الوصول إلى لغة الأصول - دراسة تثبت التقري أقدم لهجة عربية

تقديم الأستاذ: أبوبكر الجيلاني  تأليف الأستاذ: صالح إدريس سلمان

كتاب الوصول الي لغة الاصول دراسة تثبت أن لغة التقري تمثل أقدم لغة أولهجة عربية "عن لهجة التقري":

الوصول الي لغة الاصول دراسة تثبت ان لغة التقري تمثل اقدم لغة اولهجة عربيةهذا الكتاب كغيره من الدراسات والكتب التي تتناول الجدل القائم في إرتريا حول لغات التعليم يدحض افتراءات القائمين على مشروع لغة الأم في إرتريا.

اعتمد المؤلف في دراسته هذه على مصادر عربية أصيلة كلسان العرب لابن منظور وكتب عربية أخرى وتطبيقات لم يتطرق إليها أحد قبله لإثبات رؤيته ، لدرجة قال له بعض أساتذة جامعة الملك سعود بالرياض إن الكتاب يعتبر مرجعاً شأنه شان لسان العرب الذي اعتمد عليه المؤلف ، ولا يمكن تقييمه إلا من قبل الذين يتحدثون التقري أو الذين يدرسون هذه اللغة العامية القديمة كلهجة عربية عريقة. اعتماد المؤلف على مجلدات لسان العرب "لأبن منظور" وعلى مراجع أخرى مهمة واستجابة هذه العامية للتطبيقات اللغوية والمقارنات اللفظية من خلال مصادر عربية بحد ذاته دليل على عروبتها.

"قال الأخ صالح عندما أهداني كتابه هذا في سياق حديثه عن هذا العمل" هدفي من هذا العمل هو للإثبات بأن لغة أمنا هي اللغة العربية لأن لغتنا ”التقري" هي العربية العامية الحية التي تحتوي على آثار معظم اللهجات العربية القديمة بدءًا من شمال غرب الجزيرة العربية (الأنباط) وصولا إلى جنوبها (ممالك اليمن القديم)".

قارئ هذا الكتاب سيستنتج في السياق التاريخي بأن أوائل المتحدثين بما تسمى اليوم التقري (أو التجرايت) كانو رحل - (بدو) يجوبون بعض أجزاء صحاري الجزيرة العربية وكانوا على صلة بالمراكز الحضرية في شمال الجزيرة العربية وجنوبها في تلك العصور ثم استقر ببعضهم المقام باليمن وعـبَرَ بعضهم البحر الأحمر لأسباب جيو بيئية أوجيو سياسية (ويالتعبير القديم القحط والحروب) إلى المنطقة الممتدة بين مصوع (إرتريا الآن) وسواكن (السودان) ثم انتشروا نحو الداخل تدريجيا لكونهم رحل ، وتزاوجوا مع الأقوام الحامية بعد عشرات السنين من وصولهم ليتقمص من تصاهر معهم من الأقوام الكوشية والنيلية لغتهم العربية المتطورة مقارنة باللغات الإفريقية البدائية في تلك الحقبة من التاريخ.

ما يدل على هذه الفرضية نقطتان ، الأولى وجود ذات اللهجة إلى الآن باليمن ، حيث تحولوا إلى قرويين مزارعين والثانية استمرار حياة البداوة والرحيل والإبل للمجموعات التي عبرت البحر الأحمر مع الاحتفاظ بالكثير من تقاليدهم الرعوية البدوية وإن طرأ على لغتهم في مخارج الحروف شيء من التحوير . يبقى إثبات الحقبة الزمنية لهذا الانتقال والمنطلق من الجزيرة العربية (أي المكان والزمان) ومسائل إثبات أخرى وهذه تتطلب دراسات أخرى عميقة.

الكتاب فعلا يغطي مساحة واسعة من آثار اللغة العربية القديمة تاريخاً وجغرافية ويدحض كل الأساطير القائلة بأن التقري مشتقة من الجئز ، بل المؤلف يري مثل ما يرى بعض الباحثين العرب إن السياق التاريخي والديموغرافي للناطقين بالتقري يدل على إن لغتهم هي الجئز أصلا ، وتمازجت مع لغة القبائل التي نزحت من المرتفعات اليمنية إلى المرتفعات الإرترية عبر البحر الأحمر ، ونتج عن ذلك التمازج الجئز التي نجدها في مخطوطات الأديرة الأرثدوكسية في الحبشة (إرتريا وإثيوبيا) ما يدل على هذه الفرضية هو التشابه الكبير بين مفردات وتراكيب الجئز شبه المندثرة ولغة التقري الحية إلى الآن.

إن المعنى اللغوي لكلمة قعيد - قعيز من مفردات "التقري" المتداولة حتى اليوم وتعني الترحال أو الرحيل ، والوصف ينطبق على الكثير من الناطقين بها حتى اليوم "كونهم رحل" ولا ينطبق على أهل المرتفعات الإرترية المستقرين في قرى زراعية ، ما يعني ربما إن القبيلة التي عبرت البحر الأحمر إلى المنطقة الساحلية بين مصوع وسواكن أسمت نفسها "جعز" كناية عن الحال لأنهم رحلوا من بلادهم ، وربما إخفاءً للاسم الحقيقي لقبيلتهم. وعمت التسمية فيما بعد التمازج لتكون اسم مشترك للغة المنخفضات والمرتفعات في المنطقة التي يطلق عليها اليوم"أرتريا" والتي حدث فيها التمازج بين اللغتين ثم تطور الأمر لتكون اسم اللغة الوطنية لأكسوم والمرتفعات التي حولها.

ما يدعو إلى هذه الفرضية هو عدم وجود اسم "جعز" لأي قبيلة في التاريخ اليمني حسب علمى" بل هناك - أسماء مثل سبأ وحمير وحبشت من أسماء القبائل الموجودة في المصادر اليمنية والتي لها مدلولاتها في التاريخ الإثيوبي.

وتمييزا لأنفسهم في حقب تاريخية لاحقة "أطلق على الذين كانو يعيشون في المنخفضات الشمالية والغربية شمالي أكسوم والأرجح أطلقو على أنفسهم أسم "التقري" أي سكان المنخفض "والتقر (قاف معطش) في لغة التقري تعني المكان المنخفض... ثم عمت الكلمة اللغة والسكان ، ما يعني ليس هناك ما يدل حتى الآن على علاقة الاسم (التقري) بالأقنان أو بالتجارة.

إملائياً أصر المؤلف أن يكون الرسم الإملائي للكلمة "تقري" وليس "تجري" لأن الكلمة مستمدة من الكلمات العربية "قر أو قرار أو مستقر". والتاء قد تكون جزء من سابقة "إت" قر:

وفي السياق اللغوي أثار المؤلف صلة خصائص التقري "الحية" بخصائص لهجات عربية قديمة بدءاَ من الأكادية ثم النبطية ثم اللهجات النجدية والحقبة الجاهلية وصولا إلى بروز اللغة العربية بشكلها الحالي.

في اللغة النبطية "ال" التعريف مثلا تنطق "ل" مفتوحة كقولنا: لولد - لرأس - لطليت الخ.. وهكذا ينطق في التقري إلى الآن.

والهمزة الطرفية غير موجودة في اللغة النبطية كما في - ماي - بكاء - كراي - عواي - وهكذا ينطق في التقري إلى الآن عوضاَ عن ماء - بكاء - كراء - عواء كما في الفصحى.

وتاء التأنيث تفتح في النبطية كما في التقري - (وليمت - مدرستْ - سجادت) والظاء يقلب إلى الطاء كما في طلمت - عوضاً عن ظلمة ، وهكذا ينطق في التقري إلى الآن.

وفي الأكادية كان يسند ضمير المخاطًب بالكاف: كما في قول الراجز "يا ابن الزبير طالما عصيكَ (عوضاً عن عصيتَ).

وفي لغة تميم تنطق عين المضارع والأمر في الثلاثي المعتل بالإمالة - كما في سِعي - بٍكي - كري - والمضارع - بكِّي - سديِّ كري ِّ مع إخفاء ألف الأمر (كما في أسعي مثلا) وشد عين المضارع مع الإمالة وهذا ينطبق على التقري.

المؤلف وكأني به يقول من يريد أن يتعرف على لغة التقري معرفة علمية ويحدد تاريخها وهويتها بطريقة علمية غير أسطورية ولا خرافية عليه أن يطلع ولو على باب واحد من مجلدات " لسان العرب لأبن منظور (15 مجلدًا) ويطابق ما يجده هناك بالمفردات الحية المستخدمة بريف قبائل البجة الناطقة بالتقري التي لم تختلط كثيرا باللغات المجاورة. أورد كمثال مفردات من باب الهمزة في لسان العرب وجاء بكلمات مشتركة بين الفصحى وهذه العامية مثل قرأ - ملأ - بدأ- برأ - لجأ - هدأ - قيأ - بوأ - رقأ - ردأ - دفأ - مرأ - جزأ - طفأ - دبأ - كسأ - ودأ الخ...

