جبهة عباي بعل طعوم طباي - جبهة التحرير مدرسة ابجديات النضال
بقلم الأستاذة: ابراهيم علي اكلا و بنيام فسهاظين (كتاب: نضالات المرأة الارترية)
اليوم سوف نتحدث عن الاعمال الفدائية التي كانت تقوم بها الجبهة داخل اسمرا...
وبطلتنا هي الشهيدة هنسو اوعالوم.
كان السكون يخيم على الحي، قبل ان تتعالى فجأة اصوات البنادق والقنابل اليدوية... عندئذ لم يكن لسكان حي قزاباندا اسمرا من بد سوى التضرع الى الله... ينشدون السلامة... اما المكان المستهدف فقد كان بيت عبارة عن غرفة واحدة مشيدة من الطوب المخلوط بالطين... وعليه كان من الصعب جدا ان بصمد ذلك البيت طويلا امام وابل من الرصاصات والقنابل التي كانت تتعرض له.
في تلك الاثناء كان الهجوم من جانب واحد ولم تكن هناك اية مقاومة فيما لو استثنينا نبيح الكلاب.
اما الهجوم المفاجىء، والحصار المحكم من قبل قوى الامن الاثيوبي.. الذي كان يستهدف ذلك المنزل.. والذي صادف إن كان به شخصان.
الآن نعود بالايام الى الوراء...
السيدة هانسو اوعلوم... عندما غادرت قريتها "ملنزاناي" لتستقر في اسمرا... ذهبت الى منزل اختها الاكبر آمتاي.. ثم بدأت العمل في ماكانت تعرف انذاك بمدرسة سانتا آنا... (ثانوية الشهداء حاليا).
كانت هانسو انسانة اجتماعية ودودة والوفة... بعد ذلك قامت بأيجار غرفة صغيرة في حوش يملكه رجل يدعى السيد "قيلا" في حي قزاباندا حبشا...
وفي عام 1975 انضمت هانسو للخلايا السرية التابعة لجبهة التحرير الارترية... والناشطة داخل اسمرا... وهكذا عقدت العزم على ان تقوم بدورها في عملية تخليص ارتريا من دنس الاستعمار الاثيوبي.
وقد وقع اختيار النشطاء على منزل السيدة ان يكون نقطة الانطلاقة والتجمع لانشطتهم السرية ذلك لان موقع ذلك المنزل كان بعيد عن اعين العدو... فمقاتلو جبهة التحرير الارترية عندما يتسللون الى داخل اسمرا... كانو يتوجهون ويختبؤن في منزل المناضلة هانسو... والكثير من الاعمال الفدائية كانت تنطلق من هنا...كما كان يتم الاحتفاظ هنا بالاسلحة والمناشير.
المناضلة هانسو عندما تذهب الى العمل كانت توكل مهمة الاحتفاظ بسرية المنزل الى السيدة "ميزان قيلا"... وهي ابنت صاحب المنزل وقد تم تجنيدها من قبل هانسو... وكانت هانسو تترك منزلها مفتوحا... ذلك لان الفداييون كانو يترددون على ذلك المنزل دون سابق موعد... او انذار.
إذن السيدتان هانسو وميزان (ابنت صاحب الحوش) كانتا الوحيدتان اللتان يعرفان سر ماكان يجري في ذلك المنزل.
وبالعودة الى الوراء، كان الناشط السياسي السيد بوخرظين هو من قام بتجنيد كل من هانسو وميزان... اما على المستوى الاجتماعي ما يربط مابين هنسو والسيد بخرظين هو انه ابن اختها الاكبر.
بخرظيون كان من النشطاء الابطال الذين يعملون سرا داخل اسمرا... يقوم بنسيق العمليات.. وتجنيد اعضاء جدد... وايضا كان ممن يقومون بأخذ الإجراء اللازم ضد عملاء النظام... وكان هو من يعطي التعليمات والتوجيهات لكل من هانسو وميزان.
كان بخرظين لاعبا مشهورا في لعبة كرة السلة... فبالرغم من انه كان يتخذ من منزل هنسو مسكنا له... إلا انه وفي اغلب الاوقات كان يقضي بعض وقته في حي "اديس الم" مع اسرة السيد تسفاي قبرميكائيل صاحب "مطبعة عوت" والسيد قرماي زرئزقي... كان هذين المنزلين ايضا من الاماكن التي كان ينطلق منهما الفدئيون لتنفيذ عملياتهم الفدائية.
كان في صبيحة احد الايام من شهر نوفمبر عام 1978 عندما وقع البطل بخرظين في يد العدو.. في كافتيريا "لانقانو" بعد ان دلهم اليه مناضلا كان قد سلم نفسه للعدو... واثناء القبض عليه كان بحوزته منشورات كان يهم بتوزيعها... وفورا تم اقتياده الى سجن "قبي" (توضيح: قبي هو قصر الملك في اسمرا... ولكن كان يستخدمه الامن للتعذيب والتحقيق مع النشطاء السياسيين).
وبالرغم مما حدث لبخرظين... لم يتوقف النشطاء عن مواصلة نشاطاتهم من منزل هانسو... وهانسو نفسها بالرغم من انزعاجها مما آل اليه مصير ابن اختها بخرظين.. إلا ان ارادتها لم تنكسر ولم تتوقف عن نشاطها الوطني.
اما بخرظين نفسه وبالرغم مما كان يتعرض له من تعذيب بدني ونفسي إلا انه لم يعترف ولم يعطي المحققين اية معلومات قد تدلهم الى اسماء بقية النشطاء.
كان رده على المحققين:
المنشورات التي كانت بحوزتي قد اجبرت على حملها غصبا عني من "قبل اشخاص لا اعرفهم كانو قد قدمو من الميدان".
اخيرا في لم يجد المحققون دليل قاطع على اشترك بخرظين.. في العمل السياسي... وعليه تم تحويله الى سجن سمبل.
وبينما كان زملائه يتعشمون من انه سيتم إطلاق سراحه... حدث مالم يكن في الحسبان.
في تلك الفترة واثر عملية فدائية قام بها الفدائيون في اسمرا في احد البنوك...وفي التحقيقات تم العثور على اسم بخرظين ضمن قائمة النشطاء.
وعليه تم اعدام البطل بخرظين رميا بالرصاص مع نشطاء آخرين وعددهم 45 وذلك في شهر يوليو من عام 1979.
كان المناضل عبللوم مقوص من الابطال الذين كانو يتخذون من منزل المناضلة هانسو نقطة انطلاق لتنفيذ العمليات الفدائية داخل اسمرا... كان المناضل عابللوم من ابناء حي حزحز الذي التحق بجبهة التحرير الارترية في سن لايتجاوز السابعة عشر.. ثم عاد الى اسمرا ليعمل في الاعمال الفدائية... وكان ومعه المناضلة ميزان يقومان بتوزيع المنشورات التوعووية والتعبوية وايضا ارسال رسائل انذار للافراد المتعاملين مع العدو الاثيوبي.
تحكي المناضلة ميزان: في احد الليالي، بالرغم من حظر التجوال، ذهبنا انا والمناضل عبللوم الى حي "چرحي" ጨርሒ في مهمة توزيع المنشورات.. ولكن وقعنا في فخ جنود العدو الذين بادرو بإطلاق النار علينا... ولكننا نجونا بإعجوبة وعدنا الى قواعدنا (اي منزل المناضلة هانسو) بسلام... وقد كان منزل المناضلة هانسو مكان انطلاق للكثير من اعمال التصفبات التي كانت تنفذها الثورة ضد كبار كوادر نظام الدرق... ومنهم مثلا ظقا لؤل... وغيرهم.
وهكذا اصبح منزل المناضلة هانسو عبارة عن معسكر صغير لجبهة التحرير الارترية في عقر دار العدو.
المناضلة هانسو كانت تفصل ان تذهب الى الميدان لحمل السلاح.. والقتال من هناك.. ولكن رد القيادة كان "المناضل لايختار مكان النضال.. فكل شبر من ارتريا سواء في المدن او الريف كله تحت وطأت الاحتلال..." هانسو تقبلت ذلك القرار بروح وطنية وواصلت نشاطها من داخل اسمرا.
في سبعينيات القرن الماضي عندما اتى المناضل داويت الى اسمرا بتوجيه من الميدان كان طبيبعي جدا انه يقيم في بيت المناضلة هانسو.. ومن هنا بدأت معرفته بالمناضلة هانسو وتوطدت بينهما علاقة الزمالة النضالية... وكان المناضل داويت يشرف على الاعمال الفدائية من منزل المناضلة هانسو... ولكن كانت هناك خطورة.. ذلك انه بعد انسحاب الثورة من المناطق المحررة عام 1978 كان الامن الاثبوبي يتعقب بشكل مكثف الفدائيون الذين كانو قد تسللو داخل اسمرا... وهذا الوضع بدأ يشكل عقبة على الانشطة التي كانت تنطلق من منزل المناضلة هانسو.
وقد قرر المناضل داويت ان تكون مهمة التواصل مع الاعضاء النشطاء داخل اسمرا عبر المناضلة هانسو... وذلك درأ للمخاطر...ل ان داويت كان شخص غريب في المدينة ويمكن الاشتباه به بسهولة بينما هانسو لانها من اسمرا وتعمل هناك كانت اقل شبهة.
كان الوقت مساء يوم الجمعة الثالث من شهر اغسطس عام 1979 عندما عادت المناضلة هانسو الى منزلها من العمل..وبعد قليل ايضا عاد المناضل عابللوم... ثم قامت بإعداد وجبة العشاء للمناضل عبللوم ثم ذهبت الى بيت الجيران للحديث مع زميلتها "ميزان" وايضا كانا يعملان في نفس الشركة.
هنا المناضلة ميزان تستذكر لحظات تلك الليلة بالذات فتقول: كان من الطبيعي جدا ان تائتي الينا هانسو في ساعات متآخرة من الليل لكوننا في نفس الحوش... ولكن تلك الليلة المشؤمة لم يكن حال هانسو طبيعيا... فمثلا اولا قامت بتسليمي بعض المستندات وعلى غير العادة طلبت مني اخفائها في مكان سري جدا... بل ايضا ولاول مرة تحدثت معي عن مبداء الاستشهاد من اجل الوطن... ثم عادت الى منزلها.
في الساعت الحادية عشرة والربع ليلا.. بدأت سحاب الضباب تحلق فوق منزل هانسو... ذلك المنزل الذي كان منطلقا للعمليات الفدائية فضلا على انه كان المؤى..والملاذ الآمن للمناضلين.
ومالبث آن بدأت قوات الامن الاثيوبية تفرض الحصار على منزل المناضلة هانسو... بواسطة جنود مضججين بالسلاح.. كانت قد نقلتهم الى هناك عربات الجيش.
كانت التعليمات قد صدرت من قبل سيء الصيت مسؤل التحقيقات والتعذيب في سجن "قبي" ويدعى كيداني... لمحاصرة ومهاجمة ذلك المنزل.
وكان هناك مناضلا خان الثورة وسلم نفسه للعدو هو من قام بكشف السر... وكان هو شخصيا يدل الجيش الى منزل المناضلة هانسو... وكان واثقا جدا من تواجد فدائيين داخل المنزل... علما بأنه كان من المناضلين الذين كانو يترددون على منزل هانسو... ولكنه بعد سقوطه في يد العدو اعترف تحت التعذيب... وقام بإفشاء السر.
وعندما قفز عدد من رجالات الامن فوق السور ودخلو الحوش... في تلك اللحظة اصيب احد الجنود في صدره بواسطة رصاص اطلق من منزل هانسو... وهنا قامت قوات الامن بتحويل منزل المناضلة هانسو المتواضع الى ساحة معركة مستخدمين كافة انواع الاسلحة.
وكان افراد الامن يخاطبون ويهددون المناضلة هانسو... "ياهانسو... افضل لك انك تخرجي وتسلمي نفسك.. وإلا!!!
ردت عليهم هانسو.. لن اخرج!!!
اعقب ذلك انفجار قنبلة يدوية القاها عليهم المناضل عبللوم... القنبلة اصابت بعض جنود العدو اصابات خطيرة وكان بينهم المناضل السابق الذي كان دليل الجيش الاثيوبي الى منزل هانسو.
إنتهت المعركة غير المتكافئة بإستشهاد المناضلة هانسو... والمناضل عابللوم.
المجد والخلود لشهدائنا الابرار...