بعد قرنح الأدب الأسمر يبوح بتجربة جديدة من الشرق الإفريقي
بقلم الأستاذ: مفرح سرحان - كاتب صحافي وروائي وشاعر ونائب رئس تحرير الأهرام المسائي المصدر: عزة برس
هل خرج الأدب الإفريقي أخيرا من دائرة التهميش التي عانى منها - كما القارة الإفريقية ذاتها - لعقود طويلة؟
ربما لا يحتمل هذا التساؤل الآن سوى الإجابة بنعم، لاسيما في ظل الحدث الأكبر على الساحة الأدبية العالمية الذي توج فيه الأديب التنزاني عبدالرزاق قرنح بجائزة نوبل في الأدب، وما أعقبه من تسليط للأضواء على الأدب الإفريقي وبالتبعية معاناة الشعوب الإفريقية من الحقب الاستعمارية وخطايا الرجل الأبيض في حق القارة السمراء.
فوز قرنح بنوبل، لا شك، جعل الأدب الإفريقي في دائرة الضوء العالمية، وحمل دلالات عدة تشير إلى أن القوة الناعمة في القارة السمراء خرجت من دائرة التهميش وضربت بقوة صلبة في المشهد الثقافي العالمي، لكن في الوقت ذاته لا يجب أن ننسى ما سبقته وتزامنت معه وستلحق به، من محاولات كثيرة حملت طابعا فرديا - في أغلبها - من كتاب أفارقة تمردوا على محلية ذلك الأدب، وشقوا طريقا صعبا إلى مشارف العالمية بجهود ذاتية مضنية لم تحظ برعاية حكومية أو مؤسسية.
من الشرق الإفريقي، جاء صوت واعد عرفته الساحة الأدبية منذ سنوات قليلة، لكنه استطاع أن يتفوق على نفسه ويقهر الظروف المجحفة التي يعيشها هو بنو جلدته، ويكتب حقبة جديدة من الأمل بمداد الكلمات التي نوعها في منتوجات أدبية بشرت منذ بواكير ظهورها بميلاد أديب يشق الصخر من أجل أن يلفت أنظار الجميع إليه.
إنه الأديب الأريتري هاشم محمود حسن، الذي سجلت مسيرته الأدبية خلال الأشهر القليلة الماضية علامات فارقة ومضيئة في صفحة الأدب الإفريقي بشكل عام، والمكتوب منه باللغة العربية بشكل خاص، هذه العلامات التي حملت في عنوانها لفظة ”الأول“ التي قال هاشم محمود إنه يسعى منذ بدأ رحلته في عالم الأدب إلى أن يحوزها.
فبعد النجاحات التي حققتها مؤلفاته في معارض الكتب بالعواصم العربية، وما شهدته الصحف والساحات الثقافية من قراءات وندوات للتعريف بأدب هذا الكاتب الإريتري، انتبهت دور نشر غير عربية إلى ضرورة ترجمة أعماله إلى لغات بلادها للاستفادة من هذا الزخم وإطلاع أهل هذه اللغات على مكون أصيل ومتنوع وثري من مكونات الثقافة الإفريقية في بلد - كإريتريا - لا يزال يبوح بالكثير من كنوزه الإبداعية.
يعنيني هنا في محاولات الإريتري هاشم محمود للخروج من دائرة المحلية، التركيز على ثلاثة أحداث:
الحدث الأول: هو ترجمة رواية هاشم محمود المعنونة بـ ”عطر البارود“، إلى اللغة الإنجليزية عن دار ابن رشيق بالأردن، وكذلك إلى اللغة الفارسية بعد أن تحمس لترجمتها المثقف الإيراني الكبير عاطي عبيات، ليصدرها عن دار ”قهوة للنشر“ بالأهواز، هذه الرواية التي أحدثت زخما منذ صدور طبعتها الأولى في القاهرة مرورا بنفاد طبعاتها المتكررة بمعارض الكتب الدولية في كل من مصر والسعودية والسودان وعمان والإمارات والبحرين، عودة إلى القاهرة التي حصدت فيها جائزة أفضل رواية إفريقية.
والمتأمل لتعليق هاشم محمود نفسه على ترجمة روايته إلى الفارسية عندما قال كان حلمي ولا يزال أن اأرى اسم وطني في كل محفل يجلب الفخر، وفي كل مقام يرفع الذكر.. لا أشعر بمجد ذاتي، فاسم ”إريتريا يفوق الذاتي إلى العالمي، وعلمها إذ يرفرف فإنه يحمل أرواحنا جميعا إلى عنان المجد وشرف الانتماء.. شكرا لمن نقلنا إلى لغات أخرى وعوالم جديدة، وشكرا لوطني الملهم دائما“، سيدرك هدف الكاتب من سعيه الدؤوب إلى وضع أدب بلاده ومن ثم الأدب الإفريقي في منزلة تليق به، هربا من عصور الإقصاء والتهميش في أتون الصراعات السياسية والظروف المعيشية الصعبة التي يكتب فيها أدباء هذا الجزء من إفريقيا.
أما الحدث الثاني: فهو ترجمة المجموعة القصصية ”شتاء أسمرا“ إلى اللغة المليالمية بالهند، حيق أقدم الدكتور محمد بن عابد بن عبدالرحمن الأستاذ المساعد بكلية فاروق بجامعة كاليكوت بالهند على ترجمة المجموعة القصصية ”شتاء أسمرا“ إلى المليالمية ضمن ستة أعمال أخرى تنتمي لبلدان عربية مختلفة، وعندما سألت المترجم: لماذا اخترت هاشم محمود بالذات في قائمة الأعمال الستة؟
قال لي: عمل ذو قيمة أدبية عالية تستوجب نقلها إلى لغتنا لتكون فرصة للتواصل بين الثقافات وامتداد الجسور بين الشعوب، وإطلاع الشعب الهندي على المنتوج المتميز للأعمال المكتوبة باللغة العربية، أضف إلى ذلك ما أحدثه ذلك الأديب - هاشم محمود - من حالة أدبية متميزة على مدار سنوات قليلة”.
بينما يمثل الحدث الثالث في مسيرة هاشم محمود تتويجا يليق بإبداعه، وخطوة ستكون انطلاقة لخطوات متسارعة في سبيل انتشار الأدب الإريتري إلى آفاق أكثر رحابة وعوالم أكثر اتساعا، هذا الحدث يتجسد في إجازة قسم اللغة العربية بكلية روضة العلوم العربية بجامعة كاليكوت - كيرالا الهندية، اختيار مشروع البحث المقدم من الطالبة سنا نجاة، ليكون موضوع رسالتها دراسة نقدية تتناول أعمال الروائي الإريتري هاشم محمود، لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها.
بين سطور هذه الأحداث التي أشرت إليها مسبقا، هناك تفاصيل ومشاهد كثيرة من مقالات نقدية وقراءات متفردة وندوات ثقافية (واقعية وافتراضية) في عموم القطر العربي وعلى منتديات مواقع التواصل الاجتماعي تتناول أدب هاشم محمود وتتعرف على إريتريا بعين كاتب واع مثقف وطني، ولا أحسب كل تلك الخطوات سوى انطلاقة لما هو أبعد، لاسيما وأن هاشم محمود لا يني يفاجئنا بين الحين والآخر بمولود جديد من بنات أفكاره الخصبة دائما، ولا شك أن الأدب الأسمر سيكون هو الرابح دائما والمحلق بلا نصب في سماوات الإبداع ليقول للعالم بأسره: ”إفريقيا ولادة للإبداع، وقناصة للجوائز“.. وللحديث بقية.
التعليقات
فعلا وبلا أدنى شك أن إفريقيا ولادة للإبداع وقناصة للجوائز..
نكون قد تأخرنا نوعا ما ولكن كما جاء في المقولة الشهيرة:
أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي قط ...!!
والجايات أكثر من الرايحات وبكرة أحلى