حرب الجياع - الحلقة التاسعة
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
رواية سبأ: لن ترتاح إسرائيل حتى ترى أبناءها من اليهود الفلاشا يعودون إلى أرض الميعاد "شمعون بيريز".
1. العملية الأولى تمت عبر أديس أبابا.
2. العملية الثانية ترحيل افرادي من السودان.
3. العملية الثالثة ترحيل جماعي من السودان وفق ما يلي:-
أ) تم ترحيل "الفلاشا" بالطائرات عبر البحر الأحمر.
ب) تم ترحيل "الفلاشا" عبر مطار الخرطوم.
ج) تم ترحيل "الفلاشا" بشكل مباشر من مطار مدينة الغضارف.
سنقصر الكلام على عملتين فقط كي لا ندخل القارئ في أشياء متشابهة.
كما سبق وقلنا إن الرئيس منغستوهيلامريام رفض المساومة مع إسرائيل على ترحيل اليهود الفلاشا من اثيوبيا إلى إسرائيل واضعاً عقوبة قوية لكل من يعمل أو يساعد على ترحيلهم. إلا أن إحدى فصائل الثورة الارترية وجبهة تحرير تجراي الاثيوبية عملت على تهريبهم من اثيوبيا إلى السودان ومن السودان إلى إسرائيل عبر بلجيكا حيث كان "اليهود الفلاشا" يحملون جوازات سفر إثيوبية مزورة أمنتها لهم قيادة إحدى فصائل الثورة الارترية؟
بعد فترة قصيرة نسبياً دخلت إسرائيل في مساومة مع الرئيس منغستو هيلامريام حين أرسل له "مناحيم بيغن" رئيس وزراء إسرائيل رسالة سرية يقول فيها: "السلاح مقابل الفلاشا".
وافق الرئيس الاثيوبي لكنه اشترط سرية العملية وفعلاً بدأت عملية ترحيل الفلاشا من اثيوبيا إلى إسرائيل إلا أن إسرائيل وجدت أن منغستو يأخذ الكثير من السلاح ويعطي قليلاً من "اليهود الفلاشا".
وفي يوم 6-2-1978 قام وزير الدفاع الإسرائيلي "موشي ديان" بإعطاء تصريح لإذاعة "زيورخ" السويسرية قال فيه:
إن إسرائيل تبيع سلاحاً لاثيوبيا وكان بتصريحه هذا يود نسف الاتفاق بين إسرائيل واثيوبيا فما كان من الحكومة الاثيوبية إلا أن أوقفت العملية بعد أن كانت قد رحّلت 122 يهودياً فلاشا إلى إسرائيل.
العملية الثانية:
بدأت العملية الثانية لترحيل "الفلاشا" بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 حيث طلب "مناحيم بيغن" رئيس وزراء إسرائيل من الرئيس أنور السادات أن يتحدث إلى الرئيس جعفر النميري بأن يسمح بترحيل اليهود الفلاشا الذين سيأتون إلى السودان من اثيوبيا عبر ارتريا.
وافق جعفر النميري على طلب "مناحيم بيغن" عبر "أنور السادات" على استقبال "اليهود الفلاشا" القادمين من اثيوبيا بحماية كل من جبهة تحرير تجراي و إحدى فصائل الثورة الارترية، وابتدأ اليهود الفلاشا بالوصول إلى السودان بعد أن فتح السودان حدوده الشرقية.
كلفت عملية نقل "اليهود الفلاشا" من اثيوبيا إلى السودان إلى إسرائيل "325" مليون دولار ـ ثلاث مئة وخمسة وعشرون مليوناً من الدولارات، دفعتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقائها. أما نصيب الرئيس النميري واللواء عمر الطيب وباقي الضباط من الأمن السوداني المشاركين فكان 56 مليون دولار ـ ستة وخمسون مليون وضعت في حساباتهم في لندن وسويسرا حسب رغبة كل واحد منهم.
في يوم الخميس الواقع في 21 آذار من عام 1985 وصل العقيد "م. إ" ومعه السيد "ميلتون" من وكالة المخابرات الأمريكية إلى مدينة الغضارف.
حطت الطائرة التابعة لجهاز الأمن السوداني في مطار المدينة، نزل منها اثنا عشر 12 أمريكياً وبدأوا بإعداد أجهزة الاتصال ليرتبطوا مباشرة مع واشنطن.
عند منتصف الليل عاد السيد "ميلتون" وبقي في الغضارف العقيد "م" ومعه المقدم "دانيال" والرائد "ف. ب" وعدد من الضباط الأمريكيين.
تجمع اليهود الفلاشا في معسكر "تواوا" في انتظار نقلهم إلى مطار الغضارف، كان جنود إحدى الفصائل الارترية يقومون على حراستهم ليلاً ويعملون على الحفاظ على سلامتهم، أما في النهار فقد كان الجنود السودانيين يتكفلون بذلك.