والجدير بالذكر كلمة ودأ تستخدم بكثرة في جميع لكنات التقري - (مي ودا بمعنى ماذا فعل؟ - مي ودّوُ هلوْ بمعنى ماذا يفعلون وهكذ... وفي نبرة التحدي مي ودو ومي لفعلوا - ما يعني إن ودا مترادفة َلِفعَـلَ - ووداى اسم مرادف للفعل). مي تودو هليكم يهو سب تقرايت ...ورًّثكم ...الخ.
في لسان العرب (لمن يريد أن يطلع على هذا الكتاب) الباب يحمل أسم الحرف الأخير من الكلمة بعكس القواميس الإنجليزية. مثلا في باب الهمزة تكون الهمزة الحرف الأخير من الكلمة.

وإذا أراد المرء أن يتوسع في التأكد من هوية التقري ، عليه أن يدرس خصائص علوم اللغة العربية "في الإقلاب والإبدال والترادف والإعلال والإدغام والإمالة والقلب المكاني وقصر الممدود والوقف والحذف والتخفيف والتحقيق الخ ، ويسقطها على التقري ، وعلى الفور سوف يسقط منه تردده عن كنه هذه اللغة.

ويميل الحديث بالتقري إلى قصر الممدود وهذه من سمات لغات قبائل نجد القديمة التي جمعت منها اللغة العربية ، وتوافق التقري اللغة النبطية في بعض خصائصها منها عدم تحويل الياء الطارقة بعد حرف مد إلى الهمزة كما أسلفنا ، يعني ناطقي هذه اللهجة القدماء كانوا على صلة بقبائل الجزيرة العربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بل كانوا يتفاعلون لغوياً مع من يتصلون ، وهذه الميزة موجودة حتى الآن في الذين عبروا الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في الحقب الماضية.

التفاعل اللغوي والاجتماعي للنطاقين بالتقري:

التقري لغة عامية حاضنة مفردات اللهجات العربية القديمة ما يعني إن الناطقين بها كانوا يتفاعلون لغوياً واجتماعياً مع من كان حولهم في صحراء الجزيرة العربية ، ونلاحظ هذا التفاعل اللغوي في عصرنا الحاضر في مناطقهم بأرتريا وشرق السودان ، ما يعني إنهم مجبولون لتجديد لغتهم لتواكب العصور من خلال تفاعلهم اللغوي والثقافي مع من يليهم. أيما لغة حية لابد من أن تأخذ وتعطي غيرها من اللغات واللهجات المجاورة لها من خلال تواصل البشر وهذا ما ساعد اللغة مدار البحث على التجدد ومواكبة العصر. إن مزج الناطقين بالتقري بعض مفردات اللهجات العربية المعاصرة في أحاديثهم اليومية ، واستخدامهم العربية الفصحى دون غيرها في شأنهم الثقافي المكتوب ، ومقاومة كل أشكال التذويب خارج إطار الثقافة العربية لهو درب من المحافظة على الهوية الثقافية العربية العالقة في وجدانهم الجمعي ، وخصوصاً في عصرنا الذي أضحت فيه الدنيا " قرية صغيرة والفضاء الأعلى مجالا رحباً للتواصل الإنساني وتذويب الكيانات البدائية الصغيرة.

على سبيل المثال إلى الآن شخص أمي لا يتحدث إلا التقري ويعيش في منطقة نائية ولم يحتك باللهجات العربية المعاصرة بإمكانه أن يفهم جزء يسير من نشرة الأخبار التي تقرأ بالفصحى المعاصرة عبر المذياع ولكن هذا الشخص لو انتقل إلى منطقة حضرية واختلط بمن يتحدث بلهجة عربية معاصرة (كالدارجة السودانية مثلا) يفهم النشرة خلال أيام قلائل بنسبة مقدرة وتطرأ على كلامه مفردات لهجة معاصرة جديد مثلا (ملابس - دواء - لبن عوضاً عن لباس - سراي - حليب الخ).

أحث بهذا المثال الباحثين في مركز أبحاث لغات شرق السودان بجامعة كسلا بشرق السودان أن يهتموا بهذا النوع من الدراسات اللغوية الميدانية.

البعد السياسي والثقافي لهذا الكتاب:

كون لا يفهم العرب المعاصرين لهجة "التقري" لا يلغي هويتها المتجذرة في عمق التاريخ العربي ، وهناك العديد من العاميات العربية لا يفهمها العرب المعاصرين. الفرق بين العاميات العربية المعاصرة و "التقري" هو إن التقري كونها لهجة بدوية وحاضنتها منطقة شبه نائية احتفظت بالعديد من الخصائص والمفردات العربية القديمة على أصولها ، وكون بعض مخارج الحروف متشابهة - أو بعض المفردات في العربية المعاصرة تم قلب مكان الحروف فيها في التقري لا يلغي معنى الكلمة الواحد في اللغتين إلى الآن.

Top
X

Right Click

No Right Click