سلسلة حلقات رواية انتحار على أنغام الموسيقى (القصة الأولى) إبنة الحرام
المصدر: عزة برس تأليف الكاتب والروائي: هاشم محمود
الحي أبقى من الميت، لا دايم إلا وجه الله، بتلك العبارات تودع صالحة آخر ما تبقى لها من الأقارب
على قيد الحياة وهي جدتها شام، تلك المرأة العجوز التي تجاوزت الثمانين من عمرها.
الجميع يواسيها، يدعو للجدة بالرحمة ويدعو لصالحة بصالح الحال وزوال الهم.
تعود الفتاة وحيدة من المقابر بعد أن ودعت جدتها، تجلس في غرفتها تبكي بحرقة شديدة غيابها الابدي، فهنا انقطع الوصال، وذهب آخر ما كان لها قبل أن تفقد والديها في حادث سير.
لماذا تركتني وحيدة ياالله؟
ال أحد لي، ذهبت آخر من كان لي، رحمتك يارب.
ترتدي صالحة مالبس جدتها شام، وتتوضأ لتصلي وتدعو الله لها بالرحمة وحسن رفقة الآخرة، لكنها ال يمكنها التوقف عن البكاء، اليمكنها أن تتخيل المنزل بدونها، كيف لها أن تجلس في هذا المنزل القديم دون وجود تلك العجوز؟!
كيف لها تستيقظ دون أن تقبل يديها قبل الذهاب لعملها، ومن ينتظر عودتها حتى تقص عليها أحداث اليوم!
عالقة غير عادية، لم تكن فقط مجرد رباط بين فتاة وجدتها ألبيها، لكنها كانت كوالدتها وكأبيها وكأخيها وأختها وصديقتها، هي كل شيء بالنسبة لها، الأحد على األرض يستمع لها، الأحد أحق بصحبتها سوى تلك العجوز.
كانت تعيش في جزء متطرف من القرية، الأحد يأتيهم وال ً يتركون منزلهم أبدا، فقط تذهب صالحة لعملها في المدرسة، بينما جدتها تعد ما استطاعت من الطعام لها حتى عودتها لتكمل ما بدأته.
أقسما أال يفترقا، وكلما حاول أحد زمالئها التقرب منها بغرض الزواج، إال وكان أول ماتصمم عليه هو جلوسها في منزل جدتها ًا لم يكن ذلك يعجب لتكون برفقتها حتى انتهاء األجل، وغالب الرجال، ولكن األمرلم يعد يشغلها؛ فهي ال تشعر أنها بحاجة ألحد في حياتها، هي ممتلئة حتى الشبع أو ربما ظنت ذلك.
فلم تكن كغيرها من الفتيات يتمنين الزواج وإنجاب األطفال، كانت تشعر أن تلاميذ المدرسة أبناؤها، تنتظر قصصهم اليومية ومشاغباتهم التي ال تنتهي.
ال يشغلها شيء سوى تحضير دروسها التي تشرحها لطالبها، وتحضير الطعام لجدتها واالهتمام بها وبعالجها، ودون ذلك ال يهم.
تذكرت لحظة قدوم دورتها الشهرية وحرجها الشديد من إخطار والدتها بالأمر والاستفسار عما يحدث لها، فذهبت مسرعة إلى جدتها لتخبرها بما أصابها، لتباركها الجدة وتعلمها أنها الآن صارت فتاة كبيرة عليها أن تحسب ألف حساب لتحركاتها وعلمتها كيفية االهتمام بنفسها وتطهيرها بعد االنتهاء منها.
ربنا يصلح أحوالك يابنتي!
تنادي الجدة على زوجة ابنها لتخطرها بقدوم دورة ابنتها الشهرية، وعليها أن تغير معاملتها لها، وأن تكون أكثر عطفا عليها وتفهما لها ولا تتركها لخيالها وأوهامها.
صاحبيها يابنتي.
السبب يا أمي في خسارتها، الفتاة ال تسمع لي وال والله انت ال… لوالدها، فقط تنفذ ما تقولينه أنت هذا الكالم غير الصحيح.
الفتاة تسمع من يعطف عليها، تهتم بمن يستمع إليها، تسرع إلى من يطمئنها، ال على من يفزعها ويأمرها طوال الوقت.
اكسر للبنت ضلع يطلعلها 24 ضلع.
تحتاجين إلى كسر أضلعك.
