ﺇﺭتريا بين ﻧﻘﻴﻀﻴﻦ ﺗﻮﻃﺌﺔ ﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﻧﺤﻦ ﻭﺍﻫﺪﺍﻓﻨﺎ
بقلم الأستاذ: أبو أسامة
وثيقة نحن وأهدافنا أعدت في وقت ما من عام ۱٩٧0 من قبل أسياس أفورقي ومجموعة صغيرة مِنْ رفاقه،
وكانت المجموعة مكونة من حوالي ۱٣ شخصَ.
والوثيقة كانت موجهة إلى أهل المرتفعات الإرترية المعروفة بـ: (كبسا)، أي الهضبة الجنوبية الإرترية التي يقطنها النصارى الإرتريين ويشاركهم فيها ما لا يقل عن 30% من المسلمين، والهضبة مؤلفة من ثلاثة أقاليم، هي: حماسين وسرايى وأكلي قوزاي.
لاقت الوثيقة انتشاراً واسعِاً حين أعيد طباعتها في نوفمبر/تشرين الثّاني ۱٩٧۱م في أوساط الاريتريين المقيمين في أوروبا تحت إشراف تجمع الارتريين للحريةِ في أوروبا، فرع إيطاليا قوات التحريرِ الشعبيةِ الإرتريةِ، وإنّ أصل الوثيقةَ ”نحن وأهدافنا“ تم كتابتها يدوياً بالتجرينية فقط وهي من ٢٤ صفحة.
يقول المترجم مشكورًا: (ونحن إذ نُقدّمُ الترجمةَ الكاملة للوثيقة مِنْ اللغةِ التجرينية (Tigrinia) "كما هي" ودونّ التعليق عليها أو إضافات أَو نقد حتى تظهر الوثيقة بصورتها الأصلية).
فإلى ترجمة الوثيقة:
نحنان علامانان - نَحنُ وَاهدَافُنَا
نوفمبر ۱٩٧١م قوات التحريرِ الشعبيةِ الإرتريةِ
لقد بذلنا منذ وقت طويل جهدا لكي ننشر شيئا عن موقعنا ونُوضّحُ هويتنا، مَنْ نحن، آرائنا حول بَعْض الأوضاع السياسيةِ في بلادِنا، ولكن لقد تبين لنا أن بياناتنا لم تكن تصل إلى كل الأطراف المعنية نظراً لضعف إمكانياتنا المالية وافتقارنا إلى وسائل أخرى لإتمام هذا العمل، إلى آن أصبحت لدينا هذه الفرصةِ الكبيرةِ والوقت المناسب لطرح هذا البيان التاريخي تحت عنوانِ "نحن وأهدافنا". إن كل ما سنذكره ضروريُ ومهم لأوضاع بلدنا وشعبنا الإريتري، وخصوصاً مؤيدونا، وإلى شعوب العالمَ بصفة عامة؛ عُموماً هذا البيان قيم، ونحن نُذكّرُ وننذر أَنْ لا يهمل، لأنه يُوضّحْ لَيسَ فقط مَنْ نحن، ولكن يُوضّحُ أيضا عن أحوال بلادِنا إرتريا، وشعبها ونضالنا، ونؤكد لكل المهتمين بأنّ هذا البيان يعطي أجوبةَ واضحةً ومقنعةَ ودقيقة.
نحن نَقِفُ أمامكم لنعبر عن وجهة نظرنا، نحن مجموعة من المقاتلين الإرتريينَ الذين انشقّوا مِنْ إدارةِ " القيادة العامّة" في مارس/آذار ۱٩٦٩م نعم، والحقيقة بأنّ كلّنا أَو معظمنا من المسيحيين ميلاداً وثقافةً وخلفيةً تاريخِية. أن أولئك الذين يَنْظرونَ إلينا بشكل سطحي من بعيد، يمكنهم أن يظنوا و يقولوا بأننا "طائفيين" نتيجة لقصر النظر أو عدم فهم أهدافنا، ولكننا لا نريد أن نهمشهم أو نتجاهلهم، ونريدهم أن يعرفوا هويتِنا وأهدافنا، لذا نَوصي بقِراءة بياننا بالكامل. ونحن مستعدون لمن لا يرغبون قراءة المذكرة أو لا يأخذون بالأخبار، أو لديهم أشياء غير مفهومة عنا أو تساورهم شكوك، نُطمئنُهم بأنّنا على استعداد تام للالتقاء بهم بصفة شخصية ومباشرة، رغم أنّنا على دراية عميقة لِماذا نحن في هذه الحالةِ، ولِماذا انفصلنا، إلا أن المراقبين وعامة الناس المهتمينْ يحق لهم أَنْ يتساءلوا ويَقُولَوا: لماذا انشق المسيحيون ؟ وكيف انشقوا ؟ ومتى انشقوا ؟ وما هي أهدافهم ؟ وماذا يريدون ؟ وهَلْ هم طائفيون أَم وطنيون ؟ هل هم مناضلون ثوريون أم مسيحيون صليبيون ؟ وهل هم رجعيون أم تقدميون؟ وقد لا يجدون إجابات مرضية عند مسائلة أنفسهم: ماذا...؟ كيف...؟ ولماذا...؟ ونحن علي العكس من ذلك نعلم أنهم يحصلون علي معلومات مغلوطة تجعلهم يلوموننا ويكرهوننا. وهكذا، فأننا لم نكن محل تساؤلات فحسب، بل سيقت بصددنا وضدنا آراء كثيرة فقد تظاهر البعض أنه معنا قائلاً "كان عمل ايجابي انفصالكم عن المسلمين". وصفق البعض لأن انفصالنا كان يجب أن يتم والبعض يقول أن لنا أهدافا طائفية وهكذا. وكلها أراء مخادعة وقد خلعت علينا أوصافا مضللة تتراوح بين المدح والتهديد والقذف والانتقاد والرشوة، وأهدافا أخرى تتعارض مع ما نهدف إليه من نضال بناء. ونحن نعترف بان من واجبنا وحدنا أن نعطي إجابات مقنعة علي التساؤلات وأن تكون إجاباتنا مرضية لهؤلاء الذين ينشدون الحقيقة، وعدم تشجيع هؤلاء الذين يريدون خداعنا ونشكر أولئك الذين امتدحونا،ونؤكد لأولئك الذين أرادوا شراءنا إننا لسنا سلعا أو حيوانات، أن طبيعة نضالنا وأهدافنا معروفة لدينا جيداً أكثر من أي شخص أخر خاصة أولئك الذين يتاجرون بالأخبار وسماسرة النميمة، واضعين في الاعتبار الحذر، نأمل أن نوضح موقفنا ونقدم الطرح الأتي.
وصف مختصر لإريتريا وشعبها:
نحن الإريتريون ننتمي إلى بلد ذو حدود مميزة واقتصاد وتطور سياسي وتاريخ وثقافة وتقاليد خاصة وهذا لا يخفى على الجميع، والمعروف أن بلادنا تعرضت لأجيال عدة من السيطرة الأجنبية وتوسع دولة أفريقية لحساب الإمبريالية وقد قام الغزاة بمسح خريطة بلادنا، وصادروا ثرواتنا، وقضوا علي كياننا السياسي والاجتماعي وزيفوا تاريخنا، وتجاهلوا لغاتنا، واحلوا ثقافات وتقاليد غريبة علينا وسلبونا كل الحقوق الإنسانية. إن نضالنا الحالي موجه ضد المعتدين الإثيوبيين وهو امتداد لمقاومتنا المستمرة ضد القهر الأجنبي، ونحن نضحي بأرواحنا لنحرر شعبنا من أغلال هيلي سلاسى وأسياده، وللحصول علي استقلال بلادنا وتحقيق التقدم الذاتي للشعب الإريتري. إن الاضطهاد ليس مصدره الأجنبي فقط، أو وراءه الأجنبي، بل هناك اضطهاد في نطاق المجتمع يقتضي النضال أيضاً، مثل اضطهاد الغني للفقير والسيد للعبد، والقوي للضعيف، والعمدة للقرية، والقديم للحديث --- الخ، فتلك أمثلة للاضطهاد السياسي والاقتصادي ضمن النظام الاجتماعي الطبقي . ومع الزمن فان الاضطهاد يواجه مقاومة، فيهب الفقراء والعمال ضد الأغنياء، والعبيد ضد السادة، ويثور القرويون ضد رئيس القرية، ويتحد الضعفاء ضد القوي، ويتمرد الحديث علي القديم، هذه حقيقة تاريخية، ومن الواضح أنه عندما تصل التناقضات إلى قمة الانفجار، تهب القوى المضطهدة لتحطم الأشكال المختلفة للقهر. وهكذا سيظل النضال قائماً طالما لم يتمتع الجميع بالحرية في المجتمع، وهذا ينطبق علي إريتريا، ففي مجتمعنا تناقضات مميزة، فعلي الرغم من أن الإرتريين يتقاسمون تاريخاً واقتصادا وتقاليد مشتركة، ولغات متشابهة أو متقاربة وفناً شعبياً متقارباً، مع ذلك يبدوا أن الاختلافات الدينية تمثل التناقض الرئيسي في المجتمع الإريتري، ومثالا علي ذلك، فان انشقاقنا قد يفهم أنه قام علي أساس ديني، وقد ينظر الشخص من الخارج إلى المجتمع الإريتري علي أساس تقسيمه بين المسلمين والمسيحيين. ولكن بدلا من قول هذا، علينا أولاً أن نبحث بعناية ونحلل طبيعة المجتمع الإرتري وشعبه ونتعرف عليه.
أ) الموقع الجغرافي:
تحد إرتريا إثيوبيا والسودان والبحر الأحمر، وعموماً من الناحية الجغرافية فهي تنقسم إلى المرتفعات والمنخفضات فبينما تتكون الأراضي المنخفضة من السهول الواقعة علي ساحل البحر الأحمر وتلك الممتدة علي طول الحدود السودانية في الغرب، تتكون الأراضي من الهضبة المتاخمة لإثيوبيا وهي أراضي مرتفعة وتسمى "كبسا"، ويتجاوب الانتماء الديني تقريباُ مع اختلاف التضاريس، فمعظم سكان المرتفعات من المسيحيين، بينما معظم أو جميع سكان المنخفضات " متاحة" من المسلمين، كما هو مخطط مِن قِبل المحتلين الإيطاليينِ، تنقسم إريتريا إلى ثمان مديريات، تتكون أراضي المرتفعات من ثلاثة مديريات هي: حماسين وسراي واكلي قوزاي، وأراضي المنخفضات من خمسة مديريات ثلاثة منها علي ساحل البحر الأحمر وهي– الساحل، وسمهر ودنكاليا ومديريتي سنحيت وبركة في الغرب، وتشكل أراضي المنخفضات ثلاثة أرباع مساحة إريتريا، وأراضي المرتفعات الربع الباقي، وبسبب أهمية موقع إريتريا الإستراتيجي، توجهت أنظار الأجانب المستعمرين إليها وعملوا علي السيطرة عليها.
ب) الأوضاع الاقتصادية:
لا يزال شعبنا في المراحل الأولي للتطور، رغم أن إريتريا غنية بالمصادر الطبيعية، فهناك ثروات زراعية ومعدنية وحيوانية كافية تضمن الاكتفاء الذاتي، ويعيش شعبنا علي الزراعة والرعي.
إن ثروة البلاد يقوم باستغلالها ونهبها الأجانب، مما أضطر الإرتريين يعيشون في الفقر، مجردين من ثروات بلادهم الاقتصادية، ويعيش أولئك الذين يسكنون المرتفعات حياة أحسن نسبياً من هؤلاء الذين يعيشون في السهول الساحلية والأراضي المنخفضة، فبينما استقر الأولون لاحترافهم الزراعة يهيم الآخرون ويعيشون حياة البدو الرحل، أن أساس الاضطهاد هو الاقتصاد، وهكذا فان المستغلين الأجانب تحركهم رغباتهم الشرهة لسلب إريتريا من ثروتها، استغلوا أيضاَ خلافاتنا الدينية والعرقية والإقليمية، ليفرقوا بيننا ويستمروا في استغلالنا، وهذه حقيقة تاريخية.