ثم نقل اليهود الفلاشا إلى منطقة "العزازة" وهي منطقة منبسطة فيها قطعة أرض تشبه المطار وهي قريبة من الغضارف.
ســاعة الصفــر:
في الساعة الخامسة صباحاً وصلت 4 أربع سيارات جيب عسكرية محملة بحوالي 40 أربعين جندياً؟
سؤال: من هم هؤلاء الجنود، هل هم سودانيون؟!.
الجواب: لا..
إن الجنود السودانيون يرتدون سراويل طويلة و "ينتعلون" البوط العسكري، أما هؤلاء الجنود فهم يرتدون السراويل القصيرة وينتعلون بأرجلهم "الشدة".
توجه الضباط الأمريكيون الموجودون في مطار "العزازه" إلى الجنود أصحاب السراويل القصيرة، وتكلموا مع قائدهم "المدعو"(...).
انتشر الجنود الثوار حول "مطار العزازة".
في الساعة الخامسة والنصف بدأت طلائع "اليهود الفلاشا" تقترب من "العزازة".
في الساعة السادسة ظهرت أول طائرة أمريكية عسكرية في الجو أطلق أحد الضباط الأمريكان من مسدسه طلقة دخانية حمراء إشارة للطائرة لكي تهبط.
هبطت الطائرة الأولى واستقرت على الأرض وكانت من طراز (130ـC) هبط منها جنود أمريكيون بزيهم الرسمي وهو لباس الصاعقة، أنزل الجنود بعض المؤن من الطائرة للتمويه.
صعدت المجموعة الأولى من "الفلاشا" للطائرة. ثم لاحت طائرة أخرى في الجو، أقلعت الأولى وهبطت الثانية وهبط معها بعض الجنود وأنزلوا منها بعض الأكياس المملؤة بالرز والسكر ومواد طبية وبعض صناديق الأسلحة والذخيرة. صعدت المجموعة الثانية إلى الطائرة وأقلعت الطائرة باليهود الفلاشا لتهبط طائرة ثالثة، وهكذا هبطت وصعدت خمس طائرات من طراز (130-C).
أثناء هبوط وصعود الطائرات كان الجنود الثوار وعلى رأسهم قائدهم (×) يحمّلون بعض الشاحنات العسكرية بالدقيق والرز والسكر وصناديق الأسلحة.
نقلت الطائرات الخمس 450 يهودياً فلاشا إلى فلسطين المحتلة؟.
هبطت طائرة سادسة لتنقل الضباط الأمريكان إلى قواعدهم في أوربا وتوجهت الشاحنات محملة بالهدايا الأمريكية إلى ارتريا.
وغادر العقيد م. إ ورفاقه مطار "العزازة".
لم يذهب العقيد م. إ إلى دائرته، بل ذهب إلى منزله ليرتاح قليلاً.
وفي اليوم التالي ذهب العقيد م. إ لمقابلة رئيسه اللواء عمر الطيب بادره اللواء عمر قائلاً لماذا لم تأتِ بالأمس يا "مو…":
من شدّة التعب يا سيدي اللواء، لقد سهرت الليل بطوله، وكان عليَّ أن أستريح قبل مقابلتكم.
صرخ اللواء عمر محتداً:
لوحدك "كنت سهران بالليل"، أنا لم أنم ولم يدخل النوم إلى عيوني. طوال الليل وأنا أصلي واسبح وأدعو لكم بالتوفيق والنجاح.
صلاة + تسبيح + دعاء = تهريب الصهاينة إلى فلسطين ليقاتلوا الفلسطينيين العرب ويطردوهم من بلادهم.
اتصل العميد "ع. أ" وهو مسؤول كبير في جهاز الأمن السوداني باللواء عمر الطيب وقال له: لقد تناولت الإذاعات العربية والعالمية خبر نقل "الفلاشا" من السودان إلى إسرائيل كما نشرته جريدة "لوس أنجلوس تايمز" نقلاً عن مراسلها "تشارلز باورز" في الخرطوم حيث قال:
إن عملية ترحيل الفلاشا والمسماة بعملية "سبأ"، قد نفذت بنجاح تام، ثم أورد تفاصيل العملية.
رد رئيس جهاز الأمن السوداني قائلاً:
لعن الله العرب ولعن هذه الإذاعات الكاذبة المغرضة؟ ثم هاج وماج وصاح بعصبية:
ليس صحيحاً مطلقاً، ليس صحيحاً ما تقوله هذه الصحف والإذاعات كلها كاذبة وكلها معادية للسودان؟.
في يوم 20 آذار أي بعد ثلاثة أيام من تنفيذ ما سمي بعملية "سبأ" كتبت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" ما يلي:
حاولت حكومة الولايات المتحدة إضفاء جو من السرية يوم السبت الماضي على عملية نقل جوي أمريكية منظمة استهدفت نقل مجموعة من "اليهود" الاثيوبيين إلى إسرائيل، وقال محرر الصحيفة إن إدارة الرئيس الأمريكي "ريجان" أكدت سراً أن أكثر من 500 من الفلاشا قد تم نقلهم من أحد المخيمات في السودان إلى مطار عسكري بالقرب من مدينة عكا في إسرائيل حيث وضعوا بشكل مؤقت في مراكز استيعاب الهجرة وذلك في إطار خطة وضعتها وكالة المخابرات المركزية بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي وتعاون معهم بعض القياديين من الثوار الارتريين والجبهة الشعبية لتحرير تجراي.
تابعت الصحيفة تعليقها قائلة: إن مسؤولاً أمريكياً كبيراً في الحكومة وجه إلى الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" سؤالاً حول عملية النقل الجوي التي اتسمت بالسرعة والسرية، ولكن الرئيس "ريجان" تردد بعض الوقت عن الإجابة ثم قال: "لا تعليق" وأشار إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية تتابع هذه القضية.
أثناء كل هذا كان الرئيس "جعفر النميري" يستعد للسفر إلى أمريكا، وكانت الجماهير السودانية قد اجتاحت المدن السودانية تطالب بسقوط نظام النميري.
كان السيد ميلتون مندوب المخابرات الأمريكية لا يزال موجوداً في الخرطوم. وتحرك في العاصمة السودانية غضب شعبي عارم هز النظام ودق في نعشه إسفين الموت.
شكل جهاز الأمن السوداني لجنة لمتابعة ما يجري من غضب الشارع وفي ليلة السادس من نيسان توجهت قوات الجيش السوداني تدعمها جماهير الشعب إلى القصر الجمهوري ومقر مجلس الوزراء والإذاعة والتلفزيون واستولت عليها.
أثناء زحف الجيش والشعب لإسقاط نظام جعفر النميري كلف اللواء عمر الطيب العميد ع. ا بأن يذهب ويقابل السيد ميلتون في منزله بشارع الامتداد رقم "25" ويبلغه عما يحصل ويسأله عن العمل.
وفعلاً قابل العميد "ع. ا" السيد ميلتون وقال له: "ما العمل.. الآن؟؟!!".
رد السيد ميلتون:
لقد سمعت وعلمت بكل ما يحصل مثلكم تماماً، لكن وضعكم قد انتهى، وإننا نأسف لكم كما نأسف للرئيس نميري، وللنائب الأول اللواء عمر الطيب ولحسن حظكم أننا وضعنا مبلغ (20) عشرون مليون دولار في حسابكم بلندن.
الأبطال الكبار في عملية تهريب الفلاشا:
1. الرئيس جعفر النميري: رئيس الجمهورية السودانية.
2. اللواء عمر محمد الطيب: النائب الأول لرئيس الجمهورية، حوكم وسجن ولكن فجأة تم إخراجه من السجن، ذهب إلى دولة عربية مجاورة حيث عمل مستشاراً لشؤون الأمن فيها، نال بعدها درجة دكتوراه من إحدى جامعات دولة عربية، ومنح عضوية معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن.
3. الفاتح عروة: هرب من السودان أيام الانتفاضة؟. وذهب لأمريكا، لكنه فجأة عاد إلى السودان وسلم نفسه للسلطات وطلب أن يكون شاهد ملك وقد قبل طلبه، وقام بإدلاء الشهادة ضد "عمر محمد الطيب" ورفاقه الآخرين، بعد ذلك أصبح مدير شركة طيران أمريكية في جنوب شرق آسيا، ثم حضر للسودان عند "ثورة الإنقاذ"، تم تعيينه مستشاراً للرئيس عمر البشير لشؤون الأمن، ثم عين مندوباً دائماً للسودان في الأمم المتحدة. يعتبر من المختصين في شؤون القرن الإفريقي، كما يعتبر الصديق الأول للرئيس الارتري السيد أفورقي، وقد قام بتسليم عدد من قادة الثورة الارترية المعارضين للحكم في ارتريا إلى السلطات الأمنية الارترية التي قامت بإعدامهم وبدون محاكمة.
4. ع. الـ: يعتبر العميد ع. ال من كبار ضباط أمن الرئيس "النميري" يعمل الآن سفيراً للسودان.
5. ع. ع. الـ: يعتبر العميد ع. ع. الـ من كبار ضباط أمن الرئيس النميري ويعمل الآن سفيراً للسودان في كل من كينيا ويوغندا.
6. يعتبر العميد أ. أ من كبار ضباط أمن الرئيس النميري عُيِنَ في إحدى دول الخليج مسؤولاً أمنياً.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة