قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة الثالثة عشر
بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر
سير المعارك: تحدث الأستاذ تحت عنوان الحرب الأهلية الثانية، وكأن الحرب التي شنتها
الجبهة الشعبية وتحالفها قد شنت من جبهة الساحل فقط وهذا غير صحيح إذ بدأت الحرب من جبهة دنكاليا وبالتحديد مطلع يونيو 1980م وحتى يوم 1980/7/15م، فقد إعتدت قوة كبيرة من الجبهة الشعبية على منطقة جزيرة بوري التي كان فيها اللواء 64 وكانت خاضعة لسيطرة جبهة التحرير الإرترية وهي منطقة مهمة إستراتيجياً وإقتصادياً بإعتبارها منطقة إنتاج للملح الذي كان يصدر لإثيوبيا ويدر دخلاً للمواطنين ولجيش التحرير الارتري، وكان قائد المعركة من الطرف الآخر المناضل عبدالله آدم ودفعت بنتيجة المعركة قوات الجبهة الشعبية لمنطقة زولا وكانت معركة قاسية وكان فيها أعدادا كبيرة جداً من الشهداء والجرحى من الجانبين.
وكانت قبلها وحدات جيش التحرير الارتري من اللواء 64 تخوض معركة ضارية وكبيرة إستمرت لأكثر من أربعة أشهر في منطقة جنوب دنكاليا في مواجهة الجيش الاثيوبي بدأت من يوم 1/1 وحتى يوم 1980/4/26م ويبدو أن الجبهة الشعبية قدرت أن قوات الجبهة غير جاهزة لمواجهتهم لأنها منهكة في جبهة دنكاليا الجنوبية وخاضت معركة طويلة ودامية وبالتالي ستستلم للجبهة الشعبية الموقع دون مقاومة تذكر، إلا أن الأمور سارت على عكس ما تشتهي وهزمت قوات الجبهة الشعبية وأجبرت على التراجع عن المنطقة لمنطقة زولا وتدخلت بعدها قوات كبيرة من التجراي لصالح الجبهة الشعبية في هذا المحور وإنسحبت قواتنا بشكل منظم من عموم دنكاليا في بداية النصف الأول من عام 1981م بقيادة المناضل عبد الله حسن، وكانت قواته فيها أعداد كبيرة من الجرحى وتعاني من إرهاق المشوار الطويل من دنكاليا لمنخفضات بركا، وكان قبلهم قد وصل من جبهة دنكاليا المناضل حسين خليفة في شهر أكتوبر 1980م. وجاءت تلك القوات عبر إكلي قوزاي وسراي إلى بركة حيث خلفية الجبهة ووجدت الجبهة في معركة ممتدة من جبهة عنسبا بركة وحتى مشارف الحدود السودانية بإتجاه يكاد يقترب من مضارب الهدندوة شمال شرق ولاية كسلا.
ومن المعروف أن الجبهة الشعبية لتحرير تقراي (وياني) كانت قد أمدت قوات الجبهة الشعبية بعدد 12 ألف جندي، والمساندة هذه وثقتها بعض مذكرات قادة جبهة الوياني تجراي المنشورة بالإضافة للمساندة في جبهتي القاش ودنكاليا وبهذا العدد الكبيرة ضمنت الجبهة الشعبية التفوق العددي وإمكان الضغط على الجبهة من كافة الاتجاهات بالاضافة للمخترقين الذين لعبوا دوراً مركزياً في هدم الجبهة من الداخل وكان بينهم بعض النافذين في مراكز القرار.
من شكل اللجنة العليا إبراهيم توتيل / ملأكي تخلي / إبراهيم محمد علي وهل صحيح أن توتيل وبإعتباره نائب رئيس نهض بمسؤولياته وهو الذي إستعان بالاخرين، ولماذا هم وليس غيرهم؟ من أبعد هيئة الاركان؟ وبما أن الأستاذ إبراهيم قد قال: أن عبد الله إدريس كان غرضه إبعاد هيئة الاركان وما دام الاستاذ قد عرف الغرض فلماذا مرروا ذلك الغرض وتجاوزوا هيئة الاركان في تحمل مسؤولياتها، ثم من كلف الشهيد محمود حسب بمهمة جمع وقيادة المليشيات والتعبئة في بركا؟ ومن كلف حسين خليفة لقيادة الجبهة الشمالية الغربية؟، ومن كلف تسفاي تخلي للربط بين الجبهات واللجنة العليا ثم كلفوه بشراء معدات حفر الخنادق بحجة أن الجيش لم يتدرب على القتال في الجبال وكل الذي يعرفه جيش التحريرهو القتال في المناطق المفتوحة وللقتال فيها يحتاج لحفر خنادق عميقة واللجنة العليا هي التي قدرت ذلك، وللأسف الشديد فان هؤلاء الذين قدروا ذلك لم يعرفوا جيش التحرير مباشرة ولم يكونوا جزءاً منه وكل الذي يعرفونه عنه هي من التقارير المرفوعة للجهاز القيادي التنفيذي والذي يمر عبر المكتب العسكري وهيئة الاركان.
اللجنة العليا هي من صرف هيئة الاركان عن أداء واجبها لمهام أخرى ثم بدؤوا يفتشون عن المبررات وعن الشماعة فكانت الأقرب رئيس المكتب العسكري والحجة تعليق تكليف متجاوز للهيئة على ذمته والادعاء عليه وهذه أسهل عندهم وقد تبلع بالنظر للصراع الذي كان يدور والذي دار بعدها والذي ينبغي تأكيده أن عبدالله إدريس أو أحمد ناصر أو توتيل أوبقية أعضاء قيادة الجبهة التنفيذيين مسؤولون عن الهزيمة تاريخياً وأخلاقياً وهم مسؤولون بحكم قيادتهم أما التحميل الفردي فهو ليس إلا إتهام يعوزه الدليل المادي ومكانه المحاكم والوثائق والمستندات ولايوجد أحد كبير على الحقيقة وعلى جبهة التحرير الارترية أما أن يأتي الاتهام من فاعل أساسي مثل الأستاذ إبراهيم فأقل ما يقال عليه رمتني بدائها وإنسلت.
بدأت المعركة في الساحل الشمالي يوم 1980/8/28م وكانت في مواجهة اللواء 44 وإستمرت المعركة هناك لأكثر من أسبوعين وقدر الرئيس أحمد محمد ناصر أن تلك القوات سوف تحاصر هناك عن طريق قبي طعادا وهي موقع كانت فيه الجبهة الشعبية إبان الدفاع المشترك في مواجهة قوات الاستعمار وهي في الطريق الى عنسبا المدخل لخلفية الجبهة من جهة الساحل وان المعركة إندلعت في موسم الخريف الذي يصعب معه عبور نهر عنسبا الموسمي في الجانبين، لهذا قدر الموقف وأمر بإنسحاب القوات التي بدأت الانسحاب وفق الأصول العسكرية ووصلت لنهر عنسبا وعبرت النهر وهناك فقدت شاحنتين جرفتهما المياه وكانت كل الخسائر في المعركة حتى لحظة العبور 62 شهيد و73 جريح بما فيهم الشهيد محمد نور أبوبكر هندقاي (سلال) وهذا العدد من الشهداء والجرحى من لواء قوامه أكثر من 1500 جندي لايمكن أن نطلق عليه صفة القوات المنكوبة، وتمركز اللواء 44 في سلسلة جبال بانونا وديبا بين نهري عنسبا وبركا وهناك خاضوا معركة كبيرة مع الجبهة الشعبية وتمكنوا من كسر هجومها ومطاردة قواتها وإقتلاعها من بادن ودفعها لمنطقة فروق كما كانت قوات أخرى للجبهة تتقدم على طريق قبي طعادا ومعر، هنا وصل لتلك القوات الشهيد ملأكي وطالبهم بالانسحاب لكركبت مما أحدث غضب شديد بين قادة الجيش ودخلوا في ملاسنات معه وكان الشهيد عند برهان تخستي قائد الكتيبة الثالثة اللواء 44 أشدهم حدة وغضباً وتحت إصرار القيادة إنسحبت القوات من سلسلة بانونا الحصينة لسهول كركبت.
وهذا الوضع مكن الجبهة الشعبية من التمركز على السلاسل الجبلية الحصينة دون أية تضحيات بعد تلك التي كابدتها في معركته الأولى ودفعتها لمنطقة فروق وشرعت في الاعداد للاندفاع نحو سهول بركة المفتوحة، كما دارت معارك طاحنة في رورا بيت قبرو وتمكنت الجبهة الوسطى المكونة من اللوية 19 / 69 / 75 من التقدم وخاصة اللواء 75 الذي دخلت كتيبة منه بقيادة الشهيد آدم قلوج مشارف منطقة رورا حباب وللأسف الشديد أمرت تلك القوات المنتصرة بالانسحاب بدلا من دعمها وتثبيت إنتصارها وإمكانية ذلك كانت متوافرة، مما أثر في نفسيات الجنود وهد روحهم المعنوية، كما بدأت تسري شائعات أن قيادات الجيش تريد تسجيل تلك الانتصارات برسم قيادتهم العسكرية ينبغي ألا يمكنوا والبعض يقول هذا يعني أن من أدار المعركة قبلهم قد عجز وأن هذا ستكون له نتائج سياسية مستقبلية... إلخ،
وأخذ البعض يقول من يقتل من وهؤلاء لم يلتفتوا إلى أن الطرف الآخر كان يرمي بثقله ولايلتفت ولايقول أحد من بينه من يقتل من، وكانت هنالك مجموعات تعمل على تثبيط همم المقاتلين وتشيع بينهم روح الهزيمة وتقول للجنود لماذا أنتم بقيتم لقد إنسحب الجيش ولستم إلا وحدكم إنسحبت كل القطعات العسكرية قد نتعرض للإبادة لماذا نهلك ويقوم البعض بالانسحاب الكيفي ورغم أنه ترك مئات الرفاق يقول لمن يصادفه أنا وحدي من بقى، كما كانت شائعات أن المعارك لتشريف العسكريين أي بمعنى أنها ليست لها أهمية إستراتيجية في بقاء التنظيم ومصيره وهي ليست أكثر من محرقة علينا النجاة منها، ومن المعروف في هكذا لحظات لايفكر غالب الناس بعمق في مآلات الامور والشائعة ككرة الثلج كلما دحرجتها تكبر وتتسع، وهذا أدى لفقدان العلاقة الطبيعية بين القادة الميدانيين وجنودهم وأضحت الأوامرية والتراتبية والعلاقات العسكرية الرأسية الضحية الأولى أي أنتهت خاصية الطاعة كلازمة للعسكرية إنتهت لازمة طاعة الأوامر والتقيد بالتعليمات ومن المعروف عندما تنتهي تنتهي العسكرية وكل فعلها وهذا ما حدث بالضبط، وكان الجميع يلاحظ ألوية كاملة لم يمسسها خدش تجر نفسها نحو الحدود وكأن هناك نقطة تجمع غير معلنة أو أوامر بالإنسحاب لهذه الوجهة، وصلت المعنويات لأدنى درجاتها ودارت معركة كبيرة في منطقة دقا شارك فيها اللواء ان 71 بقيادة الشهيد تمساح و64 بقيادة المناضل عبد الله حسن الذي جرح في تلك المعركة ودفعت قوات الشعبية نحو تخوم حقاذ ورغم الانتصار إستمر الانسحاب وجرت معركة يائسة وإنتحارية مع الشعبية في منطقة أوحي ولكنها لم تك منتجه القيادات دخلت قبل الجيش أو معه وهنا صدقت حكايتي أسياس الأولى والثانية عندما قال: عامة كتحقق إيا (ويقصد بعاما الجبهة أي سوف تذوب) والثانية أن يده داخل الجبهة حتى الرأس وهو لايحتاج لسلاح لإدخال الجبهة للسودان وليفسر هذا كل بالشكل الذي يريده، وبقى في الميدان عبد الله إدريس مع حفنة قليلة من الرجال، واللجنة العليا القيادة المنكسرة أصبح كل همها كيف يدخلون للسودان بتلك الاعداد الكبيرة، دخلوا وهم لايعرفون كيف سيتصرف السودان معهم السودان المصنف بزعم الاستاذ بأنه جزء من حلقات التآمر كانوا يتوهمون أنه سيستقبلهم بالورود وسوف يعاملونهم بالحد الأدنى كما عاملوا قوات التحرير الشعبية ولم يفهم هؤلاء العباقرة أن الظروف المحلية والاقليمية والدولية تغيرت بما فيها التقييم للجبهة نفسها التي صبغها الرفاق بلونهم وتناسوا ضريبة الصبغ وما يمكن أن تجره ومع جاؤوا بأقدامهم إلى عش الدبابير وصاروا تحت رحمة المخابرات التي إتهمها الأستاذ بأنها جزء من التآمر الاقليمي ومع كل هذا أخذ يفتش عن كبش للفداء من داخل الدائرة الضيقة للجبهة ليحمله مسؤولية قرار تجريد جيش التحرير، وهذا ليس إستخفاف بعقول الناس بل إحتقار لهم، كانت حتى تلك اللحظات الأليمة الأوامرية بيد اللجنة العليا وكانت آخر أوامرها ترحيل العيادة المركزية لمنطقة ربدا الحدودية، وكما أكد الأستاذ إبراهيم إن تلك اللجنة كانت تعمل بدليل إستدعائهم للشهيد محمود حسب في كسلا بعد الدخول ومطالبته بالإتصال بالمناضل حسين خليفة لاستطلاع شمال ولاية كسلا، وإذا كانت اللجنة العليا لاتقوم باية مهمة وحلت محلها لجنة أخرى فبأي صفة إستدعت الشهيد حسب، مع العلم أن تلك المنطقة كانت فيها قوة بقيادة المناضل محمد نور عافه وبهذا لم تكن تحتاج لاستطلاع، كما أن الاستاذ قفز على توجيهاته الشخصية التي أمر فيها القائد الشهيد عثمان صالح علي بالانسحاب وقال له هل تعتقد أنك في هضبة أسمرا لماذا لاتنسحب.
كما أن لجنتهم كانت قد عملت إعادة تنظيم ودخلت في مشادات واسعة مع قادة الجيش وخاصة مقترحها المتعلق بتقليص عدد المجموعة كأصغر وحدة مقاتلة وتركت اللجنة العليا الشهيد ملأكي وحده في مواجهة قيادات جيش التحرير، وفي الجبهة الشمالية التي كان قائدها المناضل حسين خليفة عقد إجتماع موسع حضره من قائد فصيلة فما فوق وكان العدد الكلي للحضور 270 مناضلاً دخلوا في نقاش حامي إستمر لثمانية ساعات متصلة بحضور ملأكي تخلي وبعد أخذ وجذب أقر الجميع على مضض لقرار بضرورة تطبيق التوجيه بصرف النظر عن ملأمته للجوانب العسكرية أما في الجبهات الأخرى فكان الأمر بالغ الصعوبة مما دفع اللجنة العليا للطلب من القادة تسجيل أسماء الرافضين والموافقين وهذا الأمر خلق إمتعاض كبير وفهم بأنه شكل من أشكال التهديد، وكل الموضوع برمته بتلك الطريقة لم يكن له ما يبرره في وقت يواجه فيه التنظيم معركة الوجود واللاوجود ودارت معارك ضارية أسفرت عن إستشهاد ثلة من المناضلين والقادة، وفي الجبهة الشمالية وبعد تعليمات الانسحاب أمر الشهيد ملأكي الجيش بحفر خندق أفقي على طول خط المواجهة وهي أرض مفتوحة ودارت معركة كركبت ودفع الجيش لما بعد خور بركة، كما هاجمت القوات الأثيوبية جيش التحرير الارتري عبر منطقة عيشنكيت ضواحي هيكوتا ودارت معارك ضارية أجبر من خلال الجيش الأثيوبي بالتراجع الى مواقعه التي إنطلق منها، وإنسحب جيش التحرير الارتري إلى الحدود السودانية بشكل كيفي ودارت معركة كبيرة ضارية في منطقة أوحي لم توقف إنسحاب الجيش نحو الحدودالسودانية وبقى رئيس المكتب العسكري وحده مع مجموعة صغيرة في الميدان في منطقة ساوا وبقي لاسبوعين وكيف أن مجموعة من القادة سألوا الأستاذ إبراهيم محمد علي شخصياً فقال لهم ماذا نفعل له، وكانت المعلومات حول القائد أبو إبراهيم متضارب بما فيها همس إستشهاده، كما أن الاستاذ إبراهيم تجاهل بيان اللجنة التنفيذية الذي صدر عقب دخول الأراضي السودانية وأكد على فشلهم وعلى تحملهم لكامل تبعات ما جرى وأعتقد أنه تجاوز ذلك البيان لأنه لايخدم مقولته في تحميل الهزيمة للآخرين وبالحصر للشهيد عبدالله إدريس لهذا لم يتحدث عنه لامن قريب ولامن بعيد.
نواصل... في الحلقة القادمة