ج) السكان:
يبلغ عدد السكان في إريتريا أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، ولكن توزيعهم لا يتناسب مع تقسيمات البلاد الجغرافية، فعلي الرغم من أن أراضي المرتفعات تكون جزءا صغيراَ من مساحة إريتريا، إلا أنها يسكنها أكثر من نصف الشعب الإريتري، أما الأراضي المنخفضة في الغرب فمعظمها قاحلة ويتناثر فيها السكان. رغم أنه لا يوجد إحصاء موثق للسكان عمل مؤخرا، ولكن استنادا على التعداد الذي تم في عام ١٩٥٧م. توزيع السكان علي المديريات الثمانية يتكون من االنسب الآتية:-
(۱) حماسين: 24.7%
(٢) سرايى: 15.7%
(٣) أكلي قوزاي: 15.3%
(٤) بركة: 17.5%
(٥) سنحيت: 8.3%
(٦) الساحل: 7.9%
(٧) دنكاليا: 5.4%
(٨) سمهر 5.2%
تصحيح هام أول:
إن هذه النسبة جد قريبة إلى ما يقوله المسلمون، وقد جاء عدم ذكرهم لنسبة المسلمين في هذه الأقاليم لتضليل الفكر الإرتري الناشئ والآخر الذي لا يعرف إرتريا الكثير، وأما نسبة المسلمين الأقرب إلى الصواب، فهي التي تتراوح بين 75%و80%؛ لا سيما إذا علمنا أن أقاليم المسلمين الخمسة هي التي بلاد الزرع والضرع، ومعلوم باستقراء كل العلوم الاجتماعية، أن الناس منذ القدم يتجمعون حول مجاري المياه ومنابت الكلأ، بعكس المناطق الجبلية قليلة الساكن لافتقارها إلى مميزات السهول، من حيث وفرة الأودية والأنهر والمراعى والزراعة والبحار كحالنا، وأمر ذو بال عظيم يجب أن يعرفه كل المعنيين في هذه القراءة، هو أن النصارى الإرتريين مختلط معهم نصارى إثيوبيا التجراي الذين يكونون جميعهم ما يسمى بقومية تجراي تجرينيا التي كان ينادي بها الزعيم ولدآب ولد ماريام في الأربعينات من أجل إقامة وطن قومي للتجراي تجرينيا بالانفصال عن إثيوبيا، فظن البعض أن الزعيم ولدآب ولد ماريام كان ينادي من أجل استقلال إرتريا، ويبطل العجب إذا علمنا أنه من أصل التجراي، وليس من التجرينيا، أي ليس إرتري الأصل، وبإمكان القارئ مراجعة كتاب ألم تسفاي سقد بعنوان: (لن نفترق)؛ وإذا كان الأمر كذلك، فلم الاعتراض علينا إذا قلنا أن نسبة المسلمين تبلغ 80% من مجمل سكان إرتريا كما كاد أن يعترف بها أصحاب وثيقة نحن وأهدافنا هذه. (تعليق أبو أسامة)
ج) التطور السياسي:
وإذا نظرنا بتركيز وتمعن إلى التطورات السياسية في بلادنا نكتشف كيف استغل الأجانب الاستعماريون الذين بواسطة عملائهم استطاعوا تحقيق أهدافهم في الكسب الاقتصادي بسهولة لأنهم استخدموا الدينِ كأداةٍ لكي يحققوا أهدافهم، فمنذ عام۱٩٤۰م وبعده ونتيجة للقهر الأجنبي خلال القرون الماضية انقسم الشعب الإريتري إلى كتلتين سياسيتين، فبينما طالب معظم المسيحيين بالاتحاد مع إثيوبيا، طالب معظم المسلمين بالاتحاد مع السودان، وكان علي الأمم المتحدة أن تتخذ القرار النهائي لتلقي بالشعب الإريتري في محيط من المعاناة، هذه حقيقة تاريخية أخري في تطور بلادنا السياسي.
تصحيح هام ثاني:
إن كتابة وقراءة التأريخ أمانة لا يجيد أداءها إلا أصحاب المناهج السليمة التي تكره أنفسهم التدليس والكذب على الحاضرين واللاحقين من القراء والباحثين، هذا بالإضافة إلى أنهم مهما كذبوا ودلسوا وزوروا حقائق وقائع أحداث التأريخ، فلن يكون ما يكتبوه هو وحده المتاح للقراء، ذلك لما لم يكونوا هم وحدهم الذين لم أنجبتهم الأمة، فقولهم "طالب معظم المسلمين بالاتحاد مع السودان" محض تزوير صادر عن نفوس مريضة أرادت التدليس على العامة والمغفلين والأجانب الذين لا يعرفون الكثير عن إرتريا.
إن الصحيح المؤكد، أن المسلمين في التأريخ الإرتري المعاصر الذي لم تكتبه أقلام مزورة، كما يعرفه القاصي والداني، والكبير والصغير، والمتعلم والجاهل، من الإرتريين وغيرهم، سواء كانوا عربًا أو عجمًا مذ وقعت أحداثه في الفترة من بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى حينه، يفيد بأن المسلمين طالبوا بالاستقلال التام لإرتريا، وهذه الحقيقة التأريخية الجلية نجدها مدعومة بالتوثيق العلمي كما هي في كتاب ألم سقد تسفاي بعنوان: (لن نفترق)، والكتاب يتحدث عن نشوء الحركات السياسية في إرتريا بين عامي 1950,1941م، وأن مؤلفه نصراني أبي النفس، كريم الطباع، قال عن سفاس الأقوال والأفعال، وقد صدر الكتاب بالتجرينية وترجمه إلى العربية سعيد عبد الحي، وهو يتكون من 660 صفحة، وكانت طبعته الأولى عام 2007م في القاهرة عن المجلس الأعلى للثقافة برقم إيداع: 2007/10367، وترقيم دولي: 977-437-0-I.S.B.N وقد طبع بالهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، وقد أثبت هذا المؤلف الإرتري النصراني الشهم النبيل في هذا السفر العظيم، ما يعد بحق وجدارة أعظم وثيقة تأريخية تقص بُعدً الصراع الثقافي الإرتري بين المسلمين والنصارى في تلك الحقبة وما ترتب عليها من بعد، إذ كيف أن النصارى الإرتريين طالبوا بضم إرتريا إلى إثيوبيا، وكيف أن المسلمين الإرتريين طالبوا باستقلال إرتريا، وكيف أن تقسيم إرتريا بين إثيوبيا والسودان كان خطة بريطانية أحبطها المسلمون الإرتريون لرفضهم التقسيم بين هؤلاء وأولئك.
يأب الله سبحانه وتعالى إلا أن يكشف عوار الأفكار السقيمة، إذ لم ينتبه أصحاب كتاب نحن وأهدافنا، إلى أمر مهم وهم يدلسون، وهذا الأمر، هو مادام النصارى الإرتريون طالبوا بالانضمام إلى إثيوبيا، وما دام المسلمون الإرتريون طالبوا بالانضمام إلى السودان، فم الذي منع إتمام عملية التقسيم تلك ؟
أم كان المراد من هذا التزوير معالجة مسوأة الغدر والخيانة بالوطن والشركاء عندما طالب النصارى بالانضمام إلى إثيوبيا بآلية حزب الوحدة، وطالب المسلمون بالاستقلال الوطني بآلية حزب الرابطة الإسلامية، حتى جاء الحل الوسط بين ذانك المطلبين ممثلا في ثوب الفيدرالية الكاذبة بين إرتريا وإثيوبيا.
ولما كانت الفيدرالية لعبة كاذبة أرادوا منها القوم كسب الزمن، لم تلبث طويلا حتى انقلبت عليها إثيوبيا بالتواطئ مع حلفائها الإرتريين النصارى، فقابلها المسلمون بثورة مسلحة لما لم تجدي المطالبات السياسية المدنية السلمية، فدفع لذلك المسلمون الثمن غاليًا في أنفسهم وأموالهم ومستقبلهم لما تظاهر عليهم الملأ فأخرجوهم من ديارهم ليصبحوا لاجئين في شرق السودان، وأنهم لم يعودوا إلى ديارهم من هناك حتى بعد استقلال وطنهم.
هذه هي الحقيقة المرة الجلية التي أثبتها المؤلف النبيل-ألم سقد تسفاي- ولو كان هذا الكتاب من عند غير هذا المؤلف الإرتري النصراني، لربما شك الناس في صحة ما جاء فيه، ولأجل هذا فقد تعمدتُ الإشارة إليه دون سواه رغم كثرت المؤلفات في هذا الباب بأقلام إرترية وغير إرترية. (تعليق أبو أسامة)
ج) اللغة:-
على الرغم من وجود أكثر من تسع لغات يتكلمها الشعب الإريتري، فان اللغتين الرئيسيتين هما التجرنية والتجري، وهما من أصل سامي وقد اشتقتا من لغة الجعز، أما اللغات الأخرى التي لم تشتق من الجعز فهي : البلين، البجا، البازا، الساهو، الدناكل. وبصفة عامة يتحدث سكان المرتفعات التجرنية، بينما يتحدث سكان المنخفضات وسواحل البحر التجري.
التجرنية: يتحدث بها معظم السكان في المرتفعات (كبسا) في إرتريا ويعتنق معظمهم الديانة المسيحية، ويتكلم بها كذلك عدد من الإرتريين المسلمين مثل الجبرته، والتجرينية لا تستخدم في إرتريا فقط ولكن يتكلم بها شعب المقاطعة الشمالية لإثيوبيا (تجراي).
الساهو: هي لغة الإريتريين الذين يعيشون في شرق اكلي قوزاي وجنوب سمهر ويسمون الساهو، ويعتنق معظمهم الإسلام وهناك عدد قليل من المسيحيين المتحدثين بالساهو، ومثل اللغات الأخرى فأن لغة الساهو تستعملها مجموعات في مناطق الحدود الشمالية لإثيوبيا.
التجري: ويتحدث بها الإريتريون في السهول الشمالية الشرقية والأراضي المنخفضة في الغرب ويعتنق معظمهم الإسلام، ومع ذلك فإنها لغة بعض الإريتريين المسيحيين مثل المنسع في شرق سنحيت، ويتحدث التجري أيضاَ كثير من السودانيين في شرق السودان.
العفر: يتكلمها الشعب في جنوب شرق إريتريا، في مديرية دنكاليا، وهم يعتنقون الإسلام، ويشترك معهم في اللغة مجموعات في إثيوبيا وجيبوتي.
البلين: يتحدث بها الإريتريون (قبائل بوجوس) في مديرية سنحيت وهم يتكونون من عدد متساوي تقريباَ من المسلمين والمسيحيين، وقد اشتقت هذه اللغة من الاجاو وهناك لغات مشابهة لها يتحدث بها في إثيوبيا شعب الأجاو.
البجا: يتحدث بها الإريتريون في شمال غرب إريتريا والمنخفضات الغربية، وهم يعرفون بالبجا وهم قليلو العدد، وينتمون إلي الإسلام ويتحدث لغة البجا عدد كبير من الشعب في شرق السودان.
بازا: يتحدث بها البازين في المنخفضات الغربية بين القاش وسيتيت، وعلي الرغم من أن عدداَ قليلاَ من البازين يعتنق المسيحية أو الإسلام، فان اغلبهم لا يعتنقون ديناَ معيناَ.
باريا: يتحدث بها الباريا في المنخفضات الغربية شرق القاش، وهم مثل البازين، فبينما يعتنق المسيحية أو الإسلام، فان أغلبهم لا يعتنقون ديناَ معيناَ.
تصحيح ﻫﺎﻡ ﺛﺎﻟﺚ:
ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻬﺠﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺮﺩﻫﺎ ﺳﻠﻒ ﻧﺎﻇﻴﻨﺖ ﺃﺳﻤﺎﺀﻫﺎ، ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺗﺘﺤﺪﺙ ﺑﻬﺎ ﻓﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺭﺗﺮﻱ، ﺃﻣﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺪ ﺗﺪﻟﻴﺴًﺎ ﻣﺘﻌﻤﺪًﺍ، ﻓﻬﻮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻟﻐﺎﺕ ﻟﻠﺘﻐﺮﻳﺮ ﺑﺨﻔﻴﻔﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺋﻴﻦ، ﻓﻴﺼﻞ ﺑﻬﺆﻻﺀ ﺍﻷﻏﺮﺍﺭ ﺣﺪ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻫﻢ ﻳﺒﺬﻟﻮﻥ ﺟﻬﻮﺩًﺍ ﺟﺒﺎﺭﺓ ﻟﻜﺘﺎﺑﺘﻬﺎ ﺑﺄﺣﺮﻑ ﺍﻟﺠﻌﺰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺘﺐ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺎ، ﻭﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺼﻨﻴﻊ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺪﻋﻤﻮﻥ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺪﺭﻭﻥ، ﺫﻟﻚ ﻟﺠﻠﻬﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻬﺠﺎﺕ ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺃﻥ ﻏﺎﺑﻬﺎ ﻻ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪﺙ ﺑﻬﺎ ﺃﺻﺎﻟﺔ.
ﻭﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﺍﻟﺘﺪﻟﻴﺲ ﺍﻷﺧﻄﺮ، ﻓﻬﻮ ﻗﻮﻟﻬﻢ : (ﻓﺎﻥ ﺍﻟﻠﻐﺘﻴﻦ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺘﻴﻦ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺎ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﻱ)، ﻭﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺣﺴﺐ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺇﺭﺗﺮﻳﺎ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﻔﻴﺪﺭﺍﻟﻴﺔ، ﻭﻛﺬﺍ ﻣﺎ ﺗﻘﺮﺭ ﻓﻲ ﺳﺠﻼﺕ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻐﺘﻴﻦ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺘﻴﻦ، ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺔ، ﻭﺇﺫ ﻟﻢ ﻳﺘﻔﻖ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻹﺭﺗﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮ، ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﻷﻱ ﺟﻬﺔ ﻣﻨﻔﺮﺩﺓ ﻷﻥ ﺗﺨﻮﻝ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﻖ ﺍﻟﺘﺤﺪﺙ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻹﺭﺗﺮﻱ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﻓﺘﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺭﺍﺕ ﻭﺭﻣﻮﺯ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺤﻞ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺣﺘﻰ ﺇﺷﻌﺎﺭ ﺁﺧﺮ، ﻭﺇﻥ ﻧﺤﻦ ﺃﻗﺮﺭﻧﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﻝ ﻟﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻷﻥ ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻼﺋﻢ ﺫﻭﻗﻪ، ﺃﻭ ﺃﻫﺪﺍﻓﻪ، ﺃﻭ ﻣﺸﺎﺭﺑﻪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﻭﺫﺍﻙ، ﻓﻤﻦ ﺣﻘﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻷﻡ ﻧﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺎ ﻻ ﺗﻤﺜﻠﻨﺎ، ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻐﺔ ﻋﻠﻢ، ﻭﻻ ﻫﻲ ﻟﻐﺔ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﺫ ﻗﺮﻭﺍ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻹﺭﺗﺮﻱ ﺇﺫ ﻗﺎﻟﻮﺍ: (ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺎ: ﻭﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎﺕ "ﻛﺒﺴﺎ" ﻓﻲ ﺇﺭﺗﺮﻳﺎ، ﻭﻳﻌﺘﻨﻖ ﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ، ﻭﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻹﺭﺗﺮﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺠﺒﺮﺗﻪ، ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺇﺭﺗﺮﻳﺎ ﻓﻘﻂ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﺷﻌﺐ ﺍﻟﻤﻘﺎﻃﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻹﺛﻴﻮﺑﻴﺎ (ﺗﺠﺮﺍﻱ).
