صراع القوى الدولية على منطقة البحر الاحمر والقرن الافريقي عبر العصور وانعكاساته على منطقة الخليج - الحلقة الثانية

تأليف الزعيم الوطني الأستاذ: عثمان صالح سبي

اتجه بنو حمير الى محاكمة المسيحين الذين يقيمون بين ظهرانيهيم - وكان من معاقل المسيحين مدينة نجران - ذونواس عنوة

ونكل باهلها ومثل بجثث القتلى، وفي رواية بلغ عدد القتلى عشرون الفا وفي رواية اخرى الفين - وهذا ما اشارت اليه الاية الكريمة في سورة البروج (قتل أصحاب الاخدود - النارذأت الوقود أن هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود).

وبتوجيه من الامبراطور الروماني جستثنيان الذى كان يعتبر نفسه حاميا لحمى المسيحية توجه ملك الحبشه - أل الصبحه - الى اليمن على رأس عشرين ألف مقاتل للانتقام من ذي نوأس الحميري اليهودي المعتقد - وانتهت المعركة بهزيمة الحميرين وحكم الاحباش اليمن عشرات السنين، ويروي بعض المؤخين أن ابرهه الاشرم من رمم سد مأرب الشهير في اليمن - وحضر احتفال الترميم وفود من الروم والفرس - كما حضر المنذر ملك العيرة والحارث بن جلبة - ويشير الدكتور جواد علي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب - الجزء الثالث) الى الاهمية السياسية لمجئ هذه الوفود ومقاصدها الاستراتيجية في البحر الاحمر فيقول: (لم يكن مجئ هؤلاء المبعوثين الى ابرهه لمجرد التهنية أو المجاملة أو ما شاكل ذلك من كلمات مكتوبه في معجمات السياسة، ولكن امور أخرى أبعد من هذه وأهم، وهي جر ابرهه الى هذا المعسكر أوذاك، وترجيح كفة على أخرى، وخنق التجارة في البحر الاحمر أو توسيعها - ومن وراء ذلك اما نكبة تحل بمؤسسات الروم وتجارتهم - اما ربح وافر يصيبهم بما لا يقدر بثمن - لقد كان العالم أذ ذاك كما هو الان، جبهتين، جبهة غربية، وجبهة شرقية: الروم والفرس - ولكل طبالون ومزمرون من الممالك الصغيرة - وسادات قبائل يطبلون ويزمرون يرضون او يغضبون يثنون أو يعاقبون أرضاء لجهة التى هم فيها وزلفى اليها وتقربا - لقد سخر الروم كل قواهم السياسية للهيمنة على جزيرة العرب - وأبعادها عن الفرس وعن الميالين اليهم على ألاقل - وعمل الفرس من جهتهم على تحطيم كل جهة تميل الى الروم وتؤيد وجهة نظرهم - وعلى منع سفنهم من الدخول الى البحر الهندي والاتجار مع بلاد العرب وافريقيا. وعمل المعسكران بكل جد وحزم على نشر وسائل الدعاية وأكتساب معركة الدعاية والفكر، ومن ذلك التاثير على العقول - فسعى الروم لنشر النصرانية في الجزيرة العربية، فأرسلوا المبشرين وساعدوهم وحرضوا الحبشة على نشرها. وسعى الفرس لنشر المذاهب النصرانية المعارضة لمذهب الروم أيضا - ولم يكن دين الفرس نصرانيا أو يهوديا ، انما هو نقيص اصحاب الديانتين - ولم يكن غرض الروم من بث النصرانية أيضا خلصا لوجه الله وبريئا من كل شائبة) - انتهى.

وأخيرا بلغ ضيق حمير بالاحباش مبلغه ووجد الفرس الفرصه سانحه لغزو أليمن في صراعهم مع الروم من أجل السيطرة على البحر الاحمر وتجارته الرائجة. ولعب سيف ذي يزن دورا هاما في دعوة الفرس الذين جاؤا بثماني سفن، فقابلهم الملك الحبشي مسروق بمائة الف مقاتل وتمكن القائد الفارسي زهزر من قتل مسروق بنشابه وهو على بغلته، فلما سقط أنهزم جيش الحبشة وهرب شريدهم في كل وجه.

واستمر الفرس بعد قتال اليمن في غزو سواحل البحر الاحمر حتى أخضعوا عدلويس وجزر دهلك لسيطرتهم وبنوا فيها الصهاريج التى لا تزال أثارها باقية.

على أن الحكم الفارسي لليمن والتحكم على ممرات البحر الاحمر لم يدم طويلا، أذ لم تمض خمسون عاما ختى اكتسحت الفتوحات العربية بعد ظهور الاسلام في مكة المكرمة منطقة الشرق الاوسط والادنى، واضعة بذلك نهاية الامبراطورية الفارسية ومنتزعة من الرومان ممتلكاتهم في الشرق الاوسط والادنى أمتداد من فلسطين وسوريا ومرورا بمصر حتى شمال افريقيا.

وجاء دور العرب لبسط سلطانهم على البحر الاحمر ومضايقه. وانتهت عدوليس في ما بين 630م الى 640م ألى خراب من جراء غارات قبائل البجة التى دفعتها الفتوحات العربية الى النزوح نحو الجنوب من موطنها في أسوان في مصر. وانتهى دور ها التجاري كحلقة وصل في البحر الاحمر بين تجارة أكسوم وبلاد البونت وساحل أفريقيا الشرقى واليمن والهند وفارس من جهة ومملكة مروي ومصر والشام والروم من جهة أخرى بعد أن ازدهرت لنحو تسعة قرون.

وقد أستمر القرصان في نشاطهم التخريبي منطلقين من خرائب عدوليس وأرخبيل دهلك التى جعلوا منها مأوى لسفنهم، حتى انهم شنوا غارة على جده في عام 84 هجريه 702 ملادية وهددوا بتدمير مكة المكرمة. فما كان من الخلفاء الامويين ألا أن أتخذوا خطوة حاسمة لوضع حد لتلك القرصنة، بأن جردوا حملة بحرية لاتخاذ مركز بحري على الشاطئ الغربي للبحر الاحمر (الشاطئ الارتري). وكان أحتلال العرب المسلمين لهذا المركز الممتاز بدأية لاستيلائهم على بقية المراكز البحرية على الشاطئ الافريقي (السودان والصومال) وعلى الانتشار التاريخي للاسلام في شرق افريقا حتى أطلق المؤرخون العرب أسم (بلاد الطراز الاسلامي) وبلاد (الجبرته) أو بلاد زيلع وبر سعدالدين.

هذا الانتشار الاسلامي في شرق وشمال مملكة الحبشة التى أنكفأت في هضبتها الجبلية نشات عنه الحروب الدينية التى كانت ولا تزال تؤدي الى تدخلات أصحاب المصالح من القوى الكبرى مناصرين هذا الطرف أو ذاك.

ووصلت هذه الحروب الدينية ذروتها بعد الرسالة التى بعثت بها ملكة الحبشة - الى عمانويل ملك البرتقال في عام 1508م تعرض عليه أستعدادها لتجهيز قوات برية كبيرة لتدمير ميناء عيذاب والاستيلاء عليه، ولكنها تقول (أنه ليس لديها أسطول بحري وانها تطلب منه مساعدتها بأسطول ينقل اليها جيوشها ألى بيت المقدس في فلسطين لتشارك في تحريرها من أيدى الكفار وأعادتها الى سلطان الصليب المقدس) ومهما غلفت هذه الدعوي باللبوس الدينية فان أطماع السيطرة على البحر الاحمر ظاهرة في محتويات الرسالة، وهي تعكس نزوع ملوك أثيوبيا نحو التوسع في حوض البحر الاحمر.

وبحلول عام 1520م كان البرتغاليون قد بسطوا سيطرتهم على موانئ البحرالاحمر الواقعة على الشاطئ الغربي وخليج عدن: سواكن، مصوع، زيلع، بربره، عدن المخا، بعد ان فشل أسطول الغوري، سلطان مصر على صدهم في المحيط الهندي والبحر الاجمر. وظهرت في الافق قوة جديدة وهي الدولة العثمانية التركية التي سيطرت على مصر والجزيرة العربية واصطدمت بالبرتغالين في البحر الأحمر بعد أن انزلوا جيشا في زولا بالشاطئ الارتري أنجد ملك الحبشة - لبنا دنقل ثم ابنه قلايدوس - ضد فتوحات أمام احمد بن ابراهيم أمير هرر الذى اكتسح بجيوشه الاسلامية المؤلفة من اهالي هرر والصوماليين والعفر وغيرهم مملكة الحبشة بأسرها وانتهت فتوحاته بموته في احدى المعارك عام 1543م.

وانتهى الوجود البرتغالي في البحر الاحمر بهزيمة أسطولهم قبلة شواطئ مصوع على أيدي الاتراك بقيادة سنان بأشا. ثم عادت المنطقة للهيمنة الإسلامية حتى جاء عصر التسابق الاروبي لاستعمار القارة الافريقية واكتسحت منطقة البحر الاحمر أهمية خاصة بعد فتح قناة السويس في عام 1869م.

حاولت كل الدول الاستعمارية - فرنسا، ايطاليا، بريطانيا، روسيا أن تحصل على محطات بحرية على طريق المواصلات الجديد بين الشرق والغرب، محطات تقوم بتخزين الفحم والمؤن والتموين فيها لسد حاجة سفنها، وتحولت هذه المحطات إلى قواعد هامة، وكانت هذه المحطات هي عدن الانجليزية وابوخ الفرنسية وعصب الايطالية، والتى كانت نواة الاستعمار الاروبي ومراكز في البحر الاحمر. وحلت هذه الدول قبل نهاية القرن التاسع عشر محل الخديوية التي كانت تبسط سيطرتها علي طوال شواطي البحر الاحمر الغربي وخليج عدن بالنيابة عن الدولة العثمانية.

لم تستكن شعوب المنطقة أمام الهجمة الاروبية فكانت ثورة المهدية في السودان التي قام بها تحت شعار رأية الجهاد الاسلامي محمد أحمد المهدي فهزم الانجليزوأحتل الخرطوم بعد مقتل الجنرال غردون في عام 1885م وظلت قوات المهدية تصارع ضد القوات البريطانية والايطالية والحبشية المتحالفة حتى سقوطها في عