الكثير من مفاصل الثورة الإرترية التي كانت توصف بالثورة المنسية، عمل علي ذلك عبر لغة روائية سلسلة وسهلة إستخدم فيها لغة عربية وسطية مفهومة للعامة والنخبة قدم فيها وطنه للعالم العربي في صورة رائعة، وسجل ملاحظاته علي الأحداث الوطنية والتاريخية التي مرت بها ارتريا للأجيال القادمة من خلال سرد أدبي دون الخوض في الوثائقية.

بداياته الأدبية كانت في مطلع عام 2017 عبر روايته "الطريق الي أدال" في رمزية ثنائية بين إنطلاقة الثورة الإرترية من قمة جبل أدال وتدشين إنطلاقته الأدبية، ولم يذهب بعيدا فتلاها برواية "فجر أيلول" لتأتي مواصلة لسرد بدايات ثورة شعب أعزل للفكاك من براثن عدو مغتصب، وماصاحب ذلك من عذابات ومعاناة صاحبت مسيرة تلك الثورة المذهلة التي سجلت تاريخا لامثيل له بين الثورات العالمية. لذلك من الطبيعي أن تتخلل الروايتان بكثرة عبارات لجوء، شتات، هجرة، قتال، إستشهاد، مجازر، نصر، وهي عبارات إستصحبتها الثورة في يومياتها.

وصل الكاتب هاشم محمود قمة عطائه الأدبي عبر المتواليتين "شتاء اسمرا" و "عطر البارود" وفيهما عمل الكاتب علي إكساب الإستقلال الذي تحقق صيغة أدبية مستشرفا فيهما الطريق والمستقبل الوضاء للوطن، دون إغفال للتضحيات التي قُدمت والمنعرجات التي تم خوضها للوصول، وذلك عبر الشخوص والأمكنة التي تمكن القارئ العربي من معرفة ارتريا من علي البعد، وتجعله يعيش تفاصيلها المنسية. حفل العملان بحكايات الحب الذي يولد في المخيمات والآمال والآلام والحزن والإستقلال والعودة الي الوطن في متلازمات قصد منها الكاتب الإيحاء بأن هناك ضوءا في آخر النفق وأن النصر آت لامحالة.

وقد أكسب الكاتب رويته "عطر البارود" غرائبية العنوان في الجمع بين الكلمتين، حيث العطر الذي يشير للجمال، والبارود الذي يشير للموت والدمار، ورغم الأحداث المحزنة في هذا العمل الإ أن بصيص الأمل كان حاضرا في تفاصيل الرواية، وكان للبارود عطره في ارتريا، ولكنه عطر مضمخ بالموت والمعاناة والشتات، ومن جهة اخري ملئ بمعاني البطولة والإستشهاد ونكران الذات في بوتقة الثورة التي سطرت تاريخا ناصعا كللته بالحرية والإستقلال، فالبارود هو المفتاح الأخير لأي قضية منسية كما يقول الكاتب. وقد فازت هذه الرواية بائزة الأوسكار من قبل شبكة اعلام اللغة العربية في القاهرة كأفضل رواية عربية طبعت باللغة العربية للعام 2019، وهو شرف وتميز لكل كاتب ارتري.

اما كتابه (مسافر زاده الكرة) فقد خاض به الكاتب هاشم محمود مسارا جديدا في كتاباته، حيث يسلط فيه الضوء علي مسيرة اللاعب المصري محمد صلاح المحترف في نادي ليفربول الإنجليزي العريق بلغة أدبية محترفة، وفي تجربة متفردة، حيث أنه أول كاتب عربي يسجل تاريخ اللاعب المصري الذي بلغ شأنا عظيما في تاريخ المستديرة علي المستوي العالمي.

خاض الكاتب هاشم محمود مجال الترجمة لأعماله الأدبية، حيث تمت ترجمة أعماله الي مختلف اللغات، كانت أولاها رواية (عطر البارود) التي قام الكاتب صديقي أحمد الصمادي بترجمتها الي الإنجليزية عبر دار إبن رشيق للنشر في المملكة الأردنية الهاشمية، ثم الي اللغة الفارسية عبر الدكتور عاطي عبيات.

تلاها ترجمة المجموعة القصصية (شتاء اسمرا) الي اللغة التجرينية، ثم الي اللغة الماليمالية بواسطة جامعة كاليكوت كيرالا في الهند، كأول كاتب ارتري تترجم أعماله الي الفارسية والماليمالية، وقد لعبت هذه الترجمات دورا كبيرا في تعريف قارئ تلك المجتمعات بالأدب والثقافة الارترية وهو ماكان غائبا في الماضي. كما قدمت رسالة ماجستير عن أعماله عبر (شتاء أسمرا) في كلية فاروق بجامعة كاليكوت كيرالا الهندية. وقد شاركت إصداراته في العديد من معارض الكتب العربية مثل معرض الشارقة والدوحة والإسكندرية والرياض ووجدت قبولا واسعا من القارئ العربي الظامئ لسبر أغوار الثقافة والأدب الإرتري الذي هو جزء من المحيط العربي الكبير.

للكاتب الإرتري هاشم محمود عدة إصدارات أخري مثل (الإنتحار علي أنغام الموسيقي)، ومسيرته التي بدأت مؤخرا ملئ بالكثير من المفاجآت التي تجعل من الأدب الأسمر يبوح بتجارب متفردة من الشرق الأفريقي الزاخر بالتنوع الثقافي والأدبي.

Top
X

Right Click

No Right Click