عطر البارود رواية تفضح العدوان الإثيوبي على إريتريا
بقلم الأستاذ: خالد مهدي الشمري - كاتب وناقد عراقي المصدر: الجمهورية دوت كوم
رواية عطر البارود للروائي هاشم محمود حسن من دولة ارتيريا والصادرة عن دار النخبة 2019 القاهرة.
عطر البارود رواية من أدب الحرب للروائي هاشم محمود حسن ينقلنا الروائي عبر أحداث موجعه لينقل لنا صور محزنه حول الحرب وعدوان أثيوبيا على اريتيريا يقتطع الروائي جزء من الزمن لتبقى هذه اللحظات خالدة في الأذهان.
الحرب الإثيوبية - الإريترية هي حرب اندلعت في (1961-1991) حرب الإستقلال الإريترية عن إثيوبيا ، كجزء من النزاعات في القرن الأفريقي. أنفقت إريتريا وإثيوبيا، وهما من أفقر بلدان العالم، مئات الملايين من الدولارات على الحرب، وتكبدتا عشرات الآلاف من الخسائر كنتيجة مباشرة للنزاع، وكانت نتيجة الحرب تغييرات طفيفة في الحدود.
عطر البارود عنوان الرواية والذي ينقسم الى قسمين ويشكل فيه الروائي الغرائبية في هذا الجمع بين الكلمتين حيث العطر الذي يشير للجمال والبارود الذي يشير للموت ورغم الاحداث المحزنة الا ان بصيص الامل كان موجودا بين جمل وكلمات الروائي.
أبطال هذه الرواية رغم ما يمرون به من موت ومرض ومجهول الا ان الأمل كان هدفهم والأمان والعودة الى وطنهم وطرد المحتل لبلدهم.
عان الشعب الاريتيري من ويلات الحرب كما شهدتها دول عديدة في المنطقة وما تستفيض به جعب الأدباء من توثيق ما هو الا قطرة من بحر والتهجير بحثا عن السلام جزء من هذه المعاناة . فحاول ذلك العمل أن يسرد رحلة تحرير الوطن بين مشقة وعذاب، وبين نسيج إنساني على رائحة البارود ليطلق عليه عطر البارود، ليؤكد أن الإنسانية ستنتصر مهما شق البارود غباره وسواده. الكاتب حاول بتسلسل بسيط وسرد شيق أن يوثق لحظات الألم والتي يتخللها لحظات للفرح، كأن يجمع الله المحبين بعد فراق الوطن، كأن يجعل القلوب تتوحد بوحدانيته وبأحقية الحب، وأن الله يأخذ ويعطي في نفس الوقت، فبينما تموت طفلة في رحلة السفر بعد ترك الوطن، ومأساة إنسانية كبيرة تعانيها الأم ورفقاء الطريق من ذلك كأنها دلالة على حزن الوطن على فراق أهله.
استخدم الروائي الكلمات: خوف، قلق، رهبة، صراع، عويل، ألم، شقاء، حزن، رهبة، بكاء.
هذه الكلمات بدية الرواية تنبئ بحزن والام كبير تحمله هذه الرواية والتعبير عن مكنون الحزن الذي يغمر الكاتب للأحداث التي يوثقها وهو يسير معهم الى المجهول الذي هو خلاصهم من الموت ومهربا من الجحيم الموحش والذي لا يترك الاخضر واليابس خلفهم بلادهم وأمامهم ضباب لا رؤية منه والأمل الوحيد هو النجاة من الموت.
كما حدث في بلادي من نزوح وهروب خوفا من الموت كانت المخيمات هي المكان الآمن من الموت كما في روايتنا هذه فقد كان لهم خط سير يقودهم الى الأمكنة الأقرب للمخيمات التي تخبئهم من نيران الحرب.
ينقل لنا الروائي صورة حية عن مخاوف الناس من الموت في هذا النص دون سبب هروب العديد من البشر في مجاميع متفرقة طلبنا للأمان من الصواريخ الطائشة ومن يقع بأيدي الجنود مصيره الموت كما في النص.
(وهذا هو المعتاد أن تسقط الصواريخ بعشوائية، يموت من يموت وينجو من ينجو، الأحياء، ربما في ثوان قليلة، أموات، ال أحالم لغد، فغدا بنسبة كبيرة جدا قد لا يأتي. الأطفال دائما يصرخون، الآباء يهابون المعارك لكن لا عليهم سوى تهدئة أبنائهم واحتضانهم) ص17
كانوا يتخذون من سواد الليل ستر لهم ليتسربوا في مجاميع ليجتمعوا في بيت واحد خوفا من سقوط الصواريخ وطلبا للحياة بعد ان إجتمع الرجال كانت هناك مقترحات وهي الإنضمام الى الثوار وآخر اقترح أن تكون البداية في تأمين النساء والأطفال أولا والاطمئنان عليهم في مكان آمن ثم التوجه الى محاربة العدو. لذلك قسموا أنفسهم الى قسمين قسم توجه إلى معسكرات الثور والمشاركة معهم في القتال وآخرون يسيرون مع النساء والأطفال والعجائز لحمايتهم وإرشادهم إلى الطريق.
مع البكاء والنحيب لم تكن المسافة سهلة وهناك عدو متربص على طول الطريق وهم يسيرون في كل لحظة يتوقعون ظهور العدو مع الظلام الدامس المجهول صار رفيق الطريق وبعد أسبوعين يصلون الى مدينة تسنى سيرا على الأقدام يمشون ليلا ويختبؤون نهارا متخذين الخطوط الخارجة عن مراقبة العدو.
ما حدث في هذه المدينة وكيف يمزيهم السكان ويعرف أنهم غرباء حتى حملتهم سيارات الشرطة إلى مكان المخيمات.
كان الأمل حاضر في نفوسهم كما في النص التالي...
(ابراهيم يتذكر كرة القدم، وهو في طريقه إلى المخيم، وماذا كانت تفعل به تلك الساحرة المستديرة،)
وايضا في النص...
(يالله.. متى العودة؟ يااااه يا إبراهيم.. أتطلب العودة وأنت لازالت في بداية الطريق، فأنت حتى لم تصل بعد، ولم تعلم إلى أي الأماكن تتجه.) ص23
وايضا في نص...
(الثورة تتقدم بوتيرة جيدة، وإذا سارت بهذا النسق فمن المؤكد أننا سنعود قريبا، سنعود لقرانا وديارنا ونغني ونبني ونعمر إن شاء الله).
في جانب اخر للأمل في رواية عطر البارود قصة (عافيت) التي بين فيها الكاتب ان الحرب والموت من جهة يسير والحياة والأمل يسر من جهة أخرى مع عافيت الجميلة ومحمد يولد الحب في مخيمات يسكنها الموت والمرض والغربة وصلت عافيت الى المخيم بعد مسير شهر تقريبا لتكون مع من وصل سابقا.
(الحب يولد في أي مكان، حتى في هذا المكان البائس، والحياة الطارئة فيه والمآسي التي تحاصره. محمد يخفى حبه، وعيناه تفضحان ما يخفيه. والمعسكر تكبر رقعته والخيام تنتشر وتطول، والقرى المظلومة تزحف كالسيل، والوجوه تتشابه في القهر والظلم والرحيل إلى المجهول).
ليستمر ذلك الحب ويتدفق الامل وسط كل ما يحدث من امطار غزيرة وموت ومرض هكذا بث الامل وسط الموت الروائي كما في هذا النص...
(عافيت تعرف كل شيء بغريزتها الأنثوية، وهي تعرف جيدا مشاعر محمد تجاهها، كما أن محمد يعجبها أيضا، فهو إنسان مهذب ويعرف الأصول، لذلك لم يبح لها بمشاعره أبدا، ولكن كل شيء يفضحه) ص107
بعد عن التحق بعض الشباب بالثورة جسد الكاتب بان الامل يغلب الموت في النص التالي داخل المعسكرات وقرب خط المعركة التي لا يعلم أي شخص يدخلها انه سوف يعود حيا.