للحقيقة والتأريخ وقفات مع كتاب الإتحاد العام لطلبة إرتريا وتجاربه مع قيادة الجبهة

بقلم الأستاذ: محمد نور أحمد  تأليف الأستاذ: أحمد دين إبراهيم الحاج حسين

صدر في عام 2008م كتاب تحت عنوان (الإتحاد العام لطلبة إرتريا وتجاربه مع قيادة جبهة التحرير الإرترية)

للكاتب الأستاذ/ أحمد دين إبراهيم الحاج حسين.

يتناول الكتاب تجربة الحركة الطلابية الإرترية في الخارج وذلك منذ تأسيس رابطة الطلاب الإرتريين في القاهرة في عام 1952م مرورا بالإتحاد العام لطلبة إرتريا، فالإتحاد الموحد وإنتهاءا بالإتحاد المستقل، وعلاقة هذه الكيانات الطلابية بجبهة التحرير الإرترية، والدور السلبي حسب رأى الكاتب لقيادتها في التعويق دون استمرار عملية الوحدة داخل الحركة الطلابية، ثم يتناول ما أعتبره دور قيادة الجبهة في تعويق تنامي الحركة الثورية ووصولها إلى أهدافها في الاستقلال الوطني، مستشهدا برسالة الضابط السوري عبدالحق شحاته، وتقرير نسبه إلى سكرتير حزب العمل الإرتري ـ الحزب السري ذو التوجه الماركسي ـ الذي كان داخل الجبهة متهما كاتبه بإغفال الجانب الخارجي والظروف الدولية التي كانت تواجه الجبهة، واتهام حزب العمل بالتخطيط لحل المسألة الإرترية في إطار إثيوبيا مادام النظام اشتراكي، مستشهدا بحوار أجراه مع المناضل/ إبراهيم محمد علي عضو اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الإرترية ـ المجلس الثوري، وذلك بحضور محمود إبراهيم (جمجام) عضو قيادة الإتحاد العام لطلبة إرتريا، وينسب الكاتب إلى المناضل/ المغفور له الزين ياسين شيخ الدين تأكيده لأحدى الشخصيات التقدمية المصرية ـ دون ذكر اسم هذه الشخصية أو تاريخ اللقاء ـ ما فهم منه على أنه تعضيد ذات التوجه الذي زعم أن إبراهيم محمد علي صرح به، كما ورد ذكر أسمي أيضا في الكتاب في ثلاثة أحداث، هي انقلاب 25 مارس، وانضمام تنظيم جبهة التحرير الإرترية ـ المجلس الثوري إلى قوات التحرير الشعبية وتأسيس حزب الجبهة أو بالأحرى تحويل الجبهة إلى حزب.

رأيت من واجبي كمعاصر وفاعل في الأحداث ما قبل انضمامي إلى الحكومة الإرترية أن أسلط الضوء على بعض ما خفي على الكاتب مستهلا ذلك بمذكرة عبدالحق شحاته إلى المناضل/ عبدالله إدريس محمد شفاه الله وكان مسئولا عن المكتب العسكري لتنظيم الجبهة في الفترة التي كتبت فيها المذكرة وهي عام 1973م وقبل التعليق على مضمون المذكرة أرى ضرورة تعريف القارئ بعبد الحق شحاته وكيفية ارتباطه بالثورة الإرترية.

العقيد عبدالحق شحاته ضابط سوري لجأ إلى مصر في بداية ثورة 23 يوليو المصرية بعد اشتراكه في انقلاب فاشل قام به ضباط سوريين، وعينته المخابرات المصرية ضابط اتصال بين الحكومة المصرية وجبهة التحرير الوطني الجزائرية التي كانت تحظي بدعم مصر المتواصل، ثم أسندت إليه نفس الدور في علاقتها بجبهة التحرير الإرترية التي شهدت القاهرة ميلادها في عام 1960م.

إن عبدالحق شحاته هو صاحب فكرة تقسيم الساحة العسكرية الإرترية إلى مناطق نقلا عن تجربة الولايات الجزائرية وهو ما كان يتناسب مع أتساع الرقعة الجغرافية للجزائر فكان ملائما لها في حين أن ضيق المساحة الجغرافية الإرترية لم يكن يتناسب وهذا التقسيم وكان يمكن إدارة العمليات العسكرية والعمل السياسي من خلال قيادة مركزية داخل الميدان.

يدعي عبدالحق شحاته في رسالته هذه بأنه هو الذي أوصل الثورة الإرترية إلى كل من سوريا والعراق وقد يكون بالنسبة لسوريا بعض الحقيقة، فقد كان بالفعل حلقة الاتصال بين جبهة التحرير الإرترية وقادة الانفصال، إلا أن ذلك كان بتوجيه من المخابرات المصرية التي رأت أن تستغل إحساس قادة الانقلاب بالعزلة للحصار الذي فرضته عليهم الحكومة المصرية بقيادة جمال عبدالناصر، وكانوا يبحثون عن أي فرجة يتنفسون من خلالها، كما كانت مصر تبحث عن طرق لتقوية الثورة الإرترية بعيدا عنها لأنها لم ترد أن يحسب عليها تشجيع انفصال إرتريا خاصة وأن ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية ـ الإتحاد الأفريقي حاليا ـ قد تم توقيعه في العاصمة المصرية القاهرة، وهو الميثاق الذي يقر الحدود الموروثة عن الاستعمار كما يناهض كافة الحركات الانفصالية عن الكيانات التي خلفها الاستعمار الغربي، لأن ذلك حسب رأى منظمة الوحدة الأفريقية سيتسبب في حالة من الفوضى يصعب التحكم فيها، ومصر بالطبع عضو مؤسس في هذه المنظمة، ولكنها كانت في حالة خصومة دائمة مع إثيوبيا بسبب مياه النيل، وموقف إثيوبيا من تأميم قناة السويس عام 1956م، وكذلك موقف حكومة الإمبراطور المساند لإسرائيل في حروبها مع العرب، وهذه هي القضية التي دفعت قادة الانفصال السوريين إلى تقديم الدعم لثورة تناهض الإمبراطور هيلى سلاسي وهو الذي أعطى إسرائيل قواعد بحرية في جزيرتي حالب وفاطمة في مدخل البحر الأحمر الجنوبي مما أتاح لإسرائيل مراكز تجسس على العرب إضافة إلى مزايا اقتصادية.

