حياته و بطولاته عواتي - الجزء الاول
قراءة الأستاذ: صالح عثمان كيكيا - كاتب إرتري - جدة تأليف المهندس: سليمان فايد المصدر: فرجت
الميلاد والنشأة: ولد حامد إدريس عواتي بن فايدوم بن فايد بن محمد إدريس أبو عكا
في عام 1917م في منطقة كوفيت بالقرب من منطقة تكرريت جنوب غرب مدينة أغردات، ونشأ في منطقة قرست جنوب مدينة تسني.
جده الكبير فايدوم بن فايد كان زعيما لقبيلة الحفرا وقد أشتهر بنشر العدل في جميع أعماله وتصرفاته حتى بين أهله وولده، فقد حدث مرة في غيلبه أن أحد أبنائه كسر ذراع أحد أبناء القبيلة، فلما علم بالواقعة عقب عودته للقرية اشتد غيظه وعلي الفور جمع أعيان المنطقة وأحضر والي الطفل المكسور وولده المعتدي فأخذ يد ولده ووضعها علي حجر وضربها بعصا فكسرها، وقال لابنه وهو يصيح من شدة الألم (ذق الألم كما أذقته لابن الناس). وفي زمانه لم يتجاسر أحد من أهالي المنطقة أن يمد يده لمال أحد من بغير حق، كما قاوم أيضا بشدة الظلم والطغيان الذي كان يمارسه الحكام الأتراك في جمع الضرائب من الأهالي.
كما كان جده عواتي بن فايدوم أحد الأبطال المعروفين بالشجاعة والإقدام، قاوم بشدة إجراءات الايطاليين بمصادرة الأراضي الزراعية في منطقة بركة ودخل عدة معارك معهم وتم أسره في إحداها، وقد تغني الشعراء الشعبيون في المنطقة واصفين في قصائدهم بطولة عواتي بن فايدوم عندما استخف بالقيود والأغلال متحديا بكبرياء وعناد آسريه فلما أودع في السجن هب أهالي المنطقة فأجبروا الطليان علي إطلاق سراحه، فتوجه بعد إطلاق سراحه إلي مسقط رأسه في كوفيت وبدأ يتجول في منطقة بركة ينذر الناس الخطر الداهم الذي يتهددهم في أنفسهم ومزارعهم ومراعيهم وشكل مع الزعيم ”ذمات ود أكد“ في بركة لعال نوعا من التعاون والتنسيق لمقاومة الاحتلال الايطالي.
كان ”ذمات ود أكد” علي صلة بكنتيباي حامد والنائب إدريس أمير البلو في سمهر بغرض تنظيم مقاومة واسعة إلا أنه أعتقل نتيجة لوشاية من أحد أقربائه ثم أعدم.
في تلك الفترة بدأ عواتي بن فايدوم في جمع ما أمكن من السلاح والمتطوعين وكان السلاح المتوفر وقتئذ هو الحراب والسيوف وبنادق تركية قديمة، ثم دخل في بعض المناوشات مع الطليان وأستطاع استرداد بعض المزارع التي استولى عليها الطليان عنوة من الأهالي، وكانت هذه العملية إلي جانب نجدة الأهالي واستعادة مزارعهم بمثابة وجود للشخصية الوطنية الإرترية كقوة يحسب لها ألف حساب في المنطقة.
وعقب ذلك أرادت سلطات الاحتلال أن تلقن أهالي المنطقة وقائدهم عواتي بن فايدوم درسا ليكونوا عبرة لغيرهم فأرسلت حملة عسكرية مسلحة بأحدث الأسلحة في ذلك الوقت والمجهولة لدي أبناء المنطقة الذين يجيدون استخدام السيوف والحراب وشجاعتهم التي تدفعها الروح الوطنية والدفاع عن أنفسهم وأرضهم وكرامتهم فالتحم الأهالي بقيادة عواتي بن فايدوم مع القوات الايطالية التحاما واستمرت المعركة في غابات بركة لمدة أسبوعين حيث تغلبت الأسلحة الفتاكة علي الشجاعة.
ولم يتنازل عواتي عن تمسكه بأرضه وواصل مقاومته للغزاة إلي أن توفي إلي رحمة الله بعد أن عاش حياة عاصفة مليئة بالشدائد والتي تحملها في ثبات منقطع النظير، واستلم من بعده راية المقاومة الشعبية في المنطقة ابنه إدريس الذي كان كوالده فارسا مغوارا قاوم بقوة وصلابة الطليان حتى اضطرته الظروف إلي الجلاء من موطنه الأصلي في منطقة بركة وأستقر به المقام مع أسرته في منطقة قرست بالقاش، كما كان إدريس عواتي أحد الصخور المنيعة التي تحطمت عليها حملات عصابات الشفتا الحبشية الذين كانوا ينشرون الإرهاب في العديد من مناطق إرتريا، حيث كانوا يأتون من الأقاليم الإثيوبية المتاخمة لإرتريا بغرض السلب والنهب وترويع المواطنين وإذلالهم وكسر أنوفهم الشماء، وكانت تعين إدريس عواتي في تصديه لعصابات الشفتا بندقيته الايطالية التي كان يمتلكها في ذلك الوقت.
من هذه الأسرة العريقة آل فايدوم أبو عكا التي ارتبطت بالنضال ضد الغزاة واشتهرت بنشر العدالة والحق بين الناس ينحدر بطلنا حامد إدريس عواتي الذي نشأ في هذه البيئة المتدثرة بالفروسية والإقدام والتضحيات، ومنها تعلم لغة السلاح وحب الوطن والدفاع عن المظلومين ونصرتهم.
بالإضافة إلي ميزات مولده وتنشئته، وهب الله حامد عواتي ذكاء فطريا رفيع المستوي وقد ساعدته هذه الموهبة علي الإجادة في تفهم واستيعاب كل ما يري ويسمع. وروي لي بعض أفراد أسرة عواتي وأصدقائه إنه كان يحكي لهم قصص عن أبطال المقاومة الوطنية الارترية التي كان يرويها له والده إدريس عواتي ويقول حامد عواتي:
أن والدي كان يأخذني معه في حملاته التي كان يطارد فيها الشفتا وكان يروي لي الكثير عن المقاومة التي قام بها رأس ولدي ميكائيل سلمون حاكم هزقا - حماسين - والأمير البلوي آدم بك في مصوع وغيرهم في تصديهم لغزوات رأس الولا حاكم تقراي الذي كان مكلفا من قبل الإمبراطور الإثيوبي يوحنا الرابع (يوهنس) ليضعف المقاومة الوطنية والقضاء علي رموزها الوطنية. وذلك بغرض توسيع رقعة نفوذه باتجاه السواحل والهضبة الارترية ليثبت للايطاليين الذين كانوا يخططون لاحتلال ارتريا، إنه الأقوى في المنطقة وبمقدوره تهديد مصالحهم وليس منافسة منيليك الثاني ملك شوا الذي تتحالف معه ايطاليا من وراء ظهره وتنفيذا لهذا الأمر قام الرأس الولا الذي كانت تربطه بعض الصداقات مع حكام الهضبة الارترية بخيانة كبري حيث غدر بأقوى حكامها رأس ولدي ميكائيل لكسب ود الامبراطور الاثيوبي يوهنس ودخل في معارك عديدة مع رأس ولدي ميكائيل إلى أن تمكن أخيرا رأس الولا من أسر ولدي ميكائيل وسلمه أسيرا للإمبراطور يوهنس الذي قام بإعدامه شنقا.
كما تصدى الأمير آدم محمد بك لغزوات رأس الولا إلي أن تم أسره في إحدى المعارك علي يد رأس الولا ثم أعدم أيضا. وكذلك حدثني (والحديث لحامد عواتي) كيف قاوم حكام حماسين وسراي وأكلي قوزاي النوايا التوسعية لإقليم تقراي فكانوا يوحدون صفوفهم لطرد الإثيوبيين المعتدين وإجبارهم علي الفرار. وكان الرأس الولا يقوم في تلك الغزوات بنشر الإرهاب والتقتيل في الأقاليم الإرترية وسلب ونهب كل ما يقع تحت طائلته، كما أحرق المزارع والبيوت وبالرغم من ذلك لم يستسلم الأهالي بل قاموا مقاومة عنيفة ضد هؤلاء الغزاة القادمين من تقراي.
وأوضح له كيف مهدت هذه الجرائم العدوانية التي قام بها الرأس الولا بتحريض من الإمبراطور الإثيوبي يوهنس الطريق أمام الجيوش الايطالية لاحتلال إرتريا، وحدثني كيف استولت ايطاليا علي ارتريا بطرق ملتوية وكيف انتفض أبناء الأقاليم الارترية للدفاع عن أرضهم وكرامتهم وقاد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الايطالي الأمير إدريس نايب أمير البلو، ودجياش بهتا حقوس حاكم سقنيتي وأحمد عاقا شرق اكلي قوزاي وذمات ود أكد وعواتي فايدوم في بركة وعلي نورين زعيم السبدرات، وكنتيباي حامد ود حسن وإبنه محمود زعيما الحباب في الساحل وعلي محمد عثمان سلطان من دنكاليا والشيخ محمد أري زعيم النارا وأبو بكر إسماعيل وأحمد سيد إسماعيل زعيما الاساورتا.
