حرب الجياع - الحلقة الثامنة والعشرون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
ث) مشروع القرار العراقي:
ويوصي بانتخاب جمعية وطنية ارترية تمثل شعب ارتريا تمثيلاً صحيحاً ثم تبين هذه الجمعية
ما إذا كانت ارتريا يجب أن تدخل في شكل من أشكال الاتحاد الفيدرالي مع اثيوبيا تحت التاج الاثيوبي، أو أن تصبح دولة مستقلة ذات سيادة مع منح اثيوبيا منفذاً مناسباً إلى البحر.
ج) مشروع قرار مشترك للمجموعة الأمريكية:
تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية وبوليفيا والبرازيل وبورما وكندا والدانمارك والاكوادور واليونان وتركيا وليبيريا والمكسيك وبنما وبرغواي وبيرو، بمشروع توصي فيه بإقامة اتحاد فيدرالي بين ارتريا واثيوبيا تحت سيادة التاج الاثيوبي على أن تسبق ذلك فترة انتقال لاتتجاوز 1952/9/15 ويتم خلالها تنظيم جمعية وطنية ودستور وحكومة ارترية بمساعدة مندوب يختار من قبل الجمعية العامة، وخبراء يختارون من قبل السكرتير العام للأمم المتحدة.
إقرار المشروع المقدم من الولايات المتحدة:
في 1950/11/24 تم إقرار مشروع المجموعة الأمريكية بأغلبية 38 صوتاً ضد 14 صوتاً وامتناع 8 أصوات عن الإقتراع، وفي 1950/12/2 وتحت مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار الفيدرالي بأغلبية 46 صوتاً ضد 10 أصوات وامتناع 4 أصوات وصدر القرار في نفس التاريخ تحت رقم 390/1/15.
وهكذا ضمت ارتريا قسراً إلى اثيوبيا وأنزل العلم البريطاني في يوم 1952/9/15 عن سماء ارتريا إعلاناً بانتهاء الحكم البريطاني في ارتريا الذي استمر من عام 1941 إلى 1952 ليحل محله العلم الاثيوبي.. وبذلك أصبح الشعب الارتري وجهاً لوجه مع أخر عقبة تقف أمام تقدمه وكرامته الوطنية، ولتمتحن صلابة إرادته الخيرة وقوة عزيمته من جديد.
الكفاح المسلح:
بعد فشل التجربة الفدرالية التي خاضها الشعب الارتري والجهود السلمية التي بذلت للحد من التدخلات الاثيوبية السافرة لم يكن من مخرج أمام الشعب الارتري للاحتفاظ بشخصيته وكيانه المتميز غير اللجوء إلى القيام بعمل أكثر حزماً لمواجهة الاستعمار الاثيوبي المباشر للوطن الارتري.
حركة تحرير ارتريا:
نشأت حركة تحرير ارتريا في عام 1958 لتنظيم الشعب الارتري وتوعيته لنيل الاستقلال. إلا أن الحركة أبطأت في تبني الكفاح المسلح الارتري ثم أخفقت في إيجاد مستلزماته الضرورية باعتباره وسيلة وحيدة لتحقيق النصر على المستعمر الاثيوبي.
ميلاد جبهة التحرير:
في عام 1959 وصلا إلى القاهرة الزعيمين إدريس محمد آدم رئيس البرلمان الارتري وإبراهيم سلطان علي سكرتير حزب الرابطة الإسلامية المنادي باستقلال ارتريا وطلب حق اللجوء السياسي واستجابت الحكومة المصرية لطلبهما.
في القاهرة وفي مقر اتحاد الطلبة الارتري قام الزعيمين بشرح أسباب لجوئهما إلى مصر وقالا إن لجوءهما قد تم باتفاق وتفاهم القوى الوطنية في داخل البلاد وخارجها كي يتسنى الاتصال بحكومات الدول العربية الشقيقة وإطلاعهم على الأوضاع السائدة في ارتريا وطلب المشورة والمعونة منها.
وبعد نقاش مستفيض مع الطلبة تم عقد اجتماع ضم عدداً من الوطنين أذكر منهم:-
• القاضي/ محمد صالح حمد ،
• سعيد حسين ،
• المعلم/ عثمان صالح سبي ،
• سيد أحمد محمد هاشم ،
• إدريس محمد آدم ،
• إبراهيم سلطان علي ،
وتم تكوين جبهة التحرير الارترية كي تقود كفاحاً مسلحاً ضد الاحتلال الاثيوبي في ارتريا.
وكان ذلك يوم 29 آب من عام 1960 وتم عقد أول اجتماع تأسيسي في القاهرة في نفس الشهر والعام.
الشيخ محمود والكفاح المسلح:
• أجرت جبهة التحرير عدة اتصالات مع عدد من الوطنين الارتريين داخل البلاد.
• تم التركيز على المنطقة الغربية في ارتريا لأسباب مهمة وأساسية.
• استجاب الشيخ محمد بن داوود بن سيدنا مصطفى وهو من أبناء المنطقة الغربية ومن أسرة دينية عريقة.
• وفي منتصف عام 1961 قام الشيخ محمد بإعداد وتنظيم اجتماعاً سرياً في منطقة بركة.
• حضر هذا الاجتماع 160 شخصاً منهم أبو الثورة الشهيد حامد إدريس عواتي.
• قرر المجتمعون تلبية دعوة جبهة التحرير وإعلان الثورة المسلحة ضد الاحتلال الاثيوبي.
حامد إدريس عواتي:
في الأول من أيلول عام 1961 انطلقت الرصاصة الأولى معلنة بداية الكفاح المسلح ضد المحتلين الاثيوبيين بقيادة حامد إدريس عواتي.
في يوم 29 أيلول وقعت أول معركة بين الثوار الذين يبلغ عددهم 18 ثائراً خمسة منهم يحملون البنادق الإيطالية القديمة والباقي يحملون السيوف والعصي.
وقعت المعركة بين الثوار الثمانية عشر والجيش الاثيوبي المكون من مئتي جندي نظامي مدججين بأحدث الأسلحة والعتاد.
صرخ الضباط الاثيوبي على الثائر عواتي قائلاً لا تهرب يا عواتي فالرجال تثبت في المعركة ولا تهرب يا عواتي.
لم يجبه عواتي ولم يخرج من مكانه إلا أن الذي خرج كان رصاصة من البندقية القديمة التي يحملها عواتي.
صرخ الضابط الاثيوبي وسقط على الأرض مضرجاً بدمائه إلى أن فارق الحياة وبدأت المعركة الغير متكافئة بدأت معركة مريرة تم فيها أسر المقاتل "بيرق أحمد"، حيث أعدمته السلطات الاثيوبية فكان أول أسير وشهيد في الثورة ثم تتالت المعارك الغير متكافئة.
شــهر آذار:
في شهر آذار من عام 1962 التحق بالقائد عواتي عدداً من ضباط الصف الذي استقالوا من الجيش السوداني تاركين وراءهم أسرهم لينضموا إلى إخوانهم ثوار جبهة التحرير حاملين معهم ما تسير من سلاح وعتاد وأهم ما حملوه معهم كان علمهم علم ارتريا الذي أنزلته اثيوبيا عام 1955 بعد أن دونوا عليه جملة جبهة التحرير الارترية باللغة العربية.
وكان في مقدمة هؤلاء الثوار عمر حامد أزاز ومحمد إدريس حاد ومعهم كل من محمد عمر عبدالله "ابو طيارة" وعثمان أبو شنب وآدم محمد حامد قندفل و جمع آدم وعمر دامر.
ثم قام الشيخ المسن حامد حمد فأهداهم ثلاثة بنادق إيطالية قديمة وخمسة قنابل.
اشتد عود الثورة بتضحيات المناضلين ذو التوجه والثقافة العربية. إن الدعم الكبير الذي جاء من الدول العربية كان تعبيراً عن هويتها العربية التي كانت تلوح من توجه مفجر الثورة ورفاقه.
إن الحضور في الثورة الارترية كان دوماً لأهل التوجه العربي.
إن أطر الثورة السياسية وأبعادها الاجتماعية ضمن تركيبة المجتمع الارتري والتي يقال عنها إنها نقيض بعضها البعض؟ إن التعقيب على ذلك لا بد له من شرح بعض الأهداف للثورة الارترية وذلك حسب ما يلي:-
أ) إن جبهة التحرير الارترية رائدة الكفاح السياسي والعسكري، لها قناعاتها بالتعدد الثقافي للمجتمع الارتري الذي هو واحد في كل الأحيان، بل هو دافع قوي للنضال من أجل الاستقلال والحرية وإقامة دولة مستقلة وطنية.
ب) إن غالبية قيادي جبهة التحرير الارتري هم عرب وكذلك ثقافتهم، وقد حاول البعض منهم أن يطرح تعدد ثقافي غير عربي، فكانت النتيجة أن استغل هذا الطرح وعمل فيه مما أوقع جبهة التحرير الارترية في مطب لم تخرج منه إلا مفتتة مجزئة. لقد كان المطلوب من قيادي جبهة التحرير الارترية أن يعمقوا نهوض الثقافة العربية بكل زخمها وخاصة أن الدول العربية كانت داعمة بشكل قوي وفعال لها، بدلاً من طرح نهوض ثوري مغلف بخط ماركسي يدعو إلى القضاء على كل ما هو بالي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. هذه الرؤية التي تبناها عدد من قادة الجبهة كانت الحفرة تعد لهم إلى أن أتى اليوم الذي دفنوا فيه مع تنظيمهم الوطني وهو جبهة التحرير الارترية.
ت) إن قسماً من الذين يسمون أنفسهم أهل التوجه العربي انزلقوا وقبلوا باطروحات الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا الحاكمة المعادية والرافضة للفكر والثقافة وللإنسان العربي وتوجهاته الثقافية، وذلك تحت شعار وحدة التوجه الثقافي التجريني.
ث) إن القنبلة الزمنية الشعبية ستنفجر في وقت قريب لأن فتيلها أشعلته بعض أيادي قيادة الجبهة الشعبية.
ج) إن التعصب للغة التجرينية ومحاولة إبعاد اللغة العربية وذلك بإحياء اللهجات الكثيرة والمتعددة سوف يولد تمرداً. وإن التنظيمات العربية والوطنية على الساحة الارترية مؤهلة ومنها من يحمل السلاح ويقاتل به ويتعب النظام الحاكم، وهي التي سوف تسقطه.
إن التوجه والثقافة العربية التي تحملها هذه التنظيمات التي تعمل بكل إيمان وثقة سيملكها مفاتيح المستقبل. إن الانتماء العربي الذي غيب بفعل عدة عوامل قد عادوا انتماء الإنسان إلى أرضه وثقافته وإن غيب بفعل فاعل فلا بد أنه عائد وخاصة أن هناك تواصلاً ثقافياً عربياً يربط بين هذه التنظيمات والأمة العربية.
إننا نجد اليوم إحساساً بوحدة المصير المشترك وخاصة أن الهوية الوطنية المؤمنة لا تحتاج إلى شهادة غفران فهي الأصالة في اللغة والتوجه والانتماء.
إذن من المسؤول الذي سيتحمل تبعية المجابهة القائمة الآن والتي تكبر وتتعاظم يوماً بعد يوم، إنه التنظيم المجاهد والتنظيمات الوطنية الأخرى، وهي التي يجب أن تتحمل لتضع ارتريا في مكانها الطبيعي بين أشقائها العرب.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة