قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة الثانية عشر

بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر

الحرب الأهلية الثانية: تحت العنوان أعلاه تحدث الأستاذ عن إنهيار إتفاقية 20 أكتوبر وإندلاع الحرب الأهلية وقال الأستاذ أن وفد

مسيرة جبهة التحرير الإرترية بداية ونهاية

الجبهة الشعبية في القيادة العليا المشتركة إقترح ضرورة وجود عسكري مشترك في بعض المناطق وإقترح أن تبدأ الجبهة بإرسال بعض ألويتها إلى الساحل الشمالي، كي تكون بجانب قواتهم هناك... وهنا ينسى أو يتناسى أن الجبهة كانت موجودة في منطقة الساحل الشمالي منذ ستينات القرن العشرين وكان هناك اللواء 44، وبهذا لم يكن الساحل خلفية خالصة للجبهة الشعبية وحدها قط... وأكد الأستاذ أن وفد الجبهة وافق وأرسل القوات بقيادة قبراي تولدي (اللواء 97)، ورواية الأستاذ غير صحيحة فهي إما أنها نابعة من نقص في المعلومات وهذه مصيبة أو أن للأستاذ غرض دفعه للروي بهذه الطريقة وتجاهل حقائق تاريخية يعرفها راعي الغنم في بلادنا وليس رجل بقامته ومكانته، ويعلم الأستاذ وغيره أن الساحل الشمالي لم يكن تحت سيطرة الجبهة الشعبية قبل عام 1980م قط، وكانت فيه وحدات جيش التحرير، وأخيراً كان فيه اللواء 44 ووحدات صغيرة مستقلة وأجهزة أمنية وجماهيرية ومليشيات شعبية، وكانت الجبهة الشعبية متواجدة في منطقة بليقات وأم هميمي وعيت وباقي أرجاء الساحل الشمالي كان تحت إدارة الجبهة بما فيها منطقة أراق (تبح) وعيلا طعدي وعلاكيب وودباناي قبالة مدينة قرورة، كما كانت الجبهة في رورا حباب بالكامل (هاهوت ولابا وبقلا وغيرها من المناطق) ونارو، ونسي الأستاذ أن المئات من المقاتلين كانوا يتلقون دورات تدريبية في منطقة أراق وقد إستغرقت إحداها أكثر من عام، وأن أعداد كبيرة منهم أحياء يرزقون وهم متواجدون في مختلف تيارات النضال ومنافي العالم وداخل الوطن، كما كانت قوات الجبهة تزيد وتنقص حسب الحاجة خاصة وأن المواجهة الأساسية كانت مع قوات الإستعمار على تخوم المدن الرئيسية وبعد تحرير المدن بما فيها نقفة شن العدو الاثيوبي هجمات واسعة وركز على الساحل الشمالي براً وجواً وبحراً بعد أن إستعاد المدن الأخرى، وكانت مواجهات كبيرة، كما إستهدف إستعادة نقفة وما حولها لقطع طريق الساحل والسيطرة الجوية على الحدود الغربية مع السودان، لهذا كانت حاجة الجبهة الشعبية لوجود تلك القوات بأعداد كبيرة للدفاع عن أوسع منطقة ممكنة في وجه قوات الدرق، وكانت المصلحة للطرفين في بقاء المنطقة تحت سيطرة الثورة وكانت مصلحة الجبهة الشعبية أكثر لأن ساحة تبادلها ضيقة فهي ستنقطع عن السودان كمعبر لعتاد وإمداد الثورة وستعتمد على البحر فقط في إقليم سمهر، كما كانت هناك كتيبة للجبهة في منطقة رورا حباب بقيادة الشهيد محمد نورأبوبكر هندقاي (سلال)، وكان تحرش الجبهة الشعبية بقوات الجبهة بعد إنحسار الهجوم الاثيوبي وإتضاح هزيمته في أكثر من منطقة شبه يومي في مواقع التواجد المشترك وخاصة في الساحل وكبسا وكانوا يطلقون العنان للأكاذيب ومنها أن جيش التحرير إنسحب منهم، وكانت قيادة الجبهة (اللجنة التنفيذية) ومن بينها الأستاذ تقيد جيش التحرير الارتري من رد الصاع صاعين وتمنعه من رد الفعل بحجة عدم التورط في حرب أهلية، وكان مقاتلي وكوادر الجبهة يقتلون ويهانون ويجردون من أسلحتهم في حملة إستفزازية يومية، وكان قادة وكوادر جيش التحرير الارتري يجأرون بمر الشكوى من هذه الخروقات وفي الساحل الشمالي كان أخطر تلك التجاوزات الهجوم على سرية كانت تتبع للكتيبة التي كان يقودها الشهيد محمد علي فكاك من اللواء 44 وكانت جزءاً من كتيبة متمركزة في المنطقة وأسفرت تلك المعركة عن ضرب السرية واوقعت العديد من مناضليها بين شهيد وأسير بما فيهم قئدهم الشهيد محمد على فكاك الذي اًسر مع جنوده، كان الحادث يوم 8-8-1979م، وكانت المعالجة أن قدم وفد من قيادة الجبهة (توتيل + ملاكي) للمنطقة وإلتقى مع قيادة الجبهة الشعبية التي إعتذرت عما حدث على حد ما قيل وتم إطلاق سراح الأسرى.

ثم طاف الوفد في المنطقة التي تقرر على الأقل من طرف الجبهة أن تكون خلفية للثورة، وكان الشهيد ملأكي يقول يمكن أن تكون خلفية للثورة كلها وإبراهيم عافه يؤمن على الكلام وفي البال أمر آخر، وما يحزن أن ذلك اللقاء الذي هدأ من المعركة أو أجلها كان بين طرفين، طرف همه تحين الفرصة للتفرد بالساحة وآخر يفكر بوحدة قوى الثورة للتعجيل بالنصر.

ونسى الأستاذ أن طرفي الثورة وبعد الهجوم الأثيوبي المدعوم من السوفيت حزيران 1978م والذي أسفر عن إستعادة نظام الدرق لذمام المبادرة العسكرية وأصبح في وضع الهجوم الشامل وإستعاد المدن المتبقية... ففي واجهة الجبهة جرى الانسحاب من المدن الغربية بعد معركة أم حجر - قلوج الشهيرة والتي أستشهد فيها العشرات من القادة والمناضلين وعلى رأسهم الشهيد أبرهام تخلي، والشهيد عبدو محموداي ـ الشهيد إيمان عثمان محمدعلي قائد الكتيبة 149 والشهيد عثمان منجوس بدل سرية وكان من أمهر رماة الآربيجي وجيش التحرير كان يذخر بالمئات من شاكلته وهو مثال للأبطال.

ولهذا كان طرفي الثورة يبحثان عن خلفية مناسبة وآمنة وكانت خلفية الشعبية في منطقة الساحل مناطق بليقات وأم هميمي وفي منطقة سمهر بينما كانت الجبهة في منطقة أراق تبح وعيقت حتى قرورة بما فيها تلة ودباناي وعريرب ودلحا وكل مناطق أدوبحا الى الحدود السودانية ممتدة من قرورة الى حدود ولاية كسلا كما كانت في ساوا حتى إمتداد كركبت وكر ديبا وفروق وسلسلة جبال بانونا، ولاننسى أن الجبهة الشعبية تنظيم كان حديث النشأة وما يتمدد أو تمدد فيه من مناطق كان على حساب من سبق، وكان للطرفين طريقين مختلفين، فطريق الشعبية يسير بمحاذاة البحر، وطريق الجبهة الطريق البري وكانا يلتقيان على طريق قرورة طوكر إلى بورتسودان.

كانت قيادة الجبهة قد حددت مناطق خلفية آمنة للتنظيم لاتخرج عن مناطق التواجد التاريخي للجبهة وأن تكون منطقة بركة بما فيها ساوا باحتها الأمامية ولها منافذ متعددة سواء على البحر أو البر باتجاه السودان. في العام 1979م جاءت الجبهة الشعبية بقوات كبيرة على مشارف منطقة أراق وكانوا في وضع قتالي يبحثون عن أتفه الأسباب لاشعال معركة أعدوا لها ولكنهم وقبيل ذلك أرسلوا المناضل برهاني قرزقهير (معتقل في سجون النظام من مجموعة ال 15) وكان الهدف تبليغ الجبهة على حد قوله ووصل برهاني لمدينة قرورة وهناك بحث وإتصل باالمناضل حامد عثمان الأمين (نقفه) أمد لله في عمره وكان وقتها مشرفاً للأمن في المنطقة، أخطر نقفا برغبتهم بأن تخلي قوات الجبهة منطقة أراق لتكون خلفية لهم وأنهم يريدون معرفة الرد خلال 48 ساعة، فقال له نقفا نحن خلفيتنا أراق وانتم بليقات ماذا إستجد وما الغرض من هذا الكلام وماذا يعني؟ إنه لايعني إلا أمراً خطيراً يبدو أنكم تهيأتم له، فرد قرزقهير نحن بلغناكم وعليكم إخطار قيادتكم، ورد عليه نقفا تعلم أن القيادة بعيدة والوقت الذي تريدون خلاله الرد غير معقول وهو ليس أكثر من بحث عن تبرير لشن حرب فانصرف قرزقهيربعد أن بلغ ماعليه من رسالة.

كان هدف الشعبية الظاهرإزاحة الجبهة من المنطقة وتوسيع خلفيتهم وهدفهم الاستراتيجي إخراج الجبهة من الساحة، وكان كلا الهدفان بائنان للعيان، أخطر المناضل نقفه قيادته المباشرة (مكتب الامن) بالمعلومات عن الاوضاع في المنطقة وما ذكره برهاني قرزقهير وأكد لهم أن الجبهة الشعبية حاشدة لقواتها وجاهزة لمعركة، وهي مصرة لدخول موقع الجبهة في أراق وأخذه سواءًا عنوة أو بإنسحاب الجبهة وتمنى الاهتمام بهذه البرقية والرد السريع عليها لاتخاذ الاجراءات اللازمة، إلا أن القيادة لم ترد أو تهتم للأمر رغم خطورة المعلومات المقدمة حتى وقعت المعركة مع سرية من كتيبة الشهيد محمد علي فكاك وكان معهم قائدهم وسيطرت الجبهة الشعبية على منطقة دلحا غرب أراق يوم 8-8-1979م فحشدت الجبهة بعدها قوات كبيرة وصارت وجهتها الساحل وللأسف أصبح التركيز على الجبهة الشعبية بدلاً من العدو الرئيس وأضحت المعركة وشيكة الوقوع فتدخلت القيادة السياسية وأوقفت الجيش وإتصلت بقيادة الشعبية وقدم الوفد عبر قرورة وكان بقيادة إبراهيم توتيل والشهيد ملأكي تخلي وكان وفد الطرف الآخر بقيادة إبراهيم عافه وإعتذر وفد الشعبية عما حدث وقرروا إطلاق سراح الأسرى كما اطلقت الجبهة ما كان معها من أسرى، وطاف الوفد في المنطقة التي تقرر على الأقل من جانب الجبهة أن تكون خلفية لمراكز الجبهة الخدمية والقيادية وكان الشهيد ملأكي بحسن نية يقول يمكن أن تكون خلفية لعموم الثورة وعافه يؤمن على الأمر وفي البال أمر آخر، ومن المحزن أن ذلك اللقاء الذي هدأ من إنفجار المعركة في ذلك الوقت كان قد جرى بين طرفين الأول قرر وعزم على إقتلاع الجبهة بشتى الوسائل، وكان يعبئ لهذا الهدف الاستراتيجي ليل نهار، وطرف قيادته تتحدث عن قوى الثورة والنضال ووحدتها حتى بعد إنهاء إتفاقية ال 20 من أكتوبر وتقوده قيادة أقرب لقيادة قوة سلام أو إطفاء أكثر مما هي قيادة لتنظيم سياسي ينتقص من حقه ويقتل جنوده بدم بارد، في تلك الزيارة إستطلعت قيادة الجبهة الشعبية المواقع وعلى الأقل عرفت نوايا الجبهة ويبدو أن فكرة الخلفية الآمنة قد وجدت عنهم هوى ووجدت قيادة الجبهة الشعبية الوقت لترتيب معركتها ضد الجبهة وسرعت من وتيرة إستعداداتها لاجتثاث الجبهة وقيادة الجبهة منشغلة بقضايا إنصرفية وصراعات متوهمة وكان البعض ينظر أن الشعبية تريد توسيع خلفيتها وكأنه لايعنيه على حساب من هذا التوسع، على كل إستفادت الجبهة الشعبية في معركتها هذه من كل العوامل التي وفرتها أخطاء قيادة الجبهة وتفككها وخطابها وأخطائها السياسية، وخاصة خطابها في ندوة كمال جمبلاط في بيروت وما خلفه من غبار وسكوت القيادة وعدم الرد عليه وإستغلاله من خصوم التنظيم وأعدائه والمعارك الداخلية التي كانت تخاض ومنها توفير أرضية إنتخابية مغايرة وتحول نشرات الحزب الداخلية لأداة تصفية لحسابات من كان يشرف عليها وسكوت القيادة وعدم ردها، ساعد دعاية الخصوم بأنها تخوض مفاوضات سرية مع أثيوبيا بهدف ترتيب الأوضاع وبثت دعاية أن التنظيم الشيوعي؟!

على وشك التوصل لحل مع الدرق يوازن ما بين حقوق الشعب الارتري ومطالب أثيوبيا ومطلوبات إستقرار خط الثورة العالمية ...وساعد على تمرير هذه الدعاية الكاذبة والسوداوية صمت قيادة الجبهة وكل هذا صب في مصلحة الجبهة الشعبية التي إستفادت لأقصى، وطبيعي أن يستفيد أي طرف لو كان في مكان قيادة الشعبية من هكذا ظروف جاءته بلا عناء فلماذا يكذبها... ويبدو أن البعض كان يتعامل برومانسية زائدة في عالم السياسية فدفع الثمن ولازال يدفع، وقبل الدخول في أجواء سيرالحرب فلابد من وضع القراء والمتابعين في واقع التكوين العسكري لجبهة التحرير الأرترية وحجم القوة وترتيبها.

كان لجبهة التحرير الأرترية 11 لواء قوام كل لواء اربع كتائب كما كان لها مجموعة من الكتائب والسرايا والفصائل المستقلة وأجهزة أمنية وخدمية ومليشيات شعبية فضلاً عما هوكائن في هيئة التدريب والتسليح وأجهزة ال 12 وحدة إدارية التي كانت تعج بالكوادر المقتدرة.

وكانت الألوية على النحو التالي:

 اللواء القائد النائب المفوض + الأمن جبهة القتال
 19 إدريس هنقلا صلاح الدين عبدالله أمانئيل + نوري محمد عبداللهعنسبا / الوسطى
 44 إدريس علي عمر ابرهلي كفلي قرماي قشي بُدل ببرهي (عنجال) الساحل الشمالي
 61 ولد داويت تمسقن كبسا
 64 حسين خليفة عبدالله حسن تسفاي برنجي دنكاليا
 69 حامد محمود عافة محمد حامد محمد نور عبدوكحساي الوسطى
 71 محمد حامد تمساح أسفاو برهي ناائب ومفوض ولدماريام بهب لبي القاش
 72 تسفاي تخلي عثمان محمد أحمد عيسى الجبهة الشمالية
 75 تسفاي تخلي أزقي الحسن أبوبكر أمانئيل منجستو + ألم قيتوم الوسطى
 77 سعيد صالح برهاني هيلو القاش
 81 عبدالله طقاي صالح داود أبوليلي تخلي برهان قبرصادق الخلفية
 97 قبراي تولدي محمد نورعافة محرتآب قبري + إبراهيم على نور الوسطى
 هيئة التدريب حاج إبراهيم ماتيوس تسفايهيئة التدريب

 كان القرار في القطعة العسكرية يحتاج لموافقة جماعية وكان تركيب إدارة اللواء من قائد اللواء / نائب القائد / المفوض السياسي / الأمن الإستخبارات، وعندما إندلعت الحرب مع الجبهة الشعبية قسم الجيش إلى عدة جبهات فكانت الجبهة الشمالية الغربية وفيها الألوية 44، 72، 61 بعد قدومه من كبسا وكانت تحت قيادة حسين خليفة وهذا ترتب عليه إسناد قيادة اللواء64 لعبد الله حسن كما أضحى اللواء 72 بقيادة عثمان محمد بحكم تكليف تسفاي تخلي بمنسق للقيادة العليا وقيادة الجبهات ويلاحظ لايوجد مكان لرئيس المكتب العسكري الذي ألحق في وقت متأخر بجبهة عنسبا وكان مقره في منطقة يوتي بين عد سيدنا مصطفى وهمبول، الجبهة الوسطى وفيها الألوية 19، 69، 75، 97، تحت قيادة حامد محمود وقبراي تولدي والجبهة الجنوبية الشرقية (القاش) 71 - 77 تحت إشراف ملأكي تخلي، وكان اللواء 64 وحده في جبهة دنكاليا وقد دفع ثمناً غالياً في الأفراد وهو يدافع في وجه هجمة مزدوجة من الشعبية ومن حليفتهم آنذاك وياني تجراي، قوات الجبهة الشعبية كانت أقل من قوة الجبهة من حيث العدد وحتى لم يكن هناك تفوق في العتاد في ذلك الوقت، إلأنها سجلت تفوق عددي بفضل دفع 12 ألف جندي من الجبهة الشعبية لتحرير شعب تقراي (وياني) للقتال بجانب قواتهم في جبهة الساحل فقط وقد أقر هؤلاء (قادة جبهة التقراي) بهذا الأمر وخطائه التاريخي، كما كان للبعض من مناضلي جبهة التقراي وخاصة ممن كتبوا حول هذه التجربة فهمهم المغلوط والذي كان ثمرة لشيطنة الخصم (الجبهة) وتوزيع أنخاب التقدمية والرجعية واليمين واليسار بلا معيار موضوعي كانت القيادة العليا مكونة من الإخوة إبراهيم توتيل، ملأكي تخلي وإبراهيم محمد علي وهي الجهة الوحيدة التي كانت تعطي الأوامر وكان تسفاي تخلي قائد الربط مع القيادة العليا الآنفة الذكر وعندما جاء عبد الله إدريس وجه للاشراف على جبهة عنسبا وكان مقره في يوتي بين عد سيدنا مصطفى وهمبول كما أشرنا أعلاه.

جاء التنسيق المشترك بين الجبهة والجبهة الشعبية ليس لطلب ورغبة من الجبهة الشعبية وليس لأن الجبهة الشعبية أرادت تشتيت قوة الجبهة وجعلها بالقرب منهم كما ذكر الأستاذ، وهذا حديث غير منسجم تماماً فكيف من جهة تريد الشعبية تشتيت قوة الجبهة ثم تأتي بها لمواقعها على حد تصور الأستاذ وفي أي مواقع أرادت الشعبية أن تهاجم حتى تشتت منه قوة الجبهة؟ وكيف ينسجم هذا مع رواية الأستاذ الأولى وتصوره بأن الساحل كان أرض خالصة للشعبية ولماذا إنساقت قيادة الجبهة لمخطط تعلمه أو على الأقل يعلمه بعضها.

الصورة لم تكن هكذا بل الصحيح أن منطقة الساحل كانت واقعة تحت ضغط القوات الأثيوبية التي كانت تهاجمها برا وبحراً وجوا وهدفها السيطرة على المناطق الاستراتيجية والوعرة وإغلاق طريق الساحل السودان وهو بالنسبة للجبهة الشعبية المنفذ البري الوحيد أما لجبهة التحرير الارترية فكان لها منفذ بديل آخر عبر تخوم ولاية كسلا للسودان منفذ الثورة الوحيد، لهذا كانت لجبهة التحرير الارترية مصلحة للدفاع عن الساحل وعن معاقل الثورة فيه، وكانت أثيوبيا ترى أنها بسيطرتها على جبهة الساحل وبمراقبتها الجوية للحدود الغربية مع ولاية كسلا ومن ثم التمدد على طول خط الحدود سوف تحاصر الثورة وتبيدها عن آخرها في ذلك الصندوق المقفول، لهذا سيرت تلك الحملة الشرسة وكان من بين أهداف الحملة إستعادة مدينة نقفة وما تبقى من المدن في الساحل وهذه الظروف هي التي فرضت على الشعبية الطلب وعلى جبهة التحرير الأرترية التلبية ولهذا أضافت جبهة التحرير الارترية لواءاً لقواتها المتواجدة هناك أصلاً (اللواء 44) واللواء الذي أضيف كان اللواء 97 بقيادة المناضل قبراي تولدي وجزء من اللواء 72، ودخل الطرفين في تنسيق عسكري وجبهة قتال واسعة إمتدت لمساحات شاسعة من الساحل وكان دفاع جيش التحرير الارتري يمتد من جبهة علاكيب (بالقرب من قرورا)، مرات، تكل، عيلا طعادا، قطار، أف قطار، دبر إبن حتى أفلاق. وكانت الخلفية في تبح (أراق) وكان دفاع الجبهة الشعبية يبدأ من أفلاق، ألقينا، بليقات، أم هميمي، وحتى شمال قبي طعادا.