لم تكن الجدة شام تحب زوجة ابنها لكنها كانت تعشق صالحة، كأنها هي من أنجبتها، وهي عزاؤها الوحيد من تلك الزيجة غير المرضية بالنسبة لها، فهي ترى أن ابنها كان أحق بزوجة أخرىتحبه وتقدره وليست مجرد امرأة.
اهادئ ً اجد ًا، عطوفا عليها، يحب الجميع، ابنها كان مهندسا زراعي يقبل بكل األشياء، ال يعترض على شيء، يحمد الله طوال الوقت، يسعى إلرضاء والدته بكل الطرق، فقد مات والده قبل أن يراه، ولم تفكر والدته في الزواج وهي الزالت في الثامنة عشرة من عمرها، فكيف لها أن تعيش كل هذا العمر دون رجل!
كيف تقضي حاجتها! كيف تسيطر على رغبتها!
هي لم تسيطر على رغبتها فقط بل قتلتها، ووهبت نفسها لتربية ابنها، أقسمت على التضرع لله ليل نهار لحمايتها من الفتن ومن رغباتها، وسهرت الليالي على رعاية ابنها حتى صار رجال يحترمه ً ويقدره الجميع، فكيف له أن يبتعد عنها أو أن يرفض لها رغبة أو ًا، وهذا هو ماحدث في زواجه.
طلب كانت تظن أن تلك الفتاة التي اختارتها البنها هي من أفضل بنات القرية من وجهة نظرها، فهي مطيعة، هادئة، لم يتحدث عنها أحد بسوء، تقبل الجلوس مع زوجها ووالدته، وهو ما أسرع في إتمام الزيجة.
تبدأ المشكالت من األسبوع الثاني من الزواج، حيث تالحظ األم أن ابنها بدا حزينا ليس كعادته، شارد الذهن، ال يأكل بشكل جيد، فتحدثت له بشكل مباشر لتسأله عن السبب.
ال شيء يا أمي، كل الأمور بخير.
لكنك ال تبدو كذلك.
أبدا هو فقط من اإلجهاد.
إجهاد! ما بك ياابني أنت الزلت في إجازة الزواج فمن أين يأتي اإلجهاد؟
ال شيء.
تصمت األم الحنونة لكن ال تترك األمر، فتنتظر خروج ابنها لصالة الجمعة لتستفسر من زوجته عن السبب لتخبرها أن الشيء.
هل اشتكى من لك شيء؟
ال.
إذن ال شيء.
ياابنتي هذا ابني الوحيد الذي خرجت به من هذه الدنيا، بل ضحيت بكل الدنيا ألجله، فال يمكنني أن أتحمل رؤيته هكذا.
وما ذنبي؟ قلت لك لم أفعل له شيئا.
أنا ال أتهمك بشيء، فقط أسألك.
اسأليه هو، فالإجابة لدي.
يا ابنتي، افهمي منه، ابني طيب جدا لا إذن تحدثي إليه أنت ً يستحق أن يكون هكذا تائها وحزينًا.
إن شاء الله!
تذهب المرأة إلى غرفتها، بينما تعد الأم إفطار يوم الجمعة، مميزا يتناوله الثالثة بعد صالة الجمعة وعودة دائما ما يكون إفطار الشاب إلى المنزل.
يأتي الرجل ويجلس بين أمه وزوجته يتناول الطعام، لكن لا ينطق، وال يتحدث ألحد بشيء، فتحاول األم أن تسأله عن أخبار العامة وعن صالة الجمعة ومن رآه ومن هنأه بالزواج.
يجيب الشاب إجابات مقتضبة، لا تشبع الأم ، فهي في الحقيقة لا تريد أن تعرف شيئا، هي فقط تريده أن يتحدث وال يستسلم لصمته.
تذهب الزوجة إلعداد الشاي، فتكمل حديثها مع ابنها وعن الزيارات التي جاءتها طيلة األسبوع وعما فعله األطفال بالمنزل، وكسر لوحة كانت غالية عليها جدا، ليفاجئها ابنها: كل شيء يمكن تعويضه يا أمي.
تلك اإلجابة لم تكن تعتاد عليها الأم شام من ابنها، فهو دائما ما يطيِّب خاطرها، لتبتسم: ربي يفرحني بأولادك.
يطي ًا قد لحق به.
أوالدي! هكذا انتفض الأبن وكأن ماسا كهربائي نعم أبناؤك، ألا تحب الأبناء!
نعم! نعم! أحبهم يا أمي.
