سلسلة حلقات رواية انتحار على أنغام الموسيقى (القصة الثانية) زواج بقرار قبلي

المصدر: عزة برس  تأليف الكاتب والروائي: هاشم محمود

إقليم دنكاليا يقع على ساحل البحر األحمر، عاصمته مدينة عصب؛ فهي ثاني أكبر ميناء إريتري.

رواية الانتحار على انغام الموسيقى

تقع في موقع استراتيجي مطلة على باب المندب، يعمل معظم سكان هذا اإلقليم بالثروة السمكية من استخراج أسماك ولؤلؤ وأصفاد، وآخرون يعملون بالثروة الحيوانية من مالك ورعاة؛ حيث تجد بهذا الإقليم الأبقار والأغنام والابل ، وآخرون يعملون بالزراعة بنوعيها البستاني والمطري.

وتعتبر اإلدارة األهلية العشائرية ذات الحكم وإدارة المناطق المختلفة لهذا اإلقليم اإلريتري، كان زعماء القبائل يتشاورون فيما بينهم في كل الأحداث الداخلية والخارجية لهذا الإقليم، ًا الصراعات هنا بين الرعاة ومالك الأراضي الزراعية، وتكون غالب ًا يحظى والتي تحسم بصلح يقام بين القيادات األهلية وقرارها دوم باحترام جميع األطراف المتصارعة.

ً العادات التي تحكم هذا األقاليم تعتبر قانونا يحفظ بين أبنائها.

في موسم الشتاء تقام معظم المناسبات حيث تكون درجة اً الحرارة منخفضة، حيث تشهد اعتدال في الأجواء واختفاء الرطوبة، وكذلك درجة الحرارة العالية في بقية موسم العام.

يتميز إنسان هذه المنطقة بمالبسه التقليدية التي تتكون من األحذية الجلدية والمالبس التي تتناسب وظروف المنطقة، والخنجر رمز يستخدمه هؤلاء األشخاص.
لإقليم حدود بحرية وبرية مع دولة جيبوتي، وحدود أخري برية مع إثيوبيا، وقبائل الأقاليم امتداد لبعضها البعض في تلك البلدان.

من الصعب أن تميز بين جنسياتهم، ولكن سكان اإلقليم يعرفون بعضهم البعض جيدا، ببساطة اللهجة هي نفس اللهجة مع اختالف في بعض مخارج الحروف، وكذلك الزي متشابه بينهم.

برودلي قرية صغيرة في إقليم دنكاليا، تبعد عن ساحل البحر ً ا، يوجد بها مسجد كبير تقام فيه الصلوات، األحمر قرابة 20 كيلومتر وأهمها صالة الجمعة حيث يؤمهم الشيخ عثمان الرجل الستيني العمر، والذي يخطب باللغة العربية، فهو خريج األزهر الشريف، ووالده كان يعمل بتربية المواشي ويعتبر من وجهاء برودلي، يحضر جميع سكان القرية صالة الجمعة التي تعتبر تجمًعا أسبوعي يتفقدون فيه بعضهم البعض، بعد مضي أسبوع حافل كل في عمله.

هنالك مساجد صغيرة تقام فيها الصلوات الخمس، وللقرية سوق صغير يقع بوسطها وهو عبارة عن دكاكين صغيرة تعرض فيها المنتجات المحلية، ويرتاده سكان القرية لقضاء احتياجاتهم اليومية.

ًا اللهجة ٍ لخطبته مستخدم ِ ُم ٍ الشيخ عثمان بشرح وافي المحلية، وذلك كي تعم الفائدة؛ لأن الكثيرين قد لا يفهمون ً اللغة العربية جيدا، وبعض انقضاء صالة الجمعة تجد الناس يتبادلون التحية، ويسألون بعضهم البعض عن الأحوال العامة والخاصة، وإذا كانت هنالك مناسبة فرح من زواج أوعقيقة تكون الدعوة قد قدمها إمام وخطيب المسجد، فتجد الناس يتحركون في مجموعات صوب بيت المناسبة، فهو مؤتمر مصغر بطقوس محلية، وللشياب مجالسهم الخاصة وأحاديثهم التي يتناولون فيها أيام الصبا، ويتبادلون أطراف الحديث.

