عطر البارود.. والجمع بين المتناقضين

بقلم الأستاذ: محمد المبارك  المصدر: صحيفة ترياق الالكترونية

تظهر معادن الأشخاص في رحلات التحرير عن الأوطان فالحياة ليست بالهينة داخل المخيمات،

عطر البارود

هي الرسالة التي يحاول بها الكاتب والروائي هاشم محمود، توثيقه لبعض الأحداث والوقائع في دولة إربتريا عبر روايته (عطر البارود)، الصادرة عن دار روافد للطباعة والنشر، بوصف دقيق من خلال جملة بسيطة جمعت كل معاني الألم، (هنا أجساد آكلها المرض وقلوب أنهكها الحزن، هنا أمراض لا آخر لها، هنا حروب نفسية وجسدية قادرة أن تنهي عمر الإنسان دون رحمة.

يحاول هاشم محمود في (عطر البارود) الجمع بين متناقضين وهما البارود والعطر، في جراءة يحسد عليها، وإصراره على اختيار ذلك الاسم لتأكيد أن استنشاق رائحة البارود في سبيل الوطن أشبه باستنشاق رائحة العطر.

الرواية تعتبر توثيقاً وسرداً لرحلة كفاح طويل وعصيب فيه ما فيه من مشقة وعذاب، صراعاً إنسانياً ونفسياً، صراع البقاء والفناء، خوف يصحبه قلق رهبة يتبعها صراع، عويل، ألم شقاء، حزن، بكاء، كل تلك المشاعر المركبة يخالطها الأمل ولحظات يعقبها الفرح.

ويبدو الكاتب في تلك الرواية أكثر تأثراً بقصص القرآن الكريم وظهر ذلك في الاختيار الموفق للأسماء وتحديداً اسم (مريم) تلك الطفلة التي تولد في مخيمات اللاجئين تعويضاً لوالدتها عن فقد ابنتها خديجة، استطاع هاشم أيضاً أن يضيف من خلال بطلة الرواية (عافيت) بعداً إنسانياً آخر بعيداً عن روائح البارود والحروب.

هاشم وبطريقة مبسطة وسهلة وسلسة وممتعة وشيقة في ذات الوقت استطاع وحق له بذلك أن يطلق عليه لقب (كاتب وطن) كأقل ما يمكن أن يُقال عنه وهي ملاحظة تبدو واضحة منذ الوهلة الأولى لكل متابع لأعماله الروائية التي تناولت قضايا حساسة ومهمة تتعلق بالشأن الإريتري، يعرف هاشم بأعماله ذلك البلد الوادع في القرن الأفريقي عبر أعمال روائية إنسانية لإنسان ذلك البلد الذي كافح وصبر، والغوص في جغرافية إريتريا وحدودها، كاتباً عن الحُب أو باحثاً عن الحُرية لبلاده أو موثقاً لتاريخه بصورة إبداعية، كاتب يعطيك سياحة كاملة الدسم في وصف وطنه (إريتريا).

هاشم في تلك الرواية يثق بأن يوماً ما ستنطفئ نيران الحروب من هذا العالم وتفوح رائحة الياسمين من فوهة البنادق والمدافع، عبر إطلالة أدبية جديدة تورد خواطر ثائرة ويضيف أعمالاً جديدة لأدب الثورة والتحرر.

عطر البارود ذلك الاسم المتناقض، به دفء إنساني وتصوير أشبه ما تكون كتجارب حقيقية وليست شخوصاً مختلقين ربما لأن الكاتب يعد جزءاً أصيلاً من هموم وطنه وباتت نوعاً من رسالته التي كرس حياته لأجلها ولأجل الإنسانية والكرامة والأصالة.

ويراهن هاشم على كل من يحاول تجيير الأحداث وتغبيشها بالفشل بقوله: لكل من يعتقد أنه يستطيع أن يغير أحداث الزمان ومعالم الأوطان معتمداً على قوة اكتسبها، متلاعباً بتاريخ من سبقوه وقدموا له كل جميل أن من بنى مجداً على أنقاض من سبقوه وعمل على إزالة كل الأحداث من سجلات الزمان،، فعليه الاستعداد لينال جزاءه أضعافاً مضاعفة،، وليعلم أن ذاكرة الزمان لا تنسى أفعال المتهورين.. بهذه الكلمات فهو يغني لغة الصمت سكوتاً ويسطر بالحُب تاريخاً ويودع للصفحة روحاً نصاً مفعماً بالثقة والعلم بمآلات المستقبل في قالب نصح.

Top
X

Right Click

No Right Click