لم يمض على هذا الحديث أكثر من شهرين حتى جاء الخبر السار بأن زوجته حامل.
تفرح األم وتعلن الخبر لجيرانها، لكن لم يكن االبن على هذا القدر من سعادة أمه.
تمر األيام مسرعة وتشعر األم بأن شيئا ما يحدث لكن ال تفهمه، فقط شرود ابنها، لكن ربما بسبب المسؤولية التي تنتظره، وهذا الطفل القادم في الطريق، ربما الختالف الشعور، فجأة تحول من الشاب المدلل إلى الزوج المسؤول عن زوجة وأم، ربما مشاكل في عمله، ربما بسبب كثرة طلبات زوجته، كلها احتماالت جائزة.
آآآآه.. آآآآه.. آآآآه.. صرخات شديدة ومتقطعة تصدرها الزوجة، لقد جاء موعد والدتها.
ادفعي، هيا ادفعي، هيا.. أوشكت الرأس على الخروج.
تكتم الزوجة أنفاسها ثم تدفع مرة واحدة في صرخات مندفعة، لتخرج الرأس ويخرج باقي الجسد لتسريح المرأة وتخلد لتوها في النوم دون أن تعرف حتى جنس المولود.
اللي يجيبه ربنا كويس، هكذا قالت األم شام بعد أن تأكدت من جنس الطفل.. إنها طفلة.
اتفضل ياابني سمي.
بسم الله الرحمن الرحيم.. صالحة.
أسميها صالحة يا أمي.
اسم رائع توكل على الله.. ربنا يصلحها ويصلح أحوالها، ويجعلها صالح للبيت ياابني.
آميييين.
تأخذها الجدة وتؤذن في أذنيها وتكبر وتشهد أن لا إله إلا الله.
تستيقط الزوجة، تأخذ الطفلة تتأكد من جنسها.. فتاة.
صالحة.. إنها صالحة..هكذا يجيب الزوج مبتسما.
صااااااااااااااااالحة.. على البركة.
تخرج الزوجة ثديها لترضع تلك الصالحة، فيخرج الزوج ليبارك أمه، فيجدها تعد لها بعض من الشوربة تعويضا عما فقدته من دماء وبعض المشروبات تخفيفا آلالم الوالدة.
ماذا تفعلين يا أمي؟
أعد الطعام لزوجتك، وأعددت لك طعامك الخاص يا ابني.
يقبل رأس والدته ويدها، الله يبارك عمرك ياأمي.
وعمرك يا أبو صالحة.
الحمد لله على كل نعمه وعطاياه.
تكبر الفتاة أمام أعينهم، تقترب أكثر من جدتها وتبتعد عن والدتها، يتابع والدها هذه المشاعرفي صمت، سبحانك يا الله تعطي من تشاء بغير حساب.
صالحة تعويضا عن مجهول، نبت طيب أضاف البهجة لتلك األسرة الصامتة، وتلك الجدة الوحيدة والتي ليس لها من هذه الدنيا سوى ابنها.
اليوم المنزل صار به الجدة واالبن والزوجة والطفلة التي كبرت وصارت في الثالثة عشرة من عمرها.
يا عمة شام.. ياعمة شام.
من الطارق؟ من ينادي؟
ياعمة شام؟ ياعمة شام؟
تفتح الجدة الباب، ما األمر ياابني؟
أسرعي ياعمة.. ابنك في انتظارك؟
أين يا ابني؟
هيا اسرعي؟ سنتحدث فيما بعد.
تذهب الأم مسرعة تجد ابنها على فراش داخل أحد المستشفيات الحكومية بين الحياة والموت.
تصرخ الأم وتبكي بحرقة على ابنها.
يفتح االبن عينيه: أنا بخير يا أمي.. أنا بخير.
الحمدلله! الحمدلله!
رحمة الله على زوجتك ياابني.
علمت الأم بوفاة زوجة ابنها فور قدومها المستشفى، لكن حرقة قلبها على ابنها كان أشد من وفاة الزوجة.
بكى الرجل على وفاة زوجته وبكت معه األم، فكيف لصالحة أن تحتمل الفراق، لكن كان عزاؤهم أن الطفلة أكثر ارتباطا بالجدة عن األم.
الحالة حرجة جدا، جهاز التنفس بسرعة.. أسرعوا.
هيا.. هيا.
بوووووم.. بووووووم.
ال إله إال الله.. البقاء لله.
ال.. الاااااااااااااااا.. ابني لم يمت.. لم يمت.. زوجته هي من ماتت.
تتألم الأم وتصرخ من الحزن وشدة الألم، فكيف لها أن تفقد ابنها وزوجته في يوم واحد.. رحمتك يا الله.
تبكي شام على الفقدان لكنها تتذكر صالحة التي الزالت في الفصل الدراسي، تترك المستشفى، تجري مسرعة على المدرسة، تدخل دون استئذان، تبحث عن صالحة.. تأخذها بين ذراعيها، تبكي؛ فتبكي الفتاة على بكائها دون أن تعلم السبب.
وحيدة ياابنتي مثل جدتك.
تأخذها من المدرسة دون أن تتحدث ألحد، ال ً ترى أحدا، هي ممسكة بيد الفتاة، تأخذها لطريق غيرطريق العودة للمنزل، تأخدها حيث الجثمان، تأخذها للقاء األخير لتودع والديها تصعق الفتاة مما تسمع، لا تصدق، أبي وأمي في وقت واحد! تصمت ثم تبكي ثم تصمت ثم تصرخ، أبي وأمي! كيف ياجدتي؟ كيف؟!
حادث سير يا ابنتي.
كيف؟ كيف ياجدتي؟
وأمي لماذا خرجت مع بي وإلى أين، هم لم يتركوا القرية منذ أكثر من عام، لماذا خطفهم الموت ياجدتي؟ اآلن أنا يتيمة؟ وحيدة! ليس لي أحد.
لك الله ياابنتي.. كل حياتي لك.
تبكي الفتاة حتى الدفن، تأخذها الجدة للمنزل بعد قراءة بعض من اآليات القرآنية بعد انصراف أهل القرية.
تحتضن الجدة مالبس ابنها،بينما ترتدي الفتاة مالبس والدتها.
فيبكيانمع إلى أن يناما حزنا وكمدا وقهر يشتد الرباط بين الجدة شام والحفيدة صالحة؛ فتتقمص الجدة دور األم، بينما قامت صالحة بدور االبن، لتعود الجدة كما كانت مع ابن واحد، ويعود المنزل هادئ ً ا بكليهما، وكأن شيئا لم يحدث، وكأن ً الله فعل كل شيء من أجل الجدة ليسخر له من يظل دائما معها.
تخرج الجدة في يوم من األيام فور ذهاب صالحة لعملها، فتعود قبل مجئيها، فال تشعر صالحة بذلك، لكن يفاجئها زميلها في اليوم الثاني برؤيته لجدتها في أحد األسواق لتنفي صالحة هذا الخبر، فجدتها ال ً تغادر المنزل أبدا، لكنها تعود وتستفسرمن جدتها لتنفي ذلك األمر، فإلى أي األماكن تذهب!فلم يعد لها أحد سوى صالحة.
ماتت الجدة وبقيت صالحة يتيمة الأم والأب والجدة، لا أحد، لها الله وحده، نامت في ثوب الجدة، لكنها استيقظت على صوت الأب!
صالحة صالحة.. ابنتي ياصالحة.
شعرت الفتاة بأنها تحلم، لكنها فوجئت بدقات متتالية على باب منزلها، لتفتح الباب فتجد رجال ال تعرفه يقدم لها واجب العزاء..
ال أحد هنا ياعم جدتي ماتت،تقولها باكية : اليمكن لرجل أن يدخل في غيابها.
ًا.. أنا والدك.
لست غريب والدي.
نعم والدي!!
تلعثم الرجل، أقصد مثل والدك، فهو كان صديقي المقر ً وكانت وصيته لي أن أكون بجوارك دائما.
ال تقتنع الفتاة بما يقول، لكن ال شيء يثير فضولها، مجرد شخص عابر تعاطف معها مثل بقية أهل القرية، الشيء.
الجميع يتعاطف معها،تذهب لها صديقاتها المدرسات لاثنائها عن إجازتها وإقناعها بالعودة للعمل حتى تنسى مصابها، تقتنع على مضض، تعود لعملها، يتقرب منها زملاؤها، حتى التلاميذ يتعاطفون معها.. هي وحيدة بكل معاني الكلمة.
ال شيء يربت على قلبها، كل الأشياء تؤلمها، قلبها صار ً مجهد ً ا جدا، فقدت الرغبة في الطعام ورغبة الحياة، لكن تبتسم لها الحياة ليدق الحب بابها بقدوم مدرس جديد للمدرسة فيعجب بها ويميل قلبها لتزورها السعادة مرةأ خري بعد مرور أكثر من عام على وفاة جدتها.
