سلسلة حلقات رواية انتحار على أنغام الموسيقى (القصة الخامسة) مجموعة الطوابير

المصدر: عزة برس  تأليف الكاتب والروائي: هاشم محمود

تعتبر هذه المجموعة الطلابية التي لا يجمع بينها أي رابط. فقط تعرفوا على بعضهم من خلال

رواية الانتحار على انغام الموسيقى

السنة الأولى، منهم من أبناء الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض. تمتاز هذه المجموعة دون غيرها بالمشاكسة اللطيفة، من ينظر إليهم يعتقد أنهم متنقون في كل شيء، إلا أن الحقيقة عكس ذلك تمامًا؛ فكلّ واحدٍ له موقف من الآخر، لكن روح الدعابة والمشاكسة صنعت منهم هذا الاتحاد اللافت للانتباه.

هناك من يطلق عليهم مجموعة تخسرون، هنالك بعض الطالبات ضمن هذه المجموعة، ولكن ليس لهن أي دور يقمن به سوى الاستماع للأحداث التي يروونها بين الحين والآخر، تحاول مجموعات أخرى غزوها من كل صوب، إما أن تنضم إليهم ولو مؤقتاً أو ستتبعثر، وتحتاج إلى إعادة تكوين وتجميع. في مرحلة التخصصات، ذهبت بكامل ثقلها لى قسم المحاسبة، وذهب بعض المتمردين والمتمردات إلى تخصصات أخرى، ومع ذلك ظلت المجموعة ذات تأثير على بقية الدفعة.

امتازوا بالمكر والدهاء العاليين في سبيل زعزعة بقية الطلاب، فمثلًا قائد المجموعة يفكر في مكيدة مستفيدًا من شخصيته الهادئة وسيطرته على هذه المجموعة المثيرة للجدل. في أحد استهدافاتهم المتكررة، استهدفوا علاقة حميمة بين طالب وطالبة قوامها الاحترام بين الطرفين، وهناك شبه اتفاق بينهم بأن علاقتهم لن تستمر فاكتفيا بالاحترام.

اجتهدت مجموعة الطوابير وحركت كل قواها بهدف ضرب هذه العلاقة ذت الطابع الأخوي؛ فما كان منهم لا أن استدرجوا الطالب الذي لا يعرف عن خباياهم شيئًا، وقدَّم له زعيم الطوابير دعوة لتناول وجبة الإطار بدعوى التعارف.

عجيب أن وصلنا نهاية العام الدراسي وليس بيننا أيّ لقاء.

الطالب: حقيقة أعوام مضت، ولكن -إن شاء الله- في ما تبقى من وقت نجتمع وعلى خير..

وبدأ يتقرب منهم شيئًا فشيئًا، والطالبة هي الأخرى دخلت دائرة اهتمامهم؛ فما كان من أحد الطوابير إلا أن رسم حرف الطالب - أي زميل تلك الطالبة في دفترها بخط أقرب ما يكون إلى خط الطالب - وبعد مرور ثلاثة أيام، روّجوا مقولة أن هذه الطالبة مقلوب على أمرها من شدة حبها لزميلها، وأصبحت تكتب حرفه الأول في دفترها بالرغم من أن هذا الطالب قد صرح لهم بأنه وضعه العائلي لا يسمح له الارتباط بأي فتاة؛ فعليه مسؤوليات وواجبات نحو أسرته.. وكان هذا التصريح في جلسة مع الطوابير، وبحضور زميلته التي لم تعلِّق بل ظلت صامتة، بل مندهشة من هذا التصريح ومن وراءه!

تسأل الطالبة صديقها:

ما الذي دفعك للتحدث بهذا الأسلوب؟

الطالب:
ليس لي هدف محدد ولكن مجموعة الطوابير دومًا مصدر إزعاج للدفعة، فقط أريد أن أحسم هذا الملف الشخصي.. ثم يسألها:

لماذا وجهتي لي هذا السؤال أليس من واجبي أن أسأل.

الطالبة:

نعم!

واجبي أن أقول لك إن الأشياء الخاصة بل تحسمها بينك وبين نفسك؛ فهذا قرار شخصي وأعتذر منك إن أخطأت التقدير.

الطالب:

ليس بيننا اعتذار!

