كتاب تاريخ البلين الماضي والحاضر يؤسس مدخل منهجي لقراءة تاريخ البلين
بقلم الأستاذ: محمد اسماعيل هنقلا - كاتب إرتري - ملبورن، استراليا المصدر: فرجت
يفتتح المؤلف كتابه كمقدمة برواية تاريخية موغلة في القدم.. ويتقفى أثر الكتابات القديمة التي لها علاقة
بموضوع بحثه، وحاور الكتب والروايات الشفهية برؤية منهجية حتى تظهر موضوعية المادة والمنطق الذي تحمله.
وانطلاقا من منطق المنهج صاغ الكاتب رؤيته عبر قراءة تفكيكية لبنية النص المعطى.. انه كتاب يؤسس لمدخل منهجي لقراءة تاريخ البلين عبر توثيق للأحداث ونقلها من موقع المشافهة الي الكتابة، وهذا واضح في اُسلوب الكتابة، سردا وتحليلا وكذلك الشروحات والحجج التي قدمها الكتاب، انها تؤكد مقدرة الكاتب المسلح برؤية نقدية، رؤوية تنزع من خطاب الماضي المسلمات البديهية والرؤية اليقينية من خلال طرح سؤال الشك على المادة التاريخية الشفهية، حتى تكشف الرواية او الحادثة عن تماسكها المنطقي وصدقها.
بمعنى اخر نه ينفض غبار زمن المشافهة عن السرد التاريخي وينتقل به من حاضر الذاكرة الجماعية الشفهية الي حاضنة التدوين، وعبر هذا الاسلوب الكتاب يخاطب الذات البليناوية وفي نفس الوقت يقدم مادة تساعد علم التاريخ، والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع في قراءة الواقع… بعد هذه المقدمة ندخل الي الملاحظات التالية:-
أولاً: ان كتابة التاريخ هو سرد لتفاصيل الاحداث واسبابها الذاتية والموضوعية حتى يتعرف الباحث او القارئ على الواقع المشخص كما هو.. وان عبارة الي آخره، واخرون لا تخدم غرض كتابة التاريخ والباحث استخدمها في مواقع كثيرة من الكتاب.. مثال: عندما ذكر الشرائح الاجتماعية الوافدة الي حلحل بقوص لم يذكر كلها، المفروض يذكر كل الوافدين دون استثناء حتى تعطي للقارئ الصورة الصحيحة.. فالاسفدا ليس اقل عددا وحضورا من بعض العوائل التي ذكرها الكاتب، ونحن نفتخر في حلحل ان القائد الشهد محمد ادريس حاج هو من مواليد حلحل وينتمي الي هذه القبيلة الاسفدا.
ثانيا: فقرة جبهة التحرير الإريترية لا ادري ماهو المعيار الذي استخدمه الكاتب، المفروض يكتفي بذكر الرواد الأوائل الي جانب الذين برزوا في ساحة العمل النضالي ككوادر متقدمة.. وهذا الاسلوب، اُسلوب الاكتفاء بالرواد كان جنبه الانزلاق الي الخلل، بشكل مختصر الفقرة لم تكن بطموح القارئ ومنهج الكتاب لان حيث تم ذكر شخصيات غير مهة من حيث الدور في العمل النضالي، وتغييب شخصيات مهمة:-
• عمر صالح،
• حامد عبد القادر،
• حفيظ سعدالدين،
• ابوبكر محمود عصيدة،
• أنشيك ابراهيم،
• محمد علي ابراهيم (فك اللة أسره)،
• حسن محمود عبد القادر،
• الشهيد/ ادريس عثمان عبيلو،
• الشهيد/ قنبار لجاج،
• الشهيد/ فاهم،
• الشهيد/ محمدنورعبي هنقلا،
• الشهيد/ محمد عمر آدم بره،
• الشهيد/ عبدالوهاب احمد نبراي،
• الشهيد/ ياسين محمود بليناى... وكثيرون.
ثالثا: الحديث عن المرأة يحتاج الملف الي اعادة قراءة، هناك نساء رائدات في التعليم والتمريض وكذلك في النضال، وفي الحقل الاجتماعي ..الخ. في هذا الحقل اتمنى ان يبذل الكاتب جهد بمستوى البحث الجاد.
رابعا: الجهاز المدني، ايضا مثلة ومثل باق الفقرات، فالكتاب يعاني من نقص وغياب شخصيات مثل:-
• امبابي هبتي - مدير مدرية كرن،
• والمحامي محمود هنقلا،
• ودبساي قرزا،
• ويوهنس موسى
واخرون... صحيح أمباي هبتي ذكر في الكتاب لكن من باب الصراع على الزعامة ..الخ.
خامسا: بخصوص راس ولدي مكائيل لم اجد معلومة جديدة ولا حتى الرواية الشفهية التي كانت متداولة في تلك الفترة، يقال ان الرجل قصد حلحل، هارباًمن الولا، ولم يقصد مكان اخر نتيجة العلاقة الاجتماعية التي تربطه بأهل حلحل، كما قصد بهتا حقوص منطقة الحباب نتيجة العلاقة الاجتماعية التي تربطه. وان راس ولدي مكائيل كان ساكن في منطقة متكل أبي، وهناك أغاني بالتجرنية توصف تلك اللحظة من زمن راس ولدي مكائيل وتواجده في حلحل.. كنت اتمنى ان أقر بشئ من التفصيل بما يخص هذا الموضوع حتى تثبت الحكاية بشكل منهجي بعد ان تخضع لقانون التحقيق.
سادسا: لم يحدثنا الكتاب عن أسباب انقطاع العلاقة بين بيت طوقي وبقيت اخوان طوقي واهلة في عدتكليزان.. من صفات المجتمع القبلي التواصل والتآزر في السراء والضراء.. اذا كانت العلاقة بالفعل علاقة نسب لماذا انقطع التواصل بين الأهل ؟. أكيد هناك سبب موضوعي لانقطاع العلاقة، علاقة كانت موجودة في فترة تاريخية معينة ثم انقطعت، إذاً ما اسباب الانقطاع ؟، الكاتب لم يخبرنا.. هناك رواية شفهية تتحدث عن أسباب لانقطاع، رواية غير مؤكدة تحتاج الي البحث والتدقيق.. واعتقد لو حاور الكاتب بعض كبار السن في القبيلة لوجد طرف الخيط المؤدى الي الحكاية.
في الختام: نقول عن الكتاب هو محاولة لبناء ذاكرة مدونة في كتاب، وعبر هذا التدوين يطارد النسيان وكل انواع التشويه.. وهذا الاسلوب في الكتابة يضع البوصلة في الاتجاه الصحيح، اي نقل الحكاية التاريخية من قالبهاالشفهي الي حضن الكتابة، وانطلاقا من هذا الفهم الكتاب اضافة حقيقية، وخطوة تراكمية في قراءة تاريخ البلين بشكل خاص وتاريخ اريتريا بشكل عام، واخيرا اتمنى من الكتابات التاريخية القادمة ان تتجاوز الخلل المنهجي والمعلوماتي التي وقعت علية الكتابات السابقة، وأرجو من الدكتور ادريس جميل بعد مراجعة شاملة وصد الثغرات ان يترجم الكتاب الي لغة التجرنيه والإنجليزية حتى يتوسع الحوار وتتجذر عبر هذا الحوار المعلومة التاريخية الصحيحة.