حرب الجياع - الحلقة الواحد والثلاثون

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

الوضع السياسي الاثيوبي بعد استلام الجبهة الشعبية لقومية "التجراي" السلطة.

حرب الجياع 2

إن الشيء المقابل للسياسة الارترية هو، "سياسة اثيوبيا"، فسياسة القيادة الاثيوبية "التجراي" ممثلة في رئيس وزرائها "ملس الزيناوي" هي نفس السياسة الارترية في البداية. فالتوجه واحد والمنهج واحد والسعي لإقامة الدولة الواحدة "تجراي تجرينيا" هو الهدف الأخير لسياسة ونهج الشعبيتين، إلا أن الخلاف دب بينهم ووقع الفأس بالرأس والأسباب كثيرة كما يقول المتتبعين والمراقبين والمحللين السياسيين. لكن هناك حقيقة واحدة علينا أن نعرفها ونفهمها جيداً وهي سبب الخلاف وهذه الحقيقة هي (من سيحكم من). الشقيق الأكبر، أم الأصغر وبمعنى أوضح من سيحكم دولة "تجراي تجرينيا".

لنلقي نظرة متأنية وهادئة على ما نطرحه عبر الآتي:

إن سياسة اثيوبيا بعد الخلاف مع ارتريا شكلت نموذجاً مخالفاً لارتريا شكلاً ومضموناً، لقد وضع دستور عام 1995 أسس قيام فدرالية عرقية متقدمة، هذه الفدرالية تتيح قيام دويلات صغيرة ضمن الدولة الاثيوبية الكبرى، هذه الصيغة المخالفة للتاريخ السياسي الاثيوبي، أدت إلى رفض ومقاتلة الجبهة الشعبية لتحرير تجراي الحاكمة والتي تشكل أراضيها "عشر مجموع الأراضي الاثيوبية من قبل حركات وتنظيمات مبعدة عن الحكم وذات طابع "عرقي" و"لغوي"، مختلفين تماماً عن القومية التجراوية. ومن بين هذه التنظيمات تنظيم قومية الأمهرا التي ينتمي إليها الرئيس السابق "منغستوهيلامريام" والتي كانت قد رفضت سابقاً التحدث عن موضوع "إقامة فيدرالية" في اثيوبيا لا من قريب ولا من بعيد، وهي التي قاتلت الثوار الارتريين طيلة "30" عام ثم قاتلت ثوار الأورمو والجبهة الشعبية لتحرير تجراي. إن الأمهرا هم الرافضين لفكرة "الفيدرالية" بين شعوب اثيوبيا لم يستفيقوا بعد من صدمة "خسارة ارتريا".

بدأ الانكماش الذاتي يكبر ويتفاقم بين القوميات العديدة وكذلك بدا صراع صامت في أوساط الجبهة الشعبية لتحرير تجراي الحاكمة. وتحرك الرئيس "ملس الزينادي" لتخفيف حدة هذا الصراع أو بالأحرى إنهائه وخاصة مع المتطرفين التجراويين الذين لا يكنون أي ولاء لارتريا ونظامها، عجز الرئيس الزيناوي عن ضبط الأمور، فأبعد هؤلاء المتطرفين إلى منطقتهم ثم تركهم يديرون شؤون منطقتهم بأنفسهم وبالإضافة لهذا الخلاف السياسي هناك التعارض المالي الاقتصادي. فأحلام القيادة الارترية الاقتصادية المالية هي "إسرائيل" حيث يوجد رأس المال الكبير وكذلك الإنتاج الكمي والقوي الضخم لكل متطلبات الحياة المدنية والعسكرية.

إذن إسرائيل آمال وأحلام القيادة الارترية، أما أحلام القيادة الاثيوبية فهي لا تختلف كثيراً في الجوهر، فارتباطها الحالي بالدولة العبرية الشيء الوحيد الباقي من العهد الإمبراطوري المباد. ونظرة سريعة على اقتصادها تعطينا الدلالة على ماهية العقيدة الاثيوبية، من حيث الرقابة على صرف العملات والاستثمارات المتنوعة الأشكال والمساعدات الخارجية والمفتوحة الاتجاهات. وإذا وقفنا أمام هاتين النقطتين نجد نظرتين مختلفتين للواقع الميداني المشترك والقائم على بنى تحتية مدمرة وعلى نسيج اجتماعي متعدد قوامه عمال وفلاحين يعيشون تحت خط الفقر بدرجات عديدة.

في تشرين الثاني من عام 1997 قامت الحكومة الارترية باستبدال العملة المشتركة بينها وبين اثيوبيا "البر" وأدخلت العملة الوطنية "النقفة" فوراً في عمليات الشراء والبيع وعلى المستوى المحلي والخارجي، هذا التصرف المالي أدى إلى زعزعة التكامل الاقتصادي بين البلدين.

ففي عام 1991 وعند دخول قوات الجبهتين إلى كل من العاصمتين أديس أبابا واسمرا، كانا قد اتفقا على إقامة تبادل تجاري بينهما، بعد أيام. تلتها أشهر وسنوات كانت العلاقات الارترية الاثيوبية تشهد عمليات تطور مستمر فقد وقع البلدين عدة اتفاقات نذكر منها المهم:-

1. الدفاع المشترك.

2. التعاون الأمني المطلق.

3. الاحتفاظ بالجنسية المزدوجة.

4. التبادل التجاري.

5. تنقل الأفراد بحرية تامة.

وبقيت الأمور تمشي على وتيرة أن البلدين شقيقين لا يمكن الفصل بينهما وترجم هذا كله بالتعاون مع إسرائيل ورفع العصا على الثقافة والنهج العربي..

فجأة اختفت وحدة النقد بين البلدين وظهرت "الحدود" بينهما وخاصة في منطقة "التجراي" في اثيوبيا وحماسين وما جاورها من ارتريا، هنا أصبحت اثيوبيا تبحث عن "الدولار" كعملة أساسية لمبادلاتها التجارية، ثم الدفع بالدولار الأمريكي إلى الحكومة الارترية من أجل دخول بضائعها من مينائي عصب ومصوع، ثم زادت الحكومة الارترية من تعرفة الاستيراد عبر موانئها. ومن هنا نستطيع أن نقول أن مناخاً استفزازياً نشأ بين البلدين.

تحرك رئيس وزراء اثيوبيا "ملس الزيناوي"، ليقف بوجه هذا الاستفزاز ويزيل عنه تهمة مهادنة ارتريا وتدليلها على حساب اثيوبيا.

روى لي أحد المقربين جداً من الرئيس أفورقي وممن كانوا يعملون معه وعبر الهاتف من مدينة الرياض السعودية ما يلي:-

(اتصل ملس الزيناوي باسياس أفورقي عبر الهاتف ثم اتفقا أن يلتقيا على الحدود ليناقشوا الخلاف القائم بنيهما).

اجتمعا الرئيسين.

قال الرئيس "زيناوي" للرئيس "أفورقي" لقد اتفقنا ورتبنا معاً المسائل المتعلقة بوحدة البلدين اقتصادياً وسياسياً فما هو هذا التصرف الشائن أيها الشقيق ؟!

رد الرئيس "أفورقي" على شقيقه؟ "ملس الزيناوي": لقد اتفقنا على أكثر من وحدة البلدين اقتصادياً وسياسياً، اتفقنا على وحدة كل من ينطق بلغتنا الوطنية الرسمية (التجرينية).

يجيب الرئيس "الزيناوي" محتداً سنفعل كل ما اتفقنا عليه لكن يلزمني بعض الوقت، وأنت تتعجل أموراً هامة وبغاية الدقة، عليك الانتظار يا شقيقي.

وانتهى الاجتماع بجملة عليك الانتظار؟!

الفصـل السابع:

• الحليف الأساسي.
• الخبراء في السنغال.
• الخبراء الأمريكان في كمبالا.
• ردود فعل متباينة.
• المشروع الأمريكي.
• الحرب الاثيوبية الارترية.
• جيبوتي.
• ميزان القوى في اثيوبيا.
• ميزان القوى في ارتريا.
• بداية الحرب
الاقتصاد الاثيوبي.
الاقتصاد الارتري.

الحليف الأساسي:

ارتريا اليوم تعتبر الحليف الأساسي والرئيسي لإسرائيل في منطقة القرن الإفريقي وامتداداً للحلف بين يوغندا وراوندا والكنغو الذي يخيم بظلاله على إفريقيا. وبالتالي يعزز الانقسام بين دول الجنوب ووسط القارة الإفريقية، وذلك عبر مساعدة ومساندة لوران كابيلا سابقاً وابنه لاحقاً. إن هذا التأييد بني على أسس قبلية، فقد تبنت رواندا وأوغندا قبائل التوتسي التي تنحدر في الأصل من أصول سامية.

