صدور رواية وثالثهما الفنجان من دار النخبة القاهرة مصر
بقلم الأستاذ: محمود الدبعي - ناشط ثقافي يمني ، المدرسة السعودية بجيبوتي
يشكل ولازال الأدب الروائي والقصصي جزء كبير مما اقرأ واعتبر الرواية من انجح أدوات التعبير
ومن خلالها تتجسد كل أنواع الثقافة.
ومن خلال قراءتي لهذه الرواية وثالثهما الفنجان للاديب المهندس الجيبوتي الارتري محمود شامي.. كان لي هذا البوح وهذه السطور فقد لاحظت ان الأديب والسارد محمود شامي حاول إبراز كثير من ثقافته الشعرية والفنية والجغرافية والتاريخية وتناول الرواي المدينة بكل تفاصيلها وحياتها ومبانيها وأنشطتها ومايدور في جنباتها معطيا أبعاد رمزية نفسية وتاريخية وإنسانية وسياسية لحياة سكانها وكمثال مدينة "طيعو" فهي تتخذ شهرتها كميناء هام أعجبني الرواي وهو يلم بثنايا مدينته رسم صور تعبيرية بكلمات فنية شعرية لاينفك إن يربط ذالك بعلاقات إنسانية نبيلة لأفراد أناس كثر من سكانها..
افرد قدرا كبيرا للجيل الذي يعايشه وهو وأحد من أفراده الجيل الذي تجرع المرارة والانكسار والوجع والخيانة والغربة والفقر والمطاردة وكيف يسحق الإنسان أخيه الإنسان ويظهر اسؤ مافيه وجدت ذلك الانبهار الذي نشعر به عند قراءة نصٍ ما.. قد يحدث أحيانًا لأنَّنا رأينا أنفسنا، رأينا أفكارنا المُهملة تلك التي قابلناها بالانتقاص والابتذال، رأيناها وقد أخذها أحدهم على محمل الجد وأظهرها بهذا الجمال ذالك ماوجدته وانا اقرأ رواية وثالثهما الفنجان ايضا يسرد القاص حكايات من عمره وعمر عدة اوطان في رحلة تصل الى ٢٦٨ صفحة حول ذاته وأصدقائه ومواقف عاشها ومعانات شعب وقسوة الحياة يفاجاك وهو ينتقل بين عوالم أوروبية وجيبوتية وارتيرية ويمنية وسودانية يسرد عذاب اللجنة الشعبية وكانه عذاب جهنم ويتحدث عن انكسارات الشباب في ارتيريا وتلك الرحلات بين عدة أمكنة ويسترجع ذكريات حوادث مر بها ويسرد ماحصل معه حين هاجر من وطن مولده إلى وطن آبائه وتجده بين حين وآخر يسترجع اغاني أثرت في وجدانه وابيات شعرية وأسماء أناس وامكنة... وتذكرت مرة أني قرات رواية "بخور عدن" لعلي المقري وعشت في ثناياها كأني أعيش حقيقة في حارات عدن وقيل عنها أي الرواية أنها تبحث عن معنى وطن فماذا سنقول عن رواية وثالثهما الفنجان ومحموده يتوه بين ثلاثة أوطان هل نسميها سعادة أم ألم وخسارة.
أحسن توظيف مفردات مخزونه اللغوي والثقافي والجمالي جيدا فلغته راقية مكثفة حافلة بالوجد كأنها قصائد شعر منثور أو كأنها ورود بين يديه خاصة وهو يتحدث عن سنايت اوعن قعص صديقه ورفيق دربه وعن تفاصيل صداقتهما وتطلعات حياتهما... في الرواية حكى وحكايات متعددة الأغراض.. عبر الكاتب بصدق عن هم وهموم الكثير من شباب اوطانه ومعاناتهم، كما تحدث بشغف تاريخي عن الأحرار والثوار رواد الحركة الشعبية الوطنية لتحرير بلده وعن الويلات التى حصدها كثير ممن ناضلوا وكاافحو كالعم سرو.
