حرب الجياع - الحلقة السادسة عشر
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
ـ هل كان صديقي الرائد يعلم أن ارتريا واثيوبيا حشدت 200000 مئتي ألف جندي من قواتهما
على مسافة لا تتجاوز 80 كم2 ثمانون كيلومتراً مربعاً، هذه المساحة الصغيرة كانت سبباً كبيراً في الخسائر بين جيشي الدولتين المتجاورتين.
ـ ما هي الخلاصة التي يخرج بها أي إنسان قاتل في هذه الحرب؟
ـ إنها حرب من الحروب التي فقد فيها الإنسان إنسانيته إنها حرب الرعيم؟!، حرب أدمت القلوب وشردت الألوف.
ـ فلنتساءَل لماذا هذه الحرب وما هي أهدافها وماذا تعني استمراريتها؟!
ومن هي الجهة المسؤولة عنها وعن ضحاياها من البشر؟.
إن الجبهة الشعبية الارترية، والجبهة الشعبية التجراوية وحّدتهم معركة مشتركة مع الأنظمة السابقة هيلاسلاسي ـ منغستو هيلامريام وحّدتهم هذه ومكنتهم من تحقيق حلمهم واوصلتهم إلى دفة الحكم حيث تقاسما النصر والحكم. لكنهما قررا إنهاء بعضهم البعض. فقد بادر النظام الارتري بإشعال الحرب. وهو الذي سبق أن فتح أبوابها، وأدخل بلاده في حرب مع السودان واليمن وفي مواجهات مع جيبوتي وأخيراً اثيوبيا.
إن تأثيرات الحرب العسكرية والمادية وصلت لأول مرة لأسماع النظام الارتري الذي بني قوته العسكرية معتمداً على إسرائيل وعلى منطق القوة الذي لقنته إياه الدولة العبرية.
رغم اندلاع الحرب في البداية في منطقة "بادمي" ورغم محاولات البحث عن الأسباب التي دفعت إلى اندلاع الحرب لم نجد ما يدفع إلى هذه الحرب سوى الزعامات والتنافس عليها ما بين أفورقي وقيادته والزيناوي وقيادته. هؤلاء الزعماء الذين دفعوا بفلذات أكبادهم وتسببوا في تعطيل مسيرة البناء في بلديهم هؤلاء "الزعماء" أو الزعيم الذي "نفخته" الدولة العبرية "فطق" وكانت النتيجة قيام حرب الجياع. وقد اعتقد كثير من المراقبين أن الحرب الحدودية بين البلدين قد انتهت باسترداد اثيوبيا منطقة "بادمي"، الارترية أصلاً.
لقد أقام النظام الحاكم في أسمرا دفاعات وتحصينات قوية جداً، اعتبر اختراقها من المستحيلات، أن استرداد المنطقة عسكرياً نوع من الجنون لأنه مستحيل للغاية، حسب بعض القياديين الارتريين، وحسب التصريحات التي كان يطلقها الرئيس "أفورقي" بين الحين والآخر كتصريحه الأخير، الذي قال فيه: إنه لن يخرج من "بادمي" حتى وإن أشرقت الشمس من الغرب؟ لقد عنىَ السيد الرئيس استحالة استرداد أديس أبابا لمنطقة "بادمي". رد القياديين الاثيوبيين على تصريح الرئيس أفورقي بأن أطلقوا على عملية استرداد "بادمي" اسم "عملية غروب الشمس". واشتعل فتيل الحرب وبقوة، ومن الحكمة القول: إن الشمس لم تشرق من الغرب كما قال السيد أفورقي بل نجحت العملية العسكرية التي أطلق عليها الاثيوبيون "غروب الشمس" واسترد الجيش الاثيوبية منطقة بادمي بأكملها.
استرد الاثيوبيين منطقة"بادمي" وانهزمت قوة الجبهة الشعبية العسكرية انهزاماً مريراً، رغم قول الحكومة الارترية بأنها انسحبت تكتيكياً؟…
بعد الهزيمة النكراء للعسكرية الشعبية الارترية عادت الحكومة تعدُّ العدة للقيام بعملية عسكرية خاطفة تسترد بها ماء وجهها، وتحافظ بها على المعادلة العسكرية بينها وبين الدولة الاثيوبية، وتؤكد لأمريكا وإسرائيل أنها الورقة الإقليمية الرابحة في المنطقة.
تمت العملية العسكرية الأولى والثانية والثالثة والرابعة لاستعادة "بادمي" لكنها باءت كلها بالفشل، ولم تسترد الحكومة الارترية "سنتيمتراً واحداً" من المنطقة بل تراجعت إلى الخلف أكثر.
بادمي:
تعتبر منطقة "بادمي" من المناطق الخصبة ويمر بها نهرين كبيرين، فالاثيوبيين يعتبرونها جزءاً من أراضيهم وكذلك الارتريين.
وتعتبر هذه المنطقة من أغنى مناطق الصمغ العربي، ومن أخصب الأراضي الصالحة للزراعة حيث يزرع السمسم فيها، كما يوجد بها مزارع للقطن، وتعتبر "بادمي" وحسب ادعاءات اثيوبيا المنطقة الوحيدة الصالحة للزراعة في إقليم "تجراي" المجاور لارتريا.
في الواقع كانت منطقة "بادمي" خالية من السكان في عام 1902، حيث كانت مجرد اسم يطلق على سهل تمر به الحدود والجدير ذكره أن "بادمي" تقع تحت السهل الداخلي الاثيوبي في امتداد منطقة من الأراضي المنخفضة شبه القاحلة تصل إلى غرب السودان وهي المنطقة الواقعة عند "القاش" و"سيتيت" لكن بمرور السنوات امتلأت هذه المنطقة بالفلاحين النازحين من السهول الداخلية الارترية والاثيوبية ومن قبيلة "الكوناما". وهذه القبيلة هي الأقدم عمراً في المنطقة وعندما قررت منظمة الأمم المتحدة ضم ارتريا عام 1952 إلى اثيوبيا فقدت الحدود معناها الجغرافي وفق معاهدة 1902 وخاصة عندما أقام زعيم مناطق "التجراي" "رأس منيغشا" مؤسسات زراعية في كلا الطرفين الارتري والاثيوبي، وبقيت المنطقة كاملة تحت الإدارة الاثيوبية ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه المنطقة مصدر خلافات عديدة رغم تمازج السكان من الارتريين والاثيوبيين.
نستطيع القول إن هذه الأراضي "مدموجة" مع الأراضي الارترية، وتحديداً مع أراضي قبيلة "الكوناما"( ) حيث أن أفراد هذه القبيلة لم يكونوا يقيمون اعتباراً للخط المرسوم في الخرائط وداخل السهل الذي كانوا يقيمون فيه. كما أن "التشويش" ساد أيضاً في القسم الوسط من الحدود منذ عام 1991 حيث لم تكن الشعبيتين تقيمان أي اعتبار للحدود بينهما على اعتبار أنهم يشكلون في الأصل وحدة أرضية لغوية واحدة.
إن القسم الغربي والأوسط من الحدود الارترية الاثيوبية تبقى واضحة المعالم في الخرائط التي وضعت في العهود الاستعمارية، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الحدود الشرقية أي على طول البحر الأحمر وهذه المنطقة تفصل ما بين أراضي "الدناكل" ومنطقة العفر( ) الاثيوبية.
إن الحدود الفاصلة بين الدولة الارترية الحديثة واثيوبيا معروفة لدى كل من رئيسي البلدين "زيناوي" و"أفورقي" وقد تجاهلا هذه الحدود عندما اتفقوا على إقامة دولة واحدة "تجراي تجرينيا" إلا أن التوأم انفصل عن بعضه بعملية قيصرية بسبب من سيحكم من؟
احتل الاثيوبيون منطقة "بدّا" حيث تمر حدود هذه المنطقة بمنطقة صغيرة وخصبة أيضاً كما تشرف على خليج "طيعو" وعلى منطقة "بوري" البحرية الواقعة على طريق مرفأ عصب الحيوي. فهل آن الأوان للشقيق الأكبر اثيوبيا، أن يكون له منفذ على العالم من خلال ميناء خاص به؟
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة