قرية حرقيقو دكنو - الجزء الاول
ترجمة الأستاذ: عبدالفتاح محمد احمد - باحث وكاتب ارتري المصدر: كتاب مذكرات تيوبولدي فولكي - مآسيمو زكريا
في الماضي كانت تسمي دكنو، اصل الكلمة من لغة الساهو وتعني فيل، في الماضي كانت الفيلة
تاتي الي المنطقة في موسم الشتاء وتتواجد في كل مناطق السمهر وخاصة في غابة منغوللو وقدم، وهجرتها متواصلة الي يومنا هذا وقد رايتها في اقليم السمهر وخاصة في الفترة مابين ديسمبر الي فبراير قادمة من القاش مرورا بمناطق البني عامر، المنسع والماريا من ثم تمر بدنغوللو وسهل سابراقوما وفي النهاية وادي باريسا وبعدها يتوارون عن الانظار، ولم اتمكن من معرفة طريق عودتهم الي قاش وسيتيت.
رايت بعض الفيلة في جبال صابر (قلب) وفي باريسا ليس بعيدا عن جبل عيدروس. وقد رايت منذ فترة مجموعة من الفيلة تم قتلها في سهل قدا-قدي وفي سالمونا ودبرا مار. اذا ليس من المستبعد ان تكون المنطقة ماوي للكثير من الفيلة بسبب غاباتها الخضراء ومن هنا ربماء اتي اسم دكنو. قريبا من القرية يوجد الي اليوم بئر قديم اشتهر بسبب احتوائه لكميات كبيرة من الماء.
في الماضي كان هذا البئر مكان يلتقي فيه اصحاب المواشي و القوافل، وفي المنطقة القريبة من البئر يوجد نوع من النباتات ينبت بالقرب من البحر اسمه شاورا تتغذي منه الابل، هذا النبات لدي الدنكل معروف باسم تاكايتو.
في يوما ما احترقت الاشجار بسبب سقوط صاعقة رعدية، ومنذ ذلك اليوم تم تسمية البئر البئر المحروق. وبعدها مع الوقت صارت تسمي حرقيقو من قبل السكان الناطقين بالتغري.
اول سكان حرقيقو او دكنو كانو من الاده قبل ان ينتقلو للسكن حيث يقيمون حاليا في جبال الاساورتا انظر الي الجدول 47 عن قبيلة الاده. بعدها وصل الي القرية سكان من قبائل اخري واقاليم مختلفة، لهذا نجد اليوم خليط فريد من العائلات يقيم اليوم في حرقيقو، من بينهم عدة اسر اوروبية.
اهم الاسر عددا ونسبا هم البلو. تجد ذريتهم في كل اقاليم السمهر، ليس هذا فحسب بل تجدهم في خور باريا ودقي قبري في اكلي قوزاي. اليهم ينتمي ايضا نابتاب البني عامر ومنهم ااصل عائلات السبدرات. بعض فروع البلو يعيشون في الخرطوم وفي كردفان ايضا.
يرجع نسب قبائل البلو الي سيد عامر كونو من الطائف يعود نسبه الي عبدالله ابن عباس عم الرسول. من سكان الطائف هاجر الي السودان لنشر التعاليم الدينية وقد اسلم علي يده الكثيرون وهوا مثل الميرغني في الوقت الحاضر، كان بالنسبة للكثيرين في المنطقة من اوليا الله الصالحين وكان لديه اتباع كثيرون. مع اتباعه عبر نهر عطبرة والقاش. وبعد ان اقام قرية السبدرات التي نشر فيها الاسلام من ثم انتقل الي بركة وواصل ابنائه الانتقال حتي وصلو مصوع واخيرا حرقيقو مكان اقامتهم.
هذه العائلة ظلت نشطة سياسيا وقد حكمو هذه القرية منذ القدم. هنا يجب توضيح شي مهم احب ان انوه اليه وهوا اعتقادي بان الكثير من هذه التفصيل تعتبر غير مهمة بالنسبة للعمل الذي اقوم به ولكنني اردت ان احقق امنية العمدة الحالي لمنغوللو النائب ادريس حسن وهوا من سلالة البلو في حرقيقو. وهوا رجل له معرفة عميقة بنسب القبائل وهوا مصدر معلوماتي هذه. ومعرفته بالانساب لا تنحصر في قبائل البلو فقط بل كل قبائل السمهر. وقد سهل علي هذا عملي الشاق حول قبائل السمهر.
حسب التقاليد المتعارف عليها تقول الروايات ان اول حاكم او عمدة لحرقيقو هوا حمد ولد عامر كونو من عائلة البلو والذي كان يحكم كل مناطق السمهر قبل وصول الاتراك. يقال انه في فترة حكمه ارسل سكان مصوع وحرقيقو الي المشير في مكة الحاكم باسم السلطان التركي، وقد ارسل المشير قواته ليعاقب همد، عندما علم بوصول الاتراك الي مصوع، جمع همد ثروته وهرب الي بوري تحت حراسة 500 فارس، وخمسمائه من الجمالة وخمسمائة من الرماة وخمسمائة من العبيد والكثير من الخدم. هكذا احتل الاتراك مصوع وحرقيقو.
تخوف حمد من ان ياخذ مكانته في حكم السمهر حفيده علي ابن اخيه موسي فامر بقتله، بسبب هذه الحادثة تخلي عنه كل اتباعه وهجروه، مما دفعه للهروب من بوري لاجئا عند الاساورتا في سهل فاقرات بالقرب من قرية عسوس الحالية. بسبب خوفه من ان يثار منه، حاول ان يقتل عامر ابن ضحيته السابق علي.
خطط حمد لعملية اغتيال عامر في احد سباقات فروسية ولكن بفضل بعض محبيه من اتباع حمد تم ابلاغه بمحاولة الاغتيال فنجا هربا بحصانه نحو سعاتيت، وتمت مطاردته حتي وصل الي جرار.
تم ارسال مركب من مصوع ليقله واستقبله الحاكم التركي في مصوع وبعد ان استمع الحاكم التركي لقصته، قام بتعيينه نائبا وهوا اول من تم تعيينه كنائب، المعروف ان من يحمل لقب نائب يلازمه الاسم حتي لو فقد الوظيفة لاي سبب. اعترف الجميع بسلطة عامر وانسلخ الحراس والاتباع من حمد الذي بقي وحيدا، حتي قرر ان يصعد الي المرتفعات الارترية ولجاء ليعيش في خور باريا (كايكوري) وعاش هناك ليموت بعضها بسنين .ترك ابنائه الذين يعرفون اليوم باسم قزاء بيت سامرا (بيت سمهر) والتي تقيم اليوم في خور باريا.
عاد الاتراك الي مكة بعد تعيين النائب عامر علي حاكما علي اقليم السمهر والساحل والاساورتا وشواطئ الدنكل حيث كان يحكمها عبر وحدة عسكرية خاصة اسسها الاتراك في حرقيقو.
تم تاسيس هذه القوات من عائلات النابتاب (النبلاء) البلو. وكانت هذه القوات تحت قيادة (ساردار سيدار) اما العسكر وهم من السكان العامة كانو يعملون في الخدمة مقابل دفع يومي يتلقون اموالهم من النائب الذي كان بدوره يتلقي شهريا من الحكومة التركية مبلغ وقدره 1005 تاللاري ماريا تيريزا.
هذه القوات اي العسكر كانت تحت امرة احد الكيكيا. والكيكيا هي رتبة عسكرية في الجيش التركي، مثل الشاويش ...الخ. وكل هذه الاسماء سنراها لاحقا تكون اسماء لعائلات موجودة اليوم في حرقيقو وكانت تحمل هذه الالقاب والوظائف.
حكم عامر لمدة ثلاثون عاما. وبامر من السلطان في اسطنبول تم تعيين ابنه حسن والذي مات بعد 17 عام من الحكم كان يعم فيها السلام. خلفه اخاه محمد عامر، وقد تم تعيينه ايضا بامر ملكي من السلطان، اثناء فترة حكمه التي امتدت اربعة اعوام اندلعت معركة بين العسكر وسكان بوري الدناكل، بسبب غزوة قام بها الدنكل. خلفه اخوه عثمان الذي حكم لمدة اربعون عام وقد كانت سنين اذدهار وسلام بالنسبة للمنطقة.
اقام النائب عثمان علاقة صداقة مع ملوك الحبشة وكان يقوم بتقديم الهدايا لهم مثل الاسلحة النارية التي لم تكن قد وصلت الي الحبشه. وبالمقابل تم اهدائه بعض القري في العديد من الاقاليم، ومنها قام بتاسيس ما يسمي قولتي وهي امارة مكونة من 44 قرية، بعض هذه القري كانت في اقليم اكلي قوزاي، مثل قرية زقان زقيب، معاريد ...الخ بالقرب من حلاي وبعض القري في الكارنيشيم اي حماسين مثل امبادرهو وبلزاء، وكاسين ...الخ وبعضهم في ماي طعدا اي سراي وبعضهم حتي قريبة من عدوة مثل مسبر ...الخ. كانت بعض هذه القري تدفع الضرائب للنائب مباشرة. بعد موت النائب عثمان تم تعيين حفيده حسن نائبا من قبل السلطان في اسطنبول وقد حكم لمدة عشرون عاما ولكنه دخل في حرب طويلة مع سكان دباروه بسبب رفض بعضهم دفع الضريبة. خلفه النائب احمد الذي جمع جيشه وذهب ليقمع التمرد ولكن هزمه السكان، مما اضطره ان يطلب مساعدة النقوس الذي ارسل اليه جيش تحت قيادة 3 راس. وبمساعدة هذا الجيش تمت هزيمة التمرد. مات بعدها النائب احمد في قرية حرقيقو.