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺘﺪﻟﻴﺲ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻓﻬﻮ ﻗﻮﻟﻬﻢ: (ﺍﻟﺘﺠﺮﻱ: ﻭﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﻬﺎ ﺍﻹﺭﻳﺘﺮﻳﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻬﻮﻝ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻭﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ، ﻭﻳﻌﺘﻨﻖ ﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻐﺔ ﺑﻌﺾ ﺍﻹﺭﻳﺘﺮﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻨﺴﻊ ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺳﻨﺤﻴﺖ)، ﻭﺍﻟﺘﺪﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎ ﻗﻮﻟﻬﻢ، ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻥ ﺍﻟﺘﺠﺮﻱ ﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﻳﻌﺘﻨﻖ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻌﺰ ﻋﺰﻳﺰ ﻭﺫﻝ ﺫﻟﻴﻞ ﻛﻠﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ 98%، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﻢ ﺑﺄﻥ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻨﺴﻊ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺴﻴﺤﻴﻴﻦ، ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻥ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺑﻴﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻨﺴﻊ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ ﺃﺑﺮﻫﻰ ﻭﺑﻴﺖ ﺷﺤﻘﻦ ﻻ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ 3.5%، ﻭﻟﻮ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ، ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﺴﻊ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺻﻞ ﻛﻠﻬﻢ ﻧﺼﺎﺭﻯ، ﻓﺘﻠﻚ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺗﺄﺭﻳﺨﻴﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻻ ﺟﺪﺍﻝ ﻓﻴﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻷﻛﺎﺫﻳﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺌﺔ ﺃﻥ ﻳﺼﻨﻌﻮﺍ ﻋﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺍﻟﺘﻀﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺮﺟﻴﺢ ﻛﻔﺔ ﻟﻬﺠﺔ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺎ ﻭﻫﻢ ﻗﺪ ﺑﺪﺅﻭﺍ ﻳﻀﻌﻮﻥ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻛﻤﺎ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﺇﺭﺗﺮﻳﺎ ﺗﻤﻬﻴﺪًﺍ ﻟﻠﻬﺠﺔ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﻨﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻌﻬﻢ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﺔ ﻭﺃﻣﻨًﺎ ﺑﺎﻟﻤﺘﺤﺪﺛﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻝ ﺇﺛﻴﻮﺑﻴﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺑـ: "ﺍﻟﺗﺠﺮﺍﻱ" ﻭﻳﻌﺮﻑ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﺑـ: (ﺍﻟﺗﺠﺮﺍﻱ ﺗﺠﺮﻳﻨﻴﺎ).
إن هذا التدليس الذي أعني، هو تعمدهم بأن هذه اللهجات المحلية القديمة التي لا تصلح للعلم، أنها لغات، وقد أردوا من التعمد، التمهيد للهجة التجرينية التي تمثلهم دينًا وسياسية وأمنًا، فهي تجمع المتحدثين بها من الإثيوبيين (ﺍﻟﺗﺠﺮﺍﻱ)، والإرتريين التجرينية.
وتدليس آخر في القراءة، هو قولهم أن قبيلة المنسع التي تتحدث التجري كلها نصرانية، والحقيقة المؤكدة التي يعرفها أهل المنسع قبل غيرهم، هي أن نسبة النصارى بين أبناء قبيلة المنسع في كل من بيت أبرهى وبيت شحقن، لا تتجاوز 3.5%، ولو أنهم قالوا، أن المنسع كانوا في الأصل كلهم نصارى، فتلك مقولة تأريخية صحيحة لا جدال فيها.
والتدليس الأكبر هو قولهم: (أن اللغتين الرئيسيتين هما التجرينية والتجرى)، والحقيقة التي حادوا رغم أنها مثبتة في مسجلة في الدستور الإرتري لمرحلة الفيدرالية، ووثائق الأمم المتحدة، هي أن اللغتين الرسميتين لإرتريا، هما اللغة العربية والتجرينية، فالمسلمون كلهم يتحدثون ويتعاملون في شؤونهم الدينية والدنيوية باللغة العربية طواعية مذ مئين السنين الموغلة في التأريخ الإرتري، وأما التجرينية فهي لغة أهل الجنوب الإرتري المتاخم للشمال الإثيوبي الذي يتحدث نفس اللهجة المحلية.
وأما الحقيقة التي لا يريدون الاعتراف بها، هي أن التجرينيا لا تصلح لتفعيل العلوم المعاصرة في حقول السياسية والتجارة والصناعة والفن، كما هو حال كثير من ألسن العالم المعاصر الأقوى والأكبر والأعظم والأعلم، كالصينية واليابانية والهندية، وغيرها الكثير في العالم المعاصر، أما لماذا إذًا اعتبر الأهلون التجرينيا لغة ما دامت لا تصلح في الحياة العلمية؟ فهذا أمر فرضه واقع سياسي.
إذًا، القول بأن اللهجات المحلية الميتة أو شبه الميتة بأنها لغات تمثل المجتمع الإرتري، إنما أريد منه التمهيد لواقع اليوم الذي نعيشه، إذ هاهم اليوم يعلمون الناشئة اللهجات العاجزة عن قراءة فنون العلوم الإنسانية والصناعية والتقنية، فتنشأ ناشئة الوطن في متاهة اللهجات المحلية بعد تخديرهم إنما يعلمونهم لغة الأم، وأن الاعتزاز بلغة الأم هو الذي من أجله كنا نناضل، فيغتر بذلك الأغرار وهم لا يدرون أنهم إنما يخسرون مرحلة التكوين الفكري في مسائل التحصيل العلمي من جهة، وقد تم إحكام إبعادهم عن فهم لغة دينهم من جهة أخرى.
من هنا نفهم أن هذا التمهيد إنما كان من أجل إقصاء اللغة العربية والمتحدثين بها عن الواقع الإرتري السياسي والاجتماعي في المستقبل القريب والبعيد في قراءة واعية من أجل تمكين البعد الثقافي للنصارى الإرتريين بتمكين لهجتهم التجرينية، ثم فرضها على الواقع الإرتري المحلي لتمثل كونها اللغة القومية للوطن الإرتري، ومن أجل ذلك، هاهو اللوبي النصراني بعد تمكنه من حكم إرتريا يعمل ليلاً ونهارًا في سبيل تمكين التجرينية بإعاقة اللغة العربية رغم اعتراف الحزب الحاكم بها كونها لغة رسمية للشعب الإرتري بجانب الجرينية، أما من الناحية العملية فحسبك مشاهدة الفضائية الإرترية التي أبرزت المشهد الإرتري الاجتماعي والسياسي والثقافي والتأريخي، بأن إرتريا دولة تجراي تجرينيا كما كان ينادي بذلك ولدآب ولد ماريام الذي يعدونه أب الثورة الإرترية رغم أنه تجراواي الأصل، أي أنه ليس إرتري الأصل، فبما يشاهده المرء في الفضائية الإرترية، يفهم بأن الدولة الإرترية بواقعها الحالي، ليس للمسلمين الإرتريين فيها نصيب على الإطلاق لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل. (تعليق أبو أسامة)
وخلافا للتقسيمات السابقة فهنالك عدد قليل جداً من قبيلة "الرشايدة" يعيشون على سواحل البحر و يتكلمون اللغة العربية وهم لم يختلطوا بأي مجموعات عرقية أخري، ورغم تعدد اللغات والأصول العرقية، فان الإريتريون شعب واحد، فمنهم من يتحدثون أكثر من لغة للتفاهم مع الآخرين. ومن كل تلك اللغات التي لها حروف مكتوبة هي لغتي التجرينية والتجرى فقط، وهما مشتقتان من اللغة الجعزية وهي لغة مستعملة منذ قرون، وبعد اشتقاق التجرنية والتجرى عنها انحصرت اللغة الجعزية في الكنائس والكتب المقدسة وأصبحت من اللغات البائدة، ويستخدم لغة الجعز رجال الدين والكنيسة، ولا يتحدث بها أحد أو يستعملها في الحياة اليومية، ولكن لها أهميتها لأسباب دينية وتاريخية، وعندما حاولت الأمم المتحدة حل مشكلة اللغة في إريتريا، لجأت إلى الناحية الدينية، وجعلت الدين مقياساً لحل هذه المعضلة، وقررت اعتماد التجرنية كلغة جامعة (مشتركة) للمسيحيين واللغة العربية لغة جامعة (مشتركة) للمسلمين، وتقرر أن تكون اللغتين التجرينية والعربية لغتين رسميتين لإريتريا.
تصحيح هام رابع:
نعم هذه هي الحقيقة حيث استدركها أصحاب وثيقة سلف ناظينت لعله أن يقال لهم لا يقال لهم صدقتم دون النظر إلى التدليس المغمض بين السطور، إذ قالوا أن اللغتين الرسميتين لإرتريا هما اللغة العربية والتجرينية، لكن إعادة الفضل إلى الاستعمار لجعل اللغة العربية هي لغة المسلمين، إنما هو تدليس آخر، ولو قلنا جدلاً أن للاستعمار كان الفضل في ذلك، فلأن اللغة العربية بالنسبة للمسلمين هي اللغة التي وجدها عندهم في معاملاتهم الدينية والدنيوية بالأصالة منذ القدم، هذا بالإضافة إلى أن معظم القبائل الإرترية عربية الأصل، وهي مازالت تحتفظ بأصولها وفروعها العربية، تمامًا كما هو الحال مع بعض قبائل النصارى، إذًا فلو كان للاستعمار فضل من تمكين اللغة العربية بين الإرتريين فهو بالابتداء، وإلا فما الذي اضطره إلى ذلك لولا الحقيقة التأريخية التي صعب عليه تجاوزها. (تعليق أبو أسامة)
ج) الثقافة والتقاليد:
ليست هناك وحدة في مجال الثقافة والتقاليد داخل الشعب الإريتري نتيجة لاختلاف الأصول العرقية والإقليمية واللغوية، هذه الاختلافات في المجتمعِ الإرتيريِ مرتبطة بالمستوى الاقتصادي والتطور السياسي، وإختلاف في التاريخ والموقع الجغرافي، ونتيجة لذلك، فان سكان المرتفعات الإريترية تجمعهم إلى حد كبير ثقافة وتقاليد مشتركة، وبالمثل فعلى الرغم من أن سكان المنخفضات الإريترية لهم ثقافات وتقاليد مختلفة، إلا أنهم يرتبطون برابطة الدين. ويتكون الشعب الإريتري مثل الشعوب الأخرى من مجموعات مختلفة، ونتيجة لقهر الاستعماري المشترك لأجيال عديدة، فقد ارتبط الشعب الإريتري تاريخياَ واقتصادياَ وسياسياَ وتأثرت ثقافته ولغته وتقاليده بمؤثرات مشتركة، ونمت وانصهرت كلها بحيث أصبح الشعب الإريتري شعباً لا يمكن أن يقسم أو تنفصم وحدته أبدا. ربما توجد للإريتريين في المرتفعات ارتباطات دينية مع المسيحيين الإثيوبيين. كما أنهم يمكن أن يرتبطوا لغويا من خلال اللغة التجرينية وبعض التقاليد والثقافة المشتركة مع شعب الإقليم المجاور في إثيوبيا.
وأكثر من ذلك فان تاريخ إريتريا يرتبط كما يقال مباشرة مع تاريخ مملكة أكسوم القديمة، كذلك فان الإريتريين الذين يقطنون علي الحدود مع السودان ربما يرتبطون لغوياَ ومن خلال بعض التقاليد والثقافات مع بعض المجموعات في شرق السودان، وأخيراً فان الإريتريين الذين يقطنون مناطق ساحل البحر الأحمر، نظراً لانفتاحهم علي البحر ربما يتأثرون بالثقافة والتقاليد القادمة عبر البحر من العالم العربي، وتكن لهم معرفة بهذه الشعوب أكثر من تأثرهم ومعرفة الشعوب داخل اريتريا.
تصحيح هام خامس:
قولهم: (أن تاريخ إريتريا يرتبط كما يقال مباشرة مع تاريخ مملكة أكسوم القديمة) فتدليس جمع بين الكذب المهين وسفساف القول والخلق الذميم، والصحيح، أن تأريخ النصارى الإرتريين في السابق والحاضر، وربما في اللاحق مرتبط بمملكة أكسوم النصرانية - تجراي، أما إرتريا فعلاقتها بالتجراي إنما هي علاقة حرب لطمع التجراي الدائم في البحر الأحمر. (تعليق أبو أسامة)
ويواصل أصحاب كتاب نحن وأهدافنا قولهم في باب الثقافة والتقاليد فيقولون:
رغم كل ذلك فالحقيقة أن العلاقات والروابط بين الإريتريين هي أعرض واقوي من أي روابط أخرى خارج إريتريا، وأن التشابه الجغرافي واللغوي بين سكان الحدود في الدول المجاورة ليس سبباً عادلا لتقسيم واحد، لذلك فان الإريتريين شعب واحد وسيبقي كذلك، ولا يمكن مثلا أن تقسم إريتريا بين السودان وإثيوبيا، ومن الصعب دمج الإريتريين المقيمين علي الحدود مع السودان مع الشعب السوداني ككل، كذلك الأمر بالنسبة للإريتريين علي الحدود مع إثيوبيا من الصعب دمجهم مع إثيوبيا كلها، أن الاختلافات الجغرافية والاقتصادية والدينية واللغوية والفنون الشعبية في إريتريا، لا تنفي بآية حال بل تؤكد وجود اختلافات وفروق أكثر بين شعوب إثيوبيا والسودان بصفة عامة. أن العودة إلى التاريخ القديم وهو افتراض غير معقول بالطبع، فإن هذا يعني تكوين أمم ودول جديدة، وفي أفريقيا مثلا لن نحتاج إلى الرجوع إلى تاريخ بعيد خلق دول جديدة، فإذا عدنا إلى الوراء قرون قليلة فانه يقتضي تقسيم القارة إلى آلاف من الوحدات السياسية. لذا فإن ظاهرة الاختلافات داخل البلد الواحد ليست غريبة، بل تتواجد في أقطار كثيرة وليس من العيب أن نذكر تلك الاختلافات التي لا تشكل عائقاً لقيام إريتريا موحدة.