أما بالنسبة للعراق فإن موقف الحكومة التي كان يقودها عبد الرحمن عارف كان ينسجم مع التيار القومي الناصري المعادي لإسرائيل والمنادي بالوحدة العربية لهذا كان موقف حكومة عبد الرحمن عارف استجابة لطلب مصري.

يتهم عبد الحق شحاته المجلس الأعلى بصفة عامة، والسيد إدريس محمد أدم بصفة خاصة بالجهل والتخلف والعجز عن إدارة الثورة، ويتهم السيد إدريس تحديدا بالفساد المالي وأورد اسم إبراهيم إدريس محمد أدم كشاهد على حياة والده المترفة، وبالتالي إبراهيم أولى بالرد مني على تلك الافتراءات فأنا لا أعرف الكثير عن حياة السيد إدريس محمد أدم بعد عام 1964م لأنني غادرت القاهرة إلى الخرطوم في ذلك العام بعد أن قطعت دراستي في كلية الحقوق جامعة القاهرة متطوعا للعمل الوطني للاستفادة من المناخ الديمقراطي الذي أشاعته ثورة أكتوبر السودانية في ذلك العام، أما ما عرفته عن حياة إدريس محمد أدم خلال تواجدي في القاهرة منذ وصولي إليها في عام 1962م فهو أن إدريس كان يسكن في شقة متواضعة في حي الحلمية، وهو نفس الحي الذي كان يقطنه الزعيم إبراهيم سلطان، ولم ألاحظ أو أي طالب آخر ممن كانوا يترددون على منزل السيد إدريس أي ترف في حياته الأسرية أو أي أثاث فاره في فرش شقته، كما لم نلاحظ الترف المزعوم في حياة بقية أعضاء المجلس الأعلى فقد كانوا يعيشون حياة متواضعة لا تختلف عن حياة بقية الطلاب الذين كانوا يتقاضون مخصصات منح دراسية، ولا أعتقد أن هذا الموضوع يكتسب هذه الأهمية لنشره في كتاب فقد كانت رسالة شخصية تحمل وجهة نظر كاتبها بما فيها من تحامل لأسباب هو يعرفها، ولم يدعم اتهامه بأدلة ملموسة غير قابلة للطعن فيها، أما عن عشرات الآلاف من الدولارات التي صرفت في السفريات فإن القاهرة كما هو معروف كانت مقر السيد إدريس الدائمة وإطار تحركه محدودا وعند الضرورة القصوى وفي نطاق ضيق لا يتجاوز جده أو الرياض أو دمشق أو بغداد أو الخرطوم وهي مسافات متقاربة لا تتجاوز قيمة التذكرة للذهاب والعودة فيها في ذلك الزمن بضع مئات من الدولارات.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو من أين أتي الكاتب بهذه الرسالة الشخصية وهل إستاذن صاحبها في نشرها، هذا سؤال تقتضي المسئولية الأخلاقية من الكاتب الرد عليه.

فيما يختص بعدم كفاءة المجلس الأعلى في قيادة الثورة من الخارج، فأنني لا أختلف مع عبد الحق شحاته في أن ذلك كان خطأ، وكانت نتائجه معروفة، ولكننا إذا تأملنا في مستوى القيادة التي أسست تنظيم جبهة التحرير الإرترية واعتمدت الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير البلاد نجدها باستثناء إدريس محمد ادم مجموعة من الطلاب معظمهم بالثانويات وحتى بعضهم لم يصل لهذا المستوى الأكاديمي، فقط فردين أو ثلاثة في المرحلة الجامعية، ولم تكن لديهم أيه خبرة سياسية ناهيك عن معرفة أصول واستراتيجيات حروب العصابات التي تبنوها والتي قامت عليها الثورة الإرترية، ولم يلتحق بالعمل العسكري من هؤلاء المؤسسين، بل أن جبهة التحرير الإرترية لم تتبنى أي برنامج سياسي مفصل يشمل فترتي التحرير والدولة، ولم يكن لإدريس هو الآخر تجربة سياسية عميقة باستثناء فترة عضويته في حزب التقسيم وهي فترة قصيرة، والفترة الأقصر التي قضاها كعضو ثم رئيس للبرلمان الإرتري ولم تتجاوز تجربته الإدارية أكثر من كاتب محكمة إقليمية، أما دراسته الأكاديمية فلا أعتقد أنها تتجاوز المتوسط في مدينة القضارف السودانية، ولكن يكفي إدريس شرفا أنه تصدى وهو رئيس للبرلمان الإرتري لعملية دمج إرتريا بإثيوبيا في مسرحية تغيير العلم ودفع ثمنا لذلك رئاسته للبرلمان، ثم غادر البلاد متسللا إلى الحدود السودانية، ثم لاجئا سياسيا في مصر، وكان كما سبق ذكره على رأس التنظيم والمجموعة المؤسسة لجبهة التحرير الإرترية، والتي أعلنت الكفاح المسلح. هذه كانت إمكانات الساحة الإرترية وقت إعلان الكفاح المسلح وليس بالإمكان أفضل مما كان.

بالرغم مما ذكرنا عن قدرات السيد إدريس محمد أدم فإنه ما لا شك فيه الفائدة الكبيرة التي نالتها الثورة الإرترية باستثمار اسمه كرئيس سابق للبرلمان الإرتري وشهادته من موقعه ذلك على خرق إثيوبيا والإمبراطور هيلى سلاسي لقرار الإتحاد الفيدرالي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد مكنه ذلك من مقابلة شخصيات رفيعة في الدول العربية لشرح الأوضاع السياسية في إرتريا.

أما العمل العسكري فقادته مجموعة من الأفراد كانوا جنودا في الجيش السوداني (قوات الدفاع السودانية) وقدموا استقالاتهم أو رفضوا تجديد عقودهم، وانضمت أول مجموعة منهم بالقائد حامد إدريس عواتي وحتى هؤلاء كانوا يعملون في جيش نظامي لذلك لم تتجاوز معرفتهم بأسلوب حرب العصابات أكثر من عمليات الكر والفر.

وإذا كان قد حدث تطور في أسلوب حرب العصابات وطبق بمراحله الثلاثة ـ الفر والكر والدفاع الإستراتيجي فالهجوم الإستراتيجي ـ فإن الفضل في ذلك يعود إلى العناصر التي نالت دورات في كل من الصين وكوبا، وقد كانت قوات التحرير الشعبية الأوفر حظا بهؤلاء بعد الانقسام الذي جرى في تنظيم الجبهة ومعظم من انحازوا إلى قوات التحرير الشعبية من مستويات أكاديمية متقدمة لهذا كانوا أكثر استيعابا للدورات التي نالوها وأكثر دقة في تطبيق فن وعلم حرب العصابات.

لهذا لا يجب أن نحمل هؤلاء القادة أكثر مما ينبغي، مع عدم تبرئتهم من التقصير في بعض ما كانوا قادرين عليه ولا نعتقد بان عبد الحق شحاته كان أكثر إخلاصا منهم للثورة الإرترية وكما يقول المثل العامي (النار بتحرق الواطيها).

فيما يتعلق بالجانب المالي فأنا لا أملك معلومات عن نهج التعامل معه في عهد المجلس الأعلى وعن المصادر المالية لهذا المجلس، أما المؤتمر الأول لجبهة التحرير الإرترية في نهاية عام 1970م فقد وضع أسسا تسمح بالشفافية في الإنفاق والتيقن من أوجه الصرف دون استبعاد تجاوزات قد تحدث هنا أو هنالك من بعض الأشخاص لا سيما في قسم المشتريات لكنها تجاوزات في نطاق ضيق، وكانت الجبهة تعتمد في دخلها بصفة رئيسية على قواعدها سواء في الداخل أو الخارج وإعاشة المقاتلين في الميدان.

أذا انتقلنا إلى نسبة التجاوزات المالية في جيش التحرير نجدها محدودة إلى أقصى درجة في البداية وتوخيا لمزيد من التدقيق فإن القيادة بعد المؤتمر الأول قررت سحب كل من يعرف القراءة والكتابة من الوحدات وتوجيه غالبيتهم في المكتب الاقتصادي حتى يكون الدخل والصرف مدونا، مع الجزء الأخر كمفوضين سياسيين في الوحدات العسكرية بالرغم من أن الإتحاد العام لطلبة إرتريا قد قرر من تأسيسه التحاق أي خريج بالميدان، إلا أن نسبة هؤلاء كانت محدودة والكثيرون منهم كانوا يفضلون البحث عن عمل والتفرغ لأمورهم الخاصة ويمكن القول بحزم أن أزمة المتعلمين في الثورة حلت مع التدفق الطلابي في الثورة منذ عام 1973م، وهذا فيما له صلة برسالة عبد الحق شحاته المنشورة في الكتاب مع أنها لا تمت بصلة لعنوان الكتاب. الموضوع الآخر هو التقرير الذي نسبه الكاتب إلى سكرتير حزب العمل أو ما أطلق عليه الكاتب اسم (الإتحاد) مع العمل أنه لم يكن لحزب العمل هذا الاسم ولا ندري من أين أتي به الكاتب.

بالعودة إلى التقرير فإنه أولا ليست له علاقة بموضوع الكتاب حسب اعتراف الكاتب نفسه، أما لماذا حشره حشرا في كتابه فهو أدرى بذلك، مأخذ الكاتب على التقرير أنه أقتصر على الوضع الداخلي ولم يتطرق إلى الظروف الإقليمية التي كانت تحيط بالثورة وبإمعان النظر في التقرير نجده حقا هو لسكرتير حزب العمل، أما موضوعه هو وضع التنظيم الداخلي ولذلك لم يستصحب الجانب الخارجي، وحتما ذلك في تقرير منفصل لم تصل إليه يد الكاتب، أم أراد الكاتب بإيراده فقط الانتقاص من قيمته، ذلك أن البعض درج على تأكيد ذواتهم من خلال الانتقاص من قيمة الآخرين. بالتأكيد هنالك مآخذ على الحزب أهمها سيطرته على مقدرات التنظيم وهي صفة تتفق مع نظرية الحزب الواحد، وهو ما كانت تعاني منه الساحة الإرترية، ونظام اسياس لم يولد من فراغ إنما هو نتاج لتجربة الثورة الإرترية التي تأثرت بصراع القطبين والنظرية الاشتراكية التي لا تعترف إلا بحزب الطليعة يشاركها في ذلك الأنظمة الفاشية وحتى الإسلامية والقومية عربية كانت أو أعجمية والأمثلة عديدة منذ الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى.

وما لا يمكن الدفاع عنه من ممارسات حزب العمل هو عمليات التعذيب التي قامت بها الأجهزة الأمنية للتنظيم ضد المعتقلين السياسيين فهؤلاء أصحاب رأى وصاحب الرأي لا يمكن أن ينتزع منه قناعته مهما استخدمت من وسائل التعذيب والعنف، حتى لو تظاهر بالتنازل عنها، وهذا ما أثبتته التجارب في مختلف أنحاء العالم. السؤال هنا هو إذا كان هذا التقرير لا يمت بصلة إلى موضوع الكتاب باعتراف الكاتب فما الدافع من حشره هو الآخر كما حشرت رسالة عبد الحق شحاته لنترك الرد للكاتب.

خيارات العودة إلى إثيوبيا:

يذكر الكاتب في صفحة (92) من كتابه أنه ومحمود إبراهيم (جمجام) وحامد صالح مصطفي ذهبوا إلى منزل السيد إبراهيم محمد علي عضو اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الإرترية ـ المجلس الثوري، إثر إشاعة في الشارع الإرتري مفادها أن قيادة حزب العمل تدعو إلى العودة إلى إثيوبيا بعد انهيار الجبهة حيث أن النظام الاشتراكي يخدم مصلحة الجماهير الكادحة، وتوجهوا إليه بسؤال عن حقيقة هذا الأمر. رد إبراهيم محمد علي بما يلي (إن هذا الكلام ليس إشاعة، إنما هو حقيقة قلناها ونملك الشجاعة لطرح هذا الموضوع على الجماهير وقد توصلنا إلى هذه القناعة منذ عام 1976م ولم نملك الشجاعة وقتئذ للإفصاح عنها).

أستشهد أحمد دين بمحمود إبراهيم وحامد صالح مصطفى وهما حيان يرزقان وعليهما أن يردا، لكن رأيي هوأن إبراهيم محمد علي لا يمكن أن يقول هذا الكلام وهو في كامل وعيه ولا يعرف عن إبراهيم فقدانه لوعيه حتى كتابة هذه الأسطر، لأن رؤية حزب العمل وقراراته محكومة بقراري المؤتمرين الأول والثاني لجبهة التحرير الإرترية، وبعد انهيار الجبهة تفكك حزب العمل ولم يعد له وجود.

حق تقرير المصير مطلب تكفله كافة مواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي ويتم تطبيقه عن طريق الاستفتاء وهو سلاح ماضي في وجه منظمة الوحدة الأفريقية ـ الإتحاد الأفريقي حاليا، ولولا موقف الوياني بعد تحرير التراب الإرتري لكان مصير إرتريا هو نفس مصير (صومالي لاند) التي لم تحصل حتى الآن على اعتراف أي دولة عضو في الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وإذا كانت الحرب الأهلية استمرت في الجنوب بعد زوال نظام سياد بري فإن الشمال ينعم بالاستقرار، ولم يستطع استثمار ذلك في انتزاع اعتراف دولي، وإذا لم يكن الاعتراف من قبل الكتلة الحاكمة في إثيوبيا لما توقفت الحرب ولو في أدني درجاتها، لقد تمسك بهذا المطلب وفد جبهة التحرير الإرترية إلى موسكو عام 1977م وكان بقيادة أحمد ناصر وكرر هذا المطلب الوفد نفسه في الرد على مقترح الرئيس (بومدين) عام 1978م، وابلغ الوفد الإثيوبي في مفاوضات روما في نفس العام من قبل الوفد الإرتري بقيادة الزين ياسين وعضوية كل من عمر جابر ويوهنس زرماريام، وكان الوفد الإثيوبي بقيادة وزير الداخلية، كما ردت اللجنة المركزية لحزب العمل بالمثل على استقصاء حزب البعث السوري لرأى قيادة الجبهة حول حل المسألة الإرترية فيدراليا في إطار إثيوبيا وكان ذلك بعد زيارة منغستو لدمشق، ويسبق ذلك كله محادثات برلين الشرقية بوساطة الحزب الشيوعي الألماني، وكان رأى قيادة الجبهة هو نفس رأى قيادة قوات التحرير الشعبية وهو أنه لا بديل لحق تقرير المصير.

صحيح كانت هنالك ضغوطات وإغراءات من قبل الإتحاد السوفيتي عن طريق الأحزاب الشيوعية العربية، واليسار القومي وكل ذلك ربما كانت له إفرازات مثل ما قيل في المهرجان الخطابي بمناسبة وفاة السيد وليد جمبلاط أو البيان التحليلي الذي نشر عن قيادة الجبهة في مجلة الجبهة الديمقراطية، يصنف فيها تيار منغستو كتيار تقدمي وتيار أطنافو أباتي كتيار رجعي وكان ذلك البيان سببا في طلب سحبي من مقديشو كممثل للجبهة تعبيرا عن الاحتجاج لأن النظام الإثيوبي حسب وجهة الحكومة الصومالية في ذلك الوقت من عام 1979م يجب أن ينظر إليه كنظام استعماري بغض النظر عن صراعاته الداخلية، وذلك رأى صائب لأنه أذا كانت ثمة أجنحة داخل النظام فإن موقفها من حق تقرير المصير لشعب الإرتري هو الذي يحدد تصنيفها وليس خلافاتها وصراعاتها على السلطة، وقد أثبت قتل أمان عندوم الذي قال بالحل السلمي للصراع الإرتري ـ الإثيوبي أوضح دليل على عدم اختلاف جناح منغستو عن جناح أطنافو أباتي، وكان بودي أن يسأل الكاتب أحمد ناصر الذي كان على رأس معظم وفود المفاوضات التي ذكرناها بدلا من إبراهيم محمد علي الذي لم يشارك في أي منها، ولو أنه كان علي إطلاع بنتائجها، وكان أحمد لأكد له أو نفى ما نسبه إلى إبراهيم محمد علي وقطعا كان سينفي. ذلك فيما يخص موقف الحزب من تصفية الاستقلال الوطني.

