لمحة من تاريخ ارتريا القديم أرض البونط
بقلم الأستاذ: ابوبكر محمد عمر قاضي
اريتريا اليوم بلد عجيب: والتنبؤ بما سيجرى أمر صعب لكثىير من المحللين، ولكن التاريخ لا يرحم
والاوراق التى سطرت قبل الاف السنين تبرز عندما يحين الوقت.
ان قرأة التأريخ أمر حسن ولكن الافضل منه ان يساهم المرء فى صنع التاريخ. ونعلم جميعا ان التاريخ يصنع فى بلادنا ارتريا اليوم وقد شارك اجدادونا واباهتون وامهاتنا، فى صنع هذا التاريخ الحديث لبلادنا، كما اثروا فينا للمشاركه فى صنع هذا التأريخ الحدىث، بالوحد ة والصبر والمصابره. وسوف اكتب بعد هذه اللمحه لتاريخ ارتريا القديم، "أبأء وأبنأء" Fathers and Sons.
ذكرى لمن خالطتهم، وعرفتهم فى حياتى، واثروا فى تربيتى وفى سلوكى واخلاقى. وفى مقدمتهم والدى الزعيم الارترى المحامى/ محمد عمر قاضى. واخى الكبير المناضل/ الخليفه بكرى محمد نور الصائغ المربى الجسور، وأبى الروحى الشىيخ المقدام المناضل/ سليمان احمد عمر. وصديقه الشجاع الوطنى الغيور الامام موسى (سكريتير حزب الرابطه باسمره) والمراءه الصابره الصبوره الامينه الشجاعه، التى حافظة علىى والدىى فى السراء والضراء، ورعتنىا وحافظت علينا، و حافظت و سافرت حافيه الاقدام من اسمرا الي قندع وكرن ثم بور سودان مع ابنائي/أمى الشريفه فاطو احمد حسنيين الحيوتى.
ان ماضى ارتريا عريق فى القدم حتى وكأنه ليضع فى زاوية تلك القدم، فيه من الفترات الحزىنه التعيصه التى تجعلنا نشعر بالعار والبؤس، ولكنه على العموم ماضى مجيد يدعونا الى الفخر والقبطه، واليوم لا مجال لدينا للتفكىر بالماضى ولا نريد ان نتجمد حتى نصبح جزؤ من ذلك التجمد، لان المستقبل الذى نصوغه والحاضر الذى نحن فيه يستوعبان كل وقتنا ونشاطنا.
ان ماضى ارتريا العريق حاول ان يسرقه رسبوتيىن اثيوبيا البغيض، القسيس تفرى موكنن / هيلى سلاسى / بعض ان سرق ارضنا واحرق مدنها وقراها، واعلن للملاء انه لا يرىد الشعب بل الارض فقط. وحاول حينها ان ينافس شاه انشاه ايران الذى صرح ان عمر مملكته عمراها 2500 سنه، وحاول ان يحتفل بذلك العمر لدولته / التى لن تدوم / وحضرها الكثير من الملوك، الرؤاساء، والحكام، وكبار القوم من كل حدب وصوب من العالم. فبداء هيلى سلاسى (الذى حضر الحفل) يقلد ملك ايران ويصرح / ان الحضاره الاثيوبيه امتداد لثلاثه الاف سنه.
بمساعدت الخبير البريطانى - الاثيوبى الدكتور رتشارد بانكراست Richard Pankrast مسؤل الدراسات الاثيوبيا فى جامعة اديس ابابا. (الكثير من الكتب والمواقع التاريخيه تعتمد علي وثائقه عند الكتابه عن تأريخ اثيوبيا). صدقه العالم - وغنا له الكتاب - ورقص له الباحثين - ولكن عندما تراجع التاريخ الذى كتب حينها، من السهل ان تكتشف "ان التاريخ لا يرحم" ترى جليا ان ذلك التاريخ يرجع لاصله لأرض The Land of The Punt البحر الاحمر ارض ارتريا، (كتب "بنفس الكأتب السابق الدكتور Richard Pankrast) كما ان ليس لاحراش "اثيوبيا". المتقوقعه داخل الجبال والتى لا يمكن ان تصلها اى غافله او مسيره، لانه كما علمنا التاريخ، ان الحضارات تبنى على دفاف الانهار وشواطىئ البحار حيث التواصل فيها سهلا ومريح. واثوبيا هى الدولة التى اوجد مسارها الامبرطور منليك (غير الحبشة المذكورة فى التارخ) عام 1892 بعد مقتل يوهانس بيد الامير عبدالله - أحد امراء وللو فى متمة، الذين شأركوا مع االمهديه فى دحر جيش يوهانس. ضما منليك كل من تقراى، هرر، وللو، جوجام، اوسا، وغيرهم ليسمى نفسه ملك ملوك اثيوبيا "الامبرطور منيليك الثانى".
يوهانس طلب من ملكة بريطانيه ان تمنحه ميناء مصوع البحر الاحمر. طلبت منه الاخيره ان يدحر المهديه فى السودان، ولكن الدراويش قطعوا راس الملك يوهانس، قبل ان يستلم مصوع. (حسب وثائق وزارة الخارجيه الايطاليا، الذى كتب حينها) ومقتل قوردون باشا - الذى كان حاكم عام السودان. (فايس روى Vice Roye) المملكه البريطانيه.
ونذكر من ما كتب فى التاريخ القديم مايلى:-
أ) مخطوط ملكة حتشبوش:
يرجع هذا التاريخ الى احد مخطوطات مصر القديم لملكة فرعونيه "حتشبوش"، التى تذكر فيه ان كثير من الغوافل - مراكب اطلاع تجاريه - بدـأت رحلتها الى ارض البونط " ارتريا " حاليا - للبحث عن الزباد واللبان والذهب والعاج والتوابل وجلود الحيوانات المفترسة - مقابل ذلك كانت تحمل معها الخرز- الفؤس - الخناجر - والاسوارات، وذلك حوالى العام 1495 قبل الميلاد اى قبل ما يقارب 3500 سنه من هذا الزمن.
ب) The Perilus of The Erytrean Sea
كذلك اذا قرائنا فى كتاب بيربوليس، الذى كتب من قبل احد قباطينة المراكب اليونانيه - المصرىة فى بداية العام الميلادى قبل 2000 سنه تقريبا يذكر: ان التجارة السائده فى ذلك الحين فى ميناء "عدوليس" (زولا) كانت تجارة العاج - وتوجد فى مدنها التجارية مثل قولاع و قوهيتو "مذكوره بالاسم".
كما يشرح المؤرخ كيف كان صيد الفيلة ووحيد القرن عملية حيه، وباعداد كبيره فى هذه المدن وحوالي ميناء عدوليس وبقرب من شواطى البحر الاحمر. ويقول: نآتى من مصر محملين ببعض الازيأء البسيطه من ميناء عرسينوى Arsinoe حاليا "السويس" بملابس رخيصه وملونه، مشالح، بطانيات، وبعض الاشياء المصنوعه من القزاز "الخرز" والمريهن "قزاز ملون" المصنوعه فى دياسبوليس Diaspolis "طبس" فى مصر، والبرونز الذى يصنع منه اكسسوارات، وقطع باحجام صغىيره بدلا من العملات. كذلك صفائح نحاسيه لصنع بعض المؤن تستعمل للمطابخ - كذلك الحديد الذى يصنع منه الرماح لاصطياد الفيله وحيوانات مفترس آخره، لاستعمالها لحروباتهم - كما كانوا يقدموا لهم مع هذه فؤس صغيره، وخناجر، وسيوف، وكؤس من النحاس لشرب الماء،كذلك عملات كبيره وصغيره ومدوره لاستعمالها في الاسواق - كما يحملون معهم بعض الشراب المصنع من العنب "النبيز" المستورد من "آنطاقيه" بسوريه - ومن ايطاليه زيوت الزيتون وذهب مصنع - ومؤن من الفضه لسلاطين البلاد،وبعض الازيأ ء من النوع الذي يتماشى مع عادات البلاد، وملابس عسكريه وبعد الجلود الخفيفه المصنعه.
كاتب "بيربوليز" لن يهتم كثيرا بما كان يستورد من الهند، الا الاشيأء التى تآتى من آريكا "شمال الهند" وقال: كان يستورد الحديد والصلب الهندى، وكذلك ملابس المصنعه من القطن الهندى الفاخر - وآخرى كأزيا جلديه -ومرصعات ملونه "الخرز".
اما الصادرات من "أدوليس" يختصرها الكاتب ىلآشياء المصنعه من العاج عموما ومن قرن وحيد االقرن من داخل البلاد - وكذلك قزاز فولكانيه من جزر دهلك ودروع الصلاحف المائيه من شواطئى آخره فى ارتريا.
بطبيعة الحال كان امتداد ارتريا مرتبط بأسواق مملكة اكسوم - التى كانت مملكه قائمه بذاتها، وكانت هناك عملات مصنوعه باللغه اللاتينيه والجئزيه وذلك لاستعمالها والتداول بها فى اسواق البحر المتوسط والبحر الاحمر التى كانت مع بعض تعتبر عالم التجارة حينها. ولهذا نجد كثير من المصلات المنحوته من الصخور الموجوده فى آكسوم مكتوب عليها باللغه اليونانيه.
ج) Cosmos Indico Peustes
احد كتاب المطابع المسيحيه واسمه Cosmos Indico Peustes تاجر مصرى - يونانى من الاسكندرية - والذى آخيرا تخلى من التجارة ودخل الدير ليكون قسيسا - يقول: ان عدوليس كانت مزوار لكثير من التجار من الاسكندرية، وخليج العقبة Elantic Gulf كما كانت تسمى حينها، كما يشاهد هناك تجار يتحدثو ن باليونانية وهم من جزر سوقطره وضواحى باب المندب اى عدن. كما يذكر انه شاهد كم من المراكب من ميناء "ادوليس" فى جزر سيلون - يآتون بمراكبهم التجارية، حاملين معهم بضائعهم لبيعها فى جزر سيلون، وشراء بعض الصلع من سيلون، كالتوابل والفلفل و من شواطئى ملا بارى فى شمال الهند.
د) اشعار عن المنطقه:
يت شعر تداولها الكتاب فى القرن السادس الميلادى تعزز لقأئات "عدوليس" التجاريه التى صاغها شاعر بابل العظيم "مو العكاشه" من بلدة "طرفا" والذى يشير الى المراكب التجارية القادمه من عدوليس.
ه) قيام ميناء عدوليس:
يذكر التاريخ ان ادوليس بناها البطالسه الاغريق من مصر - كانو ا يفضلونها لمزاولت رياضتهم فى قنص الفيلة - كانوا فى حاجه الى فيله أفريقيه، لينافسوا بها الفيله القادمه من الهند، التى كانا يجلبها منافيسيهم الاقرقيين السليفى حكام بابل وسوريه، وفلسطين وجنوب أسيا الصغيره - كان ملوك جنوب أسيا يحتفظون بغا فى المناطق الدافيئه والغنيه بالنبتات.
و) Marco Pollo:
هذا هو التاريخ القديم لأرض البونط، كما ذكر اعلاه، اما للتاريخ فى العهود التوسطه، فاننا نقرا للتاجر اللايطالى من "فينىسيا" الرحاله "ماركو بولو" فى القرن الثالث عشر، قال: كانت التجاره تذدهر فى "ادوليس". و كانوا يأتوا هناك لشراء "الالموس" و الاملاح الحجريه والعاج.
ز) الاستاذ الفاضل الزعيم الكبير، المناضل الشهيد/ عثمان صالح سبى، كتب عن عدوليس فى (وثائق عن ارتريه)عام 1976م. ما يلى:
عرفت الشواطىء الارتريه فى العصور الوسطه ببلاد الطراز الاسلامى او باقليم باضع (مصوع حاليا) وكانت بها خمسه مماليك للبيجه. كما عرفت هضبتها باقليم مدرى باحرى (اى بلاد الشاطىء) وعرف حاكمها (بحرى نجاش) اى (ملك البحر). وعرفت ميناءها عدوليس فى التاريخ اليونانى والرومانى وهى التى بناها بطلموس الثانى عندما كان حاكم لمصر فى القرن الثالث قبل الميلاد. ولا تزال اطلالها قائمة.
وفى عام 1557 احتل الاتراك مصوع. ثم بسطوا نفوزهم على شاطئى البحر الاحمر الغربى بعد سراع مسلح مع البرتغالين الذين كانوا سبقوهم فى احتلال مصوع فى عام 1520 ميلادى. اثر وصول بعثة دى ليما.وقد دام هذا السلطان الآسمى التركى على الشواطىء لحين عام 1866 عندما احالها سلطان تركيا الى الخديوية المصريه. وانتها الحكم المصرى فى عام 1885م عندما احتلت ايطاليه مصوع بتشجيع من بريطانيا لمعاكسة النفوز الفرنسى فىلبحر الاحمر وفق اتفاقية مصرية - ايطالية شكليا بعد ان بد أ الاحتلال الايطالى بابتياع قطعة ارض فى عصب من السلطان ابراهيم بن احمد فى عام 1869م. وانتهى باعلان اسم مستعمرة ايطالية فى 1-1-1890 اثر التوسع يالغزو واللاتفاقيات مع الحكام المحليين ومع امبرطور اثيوبية والادارة البريطانية التى كانت تحكم السودان لتخطيط الحدود وبعد مقاومات وطنية متفرقة دامت 15 عاما.
ط) كتب المناضل الشهيد الدكتور/ محمد عثمان ابوبكر ما يلى: فى كتابه "تأريخ اريتريا المعاصر - ارضا وشعبا":
ان العنصر المعروف باسم كوشى نسبة الى كوش بن حام بن نوح اول من سكن السواحل الارترية. و انهم اتخذوا سواحل البحر الاحمر التى انتقلوا اليها من جنوب الجزيرة العربية قبل اكثر من عشرة الاف سنة، معبر لهم.
كما يذكر بعض المؤرخين انتقال بعض المجموعات البشرية من اعالى النيل وهى المجموعات التى عرفت بالشعوب النيلية الى وادى بركة، والقاش، وأقامت فى المنطقة الغربية من ارتريا حضارة زراعية.
وتنسب قبيلة " الباريا" "والبازا" الى هذة الاصول القديمة للشعوب النيلية وقد ظلت معظم المجموعات الكوشية فى سواحل ارتريا، ومرتفعاتها تمارس الرعى والصيد، حتى تمازجت بالنازحين الجدد من جنوب الجزيرة العربية، الذين وفدوا من القرن الخامس عشر قبل الميلادى، ونقلوا حضارتهم، واقاموا ممالك مستقلة فى " اكلى قوزاى" و "سراى" واندمجت فيما بعد لتشكل مملكة اكسوم المعروفة. ونقل النازحون من جنوب الجزيرة العربية حضارتهم ودماءهم الى المنطقة.
ومن هنا يتضح ان سكان ارتريا هم ورثة الدماء المختلطة للشعوب الحامية والسامية، ويظهر ذلك جليا فى عادات السكان ولهجاتهم المختلفة.
"فالتجرنية" و "التجرى - اى التجرايت" تنتميان الى اصول سامية، كما تنتمى لهجات "الدناكل" و "الساهو" و "و البلين" و "الحدارب" الى اللغات الكوشية الحامية بينما تعد لهجتان "البارية" و "البازا" تعدان من مجموعات اللغات الافريقية النيلية.
ط) الحبشة والبيجة "الماضى الحضارى - السراع السياسى - الاثر الامنى":
للعالم الاسلامى الارترى المخضرم، البروفسور/ جلال الدين محمد صالح.
قيام اكسوم وتوسعاتها:
قامت مملكة اكسوم عام 60 قبل الميلاد، تزامن قيامها مع سقوط مملكة نبتة (مملكة نوبية) وملكتها (كنداسج) على يد (بيترونيس) الحاكم الرومانى لمصر عام 23 قبل الميلاد. كما تزامن ذلك ايضا مع هزيمة السبئيين على يد الحمريين.
واشهر ملك اعتلى عرش اكسوم بعد تاسيسها هو النجاشى (ذو كاليس) وكان اهم عمل قام به هذا النجاشى فور اعتلائة عرش اكسوم هو الدخول فى حلف مع الاغريق، لتوسيع رقعة مملكتة من اجل ان تشمل الاراضى الواقعة بين كل من خور بركة، ومضيق باب المندب.
الاجاعز الاكسمويون والاجاعز الغير اكسوميون:
هجرات قبيلتى (حبشت) و (أجعز) الى ساحل البحر الاحمر، عن طريق عدوليس وغيره من الموانى، توجهت اكثرها، بكل افرادها مباشرة الى الهضبة الحبشية اكسوم، دون غيرها، أم ثمة افواج منها استقر على ساحل البحر الاحمر، وتنامى هنالك، وتصاهر، وتناسل، وتكاثر.
التحليل المنطقى لهذه الهجرات يستبعد جدا ان تكون جميعها قصدة مرتفعات الحبشة. دون سهولها وتهامها، وبالذات المحيط الجغرافى لبوابة الدخول: الامر الذى يعنى ان افواجا غير قليلة من فخوز قبيلتى حبشت واغعز، اتخذت من محيط بوابت تدفقاتها مستقرا لها ومقاما: لتنشئى مجتمعا اغعزيا، بنى عواصم ومدن اخرى، غير مدينة اكسوم مثال (هجر) و (عيذاب) و (باضع).
وفى مقدمة كتابه هذا يقول العالم الاسلامى البروف/ جلال الدين محمد صالح اذا كانت الحبشة حظيت القدر الكبير من شرف ايواء الصحابة رضوان الله عليهم، فاءن للبجه ايضا الشرف ذاته. اذ كانت موانئهم البحرية اول من لامستها هذه الاقدام الطاهرة وهى فى طريقها الى اكسوم عاصمة النجاشى.
واخيرا: اختم رسالتى هذه بالشكر والامتنان الكبير للعالم الارتر ى الفاضل الاخ البرفسور جلال الدين محمد صالح الذى اهدانا نسخه من هذا الكتاب "الحبشة والبجة" بعد طبعه ونسخه أخره لكتاب أخر كان تحت الطبع، لى وللاخ الحاضر الغائب المناضل الكبير، زعيم الى كيكيا ووارث الباشا صالح احمد كيكيا، الصديق الصدوق الصاد ق حسن احمد كيكيا، رحمة الله علية. الذى اتته المنية قبل ايام من كتابت هذه الرساله الموجة الى ابنائى واحفادى وكل الشباب الارترى الذى فى عمرهم.