حرب الجياع - الحلقة السابعة

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

الفصل الثاني:
1. عملية تهريب الفلاشا.
2. رواية سبأ.
3. أبطال عملية تهريب الفلاشا السودانيون والارتريون.

حرب الجياع 2

الفلاشا وعملية تهريبهم:

لن نغوص في التاريخ السياسي والاجتماعي للفلاشا، بل سنكتفي ببعض اللمحات من السنين القريبة.

حاولت إسرائيل أن تستثمر علاقة الصداقة بينها وبين الإمبراطور هيلا سلاسي أو كما يسمونه المسيح الأسود، فكانت تمد اثيوبيا الإمبراطور بالمدربين والخبراء العسكريين وكذلك بالأسلحة، وبمساعدات فنية واقتصادية متنوعة، وقد عملت إسرائيل على قيام مستعمرة فيها تخصصها لليهود الفلاشا عند جلبهم من اثيوبيا، وإسكانهم في شمال إسرائيل، كان الهدف من ذلك إقامة رأس جسر يربطها باثيوبيا، وتسعى إسرائيل من وراء ذلك إلى تأمين مصالحها في البحر الأحمر وذلك عبر جزره الاستراتيجية وموانئه "كعصب" و "مصوع".

يروي "ديفيد كسلر" مؤلف كتاب "الفلاشا يهود اثيوبيا" إنه سال الإمبراطور هيلا سلاسي عام 1970 عما إذا كان يحبذ إقامة قرية "للفلاشا" في إسرائيل تقوم بدور المبشر بين البلدين فأجابه الإمبراطور: يمكن مناقشة هذه الفكرة وليس عليها أي اعتراض.

لم تكن إسرائيل جادة بعد في إخراج "اليهود الفلاشا" وسبب ذلك عدم ثقة الحاخامات في انتماء "الفلاشا" إلى اليهودية بالإضافة إلى إنهم سوف يثيرون المشاكل الاجتماعية داخل الكيان الصهيوني على اعتبار إنهم أفارقة سود وهذا أمر يثير الحساسية العنصرية مع اليهود البيض في إسرائيل.

بعد إقصاء "هيلا سلاسي" وتسلم "منغستو هيلامريام" الماركسي العقيدة زمام السلطة في اثيوبيا ورغم تأكيده الدائم بالنضال ضد الصهيونية والإمبريالية والرجعية إلا أن معلومات مؤكدة أشارت بأنه خلال عامي 1976-1977 قام خبراء إسرائيليون عسكريون بتدريب الجيش الاثيوبي على دبابات سـوفيتية الصنع. كما قام الخبراء الإسـرائيليون بصيانة طائرات إف 5.

في عام 1977 أصبح الإرهابي "مناحيم بيغن" رئيساً لوزراء إسرائيل، أعلن "بيغن" أنه سيعمل على إعادة "الفلاشا" إلى أرض الميعاد.

طلب "بيغن" من منغستو هيلامريام الرئيس الاثيوبي السابق العمل على ترحيل "الفلاشا" من اثيوبيا، رفض الرئيس الاثيوبي طلب "بيغن"، ورفضه هذا كان نابعاً من حرصه على علاقته بالدول العربية، ثم وضع عقوبة رادعة لكل من يجرؤ على ترحيلهم.

أخبري صديقي المدعو (ي. هـ. ذ.) وهو عضو قيادي سابق في أحد تنظيمات الثورة الارترية ما يلي:

اتصل الأمريكي هوارد دوغلاس والشهير بلقب "جيني" ببعض القياديين المهمين في إحدى تنظيمات الثورة الارترية وتبادل معهم الرأي حول المساعدة لتأمين خروج الفلاشا من اثيوبيا مذكراً إياهم بالصداقة القديمة غامزاً بزيادة المساعدات المادية والعسكرية لهم وخاصة أنهم تحت النظر؟.

بدون تردد وافق هؤلاء القياديون وقالوا لـ "جيني": نحن بانتظار خطتكم لتنفيذها فوراً.

بعد أسابيع وصلت إلى مطار الخرطوم زوجة السيد "جيني" وهي تعمل ممرضة واستقبلها عند سلم الطائرة السيد "جيري ويفر" الذي يشغل منصب مسؤول اللاجئين بالسفارة الأمريكية بالخرطوم ومركزه هذا يسمح له بالتحرك دون رقابة، سلمت السيدة "جيني" على السيد "ويفر" ونظرت إليه وتذكرت كلام زوجها عن السيد "ويفر" بأنه يعرف المسؤولين السودانيين من سياسيين وأمنيين وبعض قيادي احدى تنظيمات الثورة الارترية كما أن لديه القدرة غير العادية على المغامرة العاطفية التي تتحقق بها إنجازات غير عادية؟!.

ابتسمت السيدة "جيني" وقالت: لقد حدثني زوجي عنك كثيراً يا مستر "ويفر".

ابتسم السيد "ويفر" وفتح باب الفيلا في شارع الامتداد بالخرطوم وقال لها: "ويفر" بخدمتك يا سيدتي.

جلست السيدة "جيني" على مقعد وثير مريح وأدارت بيدها كاس الويسكي المثلج ونظرت إلى السيد "ويفر" وقالت:

مستر "ويفر" إننا نعرف معاً أن هناك بعض الحوادث المؤسفة التي حدثت من قبل بعض الذين حضروا إلى الخرطوم من منطقة مجاورة؟!

نعم يا سيدتي من ارتريا.

اقتربت السيدة "جيني" من "ويفر" بعد أن أبعدت كاس الويسكي المثلج وقالت له: علينا أن نعمل الآن وفوراً لتصحيح الأخطاء التي حدثت في الماضي.

هل استدعي لك يا سيدتي رئيس جهاز الأمن السوداني عمر الطيب أو الرجل الأول والقوي في احدى تنظيمات الثورة الارترية.

نعم أحضره لي. أحضر هذا الرجل؟!.

يدخل الرجل القوي في إحدى تنظيمات الثورة الارترية ويتقدم من السيدة "جيني" التي تشير له بيدها أن يجلس.

سيد.. إننا نحتاج منكم التعاون الكامل، ومنذ الآن عليكم بمساعدة "الفلاشا" الطيبين في الوصول إلى السودان، ويجب أن يكون ذلك بمنتهى السرية، وإذا فعلتم ذلك، سوف يفتح لكم اليهود البنوك التي يسيطرون عليها بحيث تجدون المساعدات المادية والعسكرية بسهولة تامة.

يجيب الرجل القوي: أنا طوع بنانك يا سيدتي وتأكدي بأننا سنقوم بالعمل الموكول إلينا بشكل سري وعلى أضيق نطاق داخل تنظيمنا، كما إننا لن نقوم بأي خطوة إلا عندما نتأكد من موافقتكم عليها.

حسناً أيها الثائر..!؟ سوف يرشدك السيد "ويفر" إلى الترتيبات الأمنية الواجب اتخاذها مع اللواء عمر الطيب رئيس جهاز الأمن السوداني.

انتهت المقابلة وخرج الثائر القوي الارتري ليدخل اللواء عمر الطيب ويأخذ تعليماته من السيدة "جيني".

في شهر تموز من عام 1985 اجتمعت السيدة جيني بالقدس مع السيد "دودنتيز" من الوكالة اليهودية و "موشي جليبوا" من وزارة الخارجية الإسرائيلية ومسؤول إسرائيلي كبير من جهاز الموساد، لم أستطع الحصول على اسمه.

تكلمت السيدة "جيني" عن لقائها بكل من "الرجل القوي" و"عمر الطيب" واستعد الاثنان للعمل الفوري: ألا وهو تهريب الفلاشا من اثيوبيا. أثنت السيدة "جيني" على الرجل القوي ووصفته بـ "المخلص"، وعندما سمع الحاضرون رواية السيدة "جيني" قال لها مسؤول الموساد:

إن السيد "الثائر" صديقنا من زمن قديم ونحن نثق به تماماً.

في الخرطوم اجتمع اللواء عمر الطيب والثائر المخلص وتم التنسيق بينهما، واتفق على أن يأخذ كل دوره، فالثائر المخلص له قوات مشتركة مع مقاتلي جبهة تحرير تجراي، وكذلك علاقاته طيبة جداً مع اللواء عمر الطيب رئيس جهاز الأمن السوداني.

يصمت صديقي القيادي ليتابع المناضل هيلا قرزه، المسؤول عن جمعية الهلال والصليب الأحمر الارترية قائلاً:

في الثامن عشر من شهر آذار من عام 1985 غادر الخرطوم اللواء عمر الطيب رئيس جهاز الأمن السوداني متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان بصحبته كل من العقيد م. إ. و العقيد ص. د. ا. مدير مكتب اللواء عمر الطيب والسيد "ميلتون" مندوب وكالة المخابرات الأمريكية في الخرطوم.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click