خلفه قريبه النائب ادريس ابن النائب عثمان، وقد حكم لمدة ثلاثون عاما ولم تحدث اشياء تذكر غير بعض الغزوات، مثلا هناك حادثة اسر النائب ادريس لاحد الاشخاص من قبيلة التغرينيا في عايلت واسمه زراء وهوا جد راس ولدنكئيل الحالي .تم حبس زراء في مصوع لمدة 4 سنوات وبعدها حرره مقابل دفع فدية 4000 تاللاري، وبعدها قام النائب بتعيينه عمدة للحماسين. في ايام حكمه الاخيرة انتفض سكان حرقيقو ضد النايب ادريس، فارسل الي مكة يطلب الدعم. وصل الي مصوع الدعم عبارة عن 50 جندي تحت امرة محافظ والذي اتخذ مصوع مقرا له منذ ذلك الوقت. بعد موت النائب ادريس، تم تعيين نائب اخر اسمه (ربما هناك خطاء في كتابة الاسم لذا قررنا نقله بالايطالية) بن نائب احمد Feha.
هذا الاخير تمت اقالته من قبل المحافظ بعد 7 سنوات لم تحدث فيها اشياء تستحق الوقوف عندها. تم تعيين النائب عثمان بن نايب ادريس وقد حكم عامين او ثلاثة ومن ثم تم استبداله باخر ومنذ تلك الفترة استمرت المشاكل بين عائلات النائب في حرقيقو، وقد كثرة العداوة والخلافات بينهم ومستمرة الي يومنا هذا.
وصار تنافس بين العائلات للفوز بمنصب النائب، وكانو يفعلون كل شئ من اجل ذلك، وما ذاد من المشاكل بينهم تدخل المحافظ في مصوع والادارة التركية في مكة التي كانت في مرحلة يعم فيها الفساد ويعمل فيها الجميع من اجل مصالحهم الخاصة. وصل بهم الامر في الاخر في ان يقدمون الحماية لمن يدفع لهم اكثرمن اسر النائب. وقد حدث احيانا ان تعهد الاتراك للخصمين بالحماية في نفس الوقت زبالمقابل تلقو المال من الخصمين. وقد تحول منصب النائب من تلك اللحظة الي بضاعة تباع وتشتري ولهذا نجد تغيير متواصل في هذا المنصب. بعد ذلك تمت اعادة المنصب للنائب الذي تم ايقافه من المحافظ اي النائب Feha.
وعمل لمدة 2 او ثلاثة سنوات في المنصب بعدها تم تعيين بن نائب ادريس، وبعد اربعة سنين تم بيع المنصب لابن النائب السابق محمد ابن نائب. وهذا الاخير بعد اربعة اعوام تم سجنه وارساله الي مكة باوامر من المشير في مكة. تم اعادة اختيار النائب حسن بن نايب وبقي هذ الاخير لسنتين فقط وتم استبداله بالنائب حسن ولد ادم بن نائب احمد الذي بقي في المنصب لمدة عام ونصف فقط.
في هذه الفترة استدعي المشير في مكة النائب حسن بن نائب ادريس مع ابنه ادريس النائب الحالي في منغولو ومع حفيده ادريس ابن نائب عثمان وهو سنجك في الوقت الحاضر وصل الجميع الي مكة وعند وصولهم صدرت اوامر باحتجازهم هناك لمدة 16 شهرا وذلك لايقاف الصراع علي منصب النائب ضد النائب الحالي. توفي النائب العجوز في منفاه اما بالنسبة للابن والحفيد مع الوقت استطاعو ان يغيرو وجهة نظر المشير فيهم وأثبتو له أنهم الأجدر بذلك. وقد تم ارسالهم الي مصوع وقام بتعيين ادريس بن نائب عثمان في وظيفة النائب المهمة. وفي نفس الوقت امر بحضور النائب المخلوع حسن ولد ادم مع اخوه محمد وهوا والد ادم بيه الحالي (ومع قريبه محمد عبدالرحيم وهوا اخ النائب الحالي لحرقيقو عبدالكريم) كما نلاحظ كانت تذهب تسمية النائب الي من يدفع للمشير في مكة اكثر وكان في كل مرة ينادي اثنين او ثلاثة ليبتزهم.
ولم يبقي النائب الذي عاد من المنفي الا عام فقط،اذ صادف تغيير المحافظ في تلك المدة وقد وصل ابراهيم باشا ووقع خلاف بين الاثنين، فهرب النائب خوفا من ان يرسله المحافظ الي الحج مجبرا للمرة الثانية فهرب النائب الي ارض المنسع بيت شاران حيث يعيش اخواله. بعد هروب النائب اوكل المنصب الي قريبه ادريس حسن ومع انه رفض المنصب الا انه تم اجباره علي شغل منصب النائب. ودخل النائب ادريس ايضا في خلاف مع المحافظ ابراهيم باشا. وبعد عام تم استدعائه الي مصوع ولكنه توقع ان يتم حبسه فهرب اولا الي افعبت، وثانيا وفي النهاية الي حلاي.
وهكذا قام ابراهيم باشا باستبدال النائب باخر هوا النائب محمد عبدالرحيم الذي عاد في نفس الايام من مكان احتجازه في مكة حيث امضي عامين مع قريبه حسن ولد ادم الذي وافته المنية. لم يكن حظ النائب الاخير افضل اذ تم استبدال المحافظ ابراهيم باشا باخر اسمه ايمن باشا تم ارساله من تركيا مباشرة الي مصوع وبينما كان النائب الجديد منهمك في جمع الضرائب، ذهب اهالي النواب الهاربين الي المحافظ الجديد ليشتكو ظلمهم. المحافظ الجديد كانت له استراتيجية مخالفة لسابقيه في ما يتعلق بالتعامل مع منصب النائب اذ لم يكتفي بتحسين علاقته مع النائب.
قام بتعببن نائب اخر اذ ارسل الي النواب الهاربين والغريبة لبي الاخير الطلب والاغرب قبل الاثنين تقاسم الادارة، استخدم ايمن باشا حيلة رومانية قديمة سياسة فرق تسد. بعد ان تم تعيين الاثنين في المنصب قام بارسال الاثنين في مهمة عسكرية ضد قبيلة الاساورتا، العسا كري بسبب هجومهم علي قافلة لمبشرين كاثوليك فرنسيين كانت متوجهة من مصوع الي اكلي قوزاي.
استغل المحافظ ايمن بيه غياب النواب فبدا يخطط في عملية جمع الضرائب من الحباب دون ان يستشير نوابه، ذهب الي قبيلة الحباب ليلتقي الكنتيباي حسن. حين عاد النائب حسن والنائب محمد عبدالرحيم من غزوتهم ضد الاساورتا وجدو ان ايمن باشا قد غادر ليقابل الكنتيباي واغضبهم ذلك مما جعلهم يجمعون قواتهم ويهاجمونه عند الحباب مما دفع ايمن بيه الي الهرب الي مصوع، عاد النائبان ولكنهم توقفو في عايلت لينتظرو ما سيحدث. تدخل الاجاويد من الطرفين للصلح. فقبل الصلح النائب ادريس حسن وتم تثبيته نائبا ورفض النائب محمد عبدالرحيم وذهب لاجئا الي دقاس في اكلي قوزاي.
وهذا هوا سبب العداوة بين عائلة النائب في منغوللو والنائب في حرقيقو وهي عداوة مستمرة الي يومنا هذا. مستمر (في هذه المرحلة يتم تغيير النائب علي الاقل عشرة نايب وحبس العشرات في مكة ويتم تغيير المحافظ واخر وتستمر اللعبة بين النائب حتي يعود عبدالرحيم من منفاه ويذهب اخرون للمنفي، حتي اخر نائب قبل دخول المصريين) حيث تم تعيين النائب عبدالرحيم نائب للسمهر والحباب، بينما تم تعيين ادم اري اخ النائب ادريس مديرا علي دنكاليا وقبائل الاساورتا.
1864-1863 احتل المصريين مصوع بقيادة حسن بيه ومعه 800 جندي. وصل في تلك الاثناء اسماعيل باشا في زيارة لساحل دنكاليا. بعد ان استولي حسن بيه مصوع وحرقيقو ارسل يطلب النائب محمد عبدالرحيم والنائب المخلوع ادريس، اهداهم حسن بيه كسوة من الحرير وسيف مرصع، وفي نفس الوقت طلب منهم ان يبقو في منازلهم دون ان يتدخلو في شئون الحكومة. قامت الحكومة المصرية باستدعاء حتي زعماء القبائل وطلبت منهم جمع ودفع الضرائب.
نواصل... في الجزء القادم