بينما أيدت معظم دول جنوب القارة الإفريقية قبائل البانتو والتي تشكل 70% من مجموع السكان وهذه قبائل تنحدر من أصول زنجية بل إن هناك أكثر من 200 قبيلة إفريقية لها امتداد في سبع دول إفريقية وتزداد المخاوف يوماً بعد يوم خوفاً من انفجار صراع قبلي بين هذه الدول السبع، عندها تتفجر القارة بأكملها ولو اشتعلت الحرب واتسعت بين هذه القبائل التي تساندها كل من أوغندا ورواندا ويتم تحريكها في الظلام من قبل إسرائيل التي تعتبر "التوتسي" نموذجاً مصغراً للكيان الصهيوني في إفريقيا كذلك هو الحال في نظرة إسرائيل إلى الدولة الارترية في القرن الإفريقي. فالشبه في إنشاء دولة للتوتسي تكون مشابهة لارتريا ومؤجرة للكيان الصهيوني، تحركها متى تشاء وتخمدها عندما تشاء.

تعتبر قبائل التوتسي كياناً مصغراً مماثلاً لها في إفريقيا ولذلك تقدم لها كل أنواع الدعم والمساندة عندما كانت في المعارضة ولا تبخل عليها بأي نوع من السلاح. وإن جسور الصلة بين قبائل التوتسي وبين الأمريكان، كانت من صنع إسرائيل. فالولايات المتحدة وحسب مشورة حكام إسرائيل كان عليها أن تأخذ دور الفرنسيين الذين كنسوا من منطقة البحيرات العظمى.

وبهذا أصبحت القوى التوتسية مدعومة من إسرائيل وأمريكا ويقود قبائل التوتسي بول كاجامي والذي لا يخفي مع قبائله العلاقة المميزة مع إسرائيل وقد أعلن بول كاجامي في أكثر من مناسبة وبكل صراحة افتخاره بالكيان الصهيوني، أنه يعمل ويخطط لتحويل روانده إلى إسرائيل إفريقيا. وتبرز هنا الدور الذي لعبته وأرادت أن تلعبه دولة راونده هذه الدولة الصغيرة المكبرة من قبل إسرائيل وأمريكا حيث طرحت أول مبادرة مشتركة لها مع أمريكا لحل الصراع الحدودي الاثيوبي الارتري، هذه المبادرة كان وراءها حلف يوغندا، هذا الحلف الذي يعتبر أحد الأبواب الرئيسية للدولة العبرية إلى كل من شرق ووسط إفريقيا فقادة التوتسي يتباهون بعلاقاتهم بإسرائيل ويعتبرونها نموذجاً فريداً يسعون ليكونوا مثله.؟ وهذا ما جمعهم بالنظام الارتري الذي يعتبر إسرائيل نموذجاً يحتذى به وخاصة من خلال توسعه ومحاولة ضم جزر وأراضي الغير. فالتدخلات الأمريكية في كثير من الدول الإفريقية تعتبر محاولة إيجاد مكان لها بعد خروج دول الاستعمار التقليدي من القارة السمراء بعد أن تحررت معظم دول القارة.

وهنا بدأت الولايات المتحدة تضع المخططات وترسل أذرعتها هنا وهناك عابثة باعثة حجم وشكل جديد للوجود الاستعماري الأمريكي. فعكفت على إعداد لمرحلة التدخل الفعلي للقوات الإفريقية والتي تكونت من مجموعة دول إفريقية وهذه الدول هي:-

1. يوغندا.

2. الكونغو.

3. السنغال.

4. روانده.

وتشكل من هذه الدول فرقة عسكرية ضمت 10.000 جندي أعطيت تسمية لها وخاصة بها قوة حماية المدنيين ثم تقرر بعدها إدخال ستة دول أخرى منها اثنتان في شرق إفريقيا واحدة في شمال إفريقيا ودولتين في وسط إفريقيا ودولة واحدة من دول غرب إفريقيا. وقد مهد لذلك بلقاءات جرت في أمريكا بين الولايات المتحدة وعدد من حكام دول المنطقة لأجل تحديد مواقع الأحداث والأزمات، وبالفعل وصل خبراء عسكريون أمريكيون وإسرائيليون إلى هذه الدول وكان نصيب دولة ارتريا الخبراء الإسرائيليين وتحت ستار وغطاء الخبراء الزراعيين.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click