حرب الجياع - الحلقة السابعة والعشرون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
ارتريا والدولة الفيدرالية:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945/5/8عقد الثلاثة الكبار - ترومان - ستالين - تشرشل،
اجتماعاً في بوتسدام بتاريخ 1945/7/17 وتقرر في هذا اللقاء إنشاء مجلس وزراء خارجية من الدول الخمس الكبرى وذلك لتكليفه بتحضير مشروعات لمعاهدات الصلح مع الدول المعادية ومن بينها إيطاليا.
بتاريخ 1947/2/10 تم التوقيع على معاهدات الصلح في باريس بين الدول الإحدى والعشرين، وهي الدول الخمس الكبرى، والدول التي ساهمت في الحرب العالمية بقوات كبيرة. وبين الدول المعادية. كذلك صدر في نفس التاريخ تصريح عن الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا وأمريكا وقد الحق بالمعاهدة الإيطالية تحت رقم 11.
نصت المادة 23 من معاهدة الصلح مع إيطاليا، وتأكد ذلك أيضاً في الملحق رقم م11 على تنازلها عن كل حق أو سند في مستعمراتها الإفريقية وهي ليبيا ـ ارتريا ـ الصومال، ووضعها تحت الإدارة الحالية المؤقتة. أما بالنسبة لاثيوبيا التي كانت هي الأخرى تحت الاستعمار الإيطالي لعدة سنوات فلم تواجه أية صعوبات من جانب الحلفاء. حيث عاد الإمبراطور هيلاسلاسي إلى بلاده في حماية قوات الحلفاء في عام 1941 وسعت بريطانيا منذ البداية إلى ظهور دولة اثيوبية توسعية؟.
وفي 1947/10/20 تشكلت لجنة رباعية من قبل نواب وزراء خارجية الدول الأربع الكبرى لزيارة المستعمرات الإيطالية من أجل الحصول على معلومات تتعلق برغبات السكان والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يحفظ صالح السلام والأمن العالمي بوجه عام.
وفي 1947/11/12 باشرت اللجنة نشاطاتها في ارتريا وغادرتها في 1948/1/3 وعكس تقرير اللجنة الرباعية فيما يخص ارتريا طبيعة ونشاطات الحكومة الاثيوبية والإدارة البريطانية وكذلك الجالية الارترية.
ظهر خلاف حاد في اللجنة الرباعية بين وجهة نظر الجانب الأمريكي والبريطاني من جهة وبين وجهة نظر الجانب السوفيتي والفرنسي من جهة أخرى. وبالرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة الاثيوبية لحسم استطلاعات اللجنة الرباعية لمصلحتها إلا أن النتيجة كانت مخيبة لها، فلجأت إلى منظمة الاندنيت السرية لترجيح كفة الحزب الاتحادي، من خلال النشاطات الإرهابية وعمليات الاغتيالات الواسعة بين صفوف المواطنين المقيمين في ارتريا، وحملهم على تأييد المخططات الاثيوبية.
وعندما عرض تقرير اللجنة الرباعية على مؤتمر وزارة الخارجية بباريس في أيلول سبتمبر 1948 تباينت وجهات نظر الوفود الممثلة لبريطانيا وأمريكا وفرنسا والاتحاد السوفيتي بين المطالبة بوضع ارتريا تحت الإدارة الاثيوبية المؤقتة مع الاستعانة بمجلس استشاري يضم جميع الأطراف المعنية أو تقسيمها وإعطاء الجزء الجنوبي إلى اثيوبيا مع تأجيل البت في الجزء الباقي أو وضعه تحت الوصاية الإيطالية. أو بوضع جميع أراضي ارتريا تحت الوصاية الجماعية للأمم المتحدة.
إن تضارب مصالح الدول الكبرى وصعوبة التوفيق بين مقترحاتها كان سبباً مباشراً للعودة ببحث مستقبل المستعمرات الإيطالية داخل أروقة الأمم المتحدة. وكانت مواقف الدول الأربع الكبرى بالنسبة لارتريا متفاوتة، بين من يطالب بمنحها الاستقلال أو تقسيمها أو استقطاع جزء منها لصالح اثيوبيا أو وضعها تحت الوصاية الإيطالية أو وصاية الأمم المتحدة.
مواقف بعض الدول:
ومن بين الجهات الرسمية التي اهتمت بمستقبل ارتريا حكومات مصر واثيوبيا وإيطاليا فسعت كل منها لإبداء رأيها بشأن تقرير مستقبلها، وتم إشراكها في المناقشات المتعلقة بها منذ البداية بوصفها من الدول المعنية بالأمر.
وكانت الحكومة المصرية قد تقدمت في مؤتمرات لندن وباريس ونيويورك قبل إحالة القضية الارترية إلى الأمم المتحدة، بمذكرات توضح فيها مصالحها الحيوية في مصوع وطالبت بجميع الأراضي الارترية.. وكان الهدف من هذا الإجراء الضغط على الحكومة الاثيوبية وجعلها أكثر ميلاً للتفاهم مع الحكومة المصرية.
وهكذا كانت مواقف حكومة الملك فاروق تشكل الحلقة الضعيفة في مجمل مواقف الدول العربية أنذاك إزاء القضية الارترية.
مناقشات الأحزاب الارترية في اللجنة السياسية بالجمعية العامة للأمم المتحدة:
1. رأي الرابطة الإسلامية:
أثناء مرور وفد الرابطة الإسلامية برئاسة أمينها العام السيد/ إبراهيم سلطان علي في طريقه إلى الأمم المتحدة، توقف في القاهرة لفترة أجرى خلالها مباحثات مع أمين الجامعة العربية عبدالرحمن عزام وطالبه بحثّ دول الجامعة العربية في المنظمة الدولية لتأييدها حق الشعب الارتري في نيل استقلاله الوطني.
وفي 1949/4/20 أدلى السيد/ إبراهيم سلطان علي ببيانه أمام اللجنة التأسيسية بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد جاء فيه أن الرابطة الإسلامية تدافع عن مصالح أغلبية الشعب الارتري وتطالب باستقلال ارتريا.. والذين أعربوا عن رغبتهم للانضمام إلى اثيوبيا هم أقلية ضئيلة فقط.
2. رأي الحزب الموالي لإيطاليا:
ثم تحدث أمام اللجنة رئيس الحزب الموالي لإيطاليا والمدعو بلاته محمد عبد الله.
قال المدعو بلاته: إن حزبه يمثل المسلمين والمسيحيين من الشعب الارتري ولا يوجد فيه إيطالي واحد.. ويبلغ عدد أعضاءه 400 ألف. وإن حزبه يرغب في منح ارتريا الاستقلال بعد فترة من الوصاية الإيطالية لخدمة قضية العدالة والحضارة لأن البلاد غير مؤهلة لنيل الاستقلال الفوري في الوقت الحالي.
3. رأي الرابطة الإيطالية الارترية:
وفي 1949/5/3 استمعت اللجنة السياسية إلى ممثل الرابطة الإيطالية الارترية فلبوكشياني الذي قال:
إن رابطته تطالب بحرية ارتريا واستقلالها، وإنه يؤيد وضع ارتريا تحت الوصاية الإيطالية كخطوة على طريق الاستقلال، ثم أوضح أن التعاون النشيط والوثيق سيكون مع اثيوبيا.
4. رأي الحزب الاتحادي:
ثم أدلى السيد/ تدلابايرو سكرتير عام الحزب الاتحادي حزب الوحدة الارترية الاثيوبية ببيانه أمام اللجنة السياسية بالجمعية العامة بتاريخ 1949/10/10.
قال السيد/ بايرو: إن حزبه الداعي للوحدة الارترية الاثيوبية ينادي بهذا منذ تكوينه في 1941/5/5، وله صحيفة تصدر باسم اثيوبيا ويقارب عدد أعضاءه زهاء 700 ألف شخص.
ثم أضاف السيد/ بايرو قوله: إن الأحزاب الأخرى التي ترفض الوحدة مع اثيوبيا هي أحزاب مأجورة.. وأخيراً ختم بيانه بقوله: /إن سكان الهضبة الوسطى قد قرروا الاتحاد مع اثيوبيا ويؤيد هذا نسبة كبيرة من السكان تصل إلى 96%.؟
5. فشل تقسيم ارتريا:
توصل وزيرا خارجية بريطانيا وإيطاليا إلى اتفاقية عرفت باتفاقية بيفن ـ سفورزا وهما اسما الوزيرين المذكورين، توصلا إلى تفاهم بشأن تقسيم ارتريا واثيوبيا والسودان الإنكليزي؟ وكانت هناك مشروعات أخرى وتقدمت بها عدد من الدول وبعض تلك المشروعات كان يتضمن نفس الأفكار التي وردت في المشروع البريطاني والبعض الأخر كان ينادي بوضع جميع المستعمرات الإيطالية تحت الوصاية الجماعية للأمم المتحدة. وكانت هناك بعض الدول التي كانت تصر على استقلال ارتريا كالمملكة العربية السعودية ولبنان والأرجنتين وباكستان ويوغسلافيا والصين وفنزويلا والاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا.
وكان هناك مشروع قرار عراقي يدعو إلى إرسال لجنة دولية خماسية للتحقق من الرغبات الحقيقية لسكان ارتريا إزاء مستقبل بلادهم السياسي.
6. فشل المشروع البريطاني وبقي الوضع الارتري على حاله.
7. بعثة الأمم المتحدة إلى ارتريا.
في الدورة الرابعة للأمم المتحدة، اقترحت الباكستان منح ارتريا استقلالها بعد ثلاث سنوات مع إعطاء اثيوبيا منفذاً إلى البحر عن طريق عصب.
وكان هناك مشروع أمريكي جديد يدعو إلى تقسيم ارتريا بين اثيوبيا والسودان لإنكليزي المصري.
وفي 1949/11/15 تقدمت اللجنة السياسية بالأمم المتحدة بمشروع قرارها النهائي إلى الجمعية العامة الذي أوصت فيه باستقلال ليبيا في موعد أقصاه 1952/1/1. وأوصت كذلك باستقلال الصومال الإيطالي بعد عشر سنوات.. أما بالنسبة لارتريا فقد نص مشروع القرار على إرسال لجنة خماسية تكون مهمتها التأكد من رغبات الشعب الارتري.
وفي 1949/11/21 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار اللجنة السياسية الأنف الذكر.
وقبل وصول اللجنة الخماسية خاف الارتريين دعاة الاتحاد مع اثيوبيا من قرار الأمم المتحدة فنشطت منظمة الاندنيت الإرهابية وزرعت القتل بين صفوف المناضلين الارتريين من زعماء وأعضاء الأحزاب الوطنية في الكتلة الاستقلالية.
أبدى معظم سكان غرب ارتريا الرغبة في عدم الوحدة مع اثيوبيا.
استطلاعات لجنة التحقيق:
وفي الفترة من 1950/2/14لغاية 1950/4/6 قامت اللجنة الخماسية باتصالاتها مع الأحزاب السياسية والمنظمات والهيئات الثقافية والمهنية والتجارية الارترية إلى جانب ما قامت به من اتصالات مع سلطات الإدارة البريطانية، وكذلك استمعت اللجنة إلى وجهات نظر الجهات التي اعتبرت معنية بقضية ارتريا وهي حكومات اثيوبيا ومصر وإيطاليا وفرنسا.
وجدت اللجنة الأحزاب السياسية التالية ممثلة لثلاث اتجاهات مختلفة في نظرتها لمستقبل ارتريا وهي:-
1- أحزاب الكتلة الاستقلالية ويمثلها:
الرابطة الإسلامية، الحزب التقدمي الحر، حزب ارتريا الجديدة، الجمعية الارترية الإيطالية، حزب المحاربين القدماء، حزب ارتريا المستقلة. وقد حصرت هذه الأحزاب هدفها في المطالبة بالاستقلال الكامل لارتريا ورفضت أية تجزئة لها وكونت لهذه الغاية الكتلة الاستقلالية مع الاحتفاظ بشخصيتها القديمة.
2. أحزاب الانضمام إلى اثيوبيا:
حزب الاتحاد الحر، حزب ارتريا المستقلة المتحدة مع اثيوبيا، حزب الرابطة الإسلامية المستقلة، مصوع.
3. الأحزاب المطالبة باستقلال الإقليم الغربي لارتريا:
بعد فترة وصاية بريطانية ويمثلها فقط الرابطة الإسلامية للمديرية الغربية.
4. رأي اللجنة الخماسية:
من الملاحظ أن دعوة الاتحاد مع اثيوبيا، كانت تتمتع بتأييد السلطات البريطانية، ويضاف إلى ذلك عامل الإرهاب الديني الذي مارسه رئيس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية، الأمر الذي تأكد للجنة من خلال الشكوى التي تقدم بها عدد من القسيسين والرهبان بشأن حرمانهم من حقوقهم الدينية ما لم يذعنوا لأراء حزب الاتحاد هذا إلى جانب الإرهاب السياسي لعصابات "الاندنيت".
من هنا فإن المعتقد السياسي لمعظم المواطنين الذين يؤيدون الاتحاد مع اثيوبيا لا يمكن أن ينظر إليه إلا بالشك والارتياب.
أما بشأن الرابطة الإسلامية المستقلة للمديرية الغربية والتي نادت بانفصال الإقليم الغربي من ارتريا، فقد أوضحت اللجنة أن هذا الحزب الانقسامي له تأييد ضئيل جداً في نطاق المديرية الغربية.
ثم تابعت اللجنة قولها: إنه بالرغم من وجود بعض العلاقات لسكان الهضبة الارترية مع إقليم تجراي المجاور إلا أن المرتفعات والمنخفضات الارترية مع بعضها تشكل وحدة اقتصادية لا تتجزأ لذلك فإن وحدة القطر الارتري ضرورة حتمية من أجل احراز رفاهية السكان وسعادتهم، وإن أي حل للمشكلة الارترية ينبغي أن ينظر إليها كقضية واحدة وأن يستهدف وحدة إرتريا.
ونبهت اللجنة في تقريرها المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن الادعاء القائل بفقر ارتريا وعجزها الاقتصادي لا يستند على فهم صحيح للواقع الارتري و إن الحل الأفضل لمستقبل ارتريا هو الاستقلال وإن غالبية كبيرة من السكان تعارض ربط ارتريا باثيوبيا، وتطالب بالاستقلال.
وجهات نظر اللجنة الخماسية:
في الحقيقة إن وجهات نظر أعضاء اللجنة الخماسية لم تكن متفقة كلها بشأن مستقبل القضية الارترية. وما أوردناه يعبر عن وجهة النظر المشتركة لوفدي الباكستان وجواتيمالا في اللجنة الخماسية، أما بقية أعضاء اللجنة فكانت مواقفهم منسجمة مع وجهة النظر الاثيوبية والإنكليزية.
وفي حزيران يونيه 1950 تقدمت اللجنة الخماسية بتقريرها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة متضمناً لمقترحاتها في مذكرتين منفصلتين بشأن حل القضية الارترية.
5. مقترحات لجنة التحقيق الخماسية:-
1) اقترح مندوب الباكستان وجواتيمالا: أن تصبح ارتريا في إطار حدودها الحالية دولة مستقلة ذات سيادة بعد عشر سنوات من الوصاية الدولية وإشراف الأمم المتحدة المباشر على إدارتها.. كذلك تعقد اتفاقيات اقتصادية بين ارتريا واثيوبيا بهدف تسهيل حركة التجارة وإيجاد وحدة اقتصادية بين القطرين مستقبلاً.
2) اقتراح مندوب جنوب إفريقيا وبورما: تصبح ارتريا وحدة ذات استقلال سياسي في نطاق اتحاد فيدرالي مع اثيوبيا تحت سيادة التاج الاثيوبي.
3) اقتراح مندوب النرويج: لم يختلف اقتراح مندوب النرويج عن مندوب جنوب إفريقيا وبورما من حيث الدعوة إلى اتحاد ارتريا مع اثيوبيا غير أنه أصر على أن يظل الإقليم الغربي من ارتريا تحت الإدارة البريطانية لفترة محددة ليقر بعد ذلك سكان الإقليم طلب الوحدة مع اثيوبيا والسودان.
4) اختيار الجمعية العامة للاتحاد الفيدرالي بين اثيوبيا وارتريا: في أيلول سبتمبر 1950 افتتحت الدورة الخامسة للجمعية العامة للأمم المتحدة وعرض أمامها تقرير لجنة التحقيق الخماسية. ثم تقدمت الوفود المختلفة بمشروعات قراراتها في ضوء دراسة تقرير لجنة التحقيق الخماسية وكان من بينها مشروعات القرارات التالية:-
أ) مشروع القرار السوفيتي: يوصي المشروع السوفيتي بمنح ارتريا الاستقلال الفوري، وأن تنسحب القوات البريطانية منها. وأن تتنازل ارتريا عن جزء من أراضيها ليكون ممر لاثيوبيا إلى البحر عن طريق عصب.
ب) مشروع القرار البولندي: ويوصي بمنح ارتريا استقلالها بعد ثلاث سنوات، تحكم خلالها بواسطة مجلس يضم ثلاثة أعضاء إرتريين وطنيان ومستوطن أوربي واحد وعضو إثيوبي وعضوان من الأقطار العربية.
ت) مشروع القرار الباكستاني: ويـوصي بأن تكون ارتريا دولة مستقلة ذات سيادة في موعد لا يتجاوز 1953/1/1مع تعيين مندوب من الأمم المتحدة ومجلس لمعاونته في تكوين جمعية وطنية ودستور وإقامة حكومة ارترية مستقلة.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة