حرب الجياع - الحلقة السادسة والعشرون

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

الحكام الاثيوبيين:

إن هؤلاء الحكام قضوا على الكيانات المستقلة للقوميات المختلفة التي لا تزال ترزخ

حرب الجياع 2

تحت سيطرتهم فالدعم البرتغالي الاستعماري الذي حصلوا عليه عام 1542م وكذلك الدعم البريطاني عام 1868 ولغاية عام 1952 وكذلك الدعم الروسي في عام 1885 والإيطالي عام 1888 وكذلك دعم الحملة الفرنسية والبريطانية والإيطالية عام 1916 وأخيراً الدعم الأمريكي الإسرائيلي الكبير. كل هذا الدعم وهذه المساعدات استخدمت في قهر واستعباد الشعوب والقوميات وإرغامها على البقاء تحت اسم اثيوبيا الكبرى.

هل الخطر العربي يتجلى في قيام القيادات الثورية الوطنية ببيع أراضي ارتريا إلى العرب كما قال وتخيل حكام اثيوبيا والمتحدين معها؟ هذا الادعاء الاثيوبي لا يوجد إلا في مخيلة المدعي. إن أقوال كهذه ترمي إلى تقويض الصلات الأبدية والمبدئية التي تربط الشعب الارتري بالأمة العربية وعزلها عنه.

إن واقع الصلات العضوية والثقافية والتاريخية والحضارية والسياسية للشعب الارتري بالأمة العربية ليس انتحالاً لواقع غير موجود. فرغم ادعاءات ودعايات اثيوبيا المغرضة والمضللة، والترابط الاستعماري الاثيوبي مع قوى الاستعمار العالمية والصهيونية كل ذلك لن يغير شيئاً في حقيقة رسوخ روابط الشعب الارتري بالأمة العربية. كما أن هذا الانتماء العربي ليس قاصراً على الشعب الارتري بل إن بعض القوميات الرئيسية في المجتمع الاثيوبي هي الأخرى ليست ببعيدة عن الصلات العديدة التي تربطها بالأمة العربية وذلك بشهادة التاريخ البشري للمنطقة.

إن الدعم العربي كان وما زال ينبع من تلك الاعتبارات التي حتمت وتحتم على مساندة الشعوب المقهورة وخاصة العربية، وتأييد حقها الطبيعي في الحياة الكريمة فضلا عن مقتضيات واجب الوفاء نحو هذه الشعوب ومنها الشعب الارتري، واستجابة لروابط الأخوة والمصير المشترك للشعب الارتري مع أماني وتطلعات الأمة العربية.

أول حركة وطنية سياسية في العصر الحديث:

في عام 1938 نشأ سراً أول تجمع وطني يضم المسلمين والمسيحيين، واتخذ من العاصمة أسمرا مقراً له. وكانت زعامة هذا التجمع تتألف من عدد متساوٍ من المسلمين والمسيحيين وهم اثنا عشر شخصاً. وأطلقوا على تجمعهم اسم جمعية حب الوطن أو محبر فقري هقر باللغة التجرينية.

نجحت الجمعية بالرغم من البداية الصعبة لها، في تطوير نشاطاتها وتقديم خدماتها إلى المواطنين دون تمييز فيما بينهم. وقد سعت الجمعية إلى إلغاء الحواجز المصطنعة بين الارتريين. أكل مؤسسو الجمعية وليمتين، أحدهما في بيت مسلم والأخرى في بيت مسيحي، وذلك كممارسة عملية من أعضاء الجمعية لمحاربة التفرقة بين المسلمين والمسيحيين، حسب التقاليد المتبعة أنذاك.

واصلت جمعية حب الوطن نضالها الوطني في مقاومة المخططات الاستعمارية والتوعية حتى اضطرت الإدارة البريطانية إلى الاعتراف بها.

برز نشاط الجمعية بشكل فعال في عام 1943.

كان من منجزاتها إلغاء قانون التمييز العنصري الذي كان مفروضاً من قبل الاستعمار الإيطالي.

كانت أهداف الجمعية البعيدة ترمي إلى المحافظة على وحدة ارتريا والعمل لنيل الاستقلال التام، إلا أن هذا الأمر لم يكن بالأمر السهل. فمؤامرات اثيوبيا وبريطانيا ومن ورائهما أمريكا والصهيونية كانت تحاك باستمرار لتقويض وحدة وطموحات مؤسسي جمعية حب الوطن الارترية.

التدخل الاثيوبي:

في عام 1943 أوعزت الحكومة الاثيوبية إلى وزير خارجيتها لورينسو تأززا و اسفهاولد ميكائيل وآخرين للعمل على شراء الذمم وممارسة مختلف الوسائل لاحتواء جمعية حب الوطن وحرف مسارها، فأصبحت الجمعية تدعو للانضمام إلى اثيوبيا واصبح شعارها اثيوبيا أو الموت.

تصدى لهذه المؤامرة الاثيوبية، عدد من الزعماء الوطنيين أبرزهم عبد القادر كيبري و إبراهيم سلطان علي و حقوص إبره.

تأسيس الأحزاب الارترية:

بعد تدخل اثيوبيا في جمعية حب الوطن واحتوائها من قبل العناصر الموالية لها، لم يكن بد أمام العناصر الوطنية الارترية من مسلمين ومسيحيين إلا أن تتجمع من جديد، وتوجد لنفسها تنظيمات جديدة فشكلت الأحزاب التالية:-

1. حزب الرابطة الإسلامية:

2. الحزب التقدمي الحر:

وهذين الحزبين عملا بصدق وشرف على وحدة واستقلال ارتريا. أما بقية الأحزاب الارترية فكانت موزعة بين من يتنكر لوحدة الشعب الارتري وشخصيته المستقلة وبين من يطالب بأشكال معينة للتبعية وهذه الأحزاب هي:-

1. حزب الوحدة الارترية الاثيوبية: تأسس في 1941/5/5، ورأسه السيد ندلابايرو سكرتيراً عاماً للحزب. الذي ينادي بالوحدة مع اثيوبيا دون أي شرط.

2. الرابطة الإسلاميةتأسست الرابطة الإسلامية في 1946/12/4، برئاسة السيد بابكر الميرغني وأصبح الشيخ إبراهيم سلطان علي سكرتيرها العام.

إن نشوء تنظيم الرابطة الإسلامية بشكل مستقل لم يكن بمعزل عن تخطيط وتفاهم مسبق مع الأحزاب الوطنية الأخرى، بمعنى أن القوى الوطنية من المسلمين والمسيحيين قررت في عام 1946 تأسيس حزبين مستقلين، نتيجة لخطة مشتركة تهدف إلى تكتيل واستقطاب المواطنين الارتريين ضد اثيوبيا وضد حزب اندينت العميل والموالي لها. وبناءً على هذا تأسس الحزبان وبشكل مستقل وهما حزب الرابطة الإسلامية وحزب الأحرار والتقدم أو الحزب التقدمي الحر ثم تشكل الحزبان مع أحزاب وطنية أخرى وتكون من جميعها فيما بعد الكتلة الاستقلالية أو سلفي ناطنت باللغة التجرينية، وحددت أهدافها باستقلال ارتريا التام مع احتفاظ كل حزب بكيانه المستقل.

3. الحزب التقدمي الحرتأسس الحزب التقدمي الحر بعد تأسيس الرابطة الإسلامية بفترة قصيرة، أي في فبراير شباط 1947.

4. الأحزاب الموالية:

أ) الحزب الموالي لإيطالياتأسس هذا الحزب في سبتمبر أيلول 1947، وكان هذا الحزب يطالب بالوصاية الإيطالية، وحجته أن البلاد غير مؤهلة لحكم نفسها بنفسها.

ب) رابطة المحاربين القدماءتأسست في إبريل نيسان1947 وكانت عضويتها قاصرة على الجنود الارتريين الذين خدموا تحت إمرة السلطات الإيطالية، وفي البداية كانت جمعية المحاربين تطالب بالوصاية الإيطالية.

ت) الرابطة الإيطالية الارتريةكانت عضويتها محصورة على قدماء الإيطاليين في ارتريا والمولودين فيها بالإضافة إلى الارتريين المرتبطين معهم بصلات زوجية. وكانت الجمعية تطالب بالوصاية الإيطالية وعند تعذر ذلك اشترطت نيل الاستقلال الفوري تحت حماية حكومة تختارها الدول الأربع الكبرى أو هيئة الأمم المتحدة.

الأحــزابكانت هناك أحزاب إيطالية تمارس نشاطاتها الحزبية بصفة رسمية وهذه الأحزاب هي:-

• الحزب الشيوعي ،
• الحزب الاشتراكي ،
• الحزب الليبرالي ،
• الحزب الجمهوري ،
• الحزب الديمقراطي المسيحي ،
• الحزب العمال الديمقراطي ،
• الحزب العمال الاشتراكي.

وكانت هذه الأحزاب جميعها تطالب بالوصاية الإيطالية على ارتريا مع عدم تجزئتها.

الفئات المنشقة:

في نيسان إبريل عام 1947 انشقت بعض العناصر الارترية عن الرابطة الإسلامية وأسست حزبا باسم الحزب الوطني الإسلامي ـ مصوع دعا هذا الحزب في برنامجه إلى وحدة ارتريا واستقلالها التام مع اشتراط الوصاية البريطانية لمدة عشر سنوات.

ارتريا والدولة الفيدرالية:

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945/5/8 عقد الثلاثة الكبار - ترومان - ستالين - تشرشل، اجتماعاً في بوتسدام بتاريخ 1945/7/17 وتقرر في هذا اللقاء إنشاء مجلس وزراء خارجية من الدول الخمس الكبرى وذلك لتكليفه بتحضير مشروعات لمعاهدات الصلح مع الدول المعادية ومن بينها إيطاليا.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click