هنالك أيضا مسألة انسحابات قوات الجبهة من دنكاليا الي الأراضي السودانية إبان الحرب الأهلية الأخيرة، وقد فسرها الكاتب كنتاج لطابع الشللية والصراعات التي كانت تحكم علاقات قيادة الجبهة، وقال في ذلك (أعتقد أن الباحثين سيكتشفون مستقبلا سر ما حدث داخل الجبهة حيث واكب هجوم الجبهة الشعبية بعض القرارات التي لا يعرف أحد سبب اتخاذها سوى المعنيين أنفسهم، ومنها أبعاد أحمد ناصر رئيس التنظيم، وعبدالله إدريس رئيس المكتب العسكري، وتشكيل قيادة ثلاثية من إبراهيم محمد علي، وإبراهيم توتيل، وملاكي تخلى، والإبراهيمان ليس عسكريان، ولا تعرف عن ملاكي تخلى مواهب عسكرية) وهنا أيضا كان يجب على الكاتب أن يسأل أحمد ناصر أن كان قد تم بالفعل أبعاده بدلا من التخمين، لأن التخمين ليس قاعدة علمية يستند عليها الباحثين، أما ما حدث وعشته شخصيا وكنت وقد حدوثه بالميدان، وقد حدث في الاجتماع الذي عقدته اللجنة التنفيذية في فورتو بعد الاحتفال بالفاتح من سبتمبر عام 1980م وقد تم فيه مناقشة وضع التنظيم العسكري، ورأت اللجنة أنه في حاجة للحصول على معدات عسكرية لتمكين التنظيم من الانتصار في الصراع مع الجبهة الشعبية أو على الأقل الصمود أمامها، وقررت اللجنة التنفيذية تشكيل وفد على مستوى عالي يتكون من رئيس التنظيم ومسئول المكتب العسكري، وشكلت في نفس الوقت قيادة طوارئ من المذكورين أعلاه وقيادة عسكرية متفرعة منها بقيادة ملاكي تخلى ومعه قيادات مقتدرة أمثال سعيد صالح وحامد محمود وتمساح وقرماى قشي، وهذه القيادات هي التي تصدت لهجوم الجبهة الشعبية الذي وصل إلى عمق خلفية الجبهة عندما تجاوز نهر بركا وأطل على هواشايت وأجبرته على التراجع وطاردته حتى وصل جبل سلطان في كركبت ثم تقدمت وقاسمته الجبل، وأثناء ذلك كله كانت قيادة الطوارئ ترسل البرقية تلو الأخرى للعودة إلى الميدان بسبب خطورة الوضع ولم يستجب لها إلا بعد توقيع الهدنة مع الجبهة الشعبية بوساطة سودانية في ديسمبر 1980م، أي بعد مضي أربعة أشهر على بداية هجوم الجبهة الشعبية على وحدات صغيرة كانت متبقية في كسرت في الساحل الشمالي بعد سحب الجزء الأكبر من وحدات جيش التحرير هنالك لاسترداد قاعدة قوحايين في سراي من الجيش الإثيوبي وهو ما تم إنجازه بالفعل.

بعد عودة الوفد دعي المكتب السياسي لحزب العمل اللجنة المركزية للاجتماع لتقييم الوضع العسكري، وقدم توتيل التقرير العسكري الذي وضعه بالاشتراك مع ملاكى تخلى ولم يكن الأخير عضو باللجنة المركزية لهذا لم يشارك في الاجتماع، وقد اتضح من التقرير ما يلي:-

1. أن قوات الجبهة الشعبية تتفوق على قوات الجبهة بسلاح الدبابات.

2. تتفوق أيضا باستخدام الخرائط العسكرية، مقابل استخدام الجبهة للأدلاء لمعرفة الطرق.

3. تتفوق الجبهة الشعبية على قوات الجبهة في اللياقة البدنية بسبب التدريب العالي الذي نالته، وقد ظهر ذلك في الالتفافات الطويلة التي كانت تقوم بها وحدات صغيرة لضرب وحدات الجبهة من حيث لا تتوقع الأخيرة.

4. تتفوق الجبهة الشعبية بعدد الأفراد بحكم تحالفها مع قوات الجبهة الشعبية لتحرير تغراى.

ونتيجة لهذا التقييم اتخذت اللجنة المركزية القرارات التالية:-

1. عودة أعضاء اللجنة التنفيذية كل إلى موقعه، وتسلم عبدالله إدريس مكتبه العسكري و قيادة العمليات بدلا عن ملاكي تخلي على أن يعود الأخير إلى موقعه في قيادة الأمن ومثلهما بقية أعضاء اللجنة التنفيذية.

2. الامتناع عن أي تحرش بقوات الجبهة الشعبية وعدم الاستجابة لاستفزازاتها وذلك لعدم الانجرار في معركة من تدبيرها.

3. استكمال النواقص المذكورة أعلاها في جيش التحرير واحترام الهدنة المبرمة.

وقد تم الاجتماع في مركز التدريب بهواشايت في مارس عام 1981م ولم يمضى على انفضاض الاجتماع سوى أيام إلا وأحمد ناصر وعبدالله إدريس يتخذان قرارا منفردا بشن هجوم على قوات الجبهة الشعبية في مرتفعات الماريا وإنزالها إلى سهول الساحل وكانت معركة (عسرتي) في ملبسو وكان الهدف كما قالا لي شخصيا في مقر المكتب العسكري بفورتو ـ حيث كنت أقيم هنالك كمسئول عن مكتب المنظمات الجماهيرية في المكتب السياسي من أجل الإعداد للمؤتمر الثالث للجبهة ـ لكن الهجوم المضاد الذي قامت به الجبهة الشعبية أدي الي إنزال قوات الجبهة من هضبة حلحل إلى حشيشاى وبعد معارك ضارية خاضها اللواء الذي كان يقوده عبدالله حسن وجزء من لواء غبراى تولدى اللذان تصديا لقوات الجبهة الشعبية والحقا بها خسائر كبيرة فبدأت تتراجع وجمعت من الشعب مجموعة من الحمير لنقل عتادها وجرحاها لكنها في ذات الوقت قامت بمناورة بإرسال وحدة صغيرة تقدمت باتجاه قرعوبل حتي وصلت إلى خور تبع باعلي بركا (بركا لعال) وهنا أسقط في يد قائد المقدمة حامد محمود الذي ظن أنها قوات كبيرة عزلت جيش التحرير عن إمداداته فاتصل بمحمد عافا قائد اللواء الذي أبلى بلاء حسنا في معركة بيت غبر أثناء الهجوم المضاد الذي قامت به الجبهة الشعبية بعد معركة (عسرتي) لصد تقدم قوات الجبهة الشعبية لكن محمد عافا محمد حامد اعتقد بأن اللواء منهك، ولهذا أتصل حامد محمود بعبدالله إدريس الذي كان يعسكر في (سوليب) شمال مدينة أغردات، وبدوره أتصل عبدالله إدريس بأحمد ناصر الذي كان بمعسكر فورتو، وسال الأخير عبدالله عن رأيه باعتباره القائد الميداني فاقترح عبدالله الانسحاب إلى مقراييب لتجميع قوات الجبهة في اتجاه واحد، ووافق أحمد على الاقتراح وصدر قرار الانسحاب مما أدى إلى تزمر القوات التي كانت قد حققت بعض الانتصارات في معركة حشيشاي، وكان ذلك الانسحاب هو الذي قصم ظهر الجبهة، وقد توالت بعده الانسحابات والنتيجة معلومة للجميع.

هذه هي الحقيقة كما عشتها، والمؤهلون بالرد عليها هما عضوي اللجنة التنفيذية عبدالله إدريس شفاه الله واحمد ناصر الذي يتمتع بصحة جيدة نتمنى أن يمد الله في عمره حتى يرى ثمار النضال الذي يخوضه من أجل الديمقراطية وحكم القانون. أما مسئولية اللجنة التنفيذية عموما عن إخفاقاتها في قيادة التنظيم وتحملها مسئولية دخول الجبهة فقد أعلنت في أحد اجتماعاتها على الحدود عندما طلبت منها اللجنة التي كانت تعمل في الخلفية إثناء المعارك وتقوم بترحيل النساء والأطفال والممتلكات في معسكرات التنظيم والتي كنت شخصيا على رأسها وأبلغت بذلك اللجنة والتنفيذية وتهديد اللجنة بالامتناع عن تنفيذ أيه تعليمات من القيادة ما لم تصدر بيانا بتحملها مسؤولية ما حدث للجبهة وقد فعلت كما ذكرت، أما ما جاء في كتاب أحمد دين بأن انهيار الجبهة كان نتاجا لصراع القيادات والشلليات فأنه رأى غير مسنود بأدلة. هنالك سؤال عن الأسباب التي دعت الحكومة السودانية إلى تجريد قوات الجبهة من أسلحتها كان السبب كما ذكره المسئولون السودانيون هو أن وجود قوات مسلحة داخل الأراضي السودانية خارج سيطرتها ويخل بأمنها غير أن هذا كان مجرد تبرير.

لكن من الأخطاء الذي تحسب على حزب العمل وكان على رأس قيادة الجبهة تمسكه منذ المؤتمر الوطني الأول للجبهة في عام 1971م بطرحه التحالف الإستراتيجي مع قوى العسكر الاشتراكي وعلى رأسه الإتحاد السوفيتي، وهذه من الأسباب أصمتت قيادة الجبهة عندما تدخل الإتحاد السوفيتي إلى جانب نظام منغستو ضد الصومال في عام 1978م، في حين أدانت الجبهة الشعبية هذه التدخل ووصفت الإتحاد السوفيتي بالدولة العظمى التي لا تهمها إلا مصالحها حتى لو داست على شعوب مضطهدة تطالب بحقها، وقد ساعد الجبهة الشعبية هذا الموقف خط حزب الشعب ـ الحزب السري داخل الجبهة الشعبية الموالي للخط الماوي ـ كما أن المفاوضات التي حدثت في موسكو وبرلين وروما أثارت شكوك الحكومة السودانية، وحتى شكوك السعودية ومصر عن نوايا الجبهة ولم يكن السودان على علم بها وهو ما دفع اللواء عمر محمد الطيب رئيس جهاز المخابرات السوداني في عهد جعفر النميري أن يقول في لقاء له مع عبدالله إدريس وقد سمع من توتيل عن مفاوضات روما، بأن " بلاده السودان ليس معبرا إنما شريك لهذا يجب أن يعلم ما يحدث في الساحة الإرترية".

هذه الأمور شككت في توجهات الجبهة في تقديري، وأثارت المخاوف من أن الجبهة ربما تصل إلى اتفاق مع الدرق عن طريق السوفيت في منطقة القرن الأفريقي مما يضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وكانت ثمة واقعة قد عززت لدى السلطات السودانية هذا الظن، وهى أن السودان طلب من مصر تقديم دعم عسكري للثورة الإرترية وتمت الموافقة على ذلك الطلب، وطلب من الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الإرترية إرسال وفد مشترك إلى مصر برفقة عقيد في الأمن السوداني، وأبلغت أنا وكنت ممثل الجبهة في السودان قيادة الجبهة في الميدان وكان توتيل هو الذي يقودها لوجود أحمد ناصر في بيروت في ذلك الوقت، وطلب مني توتيل الاتصال بأحمد ناصر وفعلت، لكن قيادة الجبهة ترددت في إرسال الوفد على ذلك المستوى خشية من الدخول في إحراجات مع دول الرفض، أي الرافضة لاتفاقية كامب ديفيد وعلى رأسها سوريا والعراق وهما الدولتان اللتان كانتا تدعما الجبهة، لهذا تم تكليف إدريس عثمان قلايدوس بتمثيل الجبهة في الوفد ولم تقبل الدولة المصرية مقدمه، فاستأثرت الجبهة الشعبية بذلك الدعم العسكري وكان رمضان محمد نور سكرتير الجبهة الشعبية هو الذي قاد وفدها بمرافقة العقيد كمال في الأمن السوداني، وفاتت الفرصة على الجبهة للاستفادة من هذه السانحة.

إن هذه الأمور مجتمعة ربما تكون وراء تألب القوى المعادية للسوفيت وحلفائهم في المنطقة وهم السعودية والسودان ومصر الذين كانوا يحسبون على أمريكا والغرب بشكل عام في صراع القطبين في ذلك الوقت الذي كان يشهد الحرب الباردة، وكان وراء تمسك الجبهة بالتحالف الإستراتيجي مع الإتحاد السوفيتي ينم عن سذاجة حزب العمل الذي كان يعتقد بأنه سيقنع الحزب الشيوعي السوفيتي بمساندة الثورة الإرترية ضد الدرق، باعتبار الثورة الإرترية ثورة تقدمية تقوم على قاعدة عريضة من الجماهير، وذلك ينسجم مع النظرية الاشتراكية بعكس نظام الدرق الذي أتى بانقلاب عسكري فوقي ولا يحظى بأي دعم جماهيري، كما راهنت قيادة الجبهة على الأحزاب الشيوعية العربية وحركة القوميين العرب، وهؤلاء في النهاية لا يملكون قوة التأثير على الإتحاد السوفيتي بل العكس هو الصحيح وهو ما لم تفطن إليه قيادة الحزب.

أورد الكاتب أسمى في ثلاثة مواقع من الكتاب، الأولى ضمن أحداث انقلاب 25مارس الذي أكد أنني كنت ضده وأن لم أقم بمجهود يذكر وكنت وقت وقوعه في القاهرة، وقلت حسب روايته أن سبب الانقلاب هو الصراع بين قبيلتي الساهو والبني عامر. بالنسبة للنقطة الأولى هو أنني فقط لم أقم بتظاهرة في القاهرة ضد الحركة أو أصدر بيان ضدها إذا كان ذلك هو المطلوب من وجهة نظر الكاتب، أما ما قمت به فيعرفه قادة الحركة الذين قرروا إيقاف المخصص الذي كنت أتقاضاه أثناء تواجدي في القاهرة للعلاج ولولا الدعم الذي تلقيته من أقاربي في السعودية لطردت من المنزل الذي كنت استأجره، ولم اشهد بالتأكيد على ذلك السيد أحمد دين، وذكر الكاتب أيضا إنني وصفت الإنقلاب كنتاج الصراع بين قبيلتى الساهو والبني عامر ونحن كأقليات لا شأن لنا بها:

هنا أحب أن أؤكد، أولا بأنه لم يصدر مني مثل هذا القول، وما كان يمكن أن يصدر ويبدو أن أحمد دين لا يعرف تركيبة الجبهة بشكل دقيق فالأخيرة لم تقم على أوزان قبلية في تاريخها، وإنما على تركيبة وطنية من القبائل والإثنيات المختلفة، وربما حدث مثل هذا الصراع في فترة المناطق، ثم البني عامر ليست قبيلة واحدة وإنما هي مجموعة قبائل يجمع بينها الاسم، وينطبق نفس الشيء على قبائل الساهو، وهنالك قبائل أخرى خارج هاتين القبيلتين، كما لم تكن جبهة التحرير الإرترية حكرا على هذين التجمعين لينحصر الصراع بينهما، حيث كان هنالك النصف الآخر وهو المسيحي بأقاليمه الثلاثة وكانت نسبة المسيحيين في الآونة الأخيرة تشكل 60% من جيش التحرير الإرتري ولم يكن من قام بالانقلاب أبناء قبائل البني عامر وربما أفراد منهم مشاركون أما العناصر الأساسية التي قامت به فتنتمي إلى قبائل مختلفة حتى وإن كان على رأسهم عبدالله إدريس، وقد وقف كل المسيحيين من أعضاء الجبهة ضد الانقلاب عدا يوهنس زراماريام، عموما انقلاب مارس ليس له علاقة بصراع قبلي ولكن يمكن إضفاء طابع طائفي عليه، وأنا شخصيا لم أصنف نفسي في يوم من الأيام تصنيفا قبليا لأقارن بين قبيلتين وغيرهما في الحجم، لكن لا يستبعد أن النزعة القبيلة تحتل مكانها في تفكير ومشاعر الكاتب.

المناسبة الثانية التي ورد فيها اسمي هي اندماج التيار العام أو جبهة التحرير الإرترية ـ المجلس الثوري بحكم بقاء غالبية أعضاء المجلس الثوري في ذلك التيار المعارض لكل من حركة 25 مارس وساقم أو "بتن" كما أطلق عليها في حينه، صحيح أنني لم أكن في قرارة نفسي مقتنع بالاندماج في قوات التحرير الشعبية الذي فرضته الظروف التي كانت تمر بها الجبهة،ولكن لم أتخذ إي قرار سلبي إذ كان على أن اقرأ الواقع عن كثب بعد العودة إلى السودان وهو ما عبرت عنه بالرسالة التي ورد ذكرها في الكتاب وإن كنت لا أذكرها ولم أجدها ضمن الوثائق الملحقة في الكتاب، لكن كنت من أوائل الذين طالبوا بفض الارتباط بعد قراءاتي لقرارات قيادة قوات التحرير الشعبية المخالفة لما تم الاتفاق عليه بين قيادة التنظيمين. أما المناسبة الثالثة والأخيرة التي ورد اسمي فيها هو أن الكاتب قدم لي تصورا شفهيا في مرحلة ما بعد التحرير فقلت له أنه يستحق التداول حوله، ولكن لابد من حل التنظيم أولا لأن الجبهة الشعبية لا تقبل غير ذلك !!! وواصل الكاتب قائلا (ورجع إلى السودان وقدم استقالته من القيادة ومن التنظيم ولم ينتظر ما سوف يتخذه التنظيم من موقع مسئوليته في القيادة).

