قراءة لكتاب إرتريا من الفيدرالية الى الإلحاق الثورة ١٩٥٦-١٩٦٢ الجزء الثاني
بقلم السفير: عبده بكري هيجي - دبلوماسى أرترى، أسمرة أرتريا تأليف الباحث الأستاذ: الم سقد تسفاي
يسرد لنا المؤلف بعد ذلك قصة المقاومة الوطنية والنضال ضد المستعمر الاثيوبي وشركائه.
وينوه منذ الوهلة الاولى الى أهمية تقييم تلك النضالات، وآفاق تطورها ونمائها، وقدرتها على التصدي ومقارعة الأعداء، أخذا بعين الاعتبار الأجواء التي كانت سائدة آنذاك، ودرجة الوعي الوطني والسياسي لدى النخبة وعامة الشعب، وفوق ذلك الى ميزان القوى بينها من جهة، وبين المستعمر الاثيوبي وشركائه من جهة أخرى. تم يتناول المؤلف نهج المقاومة ومساراتها، وما اعترى هذا النهج من ضعف في الأداء والتنظيم، وما واجه تحركها ونشاطها من عنف وقمع، وإعتقال وقتل لا يعرف الرحمة ولا الشفقة.
ويشرح لنا في خضم حديثه وتقييمه للمقاومة المنظمة، أهم الاحزاب والتنظيمات التي برزت أنداك مثل حزب الرابطة الاسلامية، حركة تحرير إرتريا، حزب إرتريا للارتريين، حزب إرتريا الحرة، وكذلك إضرابات الاتحادات والنقابات العمالية، ومظاهرات الطلبة وغيرها. ويشيد المؤلف بنضالات المقاومة الوطنية وبشجاعة مواقفها وتضحياتها ويخص بالذكر الشخصيات الوطنية التي تصدرت النضال وكل الوطنيين الاحرار الذين رفضوا الخنوع والخضوع، ووقفوا في وجه المستعمر، وواجهوا جبروته وغطرسته، ووهبوا أرواحهم فداء لقضية آمنوا بها.
ويجزم في خلاصة حديثه الى أن استقلال ارتريا فى عام 1991 هو النتيجة الطبيعية والمنطقية لتراكم كل النضالات السياسية والمقاومة المسلحة التى خاضها الشعب الارتري على مدي نصف قرن من الزمان.
ويخلص فى الباب ٢١ الى القول: تاريخ نضال الشعب الارتري وإنجازاته هو محصلة تجربة حركة تحرير ارتريا وأمثالها فى مرحلة النضال السلمي، ونضالات جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية لتحرير إرتريا فى مرحلة الكفاح المسلح. فلا ينبغي، بل لا يجوز النظر الى تجربة حركة المقاومة الارترية الممتدة من أربعينيات القرن الماضي الى يوم الاستقلال بشكل مجزا وكل على حدا، لأن هذه التجربة بكليتها هي تجربة واحدة لا تقبل التجزئة. كما أن تقييمها لا ينبغي أن يتم إلا وفق ما كان لها من دور وإسهام، وما اتسمت به من ضعف و إخفاق.
عندها فقط ستكون زادا يغذى تجربة الاجيال القادمة عند قراءة هذا الكتاب، توقفت كثيرا بل تعمقت أكثر بحثا عن الإجابة على جملة من الأسئلة هي فى غاية الأهمية. وهي:-
• كيف استطاع المستعمر الاثيوبي وشركاؤه الإنجليز والامريكان إلغاء الاتحاد الفيدرالي الذي أقرته الامم المتحدة ؟
• وما الذي فعله المستعمر الاثيوبي وشركاؤه حتى يتمكنوا من إلحاق ارتريا بإثيوبيا في وضح النهار وعلى مسمع ومرئ العالم ؟
• وكيف كانت إستراتيجيتهم وبماذا تميزت سياساتهم ؟
يجيب المؤلف على هذه الأسئلة من خلال دراسة الاستراتيجية التي أتبعت أولا، ثم السياسة والنهج الذي سار عليه المستعمر واعوانه للوصول الى أهدافهم.
إذ يقول إن تطبيق إستراتيجية الإلحاق كان بروية وعلى مراحل، حيث استغرق تنفيذها عشرة أعوام متواصلة. ركزت هذه الاستراتيجية في بادئ الأمر على التشكيك في جدوى الاتحاد الفيدرالي، وأقدمت في المرحلة الثانية على تهميش كافة مقوماته القانونية، ثم سعت الى إفراغه تماما من الاسس والمبادئ التي يقوم عليها. أما السياسة اتسمت بالدهاء والمكر، وإختلاق الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وممارسة كل أنواع الذل والهوان، والعنف والارهاب. وارتكزت هذه الأخيرة على سياسة "فرق تسد" وتشتيت إهتمامات الشعب، وإلهائه بصغائر الأمور ثم تقسيمه عموديا أي من الأعلى الى الأسفل.
ويشرح المؤلف بإسهاب كيف تقاسم الشركاء الثلاثة الأدوار، وكيف استطاعوا تنفيذ الاستراتيجية وسياسة "فرق تسد" على ارض الواقع. حيث أنيطت بالإنجليز مهمة النصح والإرشاد في كيفية تأجيج الانقسامات والتشرذمات فى أوساط الشعب، وإضعاف تجانسه ووحدته بتطبيق سياسة "فرق تسد".
وكلف الامريكان بمهمة إفراغ النظام الفيدرالي من مقوماته القانونية، والدفاع عن إنتهاكات اثيوبيا في الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وكافة المحافل الدولية (نماما كما فلون البوم)، وتقديم دعم مالي يستمر لخمسة عشر عاما، وقد قدر هذا الدعم في بداية الخمسينيات بـ 10 مليون دولار سنويا، تم تضاعف ليصل في عام 1959 الى 66 مليون دولار سنويا.
فضلا عن ذلك وافق الأمريكان على تدريب وتسليح 40 ألف من الجيش الاثيوبي تسليحا حديثا يؤهله لقمع اي تمرد او انتفاضة يقوم بها الشعب في ارتريا. أما اثيوبيا فكلفت بلعب الدور الرئيسي فى تنفيذ سياسة "فرق تسد" على أرض الواقع. تم يشرح لنا المؤلف وبإسهاب وبأدلة ووثائق دامغة عملية تطبيق سياسة "فرق تسد"، وما أفضت اليه من تشرذمات وإحتقان وتناقضات ونزاعات بين الشعب الواحد.
نواصل بإذن المولى... في الجزء القادم