حوار تشريحي مع كتاب ارتريا من حلم التحرر الى كابوس الدكتاتور

بقلم الأستاذ: محمد اسماعيل هنقلا - كاتب إرتري - ملبورن، استراليا

حوار مع كتاب سياسي يحلل ويسبر أغوار بنية النظام العسكري والثقافي الارتيري.

 إرتريا من حلم التحرر إلى كابوس الدكتاتور 2

ويفكك بنية النظام الارتيري عبر أدوات مدرسة الحداثة… وعبر هذه القراءة التفكيكية يحدد الكتاب مصدر خلل الأزمة وأسبابها التاريخية. وانطلاقا من مبدأ ان إكرام النص قراءته. نمارس فعل القراءة إكراما للكتاب.

كتاب الاستاذ/ فتحي (ارتيريا من حلم التحرير الي كابوس الديكتاتور)… الكتاب يؤرخ للازمة المعاشة عبر قراءة الماضي وانعكاساتها على الحاضر ويحدد من خلال هذه القراءة رؤية للمستقبل.. ان الكتاب قراءة اركولوجيا لتاريخ الأزمة الارترية.. ويبدأ من كيفية تكون الكيان الارتري مرورا بكل مراحل الاستعمار، وكذلك يرصد وضع الثورة الارترية وإشكالياتها السياسية حتى تاريخ يوم الاستقلال… ويقرأ التباين في الواقع السياسي الارتيري من خلال الجغرافية والسياسة.. فان تجربة الجبهة الشعبية هي تجربة المرتفعات، وان تجربة جبهة التحرير تمثل انعكاس للمنخفضات.. وبتالي البيئة الجغرافية والاجتماعية الحاضنة تظهر كانعكاس في وعي وثقافة إنسان تلك البيئة وفي أنشطته... وتوصل الكاتب من خلال القراءة الي الاستنتاجات التالية: ”ان الكيان القائم لا يؤمن بالاصلاح“ وكل من يجرؤ على التعبير عن اي مطالب او اصلاح سوف تسحقه الجبهة الشعبية - ويضيف قائلا: ان الجبهة الشعبية لم تترك خيار لأي إصلاح سوى المرور بفوهة البندقية ”إذن هذه هي الذهنية المسيطرة على المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتي شهدنا ونشهد سلوكها الوحشي عبر مسيرة تاريخ النضال الارتيري… وبتالي يجب القطيعة مع هذا المشهد وليس التعامل معه من باب خطاب الإصلاح.. بل مواجهته بكل الوسائل والتخلص منه.. ويقول الكاتب بهذا الشأن: السبيل الوحيد المتبقي لتخلص من إرث الجبهة الشعبية هو الحديد والنار“.

أوافق على هذا التوصيف للحالة السياسية الارتريا وخاصة كل الصفات التي وصف بها الجبهة الشعبية.. هذا التنظيم الذي حافظ على شوفينيته برغم الادعاء الكاذب بالمشروع الوطني، واستمر حتى هذه اللحظة وهو يمارس البطش والتنكيل بالشعب.. وبيده القبضة الحديدة، والأمنية والعسكرية.. وأهمل الجانب السياسي المرتكز على إرث نضالات الشعب الارتيري عبر التاريخ.. تحت حجج ان هذا من مخلفات الاستعمار.. من اجل الهروب من الاستحقاق الوطني.. و في ارتريا ليس العلم واللغة فقط هو الذي تبلور في زمن الاستعمار على حسب ادعاء الجبهة الشعبية.. بل أيضاً ارتيريا كبلد هي من صنع الاستعمار الايطالي، كخريطة متعارف عليها، وكذلك البنية التحتية لتخطيط المدن وشبكة المواصلات.. حتى الان لم نستطيع تجاوز ذلك لإنجاز، ما زلنا نعيش تحت بريقه ذلك الزمان برغم من تدفق مياه كثيرة من تحت جسر زمن الاستقلال.. وحتى الشعور الجمعي وان كان ضعيف الدلالات، بدا تكونه في تلك الفترة.

يقول الاستاذ/ فتحي (ان حمل السلاح وزجهم في المعارك أكسبت السكان الأصلين بروز نواة الشعور الجمعي) هذا الشعور كان منبعه الأساسي الكراهية المشتركة تجاه التصرفات غير إنسانية التي كان يرتكبها المستعمر الايطالي ضد الانسان الارتري. وكان منشأها الفعلي لتلك الشعور هو هذه الكراهية اي الحملات المتساوية في التجنيد الإجباري وليس الإحساس المبكر بالوطنية.

واعتقد اذا كان هناك بداية تاريخ لتكون الشعور الجمعي هي فترة الانتداب البريطاني.. وقبل هذا التاريخ تعتبر الشخصية الارترية ضعيفة الملامح من حيث مفهوم الهوية الوطنية… وحتى الان عنصر توحد هذا الشعب هو العامل الخارجي ولذا نرى دائماً ان النظام يستخدم فزاعة العدو والمؤامرة الخارجية حتى يضمن استمرار نظامه.