هذه الأحاديث كانت تفعل في نفسية حامد عواتي روح المقاومة وقادته إلى حمل البندقية والتمسك بها في وقت مبكر من حياته وكان عمره آنذاك خمسة عشر عاما، وقد مكنه امتلاك والده للبندقية إجادة استعمال السلاح في سن مبكر من عمره وقد أشتهر بدقة التصويب والبراعة في القنص.
البطل يتصدى للغزاة:
عندما أصدرت إيطاليا قانون التجنيد الإجباري والذي بموجبه انتزعت عشرات الآلاف من الشباب الارتري، أجبر الفتي عواتي وتم تجنيده في الجيش الايطالي، وكان عمره آنذاك عشرون عاما حيث كانت ايطاليا تستعد لغزو إثيوبيا وبعد عام من خدمته في الجيش الايطالي بعث في دورة الاستخبارات والشرطة الي روما في عام 1937م. وقد صقلت هذه الدورة العسكرية موهبته الفطرية في القتال والتكتيكات العسكرية، وزادت معرفته بأسرار السلاح وتفاصيل العلوم العسكرية، وبالتالي تعمق لديه إيمانه العميق بمواصلة الدور الذي كان يقوم به والده عندما كان طفلا صغيرا، وعقب انتهاء الدورة العسكرية وكانت مدتها عاما واحدا عاد عواتي الى ارتريا ليواصل عمله في الجيش الايطالي وعين في وحدة أمن الحدود الغربية في مركز أديبرة بالقرب من مدينة كسلا السودانية.
بحماس شديد بدأ عواتي بعد عودته من روما في عام 1938م في تكوين الخلايا السرية من المجندين الارتريين في الجيش الايطالي، وذلك لمقاومة الاحتلال الايطالي.
في أكتوبر 1940م اتخذت الحكومة البريطانية بالتشاور مع حلفائها قرارا بتوجيه ضربة قاصمة للجيوش الايطالية في شرق إفريقيا واحتلال ارتريا وإثيوبيا والصومال الايطالي، ايطاليا من جانبها عندما أحست بالحشود العسكرية البريطانية تجري وراء الحدود قررت أن تأخذ هي بزمام المبادرة بيدها فأمرت قواتها بشن هجوم خاطف علي مواقع الحلفاء، وفعلا تمكنت من احتلال مدينة كسلا السودانية واحتفظت بها لبعض الوقت. في هذه الفترة تم نقل عواتي من وحدة أمن الحدود الغربية في مركز أديبرة الي وحدة الأمن بمدينة كسلا وكان في ذلك الوقت برتبة عريف وعمل في مركز أبو خمسة في حي الترعة وسط.
في بداية الحرب العالمية الثانية استطاع الانجليز أن يهزموا ايطاليا في كسلا ودفعوها وراء الحدود وكان انسحاب القوات الايطالية من كسلا غير منظم ولذلك وجد عواتي الفرصة التي كان ينتظرها للانفكاك من الجيش الايطالي الذي عمل فيه لمدة ست سنوات وعاد إلي قريته وعمل في الزراعة وتربية المواشي الي جانب دوره المعهود في مقاومة قطاع الطرق الإثيوبيين الذين كانوا يعبرون الحدود بين ارتريا وإثيوبيا وينهبون المواشي من الرعاة والفلاحين الارتريين.
بعد هذه الفترة يتناول الكاتب بالسرد الفترة التي أعقبت هزيمة دول المحور وأيلولة المستعمرات الايطالية ومنها ارتريا الي إدارة الحلفاء ووقوع ارتريا ثانية تحت الحكم الاستعماري الأبيض حيث كانت من نصيب الإدارة الانجليزية، التي عملت ما في وسعها لتقسيم ارتريا وزرع الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب الارتري مستخدمة براعتها المعروفة في سياسة فرق تسد، في هذه الفترة كان عواتي يراقب عن كثب الأوضاع التي وصلت إليها البلاد من جراء الأعمال الإرهابية والقمعية التي كانت تقوم بها سلطات الاحتلال البريطاني ضد المواطنين الارتريين العزل، وقد كانت له العديد من المواجهات المباشرة معهم.