وللبحارة حياة أخرى؛ فهم يخرجون في صباح كل يوم بالاهازيج والأغاني التي تكون حماسية في معظم الأوقات ، وأخرى تكون في سبيل التباهي بأسماء المراكب التي يستخدمونها في صيد األسماك، ً وطقوسهم جميلة جدا، يتحركون في خطوط متوازية إلى منتصف ِّ البحر، ومنها كل يودع الآخر بلهجته المحلية، على أمل اللقاء في ًا ما يأتون إلى الساحل صباح آخر وبروح جديدة، أما في المساء فغالب ٌّ في أوقات مختلفة، كل حصد ما قسمه الله له من رزق.

مسموع منادي عندما يتعطل مركب أحدهم يصرخ بصوت عالي ً النجدة ، فيهرعون إليه من كل اتجاه ويقومون بتقديم رفاقه، طالب المساعدة له.

ًا ماتكون فيها صعوبة وخشونة في التعامل، حياة البحار غالب ٌ أما هنا فكلها مرح وسعادة، ولبحارة إقليم دنكاليا ميزةأخرىجميلة وهي المساهمة في رفع المعاناة عن الفقراء بتقديم ما تبقى من بيع السمك إلى المحتاجين من أبناء المنطقة، وبذلك يكونون قد حافظوا على بيئة عملهم وخففوا من حاجة المجتمع.

أحمد ابن عمدة قرية بده التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة ً ً ا ومشهورا وسط أهل المنطقة، وقد دأبأحمد على ً يمتلك بستانا كبير المساهمة في العديد من األعمال الخيرية ألبناء المنطقة، فتجده تارة يسهم في زواج أحد أصدقائه بتقديم كل أنواع الخضروات التي تخص المناسبة.

َ ْعَلًم ً بارز لبلدة وضواحيها، وبينما هو على ظل البستان م ً هذه الحالة يذهب صباحا ويعود في المساء طيلة أيامه، وألحمد أصدقاء كثر وسط شباب المنطقة، فهنالك حامد الذي يعمل برعي ً، يتحاشى في ً البهائم، يخرج صباحا صوب المراعي ويعود مساء يتحاشى في حله ٍ نتاج دخول ًا البساتين ، كي لا َّ يحدث بها أي ضرر حله وترحاله دوم الثروة الحيوانية.

يعمل في بستان أحمد خفير يتابعه ويسكن بكوخ صغير بالطرف الشمالي للبستان.

وذات يوم من أيام فصل الشتاء القارس، تدخل بهائم حامد ً بستان أحمد وتحدث أضرارا كبيرة، وكان حامد يعاني من بعض ًا البهائم من اآلالم ببطنه، واتكأ على جانب إحدي أشجار مراقب على بعد، وبينما هو في هذه الحالة إذا بغفوة نوم تأخذه إلى أحالم بعيدة المنال، فيتخيل أنه تاجر ومالك مزارع وبساتين وله سيارات.

ًا، ويخرجها من البستان ًا نحو البهائم ضرب يتحرك الخفير غاضب بعد معاناة كبيرة لعدم خبرته في هذا المجال، وبعدها يبحث عن الراعي، فإذا به في نوم عميق، يحركه وكان لم يكن هنالك شيء:

حامد: ماذا بك؟

ال إجابة.

ينظر إليه نظرة ثم يتبعها أخرى دون جدوى.

يصرخ بصوت عال:

ياحامد ماذا بك؟

ينهض حامد من غفوته: ياالله! ما أجمل هذه النومة!

تستفز هذه الكلمات خفير البستان فيتوجه إليه بضربة قوية ًا تلك العصا الغليظة الحجم.

مستخدم

ً يسقط حامد مفارقا الحياة، الخفير مذعور مما يجري أمامه، يحاول جاهدا إنقاذه دون أمل، فقد مات وماتت معه أحالمه اً السعيدة، الخفير يتحرك صوب بيت العمدة مهرول يسلم نفسه:

العمدة يسأله: ماذا بك؟

الراعي مات.

من الراعي؟

حامد.

أين هو الآن ؟

جوار البستان.

تدخل البهائم إلى البستان فتقضي على ما تبقى به من زرع، العمدة يخبر بعض مساعديه ويطلب منهم إحضار الجثمان، الجميع يتحرك نحو المزرعة فيجد كل شيء قد انتهى، والآن الأبقار ملتفة حول راعيها الذي فارق الحياة.

يحملون الجثمان إلى منزل العمدة، ومنها يبلغ الخبر إلى كل القرى المجاورة، وتقوم اإلدارة األهلية للقبيلةبواجبها نحو القتيل، يتم التحفظ على الخفير بمنزل العمدة لحين الفصل في األمر، يجتمع أهل القتيل بمجلس العمدة للتفكير في األمر.

يسرد الخفير كل تفاصيل القضية: أشهد الله بأنني قد أخطأت في التصرف، إلا أنه خطأ كبير كلفني قتل رقبة.

ُعقد مجلس الحل والعقد القبلي يتوسطهم أحمد صاحبي ٍ مهيب، يدخل العمدة وأركانه البستان، يجلس الجميع في صمت ٍ كعادة ٍ َّ مطول في مجلس مغلق، يتحاور مع أهل القتيل، وبعد حوار كل القضايا، يخرج الجميع بأن القتل كان خطأ ويعتمدون صحة رواية الخفير، ولكن لتأكيد المصداقية يطالب العمدة بأن يؤدي الخفير القسم، يتوضأ الخفير ويطلب المصحف ويطلب منه وضع يده، ويسرد تفاصيل ما جرى، وقد فعل الخفير ذلك.

انتهت مراسم المحكمة األهلية بكل بساطة ودون أي تعقيد وقرر المجلس دفع دية ألهل المتوفى، متطلبات الدية، 25 بقرة، 30 من األغنام، و45 من اإلبل.. يوافق الجميع، ويحدد شهر من أجل تقديم الدية ألهل المتوفى، يجتهد العمدة وبقية أفراد القبيلة في جمع كل تلك الأشياء المذكورة، من الثروة الحيوانية، فكل
يسهم حسب استطاعته،وللبحارة دور كبير في المساهمة بما ِّ يستطعون، ويقدم شيخ وإمام المسجدالموعظة المستفادة من هذه اللفتنة.

الحادثة تجنُّ الكل يعمل على تلطيف الاجواء هنا لأن الحدث كبير، والمصيبة جلل.

ً يقدم العمدة اقتراحا بأن يقوم بتزويج أخت القاتل ألحد إخوان القتيل، وإحدي أخوات القتيل ألحد من إخوان القاتل، يوافق الطرفان، وذلك حقنًا للدماء، وباعتبار أن هذه الحادثة هي األولى من نوعها في اإلقليم.

تجمع الدية ويتم اختيار العريس والعروس من أجل القاتل، ويتوجه الجميع لقرية القتيل، ويتم استقبالهم بكل كرم وضيافة، يجلس الجميع تحت ظل تلك الشجرة، يتبادلون أطراف الحديث، ً ويقدم العمدة الدية لأهل القتيل، ويطلب منهم أخ ً وأختا للعريس، ً ويقدم والد القتيل، وهنا يقدم لهم أخ ً ا وأختا من أهل القاتل، َّ ويشرح لهم المقترح إذا لم يكن لديكم أي مانع.

يتشاور الجميع، تبدأ برتوكوالت الزواج الشرعي، وعقد القران، فوجود الشيخ عثمان أسهم في حسم العديد من األمور، ٍ وساعد بدوره في تهيئة األجواء وصبغها بطابع ديني، تم الزواج بين الطرفين واحتفل الجميع بهذه المناسبة التي كادت أن تفتك َ طفلان من الزوجتين ِ بالنسيج الاجتماعي للمجتمع، وبعد عامُ ولى فكان التسابق بينهما في تسمية الطفل باسم القتيل «حامد».

Top
X

Right Click

No Right Click