ثمن علاقته بمحمود تراوري... حجي جابر: الرحلة بين جدة وأسمرة منحتني جائزة الشارقة
بقلم الأستاذ: موسى إدريس - جدة المصدر: عكاظ
بين أحياء وحواري مدينة جدة ومقاهي العاصمة الإريترية أسمرة، تدور أحداث رواية «سمراويت» للكاتب والصحافي الإريتري
حجي جابر، والفائزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال الرواية الأدبية لهذا العام، حيث يصف الكاتب في باكورة إنتاجه الأدبي مدينة جدة الساحلية وصفا دقيقا... وتحديدا حي «النزلة اليمانية» التي نشأ في رحابه وترعرع، ويتوغل في كياناتها الاجتماعية، حيث تختف الحواجز وتنصر فيه الهويات وتبدو المساحة أكثر رحابة وتسامحا بين سكانه مهما اختلفت السحنة واللهجات بحسب الكاتب.
ولتسليط الضوء أكثر على الرواية ومكنوناتها «عكاظ» حاورت جابر، الذي أوضح أن باكورة إنتاجه الأدبي، والتي تقع في 200 صفحة من القطع المتوسطة، تتناول في الأصل قصة الشتات الذي يعيشه الشعب الإريتري عبر بطل الرواية «عمر» الذي نشأ في مدينة جدة، والتي يعتبرها عشقه الأول، قبل أن يشد الرحال والعودة إلى وطنه الأم تحت ضغط الشعور بالاغتراب، ليدرك أن هذا الوطن الذي رسم خيوطه في مخيلته بدل وجهه ولم تعد وطنا يلم شعثه وتطلعاته وهذا نص الحوار:
من هو حجي جابر؟
أنا مواطن إريتري، ولدت في مصوع المدينة الساحلية العريقة، ونظرا لظروف الحرب في السبعينيات من القرن الماضي، غادرت أسرتي إريتريا مسقط رأسها واستقرت في جدة، فكنت بذلك قد انتقلت من ضفة البحر الأحمر إلى ضفته الأخرى، نشأت في جدة وأنهيت دراستي في مدارسها، علمت محررا في صحيفة المدينة لمدة ليس بالقصيرة، وحاليا أعمل صحافيا في قناة الجزيرة القطرية.
نبذة مختصرة عن رواية «سمراويت» الحائزة على جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال الرواية لهذا العام؟
تقع رواية «سمراويت» في 200 صفحة من القطع المتوسط، وتصدر عن المركز العربي الثقافي، (الدار البيضاء في بيروت)، وتتناول في الأصل قصة الشتات الذي يعيشه الشعب الإرتري عبر بطل الرواية «عمر» الذي نشأ في المملكة العربية السعودية، وتحديدا في مدينة جدة الساحلية التي يعتبرها عشقه الأول، قبل أن يشد الرحال والعودة إلى وطنه الأم تحت ضغط الشعور بالاغتراب في المدينة التي أحبها إلى درجة العشق والولع ولكنها بدلت وجهها ولم تعد وطنا يلم شعث «عمر» وتطلعاته.
على إثر التحولات التي طرأت على حياته، يقرر «عمر» في لحظة فاصلة العودة إلى وطنه إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر، حيث الوطن الأم الذي غادرنه عائلته قبل أكثر من 30 عاما، فيسافر إلى أسمرا في محاولة للتخلص من شعور الاغتراب المرير، ليخوض مرة أخرى تجربة الاغتراب في وطن لا يعلم عنه شيئا، وهناك يلتقي «سمراويت» ـ الفتاة الإرترية الفاتنة والقادمة من باريس أرض النور والجمال ليعيشا، حيث تصطدم بغربة أكثر مرارة، فيحاولان معا معا اكتشاف الوطن الغائب، لكن محاولتهما تبوء بالفشل ويتعثر حلمها الكبير ليتوها في غياهب المجهول ورحلة لا ينتهي أمدها، لكنهما يكتشفان قلبين عاشقين للفن والأدب.
رواية «سمراويت» تحمل معاناة وآلام الإريتريين وتصطبغ به، وهي وإن كانت تحكي قصة شتات فرد في السعودية، إلا أنها تشبه حكايات الملايين ممن غادروا أوطانهم ولم يتمكنوا من العودة إليه لأسباب وظروف ذاتية وموضوعية.. لم أقل شيئا في «سمراويت»، تركت شخوصي يتحدثون، نقلت حديث الناس في المقاهي والحواري وداخل المنازل إلى صفحات الرواية.. صرخت بأعلى صوتي نيابة عن الكثيرين الذين يتمنون القيام بهذا الفعل.
تصف في روايتك، أحياء مدينة جدة وصفا دقيقا.. هل كان للبيئة التي عشت وسطها تأثيرها القوي على شخصيتك ونبوغك الأدبي؟
تسير الرواية وفق خطين متوازيين، أحدهما في إرتريا والآخر في حي النزلة اليمانية في مدينة جدة السعودية، هذا الحي العريق الذي أمضيت فيه معظم حياتي وأعرف حواريه وأزقته، والغني بشخوصه وحكاياته، لذلك تدور حوله وفيه أحداث الرواية.
هل يمكن اعتبار الرواية سيرة ذاتية للمؤلف.. أو بعبارة أخرى تعكس شخصية الكاتب؟
«سمراويت» ليست سيرة ذاتية، أؤكد لك هذا.. وإن كان هناك تشابه إلى حد ما، بين بطل الرواية (عمر) وبيني، هذا صحيح ولا أستطيع نفيه، لكن شخصية عمر تشكلت من معايشتي لوقائع لمشاهدات وقصص كثيرة سمعت عنها أو قرأتها، إلا أن هذه الأمور جميعها لا يجعل من الرواية سيرة ذاتية.
كيف تولدت فكرة كتابة الرواية وكم استغرق تنفيذها؟
منذ فترة وأنا مشغول بإنجاز شيء عن وطني إرتريا، وظلت الفكرة تختمر في رأسي فترة من الزمن قبل أن أفرغها على الورق في عام كامل لتكون باكورة أعمالي الأدبية.
روايتك «سمراويت» غنية بالمفردات العامية من اللهجتين الجداوية والإريترية لماذا برأيك؟
اتكأت قليلا على اللهجة «الجداوية»، وأيضا على لغة «التغري» التي يجيدها ويتحدث بها معظم سكان إريتريا، حتى أمنح العمل شيئا من الحياة.. ولكي أقترب به أكثر من حياتنا الحقيقية، ومن الأشخاص الذين استوحيت شخوصي منهم.
ماذا تضيف رواية «سمراويت» في سقف الأدب الإريتري (بالعربية) وهل هناك من الأدباء من نال جوائز على حد علمك؟
لا أعرف حقيقة مدى الإضافة التي قد تشكلها الرواية للأدب الإريتري، أترك ذلك لقادم الأيام، على كل يظل أي عمل باللغة العربية هو إضافة في حد ذاته للمكتبة الإريترية المتعطشة، ولعل خصوصية هذا في كون اللغة العربية لغة رسمية في إريتريا وهي قديمة قدم الإسلام الذي دخلها مع الصحابة الهاربين بدينهم من قريش إلى الملك العادل في أرض «الصدق».
علاقتك بالوسط الثقافي السعودي، وبمن تأثرت من الأدباء السعوديين؟
كنت ولا أزال مرتبطا ارتباطا عضويا بالمشهد الثقافي السعودي، ولا زلت محافظا على علاقاتي الممتدة مع كثير من المبدعين في السعودية، ويبقى محمود تراوري، هو الصديق الذي أخذ بيدي كثيرا سواء في بداياتي كصحفي أو خوضي لتجربة السرد من خلال رواية «سمراويت».
هل سيقف حجي جابر عند هذا الحد أم أن هناك أعمالا إبداعية أخرى؟
في رأسي أفكار كثيرة معظمها يدور حول إريتريا، أتمنى أن أفرغ من كثير مما يشغلنا كإرتريين، أفراحنا وخيباتنا، ماضينا وما ننتظره في المستقبل، إضافة لإبراز هذه البقعة الجغرافية الغنية بتراثها وأناسها، والبعيدة - رغم قربها الجغرافي - عن أذهان الناس أو ارتباطها بالفقر والحروب.