والذي نود أن نطرحه بوضوح، أن الدين في حد ذاته ليس دافعاً وأساساً للنضال من أجل التحرر الوطني. بل أن الدين كثيراً ما يكون أداة للاضطهاد وتحقيق المطامح الشخصية، ولكن علينا أن نتساءل هل كل الاختلافات التي سردناها ذات طابع ديني. الحقيقة أن الدين هو عامل من ضمن أكثر من عشرة عوامل للاختلافات داخل الشعب الإريتري، ولكن أساس كل المشاكل هو الاضطهاد والظلم في إريتريا، وقد سبق أن تحدثنا عن الاختلافات المتعددة داخل المجتمع الإريتري، ولكن المجموعات الرئيسية تعتنق ديناً مختلفاً، لذا يبدوا التناقض الرئيسي داخل إريتريا دينياً، ولكن الاستعمار الأجنبي والانتهازيين الإريتريين ظلوا يصعدون هذا التناقض دائماً لتحقيق مأربهم الشخصية. أن ما نهدف إليه من الطرح المذكور أنه من الخطأ تقسيم الشعب الإريتري علي أساس ديني، والتأكيد علي وحدة الشعب الإريتري. هذه الحقيقة نؤكدها لأي شخص أو جهة في إريتريا أو الخارج، أن من يتحدثون عن الأوضاع الإريترية بغير هذا المفهوم، هم إما انتهازيين أو توسعيين، وما دامت الأمور كما طرحناها أمامكم، فلماذا قررنا أن ننفصل وعلي أي أساس، أن الأمر يتطلب أن نعود إلى الوراء منذ تكوين الجبهة وهي الحركة التي تعمل علي تحرير إريتريا والتي تأسست عام ۱٩٦١م، والأحداث التي تلت ذلك التأسيس، وسنحاول أن نربط تلك الأحداث بعضها بالبعض باختصار وبقدر الإمكان.
أ - أن النضال الثوري في العالم علمنا أن أي ثورة لا يمكن أن تحقق الانتصار إلا إذا أوضحت خطها السياسي مبنيا على الأسس النضالية، أي طرحت برنامجاً محدداً، ومن خلال التجربة الإريترية أتضح لنا كحقيقة مجردة، أن التجوال وإطلاق الطلقات المتقطعة دون توجيه سياسي واضح لن يجدي شيئاً. أن النضال المسلح الذي بدأ عام ۱٩٦١م في غياب برنامج سياسي لم يضع في الاعتبار الظروف الموضوعية في بلادنا، وكان هذا رأي كثير من الإريتريين.
لقد أسس الإريتريين الجبهة دون أن يعدوا دراسات وتحليل لظروف المجتمع الإرتري، لقد أعلنوا ببساطة الثورة في غياب الخط السياسي أو المنظمة الثورية، فلم يكن هناك برنامج أو أهداف محددة، وفي غياب القيادة الثورية لقد ضربوا صفارة الحرب.
ب) الدعاية الإسلامية:
معلوم للجميع أن عدم وجود القيادة المخلصة والكفؤة هو سبب غياب الدليل السياسي والمبادئ الواضحة، وأن هؤلاء الذين بدءوا النضال خجلوا أن يضفوا عليها واجبها الوطني، واعتقدوا أنهم سيدعمون موقفهم بفعالية أكثر إذا قاموا بدعاية إسلامية، و لذلك فقد قيدوا انطلاق النضال في محيط الإسلام، وبرمجوا عملهم في الداخل والخارج علي هذا الأساس.
لقد تحمل زعماء الجبهة مسؤولية إقامة علاقات مع الحكومات والمنظمات الأجنبية التي تعمل لتطبيق دستور الإسلام (الشريعة)، وعملوا علي كسب عطف هذه الدول والمنظمات ضد هيلي سلاسي، ملك الحبشة الذي يضطهد الشعب الإريتري الذي يكون المسلمين فيه ٨۰ % من السكان، لقد طرحوا القضية علي أنها مقاومة للتوسع المسيحي الذي يقوده هيلا سلاسي، لذا فهم يطلبون العطف والتأييد من إخوانهم المسلمين، وتقديراً للمساعدات التي تلقوها، أضفوا الزعماء علي الحركة الطابع الإسلامي، أما زملائهم في الميدان وأتباعهم الذين يحملون السلاح فقد نشروا بين سكان الأبرياء فكرة الجهاد(الحرب المقدسة) ضد الكافر هيلي سلاسي حفيد يوهانس ملك الحبشة الذي حاول أن يقضي علي الإسلام ويفرض المسيحية علي الجميع، لذا فمن خلال النضال المقدس (الجهاد في سبيل الله) نشرت الدعاية المعادية للمسيحية التي كانت تتعارض وتنحرف بالنضال عن الخط الوطني للتحرير.
لقد أدي انتشار تلك الدعاية والتوجيه غير الصحيح إلى اعتبار المسيحي الإريتري كافر وهوجم علي أساس أنه عدو خائن. كان رد الفعل قوياً لدي السكان المسلمين الذين استجابوا لنداء الجهاد الذي قام به زعماء الجبهة ولم يستطيعوا أن يدركوا أن أساس الاضطهاد والقهر ليس دينياً فقط بقدر ما هو سياسي واجتماعي، أن أولئك الإريتريين لم يحذروا من سياسة (الجهاد) التي أعلنتها الجبهة واعتبروا الوضع تماماً كما كان سائداً في الفترة التي سبقت تطبيق النظام الفيدرالي، أن مشاعرهم الوطنية الحقيقية دفعتهم إلى مساندة ابن عواتي (حامد إدريس عواتي) الذي قاد النضال المسلح عام ١٩٦١م.
أن الرغبة في خوض النضال المسلح والإصرار علي المواجهة طغت علي الشعور الوطني الإريتري نتيجة إلى الظلم والاضطهاد الذي تجسد في الفترة من ١٩٥۰-١٩٦١ م، وكانت تلك الفترة خاصة حافلة بالأحداث السياسية التي عبرت عن المقاومة الوطنية – ويجدر أن نؤكد أن طابع المقاومة كان بعيداً كل البعد عن التعصب الديني وجسد النضال المشترك بين المسلمين والمسيحيين وسكان المرتفعات والمنخفضات أن التجربة خلال تلك الفترة وحدت الشعب ورفعت من مستوى وعيه السياسي كل تلك الظروف كانت دافعاً للشعب الإريتري لكي يخوض النضال المسلح - وعلي الرغم من كل الإريتريين أيدوا المقاومة المسلحة من قبل ناس عواتي، ولكن جميع الذين التحقوا به في منطقة بركة كانوا من المسلمين. وفي ذلك الوقت لم يشترك سكان المرتفعات في المعارك التي دارت في الميدان - وذلك لأسباب وظروف جغرافية لم تتح لهم الاشتراك في العمل المسلح وليس كما يقولون "لأن المبادرة كانت من المسلمين" تلك الادعاءات ليست صحيحة - وتوسعت الحركة المسلحة واستمرت حتى عام ١٩٦٥م. وهي تحمل طابع الدعاية الإسلامية.
تصحيح هام سادس:
أولا: هذه شهادة ضمنية من سلف ناظينت، والحق الذي يشهد به الخصم دومًا يكون غاية في القوة، بهذه الشهادة إذًا أسس المسلمون الإرتريون الثورة الإرترية لما تعرضوا للاضطهاد النصراني الذي تولى كبره هيلى سيلاسي بالتعاون مع النصارى الإرتريين المحليين، ولولا ذلك أنى لهيلى سيلاسى أن يصل إلى المسلمين الإرتريين في عقر دارهم فيضطهدهم ؟
ثانيا: أن العالم العربي الإسلامي منذ ذلك التأريخ وإلى هذا اليوم، لم ولا يرغب أبدًا في كل من يقول بتطبيق الشريعة الإسلامية لتحكم العلمانية في أنظمته، أو خوفًا من الغرب الطاغي، وإلا فلم الحرب والسجون والاغتيالات بين الأنظمة العربية والذين يريدون حقوقهم الشرعية التي هي دون تحكيم الشريعة الإسلامية ؟
ثالثا: لما كان المسلمون قد اضطهدوا من قبل النصارى من زاوية النظر الدينية، فما الذي يمنع أن يعلنوها ثورة دينية مادام الطرف الآخر نال منهم من بعد ديني في مناقشة جدلية إن كان قد حصل ذلك من الناحية العملية على أرض الواقع، وليس ما كان يقول به أناس بدائيين من الذين لم يعلموا حقيقة ما كانوا يقولون باسم الإسلام والتعصب له؟
رابعا: هذه منقبة يشكر عليها أصحاب كتاب نحن وأهدافنا لاعترافهم بأن من أسس الثورة الإرترية هم المسلمون في قراءة للتأريخ الإرتري المعاصر للأسباب المذكورة أعلاه.
ج) الخلافات القبلية:
وإذا تساءلنا قائلين: هل الدعاية الدينية (الإسلامية) وحدت صفوف المقاتلين الذين يتكون غالبيتهم من المسلمين وكانوا يتبعون المنهج الإسلامي ؟ وإذا سَألنَا مثل هذه الأسئلةِ بأنّ الجوابِ كَانَ يمكنُ أَنْ يَكُونَ مدهش، ويجب أن نتذكر أن الصراعات في كل مجتمع أو جماعة من الناس هي بين مصالح الأقلية ومصلحة الأغلبية، وقد انتهزت القلة من خلال غياب الخط السياسي الفرصة لتدعم مواقفها وتبني طموحاتها الشخصية: "أُريدُ لِكي أكُونَ مهيمنَ ومرئيَ، أُريدُ لِكي أكُونَ مهيمنَ ومرئيَ" كان كل همهم لتقوية هيمنتهم ومصالحهم الشخصية. لذا زرعت الخلافات والشقاق بين المناضلين إلى درجة خطيرة وأصبح شغلها الشاغل التخطيط لتقوية نفوذها . وقرروا أن يستخدموا الاختلافات العرقية بين المناضلين لتحقيق أغراضهم ولضمان سيطرتهم على قوات التحرير صعدوا تلك التناقضات الثانوية. أن هذا الأسلوب الفاسد أدى في النهاية إلي تكريس الخلافات داخل الجبهة أما الزعماء في الخارج فكان في مقدورهم أن يوفروا لأنفسهم حياة رغدا خارج إرتريا ترضي تماماً مصالحهم وأنانيتهم وقد اضطروا في وقت ما إلى الاعتقاد بضرورة حل بعض المشاكل.
وتركوا مؤقتا كراسيهم في الخارج وذهبوا إلى الساحة في نهاية ١٩٦٥م وقسموا الجيش إلى أربعة مجموعات، وكان غرضهم الرئيسي من اتخاذ تلك الإجراءات هو سحق أتباعهم في الميدان الذين أثاروا الخلافات العنصرية، ومن ناحية أخرى تقوية مواقعهم داخل المقاتلين، وكان السبب المعلن لإنشاء المناطق هو تسهيل التحرك وانتشار العمل المسلح في مناطق أخرى من إريتريا في تلك المناطق علي الانضمام للحركة المسلحة. ولكن تلك التقسيمات لم تسبقها دراسة وافية وتفهم موضوعي لتركيبة المجتمع الإريتري، ولم يتوخي الدقة في التوقيت والتخطيط ولم توضع في الاعتبار الإستراتيجية السياسية والعسكرية.
فتقسيم إريتريا إلي مناطق: منطقة بركة، ومنطقة سنحيت، ومنطقة لحماسين وسراي واكلو قزاي، وأخرى لسمهر ودنكاليا، وتقسيم قوة جيش صغيرة أطلق عليه الجيش المساعد، بهذه الوظيفة دون دراسة وافية لا تخدم أي غرض ثوري أو وطني، ومن الواضح أن هذا القرار (الأجراء) كان القصد منه خدمة مصالح أنانية لقلة من الأفراد.
علي الرغم من توافد عدد كبير من أبناء المرتفعات أو المسيحيين وانضمامهم إلي النضال المسلح إلا أن عددهم ظل أقل من عدد المسلمين المنضوين في جيش التحرير. وقد أنضم أبناء المرتفعات إلي جيش التحرير في كل المناطق ليؤدوا دورهم كإرتريين، وقد أدركوا وأحسوا بالتركيب العرقي والديني في الجبهة، فقد قررت قيادة الجبهة أن يذهب كل إلي منطقته بحجة أن أبناء المنطقة وحدهم هم الذين يمكن أن يتعاملوا ويقنعوا سكان منطقتهم أكثر من غيرهم (مثلا في بركا القائد يكون من أبناء بركة وفي سنحيت/ والساحل يكون القائد من أبنأْ السنحيت الخ...)، ولكن منطقة المرتفعات التي تضم حماسين وسراي وأكلي قوزاي والتي يسكنها المسيحيون لماذا يقودها قائد مسلم من الساهو؟ لذا أعتقد المسيحيون أن ذلك يتعارض مع السياسة المتبعة، وأدي الأمر إلي إثارة الشكوك وعدم الرضي. وجاء زعماء الجبهة الذين كانوا دائما يضعون مصالحهم الأنانية في المقدمة ورَأوا أن القضاء على عدم الرضي بين سكان المرتفعات، هو بتكوين منطقة للمقاتلين المسيحيين بقيادة مسيحي. وفي عام ١٩٦٦م نشأت المنطقة الخامسة وكونت قوتها عن طريق سحب بعض المقاتلين من المناطق الأخرى، وقد اقتطعت حماسين من المنطقة الثالثة لتكوين هذه المنطقة وعين فيها قائد مسيحي تابعا لهم، وكان ذلك خطأ زاد المشكلة أكثر مما كانت عليه قبل عام.
ج) الاضطرابات الدينية:
إن إنشاء المنطقة الخامسة كان امتدادا للسياسة القائمة علي تعميق الخلافات العرقية ولم تكن مبنية علي مبادئ ثورية، وإنما كانت إستراتيجية عسكرية تتعارض مع مصلحة الشعب ومبنية علي اعتبارات دينية وعرقية وإقليمية، وتحت قيادة هؤلاء الزعماء استمرت العمليات في المناطق الخمسة حسب الإستراتيجية التي وضعوها، أن قادة المناطق الذين افتقروا إلى الفهم والوعي الوطني تنافسوا فيما بينهم، وأضاعوا جهود المقاتلين ونهبوا أموال الشعب الذين ادعوا أنهم سيحررونه، وأنشئوا في أنحاء القطر خمس مجموعات وخمس مناطق للنهب، وعملوا علي تقوية نفوذهم وجمع الثروات بكل الوسائل، وارتكبوا أفعالا تجسد القسوة لتحقيق طموحاتهم الديكتاتورية.
لقد عمل هؤلاء القادة علي تحقيق مصالحهم الآنية في أقصر فترة من الزمن، ولم يكبحوا جماح تعصبهم الديني، وقاموا بعمليات اغتيال واسعة لبعض المجموعات العرقية، وظلوا يبشرون بان المسيحيين هم أعداءهم، وأن سكان المرتفعات ضدهم، وأن المسيحيين يريدون الوحدة مع إثيوبيا، وبذلك كشفوا عن مشاعرهم الحقيقية وسببوا قيام النعرات الدينية في داخل الجبهة، وأمروا بعض قواتهم بنهب المسيحيين من سكان المرتفعات، وقد قدرت رؤوس الماشية التي نهبت من الأراضي المنخفضة في سرايى والمنحدرات الشرقية لحماسين بحوالي 10,000رأس، وذلك بواسطة جنود المنطقتين الأولي والثالثة التي تمركزت في تلك المناطق، وقد سيقت تلك الماشية إلي حظائر الماشية في كسلا في السودان. وقد ارتكبت جرائم السلب وحرق مساكن المواطنين الأبرياء باطراد، وقد عاني كل من احتج أو طلب وقف تلك الجرائم واسترداد حقوقه التعذيب حتى الموت. وفي منطقة تسمي سنباري قتل قادة المناطق إرضاء لطبيعتهم المتعطشة للدماء أكثر من ٥۰ فلاحاً بريئاً وجريمتهم أنهم كفار (خونة) واستمر معدل قتل المواطنين باطراد دون ذنب جنوه خلال تلك الفترة، ونتيجة لعمليات السلب استطاع مسئولو الجبهة أن يكونوا رؤوس أموال استثمروها في بناء المنازل، وتملك شاحنات النقل في السودان، وتزوج منهم الأعزب، أضاف المتزوج زوجة أخرى، وباختصار، فقد أثروا وكونوا ذواتهم من خلال الثروة التي استحلبوها من الشعب بالعنف، وإن غمروا في ملذاتهم وانتشوا سكرا في السودان والعالم العربي. لقد كشف الفساد وتعاظمه الصورة الحقيقية لقيادة الجبهة أكثر فأكثر فقد كون الزعماء وأتباعهم في الميدان طبقة متسلطة في المجتمع الإريتري، وأصبح المقاتلين بكل بساطة وتحت قيادتهم جماعة من المرتزقة، دون أن يتوقع وجد الشعب الإريتري نفسه يعاني أيضاً من تسلط الجبهة بعد أن كان يعاني من تسلط هيلي سلاسى فقط.
وإزاء ذلك الوضع وجد سكان المرتفعات أنفسهم وهم الذين عانوا أكثر من غيرهم من هذا التسلط مجبرين ليس فقط علي الانسحاب من الجبهة، بل مقاومة ومحاربة قواتها، ووجدت حكومة هيلاسلاسى المتسلطة الفرصة سانحة لتصعيد الموقف المتأزم ونشر الدعاية حول الطابع الديني للجبهة، وأمدت الشعب الأعزل بالأسلحة لمحاربة قوات الجبهة. واستمر قادة الجبهة في تصعيد سياسة القتل والنهب، بحجة تسلح الشعب ضد الجبهة، بدلاً من البحث عن حل ثوري، وأدي ذلك إلى ازدياد خطورة الوضع والشعور بالانسلاخ والرغبة في التمرد علي الثورة؛ لقد أثارت التعقيدات والمرارات التي تخلفت عن الوضع المتردي الحساسيات الدينية وعرضت المصلحة والوحدة الوطنية للخطر، ولما كان المقاتلون في المنطقة الخامسة وأغلبهم من المسيحيين، فقد شعروا أكثر من الآخرين بخطورة المشكلة وطبيعتها، ولم يناهضوا الأوضاع في الميدان فقط، بل ذهبوا إلى القيادة في كسلا ليعبروا عن سخطهم، ولكن مسئولي الجبهة في كسلا انتهزوا فرصة توتر الموقف السياسي في السودان، فألقت السلطات القبض عليهم، وقد دفعت كل هذه العوامل المتضافرة بعضهم إلى تسليم أنفسهم إلى قنصلية هيلي سلاسى في كسلا، وأصدر مسئولي الجبهة أوامرهم تحت سترات كاذبة بتصفية بقية المقاتلين المسيحيين في الميدان، وتنفيذ لتلك الأوامر قتل أكثر من ۱۰۰ مناضل من أبناء المرتفعات في ربوع البلاد.
إن الاضطهاد الذي عانى منه الشعب نتيجة لفساد القيادة وانحرافها أنعكس علي العمل المسلح وأصبح واضحاً أن التمرد القائم علي أسباب دينية يتزايد باطراد. وبعد تسليم عدد من أبناء المرتفعات إلى القنصلية في كسلا، وقتل عدد من المقاتلين الجسورين تبقي عدد قليل من المسيحيين في الميدان، وأخذ العدو يصدر تقارير عن الوضع مبالغاً فيها وتخدم الدعاية المناهضة للثورة، وبرزت ظاهرة عدم الثقة بين أبناء المرتفعات الذين أخذوا ينظرون بعين الريبة إلى الجبهة، وقد يبدوا أن كل تلك الحوادث تبدو قد استغرقت وقتاً طويلاً من الزمن، ولكن المدهش أن كل هذه الأحداث كانت في الفترة ما بين عام ١٩٦٦-۱٩٦٧م، وفي تلك الفترة التي تخللتها أعمال القتل والسلب، واستمرار أعمال العنف، وجد أثرياء الجبهة فسحة من الوقت للانتقال إلى داخل السودان يحصون أسلابهم ودخولهم النقدية التي حصلوا عليها من بيع الماشية المنهوبة. وانحصر دور الجنود في القيام بأعمال النهب والسلب والاستيلاء علي ماشية الشعب وبيعها في كسلا، والعودة من جديد إلي إريتريا لمزيد من السلب، ولم يشعروا بأي تأنيب للضمير، وهكذا عم الفساد واستغلال الشعب، وفقد الناس الثقة في المقاتلين وخلق شعورا مناوئ للجبهة.
تصحيح هام سابع:
كثير مما جاء ذكره أعلاه بحاجة إلى تدقيق في قراءة تأريخية نزيهة بعيدًا عن التشويش والمبالغة والتهويل لتأجيج العواطف من أجل توظيفها في أغراض خاصة محسومة سلفًا، فالحقيقة التي جانبها أصحاب كتاب نحن وأهدافنا، هي أن قيادة جبهة التحرير الإرترية الممثلة في تلك المرحلة في المنطقة الأولى والثانية، قد قامت حقيقة بأعمال شنيعة من قبيل ما ورد ذكره ضد بعض الإرتريين من أبناء الشرق المسلمين في قصص دامية معلومة بالضرورة، وقد تُوجت تلك الاغتيالات بحرب أهلية لم تكن موجهة ضد النصارى، بل ضد المسلمين، وكذلك كان حال القيادة العامة ضد أبناء الجنوب النصارى بحجج كاذبة مبعثها أحاقد موروثة، أما حقيقة تلك الاغتيالات ونهب للأموال، فكانت مقصودة لذاتها من منطلق جاهلي لقيادة بدائية مغذية بالمتعصب القبلي والإقليمي المقيت، وأما الإسلام فبريء من تلك الفعال المشينة.
أمر آخر ينبغي أن يدرج عند كتابة التأريخ، هو أن النصارى هم الذين أسسوا ذلك الإرث القبيح المذموم يوم تمالؤوا ضد المسلمين مع الكنيسة الإثيوبية إبان النضال السياسي السلمي عقب الحرب العالمية الثانية في الفترة التي بدأ فيها الشعب الإرتري يؤسس عملا سياسيا من أجل تقرير المصير السياسي لوطنهم، فطالب المسلمون باستقلال إرتريا، وطالب النصارى بضم إرتريا إلى إثيوبيا كما هو مفصل في أكثر من كتاب موثق، وحسبنا في هذا الباب أن نراجع كتاب ألم سقد تسفاي الذي بعنوان " لن نفترق "، ولأن النصارى طالبون بالانضمام إلى إثيوبيا، فقد كانوا قتلوا جمعًا كبيرًا من أفراد المسلمين السياسيين لقمع صوت الاستقلال، ونهبوا أموالا الشعب المسلم بعصابات منظمة عرفت باسم الشفتا، أي قطاع طرق كانوا يعملون بدعم إثيوبي، ثم هم أنفسهم كانوا قوات الكوماندوس الإثيوبية التي أحرق الإنسان والحيوان الإرتري قبل أن تكون القيادة العامة، ولست أعني هنا تسويغ ما فعلته القيادة العامة التي أوصلتنا ما قد وصلنا إليه برعونتها وبدائيتها حيث أسست لواقع اليوم البئيس، بل أدعوا الجميع إلى صدق القول والبحث عن أفضل السبل للوصول إلى تعايش سلمي بين الشركاء. (تعليق أبو أسامة)
ج) العودة إلى مربع واحد من جديد:
لم يألوا الثوار في الميدان جهداً للبحث عن الوسائل الكفيلة بحل المشكلة، وقد أتضح لهم أن العدو يثير من وقت إلى أخر الخلافات المعتمدة على التناقض الديني. لذا فقد أخذوا علي عاتقهم مناهضة الأسس التي قامت عليها الجبهة، ووصلوا إلي ضرورة محاربة دكتاتورية قواد المناطق وتوحيد المقاتلين الذين كانوا يخدمون بغير قصد أهدافاً رجعية، وعندما لمس قادة الجبهة الإصرار علي ذلك الهدف وأدرك القادة وأتباعهم بأن مصالحهم معرضة للخطر، بذلوا لإيقاف هذا الاتجاه وأثاروا ضده حملة استمرت لمدة تسعة أشهر، ولم تنجح تماماً الخطة الرامية إلي تكوين جبهة متحدة وإلغاء المناطق الخمسة، ففي الوقت الذي اتحدت فيه المناطق الثالثة والربعة والخامسة وجمعت إمكانياتها، رفضت ذلك المنطقة الأولي والثانية وظلتا منفصلتين، وهكذا فمنذ عام ۱٩٦٨م وبعد ذلك قامت المناطق الثلاثة بعمليات عسكرية ونشاط سياسي تحت راية واسم واحدة، وقد حاول بعض الأشخاص المرتبطين والتابعين للزعماء تخريب تلك الوحدة بمساندة المنطقتين المنفصلتين، علاوة على تسرب عدد من المقاتلين غير الثوريين داخل الوحدة الثلاثية، وقد أنعشت الوحدة الثلاثية أمال الشعب، وبدأ أبناء المرتفعات خاصة المسيحيين في الانضمام إلى النضال المسلح بأعداد كبيرة، ولم تثر تلك القوات المتحدة الفزع فقط في نفوس زعماء الجبهة المترهلين مادياً بالتطور والتقدم الذي أحرزته، بل أرعبت أيضا نظام هيلي سلاس، مما أضطر الجيش الإثيوبي إلى توسيع عملياته العسكرية وأرسل عملائه أيضاً لمحاربة تلك القوة التي لا تقهر، واستطاعت الجبهة المتحدة من خلال سلسلة من الانتصارات التاريخية فأثخنت العدو بجراح لن تنمحي أثارها، إن اتحاد المناطق كان بكل تأكيد الخطوة الأولى نحو التصحيح، ولكن الأسس التي بنيت عليها الوحدة لم تكن ثورية، لذا تمكن الانتهازيون المندسون من تخريبها، وبحجة الخوض من تسرب العملاء قاموا بطرح اقتراح بعدم قبول مزيد من المقاتلين ونجحوا في ذلك. وقد تم ذلك في إطار السياسة التي ترمي إلى الكثيرين، ولكنها كانت بمثابة السم الذي سرى في جسم الجبهة المتحدة. وكان الانتهازيون في المنطقتين المنفصلتين يترصدون تعقد الموقف حتى يستغلوا الفرصة، وبعد أن تحقق لهم وجود مشاكل وتناقضات في قيادة الوحدة الثلاثية، ورغبة منهم في استغلالها أبدى أولئك الانتهازيون رغبتهم في الانضمام إلى الوحدة، واعتقد هؤلاء الذين تبنوا الوحدة وعملوا لها منذ البداية أنهم مخلصين، وهكذا اجتمع المقاتلين في مكان يسمي أدوبحا، واتفقوا علي إلغاء المناطق وتوحيد الجيش تحت إمرة " القيادة العامة "، وتقرر أن يعقد مؤتمر وطني في خلال عام أي قبل حلول سبتمبر/أيلول ۱٩٧۰م.
ج) المرحلة الثانية من الاضطهاد:
كما يقال أن صغار القطة تأخذ طباع أمها، لقد وجد المتعصبون دينياً فرصة لم تسنح لهم من قبل أتاحتها لهم قيادة الجبهة ليشنوا حرباً دينية، وبدءوا يشمرون عن سواعدهم ويسنون سكاكينهم لقتل "المقاتلين المسيحيين"، وبعد تمكنهم من السيطرة على السلطة قد بدؤوا بالتخلص من العناصر التي كانت تعارضهم، واعتقلوا ستة أعضاء من القيادة العامة وعاملوهم معاملة سيئة، وفي قلب مدينة كسلا قاموا بقتل كداني كفلى وولدي جدي،
وهم من الذين تحملوا لعدة سنوات النضال بنشاط وحكمة من أجل التصحيح وقد قتلوا هذين المناضلين اعتقاداً منهم بان الباقين لن يستطيعوا أن يواصلوا نفس النشاط، وقد وضعت جثتيهما في أكياس ووضعت في سيارة أجرة لرَميهم على مكانِ القمامةَ في "حافرا"، ولكن شاءت المقادير أن تكشف الجريمة، لأن الطريق كان وعرا ولقد سقطت رؤوسهم وتدحرجت في الطريق العام، وبعد موت هذين الشهيدين الأبطال صدر أمر مماثل كما كان في ۱٩٦٧م بقتل كل المسيحيين في الميدان، وتطبيقاً لتلك الأوامر قتل (ذَبحَ ورَمى) أكثر من ٢۰۰ مقاتل من المسيحيين الأبرياء، وفي غمرة اليأس استسلم أكثر من ٢۰۰ آخرين إلي حكومة هيلا سلاسي وبجانب إعطاء الأوامر بقتل "المزارعين المسيحيين"، أصدر رؤساء القيادة العامة أمراً بتوزيع الأسلحة باسم الميليشيا علي جماعات من الشعب لا تدرك المفهوم الصحيح لحمل السلاح وبدأت تلك المجموعات بإثارة ذكريات الثأر المنسية التي كانت في الماضي بين بعض الجماعات المسيحية والإسلامية، وارتكبوا أعمالا وحشية ومازالوا في المرتفعات، بإلقاء القنابل وفتح النار علي التجمعات العامة، ونهب حُلي النِساء، وعلي العموم في هذه الأحوال قد قتل أو استسلم إلي العدو كل المقاتلين المسيحيين في صفوف الجبهة.
تصحيح هام ثامن:
أولاً من التزوير الفاضح أن يورد أصحاب كتاب نحن وأهدافنا ذكر اعتقال ستة من القيادة العامة باعتبارهم نصارى كما يفهم من السياق إمعانًا في الغواية، ومن أجل شحن مؤيديهم بما يكفي من الحقد والكراهية، وكذا لتضليل الغوغاء والعامة الغافلة، وأما الحقيقة فإن الذين تم اعتقالهم، بصرف النظر عن كونهم أعضاء القيادة العامة أو من الكوادر المتقدمة، فكلهم مسلمون من أبناء البحر الأحمر على وجه التحديد أولئك البطال الذين كانت القيادة العامة العمياء تقول لهم حلقش، أي الدون، ومن هؤلاء:-
1. عبد القادر حمدان،
2. الأمين محمد سعيد،
3. إبراهيم ياسين جميل،
4. محمد سعيد شناتي،
5. عثمان شعبان،
6. موسى باقر،
7. على محمد سعيد برحتو،
8. إدريس سيد محمود،
9. عامر شهابي، وآخرون ممن يطول ذكر أسمائهم.
وعمومًا لا أقول أن شيئًا مما جاء ذكره ضد النصارى من قبل القيادة العامة لم يحصل، لكن هذا التهويل والتضخيم إنما كان من أجل التحريض وشحن النفوس بما يكفي من الحقد والكراهية لتلبية السير في الخط الذي رسمه أصحاب كتاب نحن وأهدافنا من جهة،\ ولما كان الذين تم اعتقالهم من قبل القيادة العامة التي انبثقت عن مؤتمر أدوبحا العسكري، مسلمون خلص من أبناء البحر الأحمر كما يفهم ذلك كل إرتري من القراءة الأولى لأسمائهم، هم الذين كانت القيادة العامة وأبواقها الغوغاء، ينعتونهم دومًا بـ: (حلقش)، أي الدون، فإن هذا لتدليس متعمدٌ تدحضه حقائق التأريخ الإرتري المعاصر في هذه الحيثية التي أصحاب كتاب نحن وأهدافنا أقل حظًا فيه مقارنة بحظنا فيه من حيث العلم بتفاصيل حقائقه عن كثب، ومن حيث الاكتواء بناره حسًا ومعنًا في الجسد والروح، ليس في تلك الفترة البئيسة فقط، بل وفيما بعد يوم أسسنا معهم عملاً إسلاميًا خالصًا باسم "حركة الجهاد الإسلامي الإرتري" حتى قال قائلهم: ما دايرين سبي تاني- لا نريد سبي آخر، وكان المقصود هو أنا، والقائل هو أبو العباس عبد القادر محمد عافا؛ فالأمر إذًا لا كما يدعيه تزويرًا أصحاب كتاب نحن وأهدافنا.
ما هو البديل:
إزاء تلك الأوضاع أصبح الاعتبار صعباً بين مواجهة، أما الذبح بسكاكين المخربين ببساطة، لأن الشخص قد ولد مسيحياً أو الاستسلام إلي العدو (إثيوبيا)؟ أيهما أفضل؟ الموت علي أيدي المتعصبين دينياً أو الاستسلام إلى العدو، أن كلاهما صعب، أن كلاهما سيئ، هما بمثابة أقراص السم التي يجبر الشخص علي بلعها، كلاهما يعني الموت، وأكثر من ذلك رفض كلا الخيارين يعني الجلوس علي حافة سكين حاد، ولكن الحل الأخير هو أفضل من الخيارين، فمن الأفضل الجلوس علي حافة السكين، نحن إذا المقاتلين الذين اختاروا الجلوس علي حافة سكين حاد، نحن الذين رفضنا الموت علي أيدي المتعصبين، وأيضاً الهروب إلي العدو (إثيوبيا)، وكما يقال "الشخص الذي لن يشترك في الحرب فصيح" وهؤلاء الذين لم يواجهوا ما قاسيناه، ولم يتعرضوا للآلام والمعاناة الجسمانية والمعنوية التي تعرضنا لها، أولئك جميعاً قد لا يعلمون حقيقة وضعنا، ويمكن أن يلوموننا أو يتحدثوا كثيرا عنا ويواجهوننا، ونحن نريد أن نوضح أننا قد انفصلنا عن القيادة الفاشستية للجبهة، وليس عن رفاقنا المناضلين في الميدان، أنه من العار أن تعيش التقسيمات الدينية والعرقية في داخل نضالنا الإريتري. أن دورنا هو محاربة وانتزاع هذه الأمراض من المجتمع الإريتري، ولن نخلق موقفاً تجد فيه تلك الأمراض مكاناً، أننا نناضل من اجل القضية الوطنية، ولكن قادة الجبهة أساؤوا توجيه النضال، وماذا نفعل إذا أصبحنا فريسة اضطهاد تلك القادة بينما نحن نحارب للتحرير الوطني، أن الجواب بالنسبة للمناضلين من أجل الحرية سهل. إن طبيعة انفصالنا يمكن أن تعطي الانطباع بأننا نتجمع علي أسس دينية، ولكن ماذا نفعل؟ لا يوجد بديل، لقد جربنا جميع الطرق بدون جدوى، أن ما يحزننا ليس أننا تجمعنا وانفصلنا، ولكننا لا ننسي الأسباب القاسية التي أجبرتنا علي ذلك، فقد كنا نضع في اعتبارنا أولوية الإخلاص لبلادنا وشعبنا، وليس على الدين، أننا مناضلون من أجل الحرية، ولسنا وعاظ للإنجيل، أما ما دعانا إلي هذا الموقف، هو القناعة الثورية وليس الوعظ الروحاني، أننا نعتبر موقفنا وتصرفنا عمل شجاع منبثق من إخلاصنا وحبنا لبلادنا.
أننا مناضلين من اجل الحرية ولسنا رسل للمسيحية:
أنها حقيقة غير متنازع عليها أنه بجانب القلة التي لا تعتنق ديناً معيناً، فان الشعب الإريتري يتكون من عدد متساوي تقريباً من المسيحيين والمسلمين، وبدلا من الدعوة لقضيتنا الوطنية، قادة الجبهة أصبحوا يَكْتبونَ ويَدْعو باسم الإسلامَ، ويقولون أن الشعب الإريتري يتكون من ٨۰% من المسلمين و٢۰% من المسيحيين، ونحن نعلم جيداً أنهم يدعون باسم الإسلام بدلا من الدعوة باسم الشعب الإريتري المناضل من أجل حريته، أننا نعتقد ونعلم أن الشعب الإريتري يتعرض للاضطهاد كالشعوب الأخرى المضطهدة في العالم، وأن هدفنا هو تحرير شعبنا وكل الشعوب المضطهدة في العالم، ولا يهمنا كم هو عدد المسلمين أو المسيحيين في إريتريا، أنها ليست قضيتنا، أنها قضية هؤلاء الذين يريدون أن ينشروا تعاليم الإنجيل والقرآن، فعندما يضطهد المسلمون في إريتريا، فنحن نعتبره اضطهاد الشعب الإريتري، وإذا اضطهد المسيحيون الإريتريون، فهو اضطهاد للشعب الإريتري أيضاً، أننا نعتقد بأنّ ظلم واضطهاد لا يُفرّقُ بين الأديانَ (الاضطهاد واقع على الجميع).
تصحيح هام تاسع:
هذه هرطقة أريد بها تزيين العروس- سلف ناظينت-، إذ لم يكن على أرض الواقع بعدٌ بهذا المعنى لتبني الإسلام في عالم سيطرت العلمانية على أنظمته وحركات تحرره بما فيها الثورة الإرترية التي بدأت وانتهت من الناحية الفكرية المؤسسية وطنية علمانية، لهذا كان الإسلاميون فيها يسجنون ويعذبون، فنحن نعلم جيدًا لماذا كان اعتقال أمثال حامد صالح تركي، ومحمد إسماعيل عبد، وحامد حسين وغير كثير تم اعتقالهم وتعذيبهم إلا لاتهامهم بفكر إسلامي، أما من وجد بين المناضلين المسلمين القليل القليل ممن يصلي ويصوم، فتلك أحوال شخصية لم تمنعها قوانين جبهة التحرير الإرترية من الناحية الرسمية، كما لم تمنعها قوانين الجبهة الشعبية فيما بعد من الناحية الرسمية أيضًا، وهي أحوال قابلتها تطبيقات بعض النصارى المتمسكين بديانتهم حيث كانوا يجرون قدَّاسهم بحسب تعاليم دينهم دون أن يتعرضوا للاضطهاد وإن لم يطالبوا بتطبيق النصرانية على أرض الواقع ليتحاكم إليها الشعب. (تعليق أبو أسامة)
الكلام لهم - وإذا كان هناك نضال يهدف إلي تحرير المسلمين وحدهم فأننا نعارضه، وسنعارض أيضاً أي جهد تبذله الجبهة لاضطهاد وظلم المسيحيين، ونحن ضد أي نوع من الظلم، نحن لَسنا خائفينَ لكي لا ندعى مسيحيين (أو مدافعين للمسيحيين) ونغْلق عيونِنا ولا نتكلّمَ وندافعَ عن الظلمِ والاضطهاد النازل على المسيحيين، ولن نسكت على ذلك وسوف نقاوم، مقاومتنا و معارضتنا لَيستْ بسبب الدينِ ولكنها ضدّ الظلمِ والاضطهاد، ونحن لن نتخلى عن واجبنا الثوري خشيت أن لا يقال بأننا طائفيون، ونريد أن نوضح ذلك للشعوب وللدول المهتمة بالأديان، ونريد أن نوضح بأن الشعب الإرتري يتكون نصفه من المسلمين ونصفه من المسيحيين، وحرية العبادة في المسجد والكنيسة مكفولة للجميع، تقترح على أولئك الذين يريدون أن يتفهموا زيف ادعاء قادة الجبهة بأن المسلمون يكونون ٨۰% من سكان إريتريا، أن يسافروا إلي إريتريا أو يراجعوا تاريخ البلاد؛ أن النضال الوطني يجب أن يقوم علي أسس وطنية، وليس علي مفهوم الجهاد أو الصليبية. وعلينا أن نذكر هؤلاء الذين يفكرون ويعملون بهذا الأسلوب أن يصححوا ويتراجعوا و أن يوقفوا ممارستهم، ويجب أن يكون واضحاً لهؤلاء الذين يقدمون العون والتأييد باسم المسيحية أو الإسلام بأن ذلك العون لن يفيدنا، وأننا لا نريده، ونريد أن نؤكد لهم بأنهم ينفقون أموالهم سدى، ونود أن نذكر هؤلاء الإريتريون الذين يستعملون الدين كوسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية، بموقفهم الانتهازي المخزي، ليس فقط بل سيذكرهم التاريخ علي أنهم أجرموا في حق شعبنا، ونكرر لشعبنا الثائر وكل الشعوب المناضلة في العالم، بأننا نحارب الاضطهاد ومن اجل وحدة شعبنا دون الرجوع إلي الدين كأساس للنضال، ونحث الجميع علي التضامن معنا وإدانة أولئك الانتهازيين الذين استغلوا الدين لتحقيق مأربهم الشخصية.
تصحيح هام عاشر:
وهذه هرطقة أخرى أريد بها تزيين العروس- سلف ناظينت-، حتى يتدرج إلى حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة فيصل إلى مدارج الحكم في خطًى ثابتة فيسفر عن وجهه الحقيقي، إذ هاهو اليوم في زمن الدولة الإرترية المستقلة قد انفرد بإدارة الدولة الإرترية ليرسي قواعد فلسفته على النحو التالي:
1. أخذ علانية من غير حياء ولا خوف يعمل حثيثًا من أجل تمكين النصرانية بكل ما أوتي من قوة وشبه شرعية أضفتها عليه سياسة الأمر والواقع للتأكيد على نصرانية إرتريا.
2. من نفس المنطلق وبنفس الشرعية أخذ يعمل حثيثًا لمحاربة الإسلام وأهله بكل ما أوتيا للتأكيد على أن إرتريا لا يوجد مسلمون لا في ماضيها ولا في حاضرها.
