قراءة لكتاب إرتريا من الفيدرالية الى الإلحاق الثورة ١٩٥٦-١٩٦٢ الجزء الثالث

بقلم السفير: عبده بكري هيجي - دبلوماسى أرترى، أسمرة أرتريا  تأليف الباحث الأستاذ: الم سقد تسفاي

ويمكن تلخيص ما أورده المؤلف على النحو التالي:-

مسلمون ومسيحيون:

إريتريا من الفدرالية و الإحتلال للثورة 1956 1962 

منذ الوهلة الاولى حاول المستعمر الاثيوبي وأعوانه إختلاق فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين من خلال ضرب التسامح الديني بين الطائفتين المستمر أمد طويل. حيث أقحموا الدين عنوة في السياسة، وعملوا على إستخدامه كأداة
سياسية. فافتعلوا من لا شيء فتنة طائفية ، وحرضوا المسيحين والمسلمين على حد سواء على الكراهية والبغضاء ثم العنف والاقتتال في شوارع أسمرا وكرن. ورغم كل ما بذلوه لم يفلحوا في توسيع دائرة الفتنة الطائفية حيث تنبه الشعب الى خطورة ما كان يرمي اليه الأعداء، فاجتمع كبار رجال الدين والأعيان والوجهاء من كلا الطائفتين في أسمرا، وعملوا على احتواء وإخماد الفتنة قبل أن تستفحل وتتوسع دائرتها ولو قدر الله وتفاقمت تلك الفتنة الطائفية لكانت عواقبها وخيمة للغاية، ولكانت أثارها موجودة حتى يومنا هذا.

حزب الرابطة الاسلامية:

كان هذا الحزب من أكبر الأحزاب السياسية أنذاك وكان يدعو منذ تأسيسه الى استقلال ارتريا ويرفض كل انواع المساومة في الاستقلال. حين أدركوا بأن دائرة مناصريه تتوسع، وأنه بدأ يستقطب المزيد من المواطنين ويزداد نشاطا في عملية
التوعية والتنظيم بين كافة أوساط الشعب، سارعوا الى خلق خلافات حادة بين قياداته الى أن تمكنوا من شق صفوفه وتقسيمه الى حزبين. الأول يناضل فى سبيل نيل ارتريا الاستقلال، والثاني يدعوا الى إلحاق المنخفضات الغربية الى السودان.

تم قسموا الأول مرة ثانية الى إثنين، وأسموا الثالث حزب الرابطة الاسلامية لمنطقة مصوع. وأخيرا تم تقسيم حزب الرابطة الاسلامية المناوئ للاستعمار والداعي الى الاستقلال الى أربعة احزاب متنافرة ومتناقضة ولا حول لها ولا قوة.

حزب ارتريا للارتريين:

• تأسس هذا الحزب في المرتفعات. وكان من دعاة الاستقلال. استغل الإثيوبيون الخلاف الذي نشب بين مؤسس الحزب وإبنه حول سياسة الحزب. فاخترقوا الحزب واستقطبوا بعض أعضائه ثم عملوا على تقسيمه الى حزبين بشراء ذمم أعضائه الى أن إضمحل وأصبح في وقت وجيز في خبر كان.

الكنيسة الأرثودوكسية:

منذ الوهلة الاولى احتضن المستعمر الاثيوبي الكنيسة الأرثودوكسية واستخدمها كأداة سياسية لتمرير ما كان يرمي اليه من مخطط. فناصرت الكنيسة مشروع الوحدة مع إثيوبيا وتمردت على الاتحاد الفيدرالي، وعادت الاستقلال جملة وتفصيلا. وحين أيقن الاثيوبيون بأن أداءها ونشاطها قد تباطأ ولم يعد يلبي متطلباتهم المتسارعة، أسسوا وتحت مظلتها ما أسموه بـ "محبر هواريات" وهو تجمع شبابي كنسي يتحرك باسم الكنيسة ويمتلك المال والسلطة، وصلاحيات مطلقة، ويمارس العنف والارهاب دون وازع من ضمير. وأصبح هذا التجمع ذا سلطة ونفوذا، وأداة طيعة يكبر ويهلل لصالح اثيوبيا ويعمل ليل نهار على إلغاء الاتحاد الفيدرالي وإلحاق ارتريا بإثيوبيا. وأضحى هذا التجمع النشاز قوة ضاربة
تتحرك في وضح النهار وتزرع الفتنة والبغضاء وتعيث الخراب والدمار فى كل الانحاء. فحتى الكنيسة الأرثودكسية التي اعتمد عليها الإثيوبيون فى بادئ الأمر، ثم انقلبوا عليها وأبعدوا قياداتها الدينية التقليدية، وجاءوا بإسمها وتحت مظلتها
بقيادات جديدة هي أكثر ولاء وأكثر عنفا وأكثر خدمة لهم بغرض الوصول الى ما أرادوا الوصول اليه.

في المرتفعات:

قاموا بتأجيج كل انواع الخلافات والتناقضات بين السكان. حرضوا شباب "حزب أندنت" أي حزب الوحدة مع اثيوبيا على شبان حزب الرابطة الاسلامية ليشتبك الاثنان في معارك بالهراوات والحجارة في شوارع العاصمة أسمرا. وفى ذات الوقت حاولوا زرع الفتنة بين الجبرتى والمسيحيين الى درجة التصادم بالهراوات في كل من أسمرا ومندفرا. وفي ذات الوقت أججوا التعصب الاقليمي بين أقاليم حماسين واكلي قوزاي وسراي. وحرضوا المناطق والقرى المختلفة على التنافس والتصارع حول المناصب والمال والجاه كما فعلوا بين قرى إقليمي اكولقزاى وسرا، ثم اقحموها في جدالات عقيمة ونزاعات مستمرة على قضايا الأرض والحدود والمراعي لتسود الاحقاد والكراهية فيما بينها.

في المنخفضات الغربية:

قاموا بإثارة النزاعات القبلية والقروية في أقاليم القاش وبركا والساحل والتي كانت قد هدأت بالمصالحة والتوافق. ففي وقت وجيز أثاروا من جديد هذه الخلافات بين القبائل المختلفة وعملوا على تحريك وإفتعال النزاعات بين البني عامر والكوناما
اولا، تم بين الهدندوا والبني عامر ثانية. واستفحلت هذه النزاعات في وقت وجيز الى درجة أن قامت هذه القبائل بالاصطدام والقيام بغزوات فيما بينها. وفى الساحل أججوا الخلاف والعداء بين التجري والشماقلي، وسارعوا الى إقحام الاعيان والمشايخ في النزاع ثم خلقوا أجواء ملبدة بالكراهية بين صفوف الشعب الواحد وأوصلوها الى مستوى الخصومة والعداء.

ظاهرة قطاع الطرق او الشفتا:

قاموا باختلاق قطاع الطرق أي الشفتا في المرتفعات والمنخفضات على حد سواء، وجعلوا منها أداة طيعة تقوم بقطع الطرق والنهب والسلب ، وممارسة كل انواع الاذلال والتفرقة بغية خلق فتنة وزرع الارهاب والخوف في قلوب الناس.

إجمالا، أقدم المستعمر الاثيوبي وشركائه خلال السنوات العشرة من الحكم الفيدرالي على إثارة كل انواع الخلافات والنزاعات في المجتمع الارتري الذي كان يعيش بسلام وأمان نسبي إبان الاستعمار الايطالي. إختلقوا الفتن والخصومات، وحرضوا على النعرات الطائفية والاقليمية والقبلية، وأججوا التناقضات بين القرى والضواحي، ودفعوا بكل ما لديهم من إمكانات على زرع روح الكراهية بين الناس، وإشتروا ذمم ضعفاء النفوس، وقاموا بإغرائهم بالسلطة والمناصب، والمال والجاه مقابل الخنوع والخضوع لرغباتهم وإرادتهم. فضلا عن ذلك جردوا الاتحاد الفيدرالي بالتدريج من كافة مقوماته القانونية والمبادئ التي يقوم عليها، الى ان جعلوا مؤسساته الفيدرالية مؤسسات صورية لا حول لها ولا قوة وفى نهاية المطاف تمكنوا من تحقيق ماربهم والوصول الى ما خططوا له، ألا وهو إلغاء الاتحاد الفيدرالي أولا، ثم إلحاق ارتريا قسرا وبغير حق بإثيوبيا. وصلوا الى غايتهم بخرق الاتفاق الدولي حول الاتحاد الفيدرالي وخلق فتنة بين الشعب الواحد وشراء ذمم ضعاف النفوس وتجنيدهم لتمرير مخططهم.

تعليقا على ذلك كتب ألم سقد تسفاي فى الباب الثالث تحت عنوان "إخفاقات فى نضالات الشعب" يقول:

"احد أسباب تأجيج الخلافات بين الشعب كان مرده أن السواد الأعظم من القيادات السياسية التي برزت آنذاك، عوضا عن الاهتمام بتوعية الشعب، وإسداء النصح والإرشاد له، ثم قيادته وتوجيهه الى الطريق الصحيح والسوي، انصب جل وقت هذه القيادات وإهتماماتها على التنافس فيما بينها على السلطة والمناصب والجاه، وكذلك مسايرة المستعمر لتحقيق مصالح ذاتية ضيقة. فاللهاث وراء المصلحة الشخصية الضيقة أبعدها كليا عن روح المقاومة وأعمى بصيرتها".

ثم يتناول المؤلف بعد ذلك الكثير من المواضيع الهامة من بينها الأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية المتردية في البلاد، الانتهاكات الممنهجة للعلاقة الفيدرالية، التدخلات المستمرة في مهام وسلطات البرلمان الارتري ثم المحكمة العليا، التلاعب بعمليات الانتخابات البرلمانية ونتائجها، والسيطرة التامة على مفاصل الدولة وخاصة بعد تردي الوضع الأمني نتيجة إستفحال ظاهرة قطاع الطرق "الشفتا". ثم يشرح الشكوى المقدمة من قبل زعماء ارتريا السياسيين الى الامم المتحدة، ومسرحية إنزال العلم الارتري وما تبع ذلك من إلغاء للاتحاد الفيدرالي. كل ذلك يسرده لنا بالاستناد على وثائق تاريخية هامة، وبالتطرق الى أحاديث شخصيات عاصرت تلك الفترة وأسهمت فيها إن إيجابا او سلبا. ويجمل المؤلف حديثه بالخيارات التي كانت مطروحة امام الشعب الارتري حين وجد نفسه عاجزا أمام أعداء جردوه من كل شيء.

نواصل بإذن المولى... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click