أما فترة تقرير المصير وتكون الأحزاب الارترية فإن عواتي كان من أنصار الكتلة الاستقلالية وكانت تربطه علاقات وثيقة بقياداتها وبصفة خاصة الزعيم إبراهيم سلطان الذي أهدي له مسدسا تقديرا لمواقفه الوطنية وقد كان هذا المسدس مصدر فخر لعواتي لأنه اهدي إليه من رمز من رموز النضال والوطنية.
عواتي وحركة تحرير إرتريا:
أدخلت ارتريا بعد مؤامرة أمريكية مفضوحة مع إثيوبيا في اتحاد فدرالي تحت سيادة التاج الإثيوبي وضد رغبة الأكثرية من الشعب الارتري التي كانت تطالب بالاستقلال الكامل وفي عام 1958م. تكونت أول حركة سياسية منظمة لمقاومة الاحتلال الإثيوبي وهي حركة تحرير ارتريا، والتي كانت تعمل بسياسة المراحل. اتصلت الحركة بحامد عواتي ودعته للعمل معها وفي صفوفها فأبدي استعداده في بداية الأمر ولكنه تخلي عنهم لسبب عدم اقتناعه بأسلوب عمل المراحل الذي كانت تؤمن به قيادة الحركة آنذاك. ويقول الزعيم الوطني محمد سعيد ناود حول علاقة عواتي بحركة تحرير إرتريا ما أعرفه من حقائق فإن الشهيد عواتي كان مجندا وعضوا بحركة تحرير إرتريا، حيث قرأ اللائحة والبرنامج وأقتنع بها وكان حلقة الصلة بينه وبين الحركة محمد يوسف آدم والذي كان أيضا عضوا بفرع حركة تحرير إرتريا في أغردات.
عندما تخلي حامد عواتي عن حركة تحرير ارتريا لم يكن ذلك تشكيكا في مبادئها وأهدافها الوطنية، وإنما رفض أسلوب المراحل في المقاومة. كما كان عواتي في تلك الفترة لا يخفي إيمانه بأسلوب حرب التحرير الشعبية حيث كان في كل مناسبة يلتقي فيها مع بعض القادة السياسيين في مدينة أغردات وأسمرا يطالبهم بضرورة إتباع طريق الكفاح المسلح باعتباره الطريق الوحيد للخلاص من الاحتلال الإثيوبي.
تأسيس جبهة التحرير الارترية:
يتناول الكاتب المراحل التي مرت بها القضية الارترية في فترة الخمسينات وكيف عملت إثيوبيا علي تقويض النظام الفيدرالي وغض المجتمع الدولي الطرف عن تجاوزاتها لقراراته بالحفاظ علي النظام الفيدرالي ورعايته، كما يتناول بالحديث عن المقاومة السلمية والسياسية التي أبدتها القيادات الوطنية الارترية داخل البرلمان الارتري مثل محمد عمر أكيتو وعثمان هندي وإدريس محمد آدم، وغيرهم ولجوء القيادات الوطنية إبراهيم سلطان وإدريس محمد آدم الي القاهرة وتطلع الارتريين في الداخل والخارج لهذه القيادات لتأسيس المقاومة بعد أن فشلت كل الجهود السلمية لانتزاع الحقوق الوطنية للشعب الارتري.
وأدت هذه الرغبة الوطنية فيما بعد لترتيب اجتماع في القاهرة في يوم 1960/7/7م ضم عددا من اللاجئين السياسيين الارتريين بالإضافة الى الطلبة الدارسين بالقاهرة وتمخض الاجتماع عن ميلاد جبهة التحرير الارترية.
اتصال القيادة السياسية بالقائد عواتي:
تم الاتصال بالقائد عواتي بواسطة الشيخ محمد داوؤد بن مصطفي سليل الأسرة الدينية المعروفة، وفور تلقيه للتكليف من قبل القيادة السياسية عقد الشيخ محمد داوؤد اجتماعا في مدينة اغردات بتاريخ 1961/5/27م ضم عددا من المهتمين بالقضية الوطنية ليطلعهم علي الأمر وعلي رأسهم عبدالله إدريس وخليل علي كفل والحسن آدم وصالح محمد سعيد عدوي وعثمان محمود ضرار والأستاذ محمود محمد صالح ومحمد يوسف آدم ومحمد صالح عمار وصالح دابيلاي وعمر كشواي، وتقرر في نهاية الاجتماع أن يتوجه الشيخ محمد داوؤد الي قلوج - عيلا حامد حيث كان يقيم عواتي لتبليغه، كما تقرر أن يقوم كل من عبدالله إدريس عبدالله وخليل علي كفل ومحمود محمد صالح ومحمد يوسف آدم والحسن آدم بتبليغ الشخصيات الوطنية في جميع المدن الارترية بهذا الحدث الكبير ليكونوا علي أهبة الاستعداد لدعم الانتفاضة المرتقبة.
وفي أواخر مايو 1961م تحرك الشيخ محمد داوؤد إلي منطقة قلوج وصحبه في هذه الرحلة الشيخ أبوبكر محمد إدريس، وقد حلوا في طريقهم الي قلوج ضيوفا علي الشيخ محمد الأمين حامد في قريته بمنطقة دبك وطلب الشيخ محمد داوؤد أن يرافقه أحد أبناء الشيخ محمد الأمين وهو المناضل سيدنا سليمان محمد الأمين حيث كانت تربطه علاقات وثيقة بحامد عواتي وفي الطريق وضح الشيخ محمد داوؤد لسيدنا سليمان المهمة المكلف بها وطلب منه مساعدته في إقناع عواتي بتقبل التكليف.
حل الجميع ضيوفا علي حامد عواتي في قرية عيلا حامد وتناولوا المراحل التي مرت بها القضية الوطنية وممارسات إثيوبيا العدوانية تجاه الشعب الارتري وتجاهل القوي الكبرى لمطالبه ونفاذ كل السبل السلمية لانتزاع الحقوق الوطنية مما يستوجب معه استعمال العنف الثوري وإطلاق شرارة الثورة و وأبلغوه قرار القيادة بتكليفه لتحمل أعباء إطلاق طلقة الكفاح المسلح وقيادته. قبل عواتي التكليف وطرح عليهم بعض الاستفسارات عن كيفية الحصول علي السلاح والمال فكان رد الشيخ محمد داوؤد (فيما يتعلق بالمال فقد تبرعت أنا وسيدنا سليمان بمراح كامل من الإبل وقطيع من البقر، أما السلاح سيكون حظنا فيه من معاركنا مع الإثيوبيين بالإضافة الي أن هناك مساع يبذلها إدريس محمد آدم وزملاؤه في الخارج لمدنا بالسلاح والعتاد. وواصل الشيخ محمد داوؤد اتصالاته مع العديد من الارتريين الذين كانوا تواقين للمقاومة في الداخل وفي كسلا مع عناصر جبهة التحرير الارترية لترتيب أمر اندلاع الثورة المسلحة وقد بذل من ماله ووقته الكثير وكان يؤدي رسالته الوطنية في صمت وكان ينزوي بعيدا عن الأضواء، كان وطنيا مخلصا تجسدت في روحه معاني النضال الأصيلة، ظل يناضل داخل الوطن وخارجه بلا هوادة حتى لقي ربه في عام 1968م ووري جثمانه الطاهر الثري في مدينة كسلا.
في هذه الأثناء كانت سلطات الاحتلال الإثيوبي تراقب عن كثب تحركات حامد عواتي وتتوجس منه إلا أنها لم تستطع القبض عليه وذلك ليقظته وحذره التام ومعرفته بأساليب العدو فلم يقبل دعوة السلطات الإثيوبية له للحضور الي اسمرا حيث كانت تخطط لاعتقاله و كما أنه لم يقبل لهم الدخول الي مركز هيكوته كما طلبوا منه، وعند ذلك ضيقوا عليه الخناق وأرادوا مهاجمته في منزله، إلا أن احد عناصر الحركة الوطنية الارترية الشاويش كداني هداد (وهو ليس مسيحي كما يتبادر للذهن من اسمه) وكان حينها مسئول مركز مدينة قلوج عندما وصلته إشارة من مدينة تسني بتحرك قوة كبيرة من البوليس بقيادة الكابتن عبد القادر محمد علي لاعتقال عواتي اتصل علي الفور بشيخ الخط محمد آدم حاج وطلب منه أن يتصل علي وجه السرعة بعواتي ليخبره بعزم الحكومة الإثيوبية علي مداهمته وأسره وعلي أثر ذلك خرج عواتي ورفاقه قبل وقوع الهجوم علي القرية.
نواصل بإذن الله... في الجزء القادم