عندما يؤلف هاشم الإريتري كتابا عن مو صلاح المصري
بقلم الأستاذ: مفرح سرحان - كاتب صحافي وروائي وشاعر ونائب رئس تحرير الأهرام المسائي المصدر: صدى البلد
محمد صلاح ليس لاعبا مصريا خطف الأنظار والقلوب وصنع السعادة لعشاق الساحرة المستديرة فقط،
لكنه حالة خاصة تجسد سيرة حلم ومسيرة كفاح لشاب قروي حمل حلمه إلى المدينة، فطار به حلمه إلى العالمية بجدارة واستحقاق تليقان بطموحه وعزيمته وإصراره.
هذه الحالة الخاصة، لم تصبح ملهمة فقط لمعلقي كرة القدم واستوديوهات التحليل ونقاشات الجماهير في أحاديث السمر الكروية، لكنها انتقلت إلى ملعب آخر يجلس في مدرجاته قناصون يلتقطون هذه الحالة ويصوبون عليها عين الاهتمام بنظرة مغايرة تماما.
في طليعة هؤلاء القناصين الذين راقتهم حالة "مو صلاح"، كان الكاتب الإريتري الكبير هاشم محمود، الذي ظننته في البداية معجبا بصلاح إعجابه بكل ما هو مصري وهو العاشق لتراب مصر حضارة وثقافة ومجتمعا وزيارة لا تنقطع بأعماله التي يحرص دوما على أن يصدرها من القاهرة معشوقته.
أقول: ظننت ذلك وأنا أطالع عنوان كتاب هاشم محمود الجديد عن محمد صلاح، الذي زينه بثلاث كلمات بديعة "مسافر زاده الكرة"، وقلت لنفسي إنه إلهام النيل الذي تغنى به عبدالوهاب وعشقه هاشم وسمر على شاطئيه في العجوزة والزمالك وجاردن سيتي والمعادي، لكن القراءة للكتاب نقلتني إلى ما هو أبعد من نظرتي الضيقة لعنوان الكتاب وعشق هاشم لكل ما هو مصري.
لقد قدم هاشم محمود في "مسافر زاده الكرة" طرحا مختلفا جذريا عن الأقلام التي كتبت عن محمد صلاح، إذ أنه أخضع هذه الحالة الكروية للسرد وما أدراك ما السرد!
في الحقيقة، منذ طالعت مقدمة الكتاب، أشفقت على هاشم أن يخوض هذه المغامرة، ولا أنكر أنني تربصت به في هذا الكتاب، لأرى كيف يكتب الروائي المتمرس في السرد سيرة لاعب كرة، لكنه فاجأني مرة أخرى.
وجدت الكتاب الذي يبدو من الوهلة الأولى التي تقع عيناك على عنوانه الرائق ولوحة فنية رائعة بريشة الفنان الكبير حسين جبيل الذي غلف الكتب بإبداعاته فأحسن تغليفها، وجدته ينطوي على فلسفة الصعود التي اختارها هاشم محمود إطارا للوحته السردية البديعة، صحيح أن السرد متقطع فيما يشبه المقالات المنفصلة، لكن هاشم محمود استطاع كمدير فني مخضرم أن يحدث "هارمونية" فائقة بين تلك العناصر ويجيد بها "اللعب الجماعي" دون أن يغفل إظهار المواهب الفنية لكل عنصر على حدة، والنتيجة كانت هدفا عالميا أحرزه كاتب إريتري وسجله للاعب مصري، فأنتج هذه الأطروحة الساحرة التي حتما سيقرأها عالم كبير يذيع فيه صيت "مو صلاح" لاعب ليفربول الإنجليزي.
اعتمد هاشم محمود في "مسافر زاده الكرة" نهجا سرديا دائريا، أبحر فيه بشراع اللغة الرشيقة من لحظة ردة الغعل التي تثيرها قدم محمد صلاح بهدفها في شباك الخصم، إلى لحظة الحلم في طور الجنين منذ ودع "مو" قريته نجريج في قلب الدلتا وصولا إلى القاهرة العاصمة ومنها عابرا البحار إلى أوروبا.
إن شراع هاشم محمود في رحلة السرد المنمق - كما ذكرت سابقا - هو فلسفة الصعود، التي منح بها هاشم اللاعب مسحة صوفية وكرامة ارتقائية، وهذا هو جوهر تعاطي هاشم محمود مع هذه الحالة وطرحه المختلف لها.
في معرض الشارقة الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة، حقق كتاب "مسافر زاده الكرة" أعلى المبيعات بحسب أسامة إبراهيم رئيس دار النخبة التي أصدرت الكتاب، وهو ما يفسر نجاح هاشم محمود ككاتب في صياغة فلسفته عن "مو صلاح" بسرد مغاير، ومعالجة درامية، ومنهج فني في بناء تلك الحالة وتحويلها من ملعب الكرة إلى ملعب الأدب، وهذا هو ديدن الكاتب المتنوع الذي لا يعجزه مجال ليكتب، ولا حواجز ليبدع، ولا تحول بينه وبين جمهور القراءة ذائقة مهما اختلفت.
وفي ظني أن محمد صلاح إذا شق كتاب "مسافر زاده الكرة" طريقه إليه، فإنه بالطبع سيقرأ محمد صلاح من زاوية جديدة تماما، وسيشعر "فخر العرب" بالفخر، وسيبحث عن هاشم محمود ليشكره على هذا الطرح وهذه التحفة السردية الرائعة التي لا تقل عن الساحرة المستديرة فنا ومتعة وإثارة.