الله يلعنكم يا أحباش
بقلم الأستاذ:محمد عبد الله الحسين - قطر المصدر: سودانايل
(الله يلعنكم يا أحباش)! هكذا ترد هذه العبارة في سياق رواية (سمراويت)، حينما كنت أطالع رواية سمراويت للكاتب الإريتري
حجي ناصر كنت أبحث عن بعض الإشارات لأي مما يتعلق بالسودان أو لما هو سوداني. فكان أن عثرت على مشاعر ذكريات بئيسة لأحد الشباب الذي حاول الهروب من وطنه على ظهر الجمال. و حفظت ذاكرته استقبال قاسي و متعجرف على الحدود السودانية:
(الله يلعنكم يا أحباش! بهذه العبارة استقبلنا حرس الحدود السوداني، بينما كان أحد الضباط يستمتع بصفع من يمر إلى جواره، و قبل أن نتكدس في شاحنة كبيرة لنقلنا إلى معسكر (الشجراب) كانت كل أمتعتنا قد سُلبت بحجة التفتيش).
هذا بعض مما ورد من كلمات قابل بها حرس الحدود السودانيون المهاجرين القادمين من الشرق، و من ضمنهم الشاب (محجوب) الذي ضاقت به بلاده ففضل الهجرة و الاغتراب. كما ورد في رواية سمراويت للكاتب الإريتري حجي ناصر المقيم في السعودية، و هي الرواية الحائزة على جائزة الإبداع الشبابي في الشارقة و التي قرأها الكثيرون في الدول العربية و على الأخص في دول الخليج العربي.
و ما يهمني هنا أن هذه الرواية قد وثقت ضمن ما وثّقت سلوكاً شائناً لأجهزة سودانية رسمية فارقها السلوك المهني القويم و انحازت لهوى نفسها الفاسد و لضلالتها الشخصية و الفردية المقيتة، فجاء الرد مدوياً، ومن وراء الحدود كاشفاً ليس الظلم وحده بل الجهل، و السلوك اللإنساني الذي كثيرا ما تناسيناه عن عمد أو تغاضينا عنه رغم استمراره منذ عقود.
بالتحديد تلك عبارات وردت في رواية (سمراويت) على لسان أحد الشباب الذين هربوا من ظروف سيئة في أوطانهم بحثاً عن ظروف أفضل في السودان أو اتخاذ السودان كمعبر إلى دول غربية، حيث رمى هؤلاء الشباب حظهم العاثر في أيدي حرس الحدود السودانيين بعد معاناة في الهروب عبر الحدود السودانية ألإريترية وهي قصة هروب يبدو أنها تتكرر كل يوم و منذ زمن حيث يدفع هؤلاء البؤساء فيها ثمناً باهظاً من أموالهم و من أرواحهم.
كما يدفعون ثمناً باهظاً من كرامتهم الإنسانية في تلك الحدود البعيدة. و بالرغم مما يلاقونه في تلك الرحلة التي كما جاء في أقوال الشاب المهاجر تستغرق سبع ليالي على ظهر الجمل كي يهربوا من جحيم هناك، و بدلا من أن يهربوا من ذلك الجحيم حيث يتفاجاوا بجحيم جديد هنا. و ذاكرة المهاجرين لا تنسى، و ذكريات المعاناة تحفر في الوجدان جراحاً غائرةً. و الإنسان و هو في غمرة العذاب و التعذيب يدرك وبوعي مضاعف من يمد له يد المساعدة و من يمد له يده كي يصفعه.
و كنت فيما سبق قد وجدت كتابات أريترية عديدة تشييد برموز سودانية عديدة منها ما هو سياسي و من هم من هم غير ذلك. و تكشف لي خلال بحثي وجود اسهامات عديدة قدمها السودانيون لإخوتهم الإريتريين في في سبيل تحرير بلادهم. ووجدتهم يذكرون بالامتنان و التقدير أدوار قام بها الزعيم اسماعيل الأزهري و محمد عبد الجواد و محمود محمد طه و الصحفي عبد الله عبيد و محمد أبو القاسم حاج حمد... إلخ.
و يدلل ذلك على وعي سياسي كبير كان لدى سياسيينا السابقين و صدق و استقامة (كما ذكر بعض القادة الاريتريين في شهاداتهم) حيث جاءت المساعدات المالية بشكل يدل على الشفافية و نصاعة الضمير و لم تمتد أياديهم لأموال عامة لكي يقدموها باسمهم. كما جاء في تلك الكتابات الإريترية ما يدل على الوفاء بالوعود و التجرد و النزاهة مالية و طهارة اليد تجلت عند تقديمهم للمساعدة (كما ذكروا بالتفصيل في تصرف للوزير السابق محمد عبد الجواد).
ما أردت قوله أن الطليعة الإريترية المناضلة التي ساهمت في استقلال بلدها و كذلك أفراد الشعب الإريتري يقّدرون بشكل كبير دور السودان و دور رموزه و شعبه أثناء محنتهم أيام طغيان حاكم اثيوبيا السابق (منغستو هايلا ماريام) و تثمن ذلك عالياً و تحفظ ما قدمه السودان في الستينات و السبعينات و ما تلى ذلك.
إلا أنه في المقابل تحفظ الذاكرة الإريترية الحديثة والناشئة الكثير من الصور المقيتة و الذكريات المرة ممن رماهم حظهم العاثر في الحدود السودانية كمهاجرين و لاجئين في هذه الفترة الكالحة التي ساد فيها السلوك الهمجي و التصرفات البربرية في التعامل مع المهاجرين من جانب حرس الحدود و غيرهم من أجهزة رسمية مما يعكس جهلاً بأبسط أساليب التعامل الإنساني، و بما يكشفه من ابتزاز و استغلال لظروف ضاغطة و طاردة دفعت بهؤلاء المهاجرين للهجرة.
حيث أن مثل هذه التصرفات تعمل من ناحية على مسح كل ما قدمه الرعيل الأول من السودانيين و ما قدموه في السابق مما تحفظه الذاكرة الشعبية والأجنبية و من ناحية أخرى تعمل على تثبيت صور أخرى سالبة في ذاكرة أجيال حديثة لم يسعفهم حظهم في ان يوجدوا بالسودان عندما كان السلوك الراقي و احترام كرامة الانسان هي السمات السلوكية السائدة. و هي لعمري صور تتناقض مع الصور التي نحملها لأنفسنا و ما ندعيه عن أنفسنا في غرور و عرفنا به في السابق و ما نتشدق به دائما من كرم و و حسن وفادة و احترام للغريب.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.