يعلم الرجل الذي شرع بزيارتها منذ فترة ليست بالقصيرة، وادعى أنه صديق والدها بأمر شروعها في الزواج من المدرس زميلها، فيثور الرجل ويرفض تلك الزيجة بشكل قاطع، فيذهب إليها ويحذرها من الزواج منه، بل يذهب أيضا إلى المدرس يحذره من الاقتراب من صالحة، دون أن يقدم مبررا لها لهذا
الرفض، بينما أخبر الرجل بضرورة االبتعاد عنها وإلا فضحه بين أهل القرية.
يخشى الشاب من الرجل لكن لا يكترث لأمره ويصر على الزواج بها، والفتاة يشتد عنادها، فما شأن هذا الرجل بها؟ ولم يتدخل في حياتها؟، فهي بلا أب ولا أم ولا جدة.. وحيدة بائسة.
لا يمكنني التخلي، لا أستطيع أنا أحبها.
لا بل أنت تغشها، فأنت لست ممن يتزوجون، فهل تريد أن أسرد لها ماضيك الأسود وغرامياتك النسائية المتعددة؟
افعل ما تريد.. لن تصدقك.. سأتزوجها.
يصرخ الأب: لن يحدث، لن يتم هذا الزواج.
بلى سيتم.
يصفعه الرجل على وجهه..كيف لك أن تتزوج ابنتي رغما عني؟
ابنتك!
نعم ابنتي
كيف فهي يتيمة األبوين.. ال أحد لها؟
يصمت الرجل ثم يواصل حديثه، لقد ارتكبت أنا ووالدتها ًا صبرعليه زوجها المسكين، فلم يفضح الله يرحمها خطأ وجرم أمرها؛ فكنت على عالقة بوالدة صالحة قبل زواجها، وعرفت بحملها لكن لم أكن ألتزوج امرأة ثانية، وما كان من تلك المرأة سوى أن تتزوج برجل مسكين قد لا ينتبه لحملها، لكنه عرف
من أول ليلة وكشف أمرها، فالتزم الصمت والصبر على هذا المصاب، فلم تقربه السعادة ولم يقرب زوجته حتى مماته، ً ً ا متزوج ً ا ووالدا بالإكراه.
فصار أعزب يخيم الصمت على المكان، الشيء يمكن أن يقال، ما هذا الهراء؟ هل يعقل أن تكون تلك كذبة كبيرة ابتدعها هذا الأب؟ لكن كيف؟ ولماذا يختلق كل هذه الأكاذيب؟
وهل هي تعلم بما حدث مع والدتها؟
بالطبع لا.. كل الأمور طبيعية جدا بالنسبة لها.
وأنت كيف تأكدت أنها ابنتك؟ ربما تكون تلك المرأة قد أجهضت نفسها؟
لم تستطع وبقي الحمل وجاءت صالحة.
كيف تأكدت؟
من جدتها العمة شام؟
كيف؟
جاءتني صباح يوم لتخبرني أن ابنها وزوجته قدتوفيافي طريقهما لرؤيتي، فأراد ابنها أن يعيد األمور لنصابها الصحيح بعد أن عرف من هو الشخص والد صالحة الحقيقي بعد كل هذه السنوات، لكنهما ماتا قبل الوصول في حادث سير، وأراد القدر أن يبقى الابن ساعة على قيد الحياة بعد الحادثة، وكأن روحه تنتظر رؤية والدته لتخبرها بكل شيء لينزل النبأ كالصاعقة.
الأم التي تبكي كل شيء، تبكي السنوات الماضية والكذبة الكبيرة،وتبكي حزن ابنها كل هذه السنوات، وتبكي موته، وتبكي ًحزنا على ما ينتظر تلك المسكينة التي تستيقظ على نبأ سفر المدرس الجديد إلحدى الدول دون حتى أن يترك رسالة واحدة لها.
ال َ تحزن صالحة، فقدت الكثيرين ولم يبق متسع للحزن، »خد الشر وراح« هكذا قالت وابتسمت.
ًا من ظروفها.
الشيء يدهشها، هي تعلم أن حبها كان هرب لكن يبقى السؤال هل يعترف الأب بابنته؟ هل يخبرها بأنها لم تعد يتيمة؟ هل يخبرها أنها لم تعد وحيدة في هذا العالم.