أولا أنني لا أذكر هذه الواقعة، ولم اسمع بأن لأحمد دين تصورا كالذي ورد في الكتاب عن مشروع حزب، إنني أتيت إلى دمشق لتفقد أوضاع أسرتي ثم عدت إلى الخرطوم، وقدمت استقالة مسببة ناقشني فيها إبراهيم محمد علي وغرزقهير تولدي ولم يفلحا في إثنائي عن قراري، أما الأسباب التي دعتني إلى الاستقالة هو أننا كقيادة قررنا تحويل الجبهة إلى حزب وليس حلها وعقد مؤتمر تداولي لهذا الغرض وتم تكوين لجنة تحضيرية لإعداد أوراق المؤتمر التداولي برئاستي وعضوية كل من عمر محمد والشهيد سيوم عقباميكائيل، وتقاسمنا الأوراق بيننا بحيث أقوم أنا بإعداد الورقة السياسية ويعد الزميل عمر محمد الورقة الاقتصادية في حين يعد سيوم الورقة التنظيمية أو العكس فلست متأكدا من ذلك، ولكن على ما اذكر أنهينا عمر وأنا كل ورقته ولم يتمكن سيوم من ذلك فأعددناها بالإشتراك عمر وأنا على أن تقدم هذه الأوراق في اجتماع اللجنة التنفيذية تمهيدا لعرضها في اجتماع المجلس الثوري، ثم سافرت إلى دمشق وبعد عودتي إلى السودان وجدت أن وضع التنظيم قد تغير كلية بسبب ملاحقة أجهزة الأمن السودانية للعناصر القيادية وتسليم أثنين منهم وهما ولدماريام بهلبي وقبركدان غبرزادق (ودقشي) إلى المخابرات الإرترية لترحلهما إلى اسمرا، فقرر بقية أعضاء القيادة ـ اللجنة التنفيذية ـ تأجيل المؤتمر الي أجل غير مسمي ومغادرة السودان إلى أي مكان في الخارج يمكن أن يكون متاحا، وكانت إثيوبيا هي الأقرب من بين الخيارات التي يمكن أن تتاح.

لم أتفق مع هذا القرار ولم أحبذ اللجوء والعمل من الخارج فأنا لم أكن ممن يحبذونه فقدمت استقالتي كما قلت وغطى لي التنظيم منصرفات الطريق برا من كسلا إلى اسمرا، وإنني حتى هذه اللحظة أتمتع باحترام أعضاء المجلس الثوري، كما أنني حافظت على احترامي لزملائي في كل المقابلات التي أجريت معي ولم أذكرهم إلا بكل احترام، وأحترم كل منا خيارات الأخر ولا يزال هذا الإحترام قائم. ملاحظات ختامية حول الكتاب :- هنالك الكثير مما ورد في الكتاب يمكن الرد عليه دون عناء ولكن أكتفي بإبداء الملاحظات التالية حوله وليسمح لي القارئ بذلك فقد أثقلت عليه كثيرا في الصفحات السابقة.

1. عدد صفحات الكتاب المطبوعة هي 169 صفحة حوالي 85 صفحة منها تكرار للوثائق الملحقة والباقي عبارة عن اجتهادات الكاتب.

2. من الملاحظ أيضا أن الكتاب يفتقد إلى المنهجية فهو عبارة عن قفذات من المقدمة إلى النهاية ومنها إلى الوسط دون ربط منهجي بين الأحداث، فالقارئ كان ينتظر حسب عنوان الكتاب رصد للحركة الطلابية منذ نشأتها، ثم متابعتها حتى النهاية، ثم رصد لدور الجبهة في مختلف مراحل الحركة الطلابية في الخارج، لأن الكتاب لم يتطرق إلى النشاط الطلابي في الداخل، وأنا لم أرد على ما جاء في الكتاب عن مشاكل الحركة الطلابية لأن دوري فيها كان محدودا للغاية أن لم يكن معدوما، فالشيء الوحيد الذي يمكن أن أنسبه إلى نفسي ولا ينكره أحد ممن عاصروني في بغداد عندما كنت طالبا بجامعتها، هو أنني أتيت بفكرة أقامة اتحاد يجمع كافة الطلاب الإرتريين في الخارج.

وذلك لأن الطلاب كانوا مؤطرين في فروع الجبهة وكانوا يحملون هذا الاسم، وتعود الفكرة في الأصل إلى فتحي فضل سكرتير إتحاد الطلاب العالمي في ذلك الوقت والذي تعرفت عليه بواسطة الأخ الزين ياسين عندما كان طالبا بجامعة الخرطوم وكان عضوا بالحزب الشيوعي السوداني وبالجبهة الديمقراطية لطلاب جامعة الخرطوم.

التقيت فتحي فضل في القاهرة في عام 1967م عندما جاء إليها لحضور مؤتمر التضامن الأفرواسيوى مع العرب بعد هزيمة 1967م ممثلا للإتحاد المذكور وكنت في طريقي إلى الخرطوم للتفرغ في مكتب الجبهة بالخرطوم أثناء العطلة الصيفية، وذكر فتحي فضل أنه عندما يدافع عن إرتريا في اجتماعات قيادة الإتحاد فإنه يواجه من قبل إتحاد الطلاب الإثيوبي العضو في الإتحاد باتهام السودان بأطماع في الأراضي الإثيوبية، وأضاف أنه لو "كنتم موجودين في الإتحاد لأمكنكم الدفاع عن أنفسكم فلم لا تقيمون إتحادا ثم تتقدموا بطلب العضوية وإنني واثق من أنكم ستحصلون على العضوية بسهولة فأنا اعرف اتحادات عربية وأخرى في أمريكا اللاتينية ستمنحكم أصواتها" فنقلت الفكرة إلى قيادة الفرع الطلابي للجبهة في بغداد وكان به عمر محمد وعمر جابر وأخريين، فتقبلوا الفكرة وقرر أقامة روابط طلابية ـ نقابية ـ سياسية في مختلف المناطق التي يتواجد فيها طلاب إرتريون في الخارج وكتبنا رسالة بذلك أنا ومحمود إسماعيل وكان ممثلا للجبهة في بغداد وهو الذي قام بطبعها وإرسالها إلى الفروع الطلابية للجبهة في الشرق الأوسط وأوربا.

هكذا قام الإتحاد العام لطلبة إرتريا ونال عضوية اتحاد الطلاب العالمي ومن بين قراراته في مؤتمره التأسيسي دخول كافة الخريجين إلى الميدان ولم أتابع تطورات الإتحاد بعد ذلك لأنني دخلت الميدان في عام 1970م، ولا أعتقد أن احمد دين يعرف هذه الخلفية للإتحاد العام لطلبة إرتريا.

Top
X

Right Click

No Right Click