اما بخصوص جبهة التحرير أًفضل ان أقول هي امتداد للمشروع الوطني بدل القول ان تجربة المنخفضات يتمثل في جبهة التحرير.. صحيح في البدايات الاولى كان الحامل الاجتماعي للثورة الارتيريا هم أبناء المنخفضات، واستمر هذا الوضع حتى بداية السبعينات ولم يستخدم هذا الحضور الواسع من اجل إقصاء مكون أساسي من مكونات المجتمع.. بل تم حشده لصالح مشروع الوطن.

وهناك اخطاء وصعوبات تعرض لها المشروع كأي مشروع سياسي وفعل إنساني.. لكن مع كل هذا لم تخرج الجبهة عن سياقها التاريخي، كمشروع وطني.. وانطلاقا من هذا المبدأ مبدأ الوطنية، انفتحت الجبهة على كل عناصر مكونات مفهوم الوطن والوطنية.. وأي قراءة لتجربة الجبهة يجب ان تشمل كل مراحل التجربة.. اما اقتطاع سياق تاريخي محدد من كل مسار تاريخ الجبهة هذا لا يخدم هدف الحقيقة.

والمحطات التي مرت بها الجبهة، كل محطة تختلف عن المحطة السابقة.. وبتالي: حتى لا تكون القراءة ناقصة عندما نقرا تجربة الجبهة يجب ان نقرأ كل محطة وفق شروطها التاريخية.

١) المرحلة الاولى من ١٩٦١ الي ١٩٦٤.

٢) المرحلة الثانية هي من ١٩٦٥الي مؤتمر ادوبحا.

٣) المرحلة الثالثة هي مرحلة المؤتمر الوطني الاول والثاني .. والقاسم المشترك بين كل هذه المحطات هو المشروع الوطني.

وان تجربة المشروع الوطني تجزرت أكثر بنفس تقدمي وديمقراطي في المؤتمر الوطني الاول والثاني، وأصبح اكثر حضورا المشروع الوطني في وعي الناس كلما اوغلت الجبهة الشعبية في الانفراد بالقضية الوطنية.. وحتى بعد غياب الجبهة عن ساحة العمل كجسم سياسي وعسكري ملموس.. لم يغيب عن وعي الناس مفهوم المشروع الطني الذي رسخته الجبهة عبر مسيرة النضال الطويلة.. وحتى لغة التجرنيه كلغة تطورت في احضان مدرسة جبهة التحرير على يد أمثال: فصوم قبري سلاسي ...وآخرون.

فالجبهة نجحت في لعب دور مدرسة التنوير الذي سهل في تعميم الوعي الوطني على مستوى مساحة الوطن.. وعبر تعميم هذا الوعي تأكد حلم الاستقلال، برغم من فشلها الجبهة كتنظيم في استلام سلطة الحكم.

يقول الاستاذ/ فتحي عثمان (ظهور رموز لاهوت التحرر الوطني: ناصر، سيكوتورية، نكروما ..لخ) من الأسماء.. ويكرر القول في صفحة اخرى من الكتاب قائلا: (وكفرت الأجيال الجديدة بالأسماء الكبرى التي كانت رسلا للاهوت التحرر: ناصر، كابرال، نكروما …الخ) لا أدري ماذا يقصد الكاتب ب(لاهوت التحرر) هؤلاء الزعماء (ناصر، نكروما، سيكوتورية …الخ) لم يكون من لاهوت التحرر..ل اهوت التحرر ظهر في أمريكا اللاتينية.. وجاءت دلالة التسمية من انخراط بعض رجالات الدين الي المقاومة الثورية… خلافا لمفهوم الكنيسة.. وفي ارتيريا كان هناك شخص يحمل فكر لاهوت التحرر القس (أبا ولدي هيمانوت) الذي استشهد مع المناضل دبروا طلوق في مدينة مندفرا.

في الختام ان الكتاب يعتبر قراءة جادة يطمح الي كشف عن مصدر الخلل، من خلال طرح التساؤلات على أسباب الأزمة.. وعبر طرح السؤال المناسب على الأزمة يحاول ان يبني جسر العبور نحو ميدان الحلول والحوار الهادف حول القضايا المصيرية.. يقول الدكتور/ على حرب (نقترب من الحقيقة بقدر ما ننفتح على الخطاء) وان كتاب الاستاذ/ فتحي هو انفتاح على خطاء الماضي والحاضر وبتالي بهذه الممارسة يعتبر الكتاب الاقتراب من الحقيقة.. انه حقاً كتاب يستحق حوار وقراءة منهجية وهو عبارة عن عناوين مختلفة لقراءة واحدة.. ويطرح من خلال هذه العناوين مراجعة مسار التاريخ.. والإشكالية القائمة.. وأتمنى ان يتم قراءة ومناقشة الكتاب بشكل واسع.. في الوسط الثقافي الارتري.

Top
X

Right Click

No Right Click