وفي الاسبوع الذي يلي هذا اللقاء انتشر خبر العلاقة بين الطالبة والطالب، وكيف روجوا له بل ظل البعض يتحدث بلسان حال الطالب أنه رفضها من حيث مبدأ الزواج، وكيف هي - أي الطالبة - متمسكة به لدرجة الولهان! بلغ الخبر إلى الطالبة بواسطة إحدى زميلاتها في الدفعة بأن هنالك حديث يدور حولك..

أريد أن أعرف مدى صحته.

تفضلي وأنا أما أؤكد لك الحديث أو أرفضه ولكن دون أي زعل.

زميلتها تسأل:

هل أنتِ مغرمة لهذه الدرجة بزميلك فلان؟

لا أعتقد أن بيننا شيء سوى الاحترام، وفلان هذا رجل طيب بشهادة طلاب وطالبات الدفعة.

طيب لماذا تضعي حرفه على دفترك في قلب؟

لم يحدث هذا وأعتقد أنني لست مراهقة حتى أقوم بعمل كهذا؛ إنه أسلوب المراهقين.

طيب افتحي دفاترك وستجدين ما أقول وتقوم الطالبة بفحص دفاترها وتجد العبارة بل عدة عبارات أخرى تدل على أنها مغرمة به وتفدي في سبيله الغالي والنفيس؛ فغضبت الطالبة من زميلها دون أن تدري بالأمر، وهاجمته بأصعب الكلمات قساوة..

ولكن الطالب كان كعادته هادئًا منضبطًا جدًا، وعمل على امتصاص غضبها دون جدوى، وانقطعت العلاقة الحميمة بين الطرفين، وتمكن الطوابير من ضمها إلى مجموعتهم، إلا أنها اكتشفت الحقيقة من خلال مشاكساتهم المستمرة؛ لأنهم متفقون من أجل الزعزعة، وحاولت الاعتذار لزميلها وهو الآخر رد عليها عذرًا فإن كبريائي أكبر من أقبل الاعتذار. في قسم إدارة الأعمال، وفي العام الثالث للدراسة، اختار عدد من الطلاب والطالبات هذا القسم، كان عدد الملتحقين به قليل جدًا..

لم يصل إلى 20 طالبًا وطالبة، والأهم من هذا كله أن هؤلاء الملتحقين ينتمون إلى مجموعات مختلفة، من حيث تكوين الدفعة ولم يكن من ضمنهم من مجموعة الطوابير أحد، وكذلك مجموعة مولانات الدفعة التي تنتمي إلى خلفيات دينية مختلفة؟

ما يميز مجموعة المولانات أن لهم فتاويهم المختلفة؛ فمنهم من لا يصافح الطالبات وآخرون يجدون مخارج للمصافحة، وقد كان من بين الذين لا يصافحون بل من هو متشدد في ذلك قد تنازل عن المصافحة وأصبح يجلس في جلسات أنس ومرح لست أدري على أي فتوى أعتمد!

أحدهم يسأل:

كيف لهذا الطالب المتعصب والمتشدد بدأ يتنازل؟

الطالب:

لقد أحرجت العديد من الطالبات في عدم المصافحة.

آخر يسأل:

هل هذا مبرر كافٍ؟

ليس لي مبرر أكثر من كوني أصبحت محرجًا بين الزميلات!

ثالث أسألك: ثلاثة أعوام كانت كفيلة وجعلت منك معروفًا بين الدفعة؛ فكيف تصافح في العام الرابع؟!

الطالب:

ذكرت ذلك كثيرًا، لكن لي مبرر ولا أعتمد على أيَّة فتوى.

هذا العدد القليل من طلاب قسم الإدارة، جعلهم أكثر تفهمًا وترابطًا، وكان أحد الأساتذة يقدم لهم من خبرة إدارة الإنتاج بمكتبه، ولهذا الأستاذ سكرتيرة اسمها (مارسلينا)، وبينما هو يقدم شرحًا عن إدارة الإنتاج توقف قليلًا ونادى مارسلينا يقصد أن يكرم طلابه ويقدم لهم ضيافة..

وجاءت مارسلينا، وسألها البروف:

أحضري لنا شيئًا نكرِّم به هؤلاء الشباب.

مارسلينا:

ماذا أقدم لكم شاي أم مشروبات باردة؟

يوجّه البروف سؤاله إلى الطلاب؛ فمنهم من يطلب شاي وآخرون أي مشروب غازي توقفت المحاضرة بضع دقائق. عاد البروف ليواصل درسه؛ فينظر إلى طلابه ويقول أين توقفت فإذا بأحد الطلاب يقول له آخر كلمه قلتها “مارسلينا”، وضج الحاضرون ضحكًا؛ فما كان منهم إلا أن أطلقوا عليه لقب مارسلينا، وكان البروف متى ما قابل هذا الطالب ينادي عليه:

أزيك يا مارسلينا!

كانت مادة الإدارة المالية جافة جدًا، ومما زادها جفافًا محاضرها الذي هو الآخر حاصل على أعلى الدرجات المهنية فيها؛ فيتعامل في شرحها بطريقة وكأنه يتعامل مع علماء في هذه المادة، وكان ذلك ضغط آخر على طلاب القسم، وهؤلاء الطلاب يعتبرون مدللين جدًا؛ لأن عددهم قليل وإدارة القسم تولي اهتمامًا أكبر بهم؛ فأعطاهم إحساسًا أنهم يستطيعون أن يتمردوا على كل شيء!

والأمر الآخر أن رئيس القسم في هذه الفترة تمت ترقيته إلى عميد الكلية، هذا العميد يدرسهم إحدى المواد وكان قريبًا جدًا إليهم، وحين سمع بقصة مارسلينا كان ينادي عليه في قاعة المحاضرة بذلك الاسم: مارسلينا!

ذات يوم قرر هؤلاء الطلاب بإجماع ألا يحضروا محاضرة الإدارة المالية؛ فكان قرار مجموعة العشرين بل أقسموا جميعًا على ألا يكون بينهم أي متخاذل، وكان توقيت هذه المحاضرة في منتصف النهار، جاء المحاضر إلى القاعة فلم يجد أحدًا، وعاد إلى مكتبه وتكرر معه هذا المشهد للمرة الثانية، وفي المرة الثالثة تمردت إحدى الطالبات وانتظرت المحاضر وهو لم يقصر معها، قدم لها المحاضرة لوحدها بل في نهاية المحاضرة..

الأستاذ يسأل:

أين بقية الطلاب؟

الطالبة: لست أدري ولكنهم نزلوا قبل حضورك بدقائق.

الأستاذ: ماذا عن عدم حضورك الأسبوع الماضي؟

الطالبة: كنا متفقين على عدم الحضور، ولكني تراجعت.

الأستاذ: جميل جدًا.

يذهب الأستاذ إلى إدارة القسم ويقدم لهم كشف الحضور به طالبة واحد فقط، ويقدم تقريرًا عن تمرُّد طلاب القسم…

إدريس! إدارة القسم سوف ننظر في الأمر، فاجتمع الطلاب والإدارة لمعرفة ما يجري، كان قرار الطلاب أن هذا الأستاذ يتعامل معنا وكأننا علماء إدارة، ولا يقدم الشرح الوافي بل لا يرشدنا إلى أسماء المراجع التي تعتمد عليها الإدارة، سوف تقوم بدراسة الأمر مع الأستاذ ولكن عليكم الحضور!

الطلاب: سوف نحضر.

وفي المحاضرة يأتي الأستاذ مستفسرًا: إذا كانت لديكم أي معلومة غير واضحة فأنا من الآن جاهزة لتوضيحها؟ ولكن أعيب عليكم طريقة الاحتجاج هذه؛ فأنتم على مشارف التخرج من هذه الجامعة، ويجب أن تكونوا قدوة للأجيال القادمة..

يتقدم أحد الطلاب:

عذرًا أستاذنا فربما يتمثل الخطأ في طريقة توصيل المعلومة لك.

الأستاذ: حصل خير إن شاء الله..

وبعد انتهاء المحاضرة جلست الدفعة للتفكير في عقاب هذه الطالبة التي أفشت سر المجموعة..

يقول داوود رئيس المجموعة بالقسم لا بدّ من قرار جماعي، ودار نقاش طويل في البحث عن وسيلة تردعها وتعرفها حجمها الطبيعي، وأن الخروج عن رأي المجموعة له ثمنه؛ فكان قرار الحصار الاجتماعي، والذي يتكون من النقاط الآتية:

عدم الجلوس معها بأي حال من الأحوال.

عدم المبادرة بالسلام عليها وإذا بادرت هي بالسلام يرد عليها ببرود.

عدم دعوتها إلى أي مراجعة جماعية تقوم بها الدفعة.

الابتعاد عنها قدر المستطاع.

عدم تقديم أي مساعدة من أوراق عمل أو مذكرات تخص الدفعة.

صدر القرار بالإجماع وفي صبيحة اليوم التالي بدأ تطبيقه فعليًا من قبل الدفعة على الطالبة. حاولت الاعتذار لزميلاتها الطالبات عسى ولعل ذلك يكون حل للعزلة التي بدأت تعاني منها.

الطالبات يرفضن الأمر ويؤكدن على أنها خانت الجميع؛ فليس باستطاعتهن تقديم أي تنازل فردي لها لما سيكون له عواقب مماثلة من قبل الدفعة.

كان هذا القرار بمثابة اختبار حقيقي لطلاب وطالبات القسم، وقد تأثرت هذه الطالبة نفسيًا ومرضت مرضًا شديدًا، ومع ذلك لم يتجرأ أحد بالسؤال عنها، وبعد مرور شهرين عادت إلى قاعة الجامعة ولم يتغير أي شيء مما تسبب لها في ملاحق، وعادت إلى الدفعة الثانية بينما كل الطلاب والطالبات انتقلوا إلى العام الدراسي الأخير.

ظلت تردد دومًا هذا جزاء الخروج عن رأي الجماعة، وفي عام تخرج الدفعة وهي ما تزال بالدراسة توسطت إحدى الطالبات بالعفو عنها كيف لا ونحن على أعتاب التخرج؛ فكان قرار رفع الحصار الاجتماعي عنها فردي من غير أن يكون جماعي!

في منتصف العام الدراسي الأخير للدفعة، كانت هنالك رحلة من قبل قسم الإدارة وقسم السكرتارية إلى إحدى المصانع الحديثة.. قسم الإدارة به دفعتان ثالثة ورابعة وكذلك قسم السكرتارية، يقود الرحلة عميد الكلية الذي كان قبل فترة رئيس قسم الإدارة الجامعة.

حدد وقت التحرك السابعة والنصف صباحًا، عدد طلاب وطالبات القسمين أكثر من حمولة الأتوبيسين، دار نقاش بين الإدارة وفي الأخير كان القرار الذهاب بمن حضر، وتم تبليغ أحد الطلاب كي يعلن الخبر للقسمين هذا الطالب على علم بتفاصيل الرحلة وعدد البصات؛ فبلغ الجميع الحضور عند الساعة 8:15 صباحًا.

بلغ الخبر الجميع وقام الطالب بدوره تبليغ من يهمه أمرهم - أي المقربين منه بالموعد الحقيقي - والكل ما بين مصدق ومكذب له، بل إن معظم أصدقائه كانوا يعتقدون أن يمازحهم..

أحدهم يسأل:

متى الموعد الحقيقي بالضبط؟

الطالب يجيب: السابعة والنصف صباحًا هذا الموعد المعلن.

آخر يسأل:

سمعت أنه في الثامنة والربع!

إذن عليك مراجعة الإدارة.

وثالث يسأل:

لقد راجعت الإدارة قبل قليل فكان ردهم أنك منسق هذا الموعد؟

الطالب يجيب:

إذا كان الأمر كذلك؛ فعليك بالحضور مبكرًا!

بينما الجميع في حيرة من أمرهم بأن موعد الرحلة الساعة السابعة، والباصات جاهزة والحضور معقول جدًا، يسرع الطلاب والطالبات نحو الباصات، وتنطلق الرحلة إلى الجهة المقصودة.. هنا العديد من الطلاب تأخروا وجلهم من أصدقائه المقربين..

البروف يسأل منسق الرحلة:

ما لي لا أرى فلان يذكر أحد الطلاب؟

المنسق:

لقد علمت أن هنالك حافلتين فقط؛ فأعطيت الجميع موعدين، وكان قصدي من ذلك يكون حريصًا على الحضور مبكرًا.

Top
X

Right Click

No Right Click