وكان قتالاً شرساً ضد الجيوش الأثيوبية المهاجمة وبعد أن كسر صمود مقاتلي الثورة شوكت الجيوش الأثيوبية، وبعد أن أيقنت قيادة الجبهة الشعبية أن زخم الهجوم قد إنتهى بعد قتال مرير وصمود بطولي لمقاتلي الثورة الإرترية دامة لمدت عام وأكثر تقريباً فضت إتفاقية 20 أكتوبر، وسحبت الجبهة اللواء 97 وبقى اللواء 44 في مواقعه القديمة في علاكيب، أراق، مرات تبح، تكل، وسلسلة رورا حباب، وكان اللواء 44 من الألوية المتكاملة والقوية أما اللواء 97 بقيادة قبراي تولدي فقد سحب للمرابطة في منطقة عيلا عبدالله على الحدود السودانية (شمال مدينة تسني) بعد نهاية إتفاقية 20 أكتوبروكان يتهيأ لمهاجمة وتحرير مدينة تسني، وهذا يدل على أن قول الأستاذ أن المكتب العسكري جزء الجيش لوحدات صغيرة سهلت على الجبهة الشعبية مهمة ضربها قول غير صحيح وأن من إفترض أنه قائد القوات المنكوبة (قبراي تولدي) لم يكن في الساحل اللهم إلا في خيال الأستاذ وحتى لو قصد الأستاذ قوات أخرى وإلتبست عليه الأرقام والقادة فهذا أيضاً لم يحدث وهو بهذا يتوجب عليه مراجعة الأمر وإذا كانت له قضية مع المكتب العسكري فاليفتش حجج أخرى ليحمل رفاقه في المكتب العسكري هزيمة سببها الادارة العسكرية ومبنية على وقائع حقيقية بالأدلة والشواهد وليس تحميل مسؤولية فعل هم من كانوا يوجهون دفته وهل يريدنا الأستاذ أن ننسى أن قرار الحرب في الأصل قرار سياسي وكان بيد اللجنة العليا وطاقمها العلني والسري، وعندما نأتي إلى سير المعارك في جبهة الساحل الشمالي سوف نتعرف على حقيقة ما جرى وسوف نجد الاجابة على أسئلة الأستاذ وسنعرف هل القوات في تلك المنطقة نكبت فعلاً أم أن الأستاذ إستهوته عبارة القوات المنكوبة والتي أكد على أن قائدها هو قبراي تولدي وحتى نقول هذه قوات منكوبة فكم عليها أن تفقد من قدراتها المادية والبشرية؟ وما هي الظروف التي تسمح لنا بإطلاق عبارة النكبة؟

لم يخفي الأستاذ رغبته في تنحية عبدالله من موقعه وتحسر على أنهم لايملكون الآلية مع أنهم إستلموا إدارة التنظيم ونسي أنهم فعلوا عملياً ومنذ أكثر من ذلك الوقت بكثيرمنذ عام 1979م، وكانوا يتوقعون تمرد عبدالله ورفضه لإجراءاتهم العملية ليتخذوا قرار تجميده عبر مؤسسات الحزب وعلى كل حال كانت الدعايه الموجهة على المكتب العسكري عامة ولعبد الله إدريس خاصة تسري كسريان النار في الهشيم وهي معروفة للمتابعين، وعلى كل كان بأسهم بينهم شديد (قيادة الجبهة) وحتى الأستاذ قال لم تكن هناك آلية لتنحية عبدالله ومحاسبته مما يشكف بوضوح النية ولولا خوفهم وترددهم المعروف لإتخذوا خطوة إستباقية في ذلك الوقت وعلى كل كانت النوايا واضحة وياليتهم جربوا ذلك الفعل إذا كان يسهم في تغيير مآل الجبهة ومصيرها الذي حملت إليه حملاً بفعل من أراد أن يجرب حظه في إدارة العمليات الحربية وهو لم يخوض غمارها ولم يكتوي بنارها، وهل يمكن أن نصدق أن المقاتلين الذين تكسرت تحت أقدامهم كل الهجمات الأثيوبية في سلع دعروا وزالمبسا وسيتيت وشمبقو وفي العمق الأثيوبي، وحرروا أغلب المدن الإرترية فروا كالدهماء في المظاهرات أو كالجرذان أمام هجوم الجبهة الشعبية!!! أم أنهم إفتقدوا لقيادة وإرادة رجال يرنون للأفق البعيد ولايخيفهم الموت كما كان عهدهم قبلها.

ملاحظة: قيادات الألوية كانت في حالة تغيير دائم، فمثلاً اللواء 44 كان قائده عند التأسيس الشهيد حسب ونائبه الشهيد حليب ستي ثم نائبه الشهيد حامد زبوي وأخيراً إستقر على ما هو مدون أعلاه.

نواصل... في الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click