مقتطف من رواية وثالثهما الفنجان من الفصل السابع للاستاذ شامي محمود

بقلم الأستاذ: شامي محمود - كاتب وناشط سياسي

هي نقاء الروح، عذرية الجسد، صفاء الخاطر، وتدفق لكل معاني الطهر والأصالة،،،

رواية وثالثهما الفنجان

هي مسك العنبر الندي الممزوج بعبق عطر البحر، وهدير امواجه المنعش الذي يشكل صوته وصلات موسيقية اشبه بسنفونية الخلود،،، هي رقصات امواج بحرية تلطم خدود صبية ابرياء بلطف وبحنان،،، هي إمتداد لعطاء البحر وكرمه وشموخه، وكينونته، واحساس بجمال بحري آسر أخاذ، احساس يلامس شغاف البحر، يعانق الصخور بحرارة ويلبسها ثوب الوقار ويحتضن الجزر بعطف وحنان، وكل ذلك يسري في علاقة عشق سرمدي بينه وبين محيطه، واحساسين آخرين تعيشهما للبحر، احدهما بالطمأنينة والفرح، ويمنحك اياه بهدوئه وسكونه، والثاني تعيشه قلقا وترقب حينما يعلن عن غضبه عن ثورته وهيجانه واضطرابه، واحساس بحري آخر يغمرك بالدهشة والمتعة والفضول، حين يبدأ بالإنسحاب والرحيل عن الشاطئ لمسافات طويلة قبيل الغروب، ويعقب ذلك عودته آخر الليل واستعادة مساحاته الطبيعية ليغمرها بالماء مجددا، وترتبط تلك العودة بظهور القمر واعتلائه لقمة عرشه، في عملية مد وجزر،، هي شوق وحنين الي قمر كان يخصنا قبل ان يكون مشاعا..

هى شوق الي الجذور الي الصدور الي الدفئ، الي سفن الصيد، الهواري والسنابيق، الي ادوات الصيد، الشيبكان والسنارات، والي الصيد البحري وسمك الديراخ والبياض، والي احجار البحر المرجانية، وشوق للجزر كحافالي و قرب سس، والي مراسي العبور ومرافئ السكون، الي شواطئ رمال فضية، الي بيوت خشبية تراقب البحر في النهار وتحرسه في الليل، الي مربعات العشق الازلي، الي احياء مدينة عتيقة، شمالا بولو، شرقا لاعو، غربا ساما، والي الوسط وستا،،، هي شوق الي حيث كانت الشمس حانية والي حيث كان الوحود لنا وكنا للوجود، والي الارث الانساني والتاريخي والسياحي، الي ضريح شيخ عالم راقد بسلام فوق تلة صخرية تجاور البحر، والي قلعة شيخ جليل واقفة بشموخ وإباء، متحدية غدر الزمان والحياة، والي قلاع حجرية قديمة وفية للمكان، ورافضة للانحناء والزوال هناك..

هي حنين الي البعث، الي بعث الاشياء، كل الاشياء،، وحنين الي رقصتي اللالي والكيكي الفلكولوريتين والتقليديتين والي موروث شعبي ادبي وانساني فيها.

واحن اليها والي رقصات تؤدى بعفوية وتلقائية على ضفاف شواطئ الخلد وفي فضاءات حرة طلقة، وعلى ضوء القمر فيها، وبصوت المرقدي الشادي الرنان وهو جوق تقليدي جهوري الصوت، هو مؤلف نظم موسيقي، ملحن ومطرب معا، وهو يحسن كذلك العزف على آلة الدف (الطبل).

وايقاع ثالث يصاحب ايقاعي الدف والمرقدي وهو إيقاع (الايادي)، ايادي المشاركين في الرقصات، ويشكل المشاركون او جمهور اللاعبين في رقصات اللالي والكيكي حلقات دائرية كبيرة وواسعة، ومن هذه الحلقات ينطلق الراقصون الي داخل تلك الحلقات لتأدية الرقصات وبشكل منظم.

فالإيقاعات منظمة، فتجد مثلا، ايقاع الدف (الطبل) منسجم مع ايقاع الايادي، والأصوات كذلك متناغمة، فصوت المرقدي واداؤه لجمل غنائية يتناغم مع صوت المشاركين ترديدا لتلك الجمل.

وتنظيم آخر رهيب وجميل، للحركات الجسدية، ودخول منظم للراقصين لحلبة الرقص، وتناسق مدهش لحركات أرجلهم وأكتافهم، وتبادل سريالي بين الأمكنة والأشخاص، وعودة سلسة للراقصين بعد تأديتهم للرقص، من وسط الدائرة الي مواقعهم في الحلقة، وهكذا،، ويسير كل ذلك وفق نظام دقيق ومحفوظ من قبل الجميع آليا،

و رقصة اللالي تقتصر تقليديا على فئة الذكور فقط، ويكون الرقص في هذا الفلكولور بحركات قفز منتظمة للأرجل وهز للاكتاف على ايقاع الدف وترقص على شكل ثنائي او رباعي، ويتم الرقص في شوطين لا ثالث لهما، وينتهي الشوطين بقفزة مميزة للراقصين صوب مركز الدائرة، وبحركة رقص وهز جميلة ورائعة للاكتاف، وهكذا تستمر الرقصات مع ثنائي او رباعي آخر.

ورقصة الكيكي هي رقصة ثنائية زوجية، ترقص على شكل زوحين مقابلين لبعضهما، وبينهما مسافة متر على الاقل، مع عملية رفع وهز لليد اليمنى بمحازاة الوجه، يدخل ثنائي للحلبة ويخرج ليدخل ثنائي آخر بسرعة ودون فواصل، او يسمح فيها كذلك بدخول راقص جديد للحلبة، ويرافق دخوله خروجا آليا ومباشرا لاحد الراقصين من حلبة الرقص، وهكذا،،
ويقال ان رقصة الكيكي كانت قي القدم رقصة الجنس الناعم اي رقصات نسائية فقط، لكنها تعتبر اليوم رقصة مشتركة للجمبع، فهي ثنائية، بين جنسين مختلفين مثلا شاب وشابة، وبين جنس واحد مثلا شاب وشاب وامرأة واخرى..

هي اغنيتي الملابو والدرندر، وفلكولوران آخران يحكيان عن الجمال والاصالة، وعن الجذور والتاريخ.

اغنية الملابو هي من الاغاني الشعبية والتقليدية العفرية الاكثر شهرة ورواج وحماسا وتداول ونقل، من مصوع شمالا الي تاجوراء جنوبا، رقصة واغنية الملابو تؤديها النسوة بشكل جماعي، في جميع الاعراس والافراح والاعياد،

اما اغنية الدرندر فهي فلكور تقليدي خاص بالمدينة وضواحيها وبلحن حالم مرسل، تؤديها جوقة وهي سيدة تملك ذاكرة حفظ واسعة وطلاقة لسان وملكة شعرية ونستطيع تسميتها بشاعرة تقليدية، ويشاركها العزف والرقص والاداء، سيدات في مستوها او قريب من مستواها..

وتصاغ الملابو والدرندر بحروف بكلمات مليئة بالجمال والثقة والشجاعة والشجن، وجمل عامرة بالحنين، وزاخرة بذاكرة شعب وارض، وبذكريات مضت، وإحلام مرتقبة...

نواصل... في الفصل القادم

Top
X

Right Click

No Right Click