في الرواية عدة شخصيات وامكنة تقدم كل شخصية شهادتها في احداث مرت بها ويتناول الشاهد حياته وعلاقاته بمن حوله والاحلام التى كان يحلم بها كل شاهد حتى إن الرواي يسرد جوانب عديده من موروث وعادات وطنه بل اوطانه الثلاثه عكست جوانب كثيرة من المخيلة الشعبية لوطنه.. يسرد الرواي احداث من الملابسات التى قادته للعودة والتعرف على وطنه الأم وكيف عاش اجمل ٧سنوات هناك مع استير في مقاهيتها وكيف غدت الحياة في وطنه كأنه حيزا ضيقا ومحشورا بين إختيار النزوح والهروب أو السجن.
يعرفك الكاتب بمحطات كثيرة غربته في بلد اروبي وكيف وصل إلى هناك وكيف بدأ يجمع خيوط رحلته ويرسمها على صفحة التاريخ كيف صارع الغربة والحياة... وهناك مواقف تأخذك الدهشة والتساؤل مالذي نبحث عنه ماهو الوطن ماهي الغربة ماذجنينا من الغربة.. لماذ يبقى الإنسان مطاردا داخل وطنه كيف يستطيع الصمود وحيدا في وطن كل شيء فيه يتلاشي الحب والحرية.. الأصدقاء.
الامن.. الامان هل كان لغربته مقصدا لبناء أحلامه أم هروبا من البطش.. يطوف الكاتب متحدثا عن أجواء رائعة في ذالك المقهى سوى مقهى ارحبا في جيبوتي أو مقهى طيعو بارتيريا هذه الرواية تنبش في قعر تاريخ الحركة ورجالها.
ومالات إليها الاوضاع تحدث الراوي كثيرا عن المرأة المكافحة والحكيمة.
كثير مايذكر ويسرد مواقف للمرأة الصامدة سنايت وتاثره بها اعطئ الراوي للمرأة مساحة لابأس بها لأنها تستحقهافتلك المرأة حلوة الحديث حاملة الشغف والفرح والشوق ومن عيونها تبدو البراءة والبريق مفترة الثغر نسمة العطر "سنايت" والتى يصفها بوطن الجميع والشمعة التى تحترق من أجل الآخرين وحرمانها من إن تعيش طفولتها وحتى زواجها سنايت المربية والاصلاحية والمعيدة لتربية الأبناء.
هكذا يقول عنها الرواي الجيبوتي الجنسية والارتيري المولد يسرد احلام شباب أرتيريا ورجالها وتلاشي تلك الأحلام لدرجة أنهم يتمنوا اليوم الذي يجد الفرد منهم قبرا فقد سدت امامهم طرق الحرية والعدالة ووجود حياةكريمه وحقوف العيش الكريم... تستشف من خلال قراتك.
انسداد افق الخلاص من النظام المستبد القاتل والمهيمن على كل شيء...لدى محمودة قدرة كبيرة على معرفة التاريخ والبحر والجزر والعادات والتقاليد... يورد حبه لتناول أكلات وطنه وقهوة بلده. ومدينة طيعو.. ومريم وعائشة وإعاقة حلمهما وتمسك أهلها بعادات تزويج بناتهن لابناء الخال ويتفنن في وصف استير عشقه وحلمه.. وطقوس إعداد قهوته والادعية للاولياء كالعيدروس والشاذلي.. ويستمر متنقلا بين جزر ومدن في ارتيريا واليمن والسودان واستراليا الرواية أي مجملها تحرضك على إكمال صفحاتها بكل أريحية.
يذكر أصدقائه وسنايت دوما فمثل هؤلاء يعيدون توازن مزاجك ويحيون فيك روقانك...تبقى كلماتهم معلقة في جوف الذاكرة وبين شعيرات القلب.. تحس وتشعر من خلال قراتك بأن محمودة ممتلئ بحنين آوجاع قلبه، ويفتقد حنان وأمان وطنه ينادي وطنه أفتقدك عدد ما نآمت الأعين واستيقظت.
يتحدث ويسرد الإخفاقات والانتصارات يوثق ويصف الأماكن والجزر والوجوه. ويحلل فشل الشعبية.لقيادة وطنه يأمل أن تطلق دعوة لعشق الأوطان عبر إثارة الوعي بتاريخ وعادات وثقافة وتقاليد المجتمع يتوجع ويكرر ويردد لايوجد ارتيري يملك وطنه.