حرب الجياع - الحلقة الخامسة عشر
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
الفصــل الرابــع:
الحرب الاثيوبية الارترية:
- كيداني وبرهاني
- بادمي
- أصحاب الجمل
- بداية الحرب الأولى
- الأسباب التي أدت إلى انطلاق شرارة الحرب
- طلاق الطبقة الإثنية
- إثيوبية القديمة
ـ المساحة
ـ السكان
ـ عادات وتقاليد الشعوب الاثيوبية (الطعام ـ مائدة الشمس ـ السجن والمسجونين ـ قبور الاثيوبيين ـ شرائع اثيوبيا ـ لباسهم ـ أسلحتهم)
- اثيوبيا الحديثة
ـ أسرة زاجوي
ـ حكم الأسرة السليمانية
- شعوب اثيوبيا (الأورومو الأمهرا ـ العفر "الدناكل" ـ التجراويين ـ الجرارجي ـ السيدامو ـ بني شنقول ـ الصوماليين ـ هررجي ـ الولاتيا ـ الأنواك ـ الكونسو).
• مجموعة اللغات الاثيوبية
• مجموعة اللغة السامية ـ مجموعة اللغة الكوشية ـ مجموعة اللغة الأموتكية.
• الأقاليم الاثيوبية
• الملوك والرؤساء الذين تعاقبوا على اثيوبيا
• الأحزاب والحركات السياسية الحالية في اثيوبيا
• توزيع المقاعد النيابية في البرلمان المركزي الاثيوبي.
• ملاحظات ومعلومات.
كيداني وبرهاني: لن نخرج من بادمي حتى وإن أشرقت الشمس من الغرب "الرئيس أسياس أفورقي"
لو توقف القصف المدفعي والصاروخي، وانسحب الشقيقان المتقاتلان، لكانت جبهات القتال الارترية الاثيوبية توفر لنا مشهداً طبيعياً جميلاً.
على الخط الأول من جبهة القتال كان الضابط الارتري كيداني ومعه رفاقه وهم محاربون قدماء شاركوا في الحرب التي استمرت ثلاثين عاماً، وحققوا الاستقلال لبلدهم.
على الخط الثاني كان الضابط الاثيوبي برهاني ومعه جنود "تجراي" الذين أسقطوا نظام الرئيس منغستوهيلامريام.
إن أحد الأمور التي شوهت جمال الطبيعة هي التشكيلات العسكرية. فالنتوءات الصخرية والجبال المنحدرة والشديدة الوعورة وظلال أشجار "الأوكاليبنوس" التي توفر الحماية اللازمة لنمو أشجار الصمغ العربي"، تشكل مشهداً بالغ الروعة.
إلا أن الجنود الاثيوبيين والارتريين لم يكونوا مأخوذين بهذا المشهد الجميل. لقد استغل الطرفان هذه الأشجار والنتوءات الصخرية ليخفوا دباباتهم وآلياتهم المتنوعة الطراز في مواقع لا تبعد عن جبهات القتال الأمامية إلا حوالي عدة كيلومترات.
يرصد الطرفان بعضهما البعض، فالجنود المرافقون للضابط كيداني، أخفوا دباباتهم وغمروها بالوحل، كي يتفادوا لمعانها تحت نور الشمس، وكي لا يتعرضوا لمدفعية أعدائهم الذين كانوا حتى الأمس القريب أشقاء وأصدقاء.
كان برهاني في واحدةٍ من الدبابات اللواتي هاجمن العاصمة أديس أبابا عام 1991 واطحن بنظام الحكم القائم حينها.
كان كيداني يقود دبابة مماثلة لدبابة برهاني واشترك أيضاً في الإطاحة بنظام منغستو.
عاد كيداني إلى الجيش، جيش الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، كذلك عاد برهاني إلى جيش الجبهة الشعبية لتحرير تجراي.
هل على كيداني وبرهاني أن يقفا على الأرض ذاتها التي نزلوا منها وحاربوا جبهة تحرير ارتريا ذات الخط الوطني…؟!
الآن يقفان وجهاً لوجه، يقف الشقيقان ويستعدان ليقتل الواحد منهم شقيقه الآخر.
قال لي صديقي الضابط كيداني: (كنت ألمح دبابة إثيوبية متخفية وكانت تحت نيران مدفعي، لمرات عديدة أمرت الجندي القاذف أن يرميها ثم عدت وأصدرت أمراً آخر بالتوقف عن ضربها، كنت اشعر بأن هذه الدبابة هي لصديقي وشقيقي الضابط التجراوي برهاني الذي قاتلت وإياه سوية جيش منغستو هيلامريام قاتلت وإياه في دبابة واحدة.
فجأة أصيبت دبابتنا، قفزنا منها عندما أصيبت بنيران مدافع جيش منغستو فكيف لي الآن أن أحرق هذه الدبابة التي قد يكون برهاني بداخلها).
بدأ الهجوم الاثيوبي وبدا الضابط برهاني يطلق من مدفع دبابته حمم النار على الجنود الارتريين رد الضابط الارتري كيداني واشتبك الأخوة، أصيبت دبابة الضابط كيداني وقفز منها مع جنوده كذلك أصيبت دبابة الضابط برهاني لكنه لم يقفز منها كما فعل شقيقه كيداني فقد كانت إصابته قاتلة وتفحم جسد الضابط الاثيوبي مع جنوده واحترقت دباباتهم، أما كيداني فلم يصب بأي أذى، لكنه شعر بأنه فقد شيئاً من جسده ومن روحه.
تابع صديقي الرائد كيداني الذي التقيت به في أسمرا من شهر حزيران عام 2001:
تصور يا صديقي أحمد مئات الجثث يدفعها تيار نهر مرب أمامه ومئات أخرى من الجثث منتشرة على جانبيه على مد عينك تشاهد مئات من الجثث المتناثرة هنا وهناك كقطع اللحم بعض الجثث لم يبق منها إلا العظام. الرؤوس مفصولة عن الجسد، الأعضاء مقطعة متناثرة لا تستطيع أن ترى يا صديقي سوى العظام والجماجم، لقد تحولت اللحوم البشرية إلى غداء وعشاء وفطور للوحوش، كنا حوالي العشرين جندياً من أصل 1200 جندي أما الباقي فليرحمهم الله.
قلت للصديق الرائد كيداني والذي قابلني خفية بالعاصمة الارترية اسمرا.
يا صديقي؛ ما هي حقيقة الخلافات التي تسببت بهذه الحرب القذرة بينكم وبين اثيوبيا؟.
أجاب صديقي الرائد كيداني.
إنها من صنع رئيسنا؟!
هل من المعقول أن يتسبب رئيس في قتل شعبه ودمار بلاده؟
نعم.. إن المصلحة الذاتية والتعطش إلى الحكم يفعلان أكثر من ذلك؟!
وهل هناك أكثر من القتل والتدمير!
نعم البقاء والحفاظ على السلطة المطلقة.
هذا كلام عام فضفاض، أريد وقائع ملموسة.
إنه الوهم بعقيدة الزعامة التي أصيب بها الرئيس والذي يسعى لإنشاء إمبراطورية أو دولة على غرار دولة إسرائيل، وإلى الآن لم أجد سبباً أو مبرراً لما قام به أسياس سوى ما ذكرته لك، لقد أشعل نار الحرب عندما أراد، وعندما خسر أراد إطفاءها، هذه الحرب ستحرقه كما حرقت أولادنا وأهلنا، هذه الحرب التي أشعلها ستأتي بنهايته.
أريد أن أسألك يا أخ أحمد أين تعرفت علي؟
في مدينة كسلا السودانية.
طيب من اعتدى على السودان؟
معروف!
من اعتدى على أشقائنا في اليمن؟
أيضاً معروف.
من اعتدى على جيبوتي؟
معروف أيضاً.
من أدخلنا هذه الحرب الرئيس ؟!…
سرحت في خيالي وعدت بذاكرتي إلى مدينة كسلا( ) عندما التقيت بصديقي كيداني، إنه أصغر مني بالعمر كثيراً، لكن الألم والجرح والتعب في نفسه، أظهره على أنه أكبر مني بسنوات عديدة.
ازداد قلقي من حديث صديقي الرائد وشعرت أن الخلافات عميقة ما بين النظامين، لقد تجاوزت الحدود، وتحولت إلى حرب شاملة وبالتالي أصبحت صراع أنظمة، إن كل التفسيرات التي قيلت وحللت بشكل سطحي والتي تقول: إن الصراع بين النظامين ناتج عن تكهنات وجود معادن ثمينة في المثلث المتنازع عليه، وكانت إحدى الشركات الأمريكية هي التي تكهنت بوجود معادن في هذه المنطقة. ثم قالت شركة أمريكية أخرى بأن في المثلث المتنازع عليه بترول، لكن الحقيقة ليست المعادن ولا البترول، السبب الحقيقي للصراع بين نظامي اثيوبيا وارتريا، هو من سيحكم في الإمبراطورية التجرينية المزمع إقامتها؟
عاد صديقي كيداني ليقول:
(لقد سيطرت اثيوبيا على ساحات المعارك كافة، كنا نرى الطائرات العسكرية الاثيوبية تسبح في سماء بلادنا دون أن نستطيع فعل أي شيء لها، كنت من ضباط الفرقة 281 التي لم يبقَ منها سوى عشرين نفراً).
يسكت صديقي لبرهة ثم يتابع كلامه:
(العدد الأكبر من جنود وضباط الفرقة قُتِلَ، والقسم الأخر بقي في الخنادق نتيجة إصابته، فهذا بُترت ساقه، وذاك قطعت يده والآخر خرج جزء من أمعائه، مشاهد والعياذ بالله تقشعرُ لها الأبدان، إنها الحرب، حرب الزعامة. أما الآخرون ممن تبقوا من الفرقة يا صديقي وقعوا في الأسر وبأيدي القوات الاثيوبية. لقد كَبُرَت المأساة عندما عرفنا أن كثيراً من فتياتنا المجندات وقعن في الأسر، وأنت تعلم يا صديقي كيف أن الفتيات يجندهن النظام وبشكل إجباري.
ما هو حلم الفتاة الارترية؟ إنها مثل غيرها، إنسانة تنحصر أحلامها في العيش بسلام وبناء أسرة مستقرة، إن معظم فتياتنا يحلمن بالهجرة إلى الخارج هرباً من أن يزج بهم في الحرب.
هل تعرف كم تبلغ مساحة منطقة بادمي المتنازع عليها؟
400 كم2.
نعم مساحة منطقة بادمي أربعمائة كيلو متر مربع، إن الإنسان العاقل لا يمكن أن يصدق أن هذه الحرب في هذا المثلث حصدت آلاف الآلاف من جنود البلدين من أجل 400 كم2.
ما هو سر اندلاع هذه الحرب التي لفتت أنظار العالم ثم تحولت إلى حرب منسية.
قلت لك الزعامة ومن سيحكم دولة "تجراي تجرينيا".
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة