سلسلة حلقات رواية انتحار على أنغام الموسيقى (القصة الحادية عشر) عدو الأمس صديق الغد

المصدر: عزة برس  تأليف الكاتب والروائي: هاشم محمود

حامد طفل في الخامسة من عمره، توفيت والدته وهو في الرابعة، وعاش متنقلًا بين خالاته وله ثلاثة أخوة،

رواية الانتحار على انغام الموسيقى

أخوان شقيقان وآخر من جهة أمه؛ فوالدته كانت قد تزوجت من قبل بابن خالها؛ فأنجبت منه بكرها عمر قبل أن يخرج ابن خالها في رحلة عمل ولم يعد، وظلت في انتظاره سبع سنوات، وبعدها جاءت أخبار تفيد بوفاته مقتولًا في إحدى المناطق الريفية البعيدة.

سبب الوفاة كان مجهولًا، وبعد سبع سنوات دخلت في عدتها مودعة بذلك أعوامًا من الانتظار؛ فتزوجها والد حامد وأنجب منها ثلاثة أطفال، وتوفيت من بعدها، عاش أخوهم الأكبر مع أعمامه في بيت آخر يتيم الأبوين.

كان والد حامد متزوجًا من أخرى قبل الزوج من أمهم فأنجب منها طفلين ولدًا وبنتا، ثم اختلفا ووقع الطلاق فأصبح لحامد أخوة آخرون من ناحية الأب.
توفي الأخ الأصغر لحامد وهو طفل في شهوره الأولى، وكذلك أخوه الآخر من جهة أبيه.

كانت ماسأة الأسرة التي تبعثرت بين الأهل؛ فقرر والد حامد إعادة زوجته الأولى بعد تسع سنوات من الفراق، فهي الأخرى رفضت العديد من الرجال الذين تقدموا للزوج منها، فبذلك اجتمعت العائلة، حامد وأخوه الأصغر، وكذلك أختهم التي تكبرهم بأعوام عدة.

حامد وأخوه صغار لا يعرفون شيئًا عن والدتهم، كما أن أخاهم الأكبر من ناحية والدتهم هو الآخر لم يلتقِ بهم لصغر سنه من ناحية ولبعد المسافة من ناحية أخرى.

عاش حامد وأخوته في كنف والدهم وزوجة والدتهم، والتي عرفتهم بأنها أمهم، ولصغر سنهم وبعدهم عن خالاتهم وانقطاع الزيارات العائلية لفترة من الزمن ظلوا ينادونها بأمهم.

حامد يسأل: هل عندما كنا صغارًا كانت تأتينا زيارات من قبل بعض أخواتك؟

زوجة الوالد: نعم أخواتي الآن أطفالهم كبروا وانشغلوا بالمراحل الدراسية.

حامد يسأل: سمعت من إحدى نساء الجيران تسأل أين أخوكم؟

زوجة الوالد: من هي التي تسألك هذا السؤال؟

ولكن أخاكم في المدرسة الثانوية، وسوف يكون معكم قريبًا بإذن الله.

وفي المساء تخبر الزوجة زوجها بأن لدى حامد أسئلة كثيرة.

يرد زوجها إدريس: سوف يأتي اليوم الذي يعرف فيه كل تفاصيل أسرته.

الزوجة: هنالك من نساء الجيران من يعمل على زرع الفتن بيننا.

الزوج: لا تهتمي كثيرًا بالأحاديث العابرة.

ظل حامد يتذكر بعضًا من أيام طفولته الأولى وتنقله بين الأهل، ولم يجد إجابة شافية لتلك الطلاسم التي تدور حوله؛ فزوجة والده معروف عنها سوء المعاملة، ويشهد بذلك كل الجيران، بل تعمل على أن يكون أخوه الأصغر قريبًا جدًا منها، لأنه ببساطة لا يعرف ولا يتذكر شيئا من الماضي؛ فوالدته حينما توفيت كان في الثالثة من عمره.

لاحظ حامد أن هناك اختلافا في معاملة زوجة والده له بخلاف أخته وأخيه، فكانت زوجة الوالد تقدم كوب الحليب باستمرار في الليل لابنتها وابن زوجها الصغير.

وذات يوم استيقظ حامد من النوم فما كان منها إلا أن قالت له:

ارجع إلى سريرك.

فبكى حامد.

كان والده في زيارته لإحدى المناطق القريبة في تلك الليلة، وفي الصباح سأل حامد شقيقه الأصغر: لماذا أمي تعطيكم الحليب، وأنا لا تقدم لي ذلك؟! فكان رد ذلك الطفل: توقظني أمي كل يوم وتقدم لي الحليب.

امراة الزوجة أرادت بذلك أن تقدم درسًا لهذا الطفل المتمرد عليها منذ الأيام التي توجه لها بأسئلة، زوجة الوالد في الغالب العام تميل لأطفالها، متناسية تلك الأمانات التي تركتها لها الزوجة الأخرى، قد تكون هنالك زوجات لا يعملن على التمييز بين هذا وذلك، ولكن الغالبية العظمى منهن أنانيات، فقد تكون أم بديلة قد تربيك ولكن ليست بدرجة أمك، قد تكون حنونة عليك بعض الوقت من خلال عاطفتها، ولكن من المستحيل أن تعطيك دفء وحنان الوالدة.
أنجبت من زوجها عددًا من البنات مثنى وثلاثا ورباع، ولم تنجب ولدًا، مما جعلها أكثر عدوانية تجاه حامد، وحامد قريب جدًا من والده الذي يكن له حبًّا.
حامد يذهب مع والده في الأسواق حتى صار صديقًا له، بل إن والده أصبح يمده ببعض المعلومات عن حياة والدته، وعن أخيه الصغير الذي توفي في أيامه الأولى، وكذلك عن أخيه الأكبر من زوجته التي معه، ويمده بذكريات أيام التنقل مع خالاته.

بدأ حامد يكوِّن فكرة عن زوجة أبيه شيئا فشيئا، بينما أخوته كان من بينهم من يحبه ومن يلعب معه، وفي ذات يوم عندما زارته خالته التي قضى معها أيامًا من طفولته الأولى، أي بعد وفاة والدته، لم تحسن زوجة أبيه استقبالها، والوالد كان بالسوق، فيذهب إليه حامد مسرعًا: أبي هناك أمراة ضيفة عندنا في البيت، وحينما سألتها قالت لي أنا خالتك.

خرج الوالد مسرعًا من السوق متجهًا نحو البيت، فإذا بخالة حامد جالة تأتي ولم يهتم بها أحد، بل لم تكرمها زوجته، وحينما حضر زوجها بدأت في إعداد بعض الأشياء لها من تقديم الضيافة، فيجلس الوالد بجوار أخت زوجته القديمة، يسلم عليها مستفسرًا عن جميع معارفه السابقين، والخالة تجيب، كانت الخالة قاصدة قضاء إجازةً جميلة مع أبناء أختها، وذلك بعد مرور أعوام على وفاتها، إلا أنها لاحظت سوء المعاملة من قبل تلك الزوجة لأبناء أختها، فلم تستطيع تحملها.

تجمعت أفكار جديدة لدى حامد من خلال الحوار الذي دار بين والده وخالته، وعرف بأن له خالًا في بلاد المهجر هو الآخر له عدة أعوام لم يأتِ لزيارة أهله، ولكن خلال هذه العام ربما يسجل لهم زيارة وأن أخاه الأكبر هو الآخر أكمل دراسته الثانوية سوف يكون برفقة خاله في تلك الزيارة.
خلال تلك الزيارة، تأكد حامد أن هذه المرأة التي يعيش معها ما هي إلا زوجة الأب التي تقوم بواجبها من أجل إرضاء والده، وأنها ليس لها ضمير إنساني، وبدأت الخلافات تدب علانية بينه وبين زوجة أبيه، مما أثر على علاقته بأخواته.

وظلت زوجة الأب توصِّل كل معلومة صغيرة وكبيرة لزوجها بهدف خلق شرخ بينه وبين ابنه، إلا أن الوالد كان يقر كل تحركات حامد في ذلك الوقت ولعلمه بزوجته جيدًا.

عرف حامد من جيرانه الذين يكنون لزوجة أبيه كل الكراهية نتاج تصرفاتها السيئة مع هذا الفتى، وكذلك عدم مشاركتها في أي مناسبة اجتماعية صغيرة كانت أم كبيرة، متى توفيت والدته وفي أي عام، وكم كان سن أخيه الذي توفي في ذلك الوقت.

والأسوأ من هذا كله كانت أمها التي تأتي في زيارات متقطعة لابنتها، لم تعطِ أي إحساس لحامد بأنها جدته، بل كانت تضمر له كل كره؛ وذلك لعلاقته الحميمة مع والده.

دخل المدرسة الابتدائية كان قبلها يدرس تلاوة القرآن الكريم، وحفظ جزءًا منه، وفي ذلك العام زارهم خالهم القادم من بلاد الغربة ومعه أخوهم الأكبر سنًا.. حامد وأخوه يلتقيان لأول مرة.

بدأ خالهم بتقديم الهدايا، وأخذ الصور مع أبناء أخته، فكان منظرًا جميلًا، بالإضافة إلى زيارات الجبران له في المساء وذكرياته مع الجميع.
خلال تلك المدة التي كان يأتي فيها يهتم بأبناء أخته، يذاكر لحامد، يوجهه بين الحين والآخر، وفي الصبح يذهب حامد إلى مدرسة ويظل أخوه إبراهيم مع الضيوف.

حامد في شوق كبير حتى ينتهي اليوم الدراسي لمقابلة أخوته، يرتدي كل يوم ثوبًا جديدًا فرحًا به، جيرانه يحمدون الله على سعادته التي لم يجدوها على وجهه طوال تلك السنوات. كم جميل أن يضيء وجه حامد بهذه الفرحة المفقودة، كم سيجازي الله هذا الخال الذي جمَّع بين أبناء أخته بعد فراق طويل.

يودِّع الخال والأخ الأكبر الأهل في انتظار العودة إلى ديارهم.

تركت هذه الزيارة انطباعًا جميلًا لدى حامد، وكذلك بدأ إبراهيم يتعرف شيئًا فشيئًا عما يربط بينه وبين حامد، كان حامد ملازمًا للديوان طيلة زيارة الخال وأخيه.

بدأت زيارات الأخ الأكبر تتكرر عامًا بعد الآخر، ومن الخالات من سجل زيارات أخرى.

عاد الخال إلى عمله بالديار الغربية ولم تنقطع الهدايا عن حامد وإبراهيم بل حتى أخواتهم غير الشقيقات، زوجة الوالد لم يعجبها شيء، كانت كل تعليقاتها عن كل ما يقدم لبناتها بالنقد، وظلت تعمل على خلق هوة بين أبناء الرجل الواحد.

تدرَّج حامد في الدراسة، وكان من المتفوقين جدًا، وكذلك إبراهيم هو الآخر من الطلاب البارزين.

إبراهيم هادئ جدًّا في طباعه، عكس حامد الذي يمتاز بالمشاكسة، وبينما هم في هذه الحالة إذا بنبأ وفاة خالهم يأتي، كم كان هذا الخبر محزنًا لحامد وأخيه لشعورهم المؤلم بالفقدان، هو ذلك الخال الأكبر الذي تزوج من زمن ولم ينجب، وتدرَّج في المراحل التعليمية إلى أن أكمل تعليمه الجامعي.

حالة من الحزن تسيطر على حامد، فاليوم فقد سنده الأهم، خاله الوفي.

تمر الأيام ويتجرع حامد مرارة الفراق، لكن في كل مرة كانت زوجة الوالد تذكر بناتها بألا يعتمدوا على هذين الأخوين:

أتمنى أن أنجب لكم أخًا يكون لكم سندًا، هذان ربما يقدمان لكم السند بوجود والدكم، ولكن لا قدر الله إن مات والدكم فسيكون مصيركم مجهولًا.

تتكلم الزوجة وكأنها حاصلة على ضمان بقائها على قيد الحياة.

ظل حامد وأخوه أكثر تمسُّكًا بأبيهم من أي وقت مضى، هنالك من أخواتهم من يكن لهم كل احترام وتقدير، غير مهتم بحديث ومواقف والدتهن، تدرجا في سلم التعليم حتى أكملا المراحل الجامعية، وظلا يقدمان المساعدة لوالدهم الذي كبر في السن.

تزوجت أختهما الكبرى فأنجبت طفلًا، وكان دور جدته في خلق القلاقل بين بنتها وزوجها، وحدثت صدامات كثيرة لدرجة أن العائلة شعرت أن مهمة هذه المرأة عدم الاستقرار، فهو شعار ترفعه في وجه كل من تراه مستقرًا.

تزوج أخوهم الأكبر من إحدى أقاربه فكان ذلك الفرح عبارة عن حزن فأعمامه تذكروا أيام كانت والدته على قيد الحياة، وخالته ظلت في بكاء، في منظر خلا من الفرح في ذكريات أختهم، كانت أخوات حامد حاضرات وشاركن في هذا الزواج.

مشهد تتقطع له الأفئدة، إدريس هو الآخر دخل في نوبة هستريا من البكاء، من خلال ما شاهده من أعمامه؛ فإدريس لا يعرف عن والده شيئًا، ولكن يتذكر والدته جيدا، لم تكن زوجة الوالد حاضرة بينهم في تلك الأمسية، حامد على علاقة حميمة مع إحدى عماته التي كانت تسجل لهم زيارات في أيام الطفولة، عمته هذه كانت علاقتها جيدة بوالدة حامد في بواكير زوجها من أخيها.

هذه العمة في إحدى زياراتها لهم كانت معها أختها التي تكبرها، وكان معهم عدد من أطفالهم في تلك الزيارة من بين الأطفال إحداهن ذات ربيعها الخامس، وكان حامد حينها بالثانية عشرة من عمره.

كان حامد معجبًا جدًا بتلك الطفلة التي وجد فيها حنان الأخوة المفقود، كانت الطفلة تميل إلى خالها والد حامد، الذي كان يسجل لهم زيارات بين الحين والآخر، خاصة أن والد حامد على علاقة طيبة مع جميع أخواته وأخوانه، بل يعتبر أكثرهم تواصلًا.

والد حامد هو الآخر ليس لديه أخت شقيقة؛ فوالده متزوج من أكثر من امرأة، ولكنهن عشن معه في بيت واحد يجمع بينهم الود والاحترام.

وفي هذه الزيارة في يوم من الأيام والأخوة والأخوات مجتمعون في جلسة مسائية يتناولون أكواب الشاي، الوالد يسال حامد:

اختر بين بنات عماتك خطيبتك المستقبلية.

حامد: أنا اخترت هذه الصغيرة ذات الخمسة أعوام.

والدتها: مبروك فأنا بإذن الله سوف أحجزها لك.

الوالد: غدًا أنتِ مسؤولة عن هذا الكلام؟

تضحك أخته: نعم سوف أبلغ زوجي بهذا الأمر.

يأتي الدور على إبراهيم فيسأله والده:

اختر من تراها خطيبتك؟

إبراهيم: لست من يختار الآن، فأنت يا أبي اختر لي، ولكن ليس الآن إنما في المستقبل.

ينفض المجلس والكل قد بارك لحامد هذه الطفلة التي لا تدري شيئا عما يدور.

زوجة الوالد - ملكة المشاكسات - ترد:

هذه الاختيارات لن تصدق؛ فهم أطفال ويجب ألا تأخذوا الأمر بهذه الجدية.

زوجها يرد عليها:

توكلي على الله، فإن كانت بينهم القسمة سوف يجتمعون حتمًا وأنا أمني النفس بأن تكون زوجة ابني حامد.

عمته الأخرى:

أرجو أن أحضر زواجهم.

الوالد: هؤلاء أمانة أمهم، ربي يوفقني لإتمام فرحهم.

نشأت علاقة طيبة بين هذه الطفلين وبدأ جميع الأهل يتحدث عنهما في انتظار أن يكبرا ويتوج ذلك بإتمام الفرح.

تمضي السنون، ويلتقيان في فترة في آخر مناسبة من مناسبات العائلة، تكبر بنت العمة ويتقدم لها الخطّاب واحدًا تلو الآخر، أبناء عماتها مرفوضون جملة وتفصيلا، أبناء عمها ترفضهم واحدًا تلو الآخر، وفي داخلها تردد: عسى الله ألا يفرقنا.

أما حامد فهو الآخر يسابق الزمن من أجل إتمام نية والده، وتحقيق حلم الطفولة، خاصة أن المسافة قريبة جدًا بينهم والتي أثقلتها الأيام، وحديث الأهل في الطفولة كان له الأثر الطيب في نفسي الطفلين.

كانت دومًا وهي ترفض من يتقدم إلى خطبتها تردد أنهم مثل أخواتها، ولا يصح أن تتزوج من تعتبرهم مثل أخواتها.

زوجة الأب ترفض أن يتم هذا الزواج، وتحاول أن تقنع حامد يومًا بعد يوم، بل تنشر الأخبار بما يفيد أن حامدًا قد لا يتزوجها وأنه على علاقة بابنة خالته.
حامد يرفض هذه الأخبار، ويؤكد بأنه إن شاء الله سوف يكمل الحلم الذي طال انتظاره، وأنه لن يخذل والده وعمته ومن قبلهم بنت عمته التي انتظرته طويلًا.

في أحد الأيام فاتحَ حامد والده، وأنه قد رتب كل أموره في انتظار أن يتقدم لابنة عمته، وأن يكون الزواج في أقرب فرصة ممكنة؛ لأنه بدأ يفكر في الاغتراب، ولكن بعد إتمام الزواج فرح الوالد فرحًا شديدًا.

أبلغ أخوته وحدد موعدًا من أجل الذهاب إلى أخته ومقابلة زوجها، فقد حدد اليوم الذي سوف يذهبون فيه، وتمت إجراءات الخطبة الرسمية في سرية تامة، بل تم تحديد مدة شهرين، وسوف يتم خلالها عقد القران، أي زواج بنت عمته التي كانت تمني النفس بتلك الليلة، ليدعو الجميع بأن يمد الله في عمرهم لإتمام الخبر السار.

أخوال وخالات حامد رحبوا بالفكرة، وكان من بينهم من ذهب لحضور الخطبة، وتم تحديد يوم الفرح ووزعت كروت الدعوة، وبلغ جميع الأهل والأقارب فكان زواجًا مثاليًا بامتياز.

وفي يوم الزواج اجتمعت الخالات والعمات في انتظار المباركة للزواج، وأما حامد، فما كان منه إلا أن أجهش هو الآخر بالبكاء في حضوره، كيف لا؟! وقد نظر إلى خالاته، لقد تذكر أنه فقد عزيزًا في هذا اليوم.

تم الزواج وذهب حامد إلى إحدى دول المهجر وترك زوجته أمانة لدى والده متنقلة بين أهلها وبيتها حتى يتمكن من استخرج الأوراق الرسمية، والتحقت به في دار الغربة مكملًا بذلك فصلًا طويلًا من التشويق والانتظار.

زوجة حامد هي الأخرى تحملت إساءات ومعاكسات زوجة الأب النكدة من أجل خالها وزوجها، بل كانت على قناعة بأن هذه مرحلة وسوف تنتهي بلقاء زوجها، فكان لها ما أرادت.

الأقدار قد ينطقها الإنسان في لحظة ما، وقد تتحقق.

وجاء دور إبراهيم الذي قد قطع عهده مع والده وهو صغير بأن يختار له شريكة حياته.

والده يستشير أخوات أبيهم: ساعدوني في الحصول على زوجة لإبراهيم، إحداهن تشير إلى إحدى الفتيات والتي قد جاءتها زيارة في منزلها قبل فترة ليست بالقصيرة.

الوالد يسأل عنها، يعرف والدها وكذلك والدتها، فيقوم بزيارتهم ومعه إبراهيم، أسرتها ليس لديها أي مانع، الوالد يقوم بالخطوات الرسمية للخطوبة، الفتاة توافق، الكل مرحب، أخوات إبراهيم مرحبون، ولمَ لا؟! وقد كان الخيار لإحدى حمواته، ولكن ذلك أغضب خالات إبراهيم؛ تزوج إدريس من خارج أهل أمه، فتبعه حامد، والآن يخرج إبراهيم.

والده يرد: هذا خياره.

إبراهيم: خالاتي نعم لم أشاوركن.. لكنني كنت قطعت عهدًا على نفسي بأن لا أخرج عن خيار والدي وأنا طفل، فكيف لي أن أخالف ذلك الوعد الآن؟!

ويعمل إبراهيم على إرضاء خالاته فيوافقن، ويتم الزواج بهدوء ويسر، وكالعادة حضر جميع الأهل، وزوجة الوالد هنا بدأت تمثل دور الأم الحنون.

ذهب إبراهيم وزوجته في رحلة شهر العسل إلى إحدى المدن، وبمجرد عودتهما بدأت المشاكسات بين زوجته وأخواته، دخلا في مشاكل حيرت كل من سمع بها، الكل يسأل ألم يكن اختيار خالاته؟!

أخته: لقد استعجلت في الأمر يا إبراهيم، هذه الزوجة غير مناسبة لأخي إبراهيم.

وقف في وجههن وتضامن مع زوجته، وظل والده كبير السن الذي يعاني من بعض الأمراض المزمنة في دوامة الخلافات بين هذه الزوجة وكذلك بناته، وقد حاول الوالد المغلوب على أمره كثيرًا من أجل ألا تتكرر الأخطاء ولكن دون أن يوفق في ذلك، فكان القرار بأن يتم الفصل بينهم في كل شيء، حتى حدود البيت تكون معروفة لكل طرف.

ألم يكن إبراهيم ذلك الفتى المدلل القريب جدًا من زوجة أبيه؟ ما الذي جرى؟ وماذا حدث بينه وبين أخواته؟ أحدهم يسأل.

حامد يتدخل بين فترة وأخرى بالاتصال بجميع الأطراف من أجل لم شمل الأسرة، ولكن دون أن يتغير شيء.

انتقل الوالد إلى رحمة مولاه، وتكفَّل حامد بدور الوالد، وظل يتابع أخواته حتى زواجهن واحدة تلوى الأخرى، وظل قريبًا منهن، بل يسجل زياراته المتكررة.

فأنت لست من تختار ما قدر لك، ولكن الأيام وحدها من تحدد ذلك، فلا تدري متى تموت، ومن سيكون من مشيعيك، ليت زوجة الوالد فهمت ذلك، فمن كان بالأمس عدوًا أصبح اليوم صديقًا يعتمد عليه.

Top
X

Right Click

No Right Click