قراءة عابرة عن رواية وثالثهما الفنجان
بقلم الأستاذ: محمد رمضان - كاتب ارترى
الصراع في إرتريا ليست مُجرد رواية عابرة، فهي ترسم حياة إنسانية عميقة تحمل الشوق للمكان.
تأليف الروايات والكتب باللغة العربية ورفد المكتبة الإرترية هو جُهد يستحق التشجيع والتقدير والثناء لأن ذلك يندرج فى تعضيد الثقافة العربية وتعميقها في الوسط الإرتري خاصة.
وأن الصراع في إرتريا يُمكن أن يُوصف بأنه صراع ثقافي بالدرجة الأولى، وأن النظام يسعى لمحوها من المشهد.
رواية «وثالثهما الفنجان» التي صدرت مؤخرًا عن دار النخبة بالقاهرة بقلم الراوي الأستاذ محمود شامي، ليست مُجرد رواية عابرة، فهي ترسم حياة إنسانية عميقة في طياتها تحمل الشوق للمكان حبًا وتعلقًا وحنينًا.
وتتجاوز الحالة الإنسانية العادية في تناولها لتشمل السهول والجبال والبحر والتلال، فتصوير الأمكنة والتعلق بها هو ما يزيدها تميزًا واختلافًا.
إن الرواية كُتبت بقلم رسام ماهر يعكس الأشياء لدرجة تجعل المتصفح يحس بها ويذهب بعيدًا بخياله ليعيش الحالة الإنسانية إرتفاعًا وإنخفاضًا، فرحًا وحُزنًا، إستقرارًا ولجوءًا.
عمل فني درامي يصف تفاصيل الحياة في إرتريا:
«وثالثهما الفنجان» عمل فنى درامي تعج بالحياة وتفاصيلها حربًا وسلمًا، فتلخص للقارىء كل معانى الوصف!
صحيح أنها تصف حياة طفل لاجىء يعيش حالة من الترحال مكتوبة عليه وعلى عائلته ومجتمعه حتى اللحظة؛ لكنها بالمُقابل تصف حياة الشعوب والأفراد الذين طالتهم حالة الحرب وكبلتها الصراعات فأصحبت في هجرة دائمة لا تتوقف.
تدور محاور الرواية في تصوير مشهد لطفل لاجىء من قومية العفر الكوشية العريقة الضاربة في الجذور على مستوى دول القرن الأفريقي، تمتد من دنكاليا في أرتريا حتي إقليم العفر في أثيوبيا إلى دولة جيبوتي، امتدادًا يحكى عن حضارة عميقة راسخة.
كل هذا الكم الهائل من المُميزات لم تشفع لبطل الرواية أن يعيش مُستقرًا يحسب عداد عمره بأمان وسلام وهدوء، بل على النقيض من ذلك فبطل الرواية (محمودة) يعيش حالة التيه والضياع لكنه مع ذلك ظل مُرتبطًا بمرجع الأسرة ومنبت الأجداد إقليم (دنكاليا)، وعلى وجه الخصوص منطقة (طيعو) الخلابة التي تسحر سُكانها وزوارها على حدٍ سواء.
فالبحر الأحمر بصفاء مائه وإتساعه المترامي على امتداد البصر وجمال الصيد الذي يمتهنه سُكانها والسمبك الناقل التجارى ووسيلة التسفار والعبور لأهل المنطقة وبقية سُكان إرتريا ومحيطها من طالبي الهجرة من إرتريا وأثيوبيا لأرض اليمن السعيد، ومنه إلى العربية السعودية.
كل هذه المعالم جعلت بطل الرواية مُحبًا لها ومرتبطًا بذكريات جميلة وازنة في قيمتها وروعتها بمنطقته ومولد صباه ب (طيعو).
بطل الرواية وتفاصيل إنسانية:
بطل الرواية (محمودة) ورغم ظروفه البائسة لكنه كان عاشقًا ومحبًا، كيف لا؟! فالحب حالة إنسانية وجدانية لا تنفك عن البشر، فحتى في السجن تتخلق حالات الحب والعِشق، فالحب ياسادة هو إكسير الحياة وعبيرها ودافع لروح الإنسان للعطاء والبذل والإخلاص!
ولكن الأقدار لم تمنح لبطل الرواية محمودة أن يظفر بمحبوبته وعاشقته (عائشة ) حيث تم زفافها لغيره، فكان لهذا أيضًا تأثير كبير في حياته، فهي لا تزال ساكنة في مخيلة بطل الرواية محمودة رغم تقادم السنين على الحدث.
لكن الحياة لم تتوقف رغم تأثير ذلك على نفسه ورغم خسارته لقصة حب أخرى مع محبوبةٍ أخرى.
حالة الترحال المستمر فرضت على محمود اتخاذ أوطان بديلة له ليمارس حياته الطبيعية دارسة وعملًا فزواجًا وإنجابًا وإنجازًا، ورغم حالة الشتات المفروضة على عائلته في كل ركن من الدنيا لكن الوصل بين أسرته وأقاربه كان قائمًا، فصفة التحنان والترابط بين الأسر العفرية متين رغم عوادى الدهر وصروف الزمان وحالات التباعد والإنشغال.
إن بطل الرواية في كل تنقلاته بين إرتريا واليمن وجيبوتي أضافت في سجل معارفه عائلات وشخصيات جديدة لا تزال مرسومة في ذاكرته، فأستير تلك المرأة الإرترية الأصل من أم إثيوبية لا تزال حاضرة في ذهنه، فهي الغريبة في وسط (العفر)، وهاجرت إلى اليمن في رحلة تحيطها المُعاناة لكن دافعها كان البحث عن حياة أفضل وعيش كريم، وهو السبب في مغامرته وتحديها لتلك الصِعاب والظروف، وانتهى بها المطاف باليمن.
رفاق محمودة الذين التقاهم وعاشرهم وصادقهم لا يزالون في شريط ذكرياته، حاضرون رغم السنين، نعم.. فالحياة القاسية تُكسبك رفقة مدى العمر يظلون ثابتون في معزتك لهم ولو غابوا عن ناظريك؛ فهم ساكنون في ضِفاف الروح وحاضرون في تفاصيل الذكريات.
تقلبات الحياة وتأثيرها على بطل الرواية:
إن محمودة كانت حياته تعج بتفاصيل دقيقة تحتاج لرسام ماهر لعكسها للناس فُتصبح تاريخًا إنسانيًا شاملًا يوثق لنمط حياة الكثيرين من شعوب القرن الأفريقي التي تعشق الاستقرار ولم تجده! ومليئة بالحب فتفقده! والعشق فلم تذقه!
كل ذلك بسبب تقلبات الحياة والصراعات التي غطت وتغطي سماوات دول المنطقة ولا تزال ماثلة للأسف تسيطر على المشهد.
هذا هو ملخص الرواية وبطلها ينتظر النصر والخلاص ليستمتع هو ومجتمعه وشعبه بالحياة والاستقرار في بلدهم ويبدو أن ذلك قد طال لكنه واقع لا محالة يومًا.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.