3. أخذ يقتل الكوادر الإسلامية، أو قل أبناء المسلمين من أجل تغييب أي صوت عربي إسلامي لم ولن يستطيعوا الصمود أمامهم في معركة المغالبة، فلجؤوا إلى إسكات أصواتهم الحرة.
4. أخذ يغيب الدعاة والمدرسين المسلمين في سجونه لعشرات السنين دون تهمة مبررة فضلا عن محاكمة عادلة، بل لا يعرف عنهم أهلوهم ما إن كانوا أحياء، أم قد قضوا نحبهم بصورة ما، ذلك من أجل تجهيل المسلمين بأمر دينهم الذي هو عصمت أمرهم.
5. أخذ يحارب اللغة العربية بينما يظهر المشهد الإرتري بما يفيد أن إرتريا ليست إلا دولة تجراي تجرينيا النصرانية بإبداء السيادة والريادة للنصارى ولغتهم التجرينيا، ذلك من أجل تبرير التجرينيا أثناء صناعته للناشئة الإرترية على إرثه الثقافي.
6. أخذ يتعمد تقسيم المسلمين الذين داخل وطنهم إلى قبائل، ذلك من أجل تسهيل القضاء عليهم بعد إحالتهم إلى أشلاء ممزقة لا يستطيعون دفع النوازل عن ساحاتهم.
7. أخذ يجبر ناشئة المسلمين إلى تعلم اللهجات الميتة، ذلك من أجل تطويعهم لقيادته باعتباره هو صانع واقعهم المعاصر بعد فصلهم عن إرثهم الثقافي ليسهل عليه تطبيعهم التلقائي.
8. أخذ يرفض التعددية السياسية بسبب الخوف من قدرات المسلمين الذين لو فتحت لهم الأبواب فسيقلبون موازين الظلم والإقصاء، ولربما كانت لهم الصولة في معركة المغالبة الحتمية.
9. أخذ يعيق عودة اللاجئين الإرتريين الذين في السودان خاصة، وكذا الجاليات في العالم، ذلك بسبب الخوف من أعدادهم الكبيرة، وقدراتهم المالية والعلمية والثقافية والفنية.
10. أما الحديث عن نسبة المسلمين إلى النصارى، أو نسبة النصارى إلى المسلمين، والتعداد الكلي الحقيقي للسكان الإرتريين، فسوف فنرجئ مناقشته حتى المعاد الذي نراه قريبًا مهما كانت جهود قياداتنا ضعيفة، ومهما كانت جهود قيادات اللوبي النصراني قوية، إذ الفيصل في هذا الأمر، سيكون على أرض الواقع غدًا، وليس الفصل بمقالة من يُمسكن بالعصا التي لا يستطيع غيره أن يضرب بها، وإن غدًا لناظره قريب بمعايير صناعة واقع وتأريخ وعمر الأمم والشعوب بوقائع أحداث ل بد من أن تحدث التغيير بالتطبيق على الأرض، كما كان الحال يومًا مع شعوب القوقاز والبلقان وغيرهم في القديم والحديث، أما كون مجمل الظروف البيئية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لم تعيننا لأسباب نحن العنصر الأول فيها، فكل شيء بحسبه زمانًا ومكانًا، إذ استيعاب معطيات واقع المحيط السياسي الإقليمي، ومستوى وعي القيادات، هو الذي يصنع واقع التغيير. (تعليق أبو أسامة)
نحن إريتريون ولسنا عرباً:
استعمل زعماء الجبهة شعار العروبة كورقة رابحة، فقد ادعوا بأنه باستثناء ٢۰% من الأحباش فان ٨۰% من الإريتريين هم أحفاد العرب، وأن بلادنا قطر عربي، وأن لغتنا هي اللغة العربية وكما استعملوا الإسلام كأداة لتحقيق مأربهم الشخصية، استعملوا العروبة وما زالوا لنفس الأغراض أن موقع إريتريا الجغرافي في شمال شرق أفريقيا وبالقرب من العالم العربي، وطبيعة النضال الإريتري من أجل التحرير الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من جبهة النضال العالمي المعادي للإمبريالية في كل منطقة الشرق الأوسط. لذا فعندما نقف مع رفاقنا العرب في نضال مشترك، فان هذا الموقف تبنيه قناعتنا الثورية وعلاقاتنا الإستراتيجية، وليس لأننا عرب أو مسلمون، وليس هناك أحد ينكر تلك الحقيقة التاريخية، وهي أن الإريتريين مسلمين كانوا أو مسيحيين لهم بعض الروابط العرقية مع العرب. ولكن علينا أن نقر أولا وقبل كل شي أننا إريتريين ولسنا عرب، أننا لا نطور علاقاتنا الثورية مع شعب ما لمجرد وجود روابط دينية أو عنصرية معنا، أننا نخوض نضالا ضد الاضطهاد في إريتريا والعالم، وسنستمر في نضالنا طالما وجد القهر والظلم، أننا نعارض النضال القائم علي أساس الجنس أو اللون، وإذا كانت العروبة أو النضال العربي قائم علي اللون أو الجنس أو الدين، فليكن واضحاً، أن الإريتريين لا يميزون بين الناس بسبب اللون أو الجنس أو الدين.
واستعمل زعماء الجبهة الإقطاعيون اللغة العربية لإثبات عروبة إريتريا، فقد أعلنوا "أن اللغة العربية هي لغة الشعب الإريتري، وتوجد أيضأ لغات...الخ، هناك أيضا لغات أخرى مثل التجرينية والتجري " أن هذه الأكاذيب قد ضللت كثيرين من الناس الذين لا يعرفون لغات الشعب الإريتري، وقد قدمنا شرحاً مختصراً عن تلك اللغات في بحثنا هنا. لقد أصبحت اللغة العربية أحد اللغات الرسمية في إريتريا (فقط من خلال القرار الفيدرالي لعام ۱٩٥٢م والذي لم يشترك في صنعه الشعب الإريتري، ويحاول زعماء الجبهة الذين لم يستطيعوا إخفاء الحقيقة) أن يقوموا بدور عمل لفرض اللغة العربية كلغة وحيدة ورسمية للشعب في إريتريا، وقد لا يكون هذا واضحاً للغير الذي لا يعايش النضال الإريتري، ولكن الحقيقة هي أن اللغة التجرنية واللغات الإريترية الأخرى قد أسقطت من الاستعمال في الجبهة، أن المتعصبين في الجبهة يكرهون اللغة التجرنية، وقد ذهب الأمر ببعض الأغبياء إلى التنكر للغتهم ورفضها في محاولة للظهور بمظهر العرب. ونود أن نشرح هنا، خاصة لشعوب في الدول والعالم العربي، إننا لا نحمل أي كراهية للعرب واللغة العربية، أننا لا ننكر الروابط التي تشدنا إليهم، ولكننا لا ندرك وندعو إلى تمتين العلاقات معهم وهو أمر تقتضيه الضرورة الإستراتيجية.
وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إلى استعدادنا لتخلي عن لغاتنا وتقبل العربية في مقابل المساعدات التي نحتاج إليها من الشعوب والدول العربية، أو لمجرد إرضاء قادتهم، ولا نريد أن نخضعهم بالقول أن النضال الإرتري هو قضية عربية بافتراض أنهم لا يعرفون الحقيقة، والحقيقة أن هناك الكثيرين من الانتهازيين الذين ينحرفون عن الحقيقة ويحجبون الواقع الإرتري عن الغير. إن التضليل الذي قام به زعماء الجبهة، جعل كثير من القادة العرب والحكومات العربية يعلنون في بعض المناسبات، أن اللغة العربية هي لغة الشعب الإريتري، وأن الإريتريين عرب وأدخلوا إريتريا ضمن العالم العربي، ولو كانت اللغة العربية لغتنا أو كنا عرباً لما خجلنا من قول ذلك، أننا إرتريون ولسنا مستعدين لكي نخون شخصيتنا الإريترية، أو نتخلى عن لغتنا، هذه هي الحقيقة ولسنا مترددين في تبيانها.
وهناك لغات كثيرة ذات طابع دولي في عصرنا هذا، وإذا اضطررنا إلي خوض ميدان الشؤون الدولية فانه من الضروري أن نعرف الكثير من اللغات الدولية الواسعة الانتشار، ولن نستطيع أن نعلم ونطور شعبنا ونعرفه على العالم الخارجي إلا من خلال لغاته الوطنية. ولكن إذا أردنا أن نفرض عليه لغة أجنبية بحجة أنها واسعة الانتشار، فهذا لا يعني فقط من تقليلنا لأهمية لغتنا، بل يعني أيضاً التراجع ألف (١۰۰۰) خطوة إلى الوراء بدلا من التقدم خطوة إلي الأمام، وهكذا فقد أصبح لزاماً علينا أن نوقف هذا الاتجاه المتخلف الخطير، لقد حاول الحكم الاستعماري الإيطالي أن يحطم لغتنا ويحل لغته محلها، وحاول الإنجليز أن ينشروا لغتهم، وفي عصرنا هذا تحت ظل نيران الاستعمار الإثيوبي، نظام هيلي سلاسى عمل علي مسح لغتنا بحرق الكتب وفرض اللغة الأمحرية علي شعبنا، ولكن شعبنا الإريتري الباسل عارض دائماً وقاوم باستمرار وثبات كل السياسات التوسعية الاستعمارية.
أن كثير من الإريتريين قد هاجروا إلى أجزاء مختلفة من العالم إلى الأقطار العربية وغيرها من أجل التعليم، ولكن الإصرار علي تعليم شعبنا لغة أخرى، وفرض لغة تحدث أجنبية مصدرة من أي من تلك الأقطار، يقلل من شأن شخصيتنا الوطنية ويسلب روح نضالنا التحرري، لذا فأننا نرفض ذلك الاتجاه كلياً، ونريد أن نذكر الحكومات والشعوب التي تؤيد نضالنا وتقدم لنا المساعدة لأننا نخوض حرب تحرير عادلة، وإنهم إذا كانوا يقدمون تلك المساعدة لأغراض أخري، فنحن لا نحتاج إلى ذلك التأييد ونرفضه بشدة. أننا نقدم دعوة مفتوحة إلى تلك الحكومات والشعوب التي لا تعرف الشعب الإريتري ولغاته وثقافاته وتاريخه، ولكنهم يريدون مساعدتنا، أن يأتوا لزيارة بلادنا حتى يتعرفوا علينا أولاً، أننا ندعو تلك الحكومات التي ضللت بتقارير من الانتهازيين الكاذبين، أن تتوقف عن النيل من شخصيتنا وكرامتنا الوطنية كإريتريين، وإذا كانت هناك بعض الحكومات التي تريد الاستمرار في النيل من شخصيتنا الوطنية لتحقيق مصالحها الذاتية، فيجب أن يعرفوا أننا مستعدين للدفاع عن حقوقنا الوطنية مهما كان الثمن.
ونود أن نوضح للشعب الإريتري أن من مسئوليته رفض الادعاءات المصلحية مثل الإسلام والعروبة أو اللون التي تطرح بواسطة الانتهازيين والأفاكين، ونحن نحذر ونذكر هؤلاء المعنيين المزيفين أن يوقفوا خداعهم للحكومات المؤيدة لقضيتنا، لأننا مقتنعين أن المساعدة التي تأتي في مقابل حقوقنا الوطنية تؤذي نضالنا أكثر مما تفيده.
تصحيح هام حادي عشر:
إن هذا التشدد والتشدق الزائدين عن الحاجة بإعلان المغالبة من طرف واحد من أجل تحقيق غايات ومقاصد بعيدة الأغوار ضد طرف ساكن بسبب ما كان ومازال يعانيه من بؤس قيادي، إنما هو مؤسس على رفض اللغة العربية كما هو بصريح القول في هذه المختطفات من الوثيقة، ولعل في هذا أن نلتمس العذر لأصحاب وثيقة نحن وأهدافنا عند رفضهم اللغة العربية لما تمثله من قوة لا تستطيع التجرينيا أن تصمد أمامها في ميادين المعلم والمعرفة، وفي ميادين الحياة اليومية في بيئة غالب سكانها مسلمون يؤمنون بأن اللغة العربية لغتهم، ولولا ذلك لما كان التصدي للغة العربية، إذ في تقدير أصحاب وثيقة نحن وأهدافنا التي نقلتُ منها هذه المختطفات، أن إرتريا سوف تصبح عربية الانتماء والثقافة، وهذا يعني في بعده الثقافي قوة الدين الإسلامي، وبهذا التصور من حقهم إذًا أن يرفضوا اللغة العربية لكي لا يقع المكروه بحسب قراءتهم، لكنها قراءة قاصرة، فالجميع يعرف أن العالم العربي يتألف سكانه من مسلمين ونصارى بصرف النظر عمن هم الأكثر ومنهم الأقل، ولهذا لم نسمع ولن نسمع أن النصارى العرب يتضايقون من اللغة العربية، بل نجدهم يعتزون بها كما هو الحال مع المسلمين.
والسؤال هنا أوجهه مباشرة إلى الذين أصدروا وثيقة نحن وأهدافنا فأقول لهم: من أين لكم الحق والشرعية شبه المطلقة هذه في إرتريا لتقرير مصير المسلمين الإرتريين في مسائل دينيهم وثقافتهم، وفي أأبعاد اختيارهم للآليات والأدوات التي يعبرون بها عن دينهم وثقافتهم، وقد قلتم أن الشعب الإرتري يتكون من 50% من المسلمين، و50% من النصارى في هذه الوثيقة الشاهدة لنا والشاهدة عليكم، وفي غيرها ؟
إن الأمر المؤكد، أننا نحن المسلمون لم نخولكم للحديث بالنيابة عنا في مسائل عامة، فضلا عن مسائل الدين والثقافة وآليات وأدوات التعبير عنهما، فالأمر المؤكد إذًا، أن قولوا عن أنفسكم، أنكم لستم عربا، ثم تؤكدوا بالقول والفعل كما هو لسان حال الواقع، إنما أنتم تجراي تجرينيا.
واعلموا وليعلم غيركم في الدنيا، أن اللغة العربية خيار المسلمين الإستراتيجي بعز عزيز وذل ذليل، سواء كان هذا الخيار بالتأسيس على الروابط العرقية التي تربط الشعب الإرتري مسلميهم ونصاراهم بالعرب كما قلتم أعلاه، أو بالتأسيس على بعد ثقافي للمسلمين على وجه التحديد والتوكيد، هذا وإن دفن أنصاف مثقفي المسلمين رؤوسهم في الرمال.
أما قولكم: (لقد أصبحت اللغة العربية أحد اللغات الرسمية في إريتريا فقط من خلال القرار الفيدرالي لعام ۱٩٥٢م والذي لم يشترك في صنعه الشعب الإريتري)، فهذا قول محض هراء ودمدمة منكم للتلبيس على الناشئة والدهماء وغير الإرتريين الذين لا يعرفون الكثير عن إرتريا، إذ ما بال الاستعمار فضل اللغة العربية للمسلمين الإرتريين محتقرًا لغته أو أي لغة أخرى قد تكون هي الأقرب إلى الصواب أو إلى الواقع، أليست الحقيقة التي تستيقنها أنفسكم دون مرية، هي أن اللغة العربية قد قررها لغة للشعب الإرتري المسلم جيل الآباء من المسلمين والنصارى، كما قرروا التجرينيا لغة للنصارى، كل ذلك بالتأسيس على حقائق المكون الثقافي إرتري؟
أم أن جيل الآباء كان الذين قرروا بأن اللغة العربية والتجرينية اللغتان الرسميتان للشعب الإرتري كانوا جهلة أو خونة، وحزب سلف ناظينت أعلم وأحرص منهم، إذ مؤسسي حزب سلف ناظينت يعلم أكثر مما كانوا يعلمون بحقائق اللهجات الأخرى التي أسميتموها لغات، وبالموروث الثقافي والتأريخي لهذا الشعب، ولهذا كان تطاولكم عليهم وعلينا اليوم؟
هل كان العالم ممثلا في مؤسسات الأمم المتحدة إلى هذا القدر من الجهل يوم اتخذ عام 1952 بحق حاضر ومستقبل الشعب الإرتري، قرار اعتبار اللغة العربية لغة للمسلمين، والتجرينية لغة للنصارى، هل كان إلى هذا القدر من الجهل فانطلت عليه المسوغات التي بموجبها قرر جيل الآباء ما يصلح للمجتمع الإرتري، بالتأسيس على حقائق المكون الإرتري الثقافي والسياسي والتأريخي؟
أما اللهجات التي تسمونها لغات، فهي في الحقيقة لهجات ميتة لا تصلح في ميادين العلم والمعرفة كما هو الحال في كثير من أقطار أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وما التجرينيا بأحسن من التجري عند عرضهما في ميادين العلوم والمعارف إذا ما تجردنا للحقائق العصرية ؟
ولما كنا مضطرين لنعيش في وطن واحد، فالحل إذًا لهذه المعضلة المزمنة أراه على نحو يرضى به الجميع من أجل مصلحة وسلامة الوطن والعيش فيه بسلام وشراكة لا غمط ولا إقصاء فيه، وذلك على أن نتفق فنلغي اعتبار اللغة العربية والتجرينيا أنهما اللغتان الرسميان، ونختار مثلا اللغة الإنجليزية لغة رسمية للدولة الإرترية في مجال التعليم والخطاب السياسي، مع السماح للمسلمين بمعاهد اللغة العربية من أجل تعلم دينهم بها على الوجه الصحيح، وكذا السماح للنصارى بمعاهد التجرينيا من أجل فهم طقوس ديانتهم بها، أو من أجل تمييز شخصيتهم التي تحدثتم عنها، بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. (تعليق أبو أسامة).
موقفناً ليس عرقياً ولا طائفياً:
أن زعماء الجبهة الانتهازيين قد خلقوا الخلافات العرقية والكراهية الطائفية، ولتأكيد مصالحهم الذاتية زرعوا الشقاق وكرسوه في صفوف شعبنا ونضالنا المسلح، ولم ينحصر الشقاق في صفوف المقاتلين، بل أصبح هذا الطاعون يهدد بالانقسام بين الطوائف داخل الشعب. أن تكريس الشقاق وخلق مراكز شخصية لا تخدم تلك الطوائف (المجموعات) وإنما تخدم مصالح زعماء الجبهة الشخصية وتمكنهم من أحكام سيطرتهم. أن المستفيد من هذا الوضع هم الانتهازيون، وأن ضميرنا لا يسمح لنا بالسكوت علي وضع الجماهير تحت سيطرت القلة التي تعمل لتثبيت امتيازاتها ومصالحها، أن هدفنا هو النضال ليس من أجل تكريس الاتجاه الطائفي، بل العمل علي خلق الانسجام لتحقيق التحرير الوطني ونحن نعارض بلا هوادة العناصر الانتهازية التي تعمل ضد الوحدة الوطنية وعلي حساب النضال الوطني، أننا نعارض نمو الاتجاه لتكوين مراكز شخصية ومحاولة تغليب مجموعة علي أخرى لأسباب عرقية،ونريد أن نذكر أولئك القبليين الذين يحاولون المناورة ضدنا، أن محاولتهم عقيمة وأنهم في الواقع يكشفون هويتهم، أننا مناضلون من أجل الحرية نذروا أنفسهم للنضال من أجل وحدة كل المناضلين التقدميين دون اعتبار للاختلافات العرقية والإقليمية.
تصحيح هام ثاني عشر:
كم كان سيكون هذا الكلام غاية في الجمال والروعة والتقدير والاحترام لو أنه صدر من قلب صادق وعقل سليم ونفس معافاة من أدران الأحقاد والدسائس وسياسة الغاية تبرر الوسيلة، أليس كل ما صدر عن أصحاب وثيقة نحن وأهدافنا ضد المسلمين في عهد الثورة بالاعتداء على أعراض المسلمات باسم الثورة والنضال، قد أخذ حيزه الزماني والمكاني في ذاكرة كل مسلم إرتري في تأريخ إرتريا المعاصر.
أليس كان ذلك بتخطيط ماكر وقف من ورائه اللوبي النصراني من أجل إذلال المسلمين بانتهاك أعراضهم بتفريخ أبناء الزنا منهن لَمَّا كُـنَّ يتميزن عمن سواهن بحفظ أعراضهن بعد إذ كُـنَّ قد ابتذلنه أخريات في السابق، فأوغر تحشم المسلمات صدور ساسة القوم حسدًا من أمثال القس ديطروس الذي أوعز إلى الأتباع للنيل من أعراض المسلمات بتحققه على أرض الواقع، وإن كنا نعلم بقراءة الوجه الآخر، أن هذه الفواجع لما وقعت في ساحات المسلمين لو لا جهل المسلمين بدينهم.
ليت المأساة وقفت عند ذلك الحد الجلل الذي تهون دونه كل المصائب، فقد أقصى هذا اللوبي أفراد المسلمين الذين خاف منهم، إما بالقتل كإبراهيم عافا وكثير غيره إبان فترة الكفاح المسلح، أو بالإبعاد عن ساحة الثورة، لا لضعف ولا لجهل فيهم، لكن، لأن ظهورهم قد صمتها قياداتهم وأنصارهم في المحيط الإقليمي الذي لم يحسن قراءة إستراتيجيات الأمم التي كانت تُمضي أهدافها في منطقة البحر الأحمر والشام، فتواطأ هؤلاء على سوء معاملة جناح الثورة الإرترية المصنف سلفًا بالاتجاه العربي الإسلامي، فعلوا كذلك من خلال أجهزة استخباراتهم المتخلفة التي ثبت عجزها في ميادين المغالبة الإقليمية في هذا المحيط، هذا رغم ما لهم من معرفة وعلم وكثرة عدد وأموال وموارد طبيعية، لو أنهم أحسنوا توظيفها لكانت القراءة جد مختلفة اليوم لقوة تأثيرها على الاقتصاد والقرار العالمي.
لقد وصل اللوبي النصراني سدة حكم إرتريا كما أريد له أن يكون، وأصبح المتفرد بإدارة الدولة الإرترية دون منازع، لهذا واصل دون هوادة مسلسل سياساته لإقصاء أفراد المسلمين عن أي موقع فاعل يعملون فيه بمنهجية علمية وقوة شبابية متقدة لا تعرف التواني والتخاذل، تلك القوى التي أظهرت إصرارها لإجراء تغيير الواقع الإرتري البئيس إلى واقع أفضل طالما ناضل الشعب الإرتري من أجل بلوغه أربعة عقود ضد نظام إثيوبيا الظالم، وما إن بلغت إرتريا مبتغاها بتحقيق استقلالها الوطني، كان لزامًا عل تلك القوى أن لا تضع القلم والسنان، هنا خاف ملأ اللوبي النصراني حق الخيفة، فعمد إلى إعمال سياسته في الاغتيالات مرة أخرى، فقد قتل أعدادا كبيرة من كفاءات تلك القوى من أمثال عبد الحكيم محمود الشيخ، وأخوه عمار محمود الشيخ، وعبد الله داود، وغيرهم كثير، وغيب في سجونه عددا كبيرا آخر.
كل هذه الأعمال التي سُجلت في صور تطبيقات فعلية على أرض الواقع تدحض مزاعمهم لحماية الوطن من أي منزلق، سواء من الداخل أو الخارج، فمن المعلوم بالضرورة إن الأعمال أعلى صوتًا، وأبلغ تعبيرًا من الكلام مهما كان صاحبه بليغًا وفصيحًا، فهل نصدق جميل كلامهم الوطني، أم حقيقة فعالهم الثابت التي على أرض الواقع بين ظهرانينا، لا وألف لا، لسنا أغبياء ولا أميين لا نحسن القراءة، نعم لسنا من ألئك ولا أولئك، ولكن قد نمر بمرحلة الضعف لسبب ما، فالضعف بزوال بزوال أسبابه، كما أن القوة تزول بزوال أسبابها أيضًا، إننا إذًا نسير وفق سنن الله الكونية، فإن نحن استوفينا الشروط منحنا الله التمكين بقدر علمنا وعملنا.
إن هذه المعاني والأبعاد، لا يمكن أن نصل إلى العلم بحقيقتها، إلا باستخلاص الدروس والعبر التي هي من واقع تجاربنا منذ الفترة عقب الحرب العالمية الثانية، وبداية خوض الشعب الإرتري العمل سياسي، وكذا واقع وتجارب الأمم والشعوب قديمًا وحديثًا، ولعلي هنا أن أكتفي بقراءة بعض الفقرات التي من واقعنا المعاصر على النحو التالي:-
• أليس لغة الدولة الإرترية غدت من الناحية العملية التجرينيا ؟
• أليس الغالب المطلق من موظفي الدولة الإرترية غدا أبناء التجرينيا ؟
• أليس خريجي الدول العربية أعيق توظيفهم في مؤسسات الدولة بحجة أنهم لا يجيدون التجرينيا ؟
• أليس الفضائية الإرترية تمثل التجرينيا، وسقط أغاني اللهجات لذر الرماد في أعين المغفلين ؟
• أليس أداء سياسة الدولة الإرترية في الشأن الداخلي والخارجي غدا بالتجرينيا ؟
• أليس أداء إعلام الدولة الإرترية في الشأن الداخلي والخارجي غدا بالتجرينيا ؟
• أليس الصوت الأعلى في الدولة الإرترية غدا صوت التجرينيا ؟
• أليس من يحظى برعاية وعناية مؤسسات الدولة، غدا أبناء التجرينيا ؟
أهــــدافـــنــــــا
سنناقش أولا مع رفاقنا الإريتريين برنامج العمل الذي وضعناه لتحقيق هدفنا النهائي، وإلى أن نطرح برنامجنا الكامل في بحثنا التالي، نقدم خلاصة قصيرة لأهدافنا.
• خلق مجتمع لا يسوده الاستغلال الاقتصادي أو الاضطهاد السياسي.
• بناء دولة تتمتع بالرخاء، وتعمل من اجل التطور في مجال التعليم والزراعة والصناعة.
• تأسيس جبهة وطنية متحدة دون اعتبار للدين أو العرق أو الجنس.
• تأكيد التضامن مع كل الشعوب التقدمية في العالم، خاصة في أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية.
• الكفاح ضد الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
• القضاء على إسرائيل.
• خوض النضال المسلح لتحقيق التحرر الوطني من الاحتلال الإثيوبي.
• النصر للشعب الإريتري !
• النصر لشعوب العالم التقدمية !
• عاش نضال الإريتريين من أجل الحرية، والموت للاستعمار الإثيوبي !
تصحيح هام ثالث عشر:
لا أجد حاجة لكتابة الكثير على تصنعهم التنزه والتجرد لصالح الوطن بعد إذ تحدثتُ فيما يزيد عن عشر فقرات على مثل هذا التصنع وغيره، ولما كان هذا الكلام يمثل خلاصة مخططاتهم العملية المعلنة التي توحي بأن الذي لم يعلن منها أعظم وأخطر، فإنما أردوا بهذا توظيف مكاء وتصدية الدهماء الذين ما كانوا يدرون بما كان يجري من حولهم، وكذا أنصاف المثقفين وألئك الذين هربوا من ويلات القيادة العامة وقد خذلتهم قياداتهم السياسية، وآخرين ممن تم إسكارهم بغسل قولهم:-
• خلق مجتمع لا يسوده الاستغلال الاقتصادي أو الاضطهاد السياسي ؟!
• بناء دولة تتمتع بالرخاء، وتعمل من أجل التطور في مجال التعليم والزراعة والصناعة ؟!
• تأسيس جبهة وطنية متحدة دون اعتبار للدين أو العرق أو الجنس ؟!
• القضاء على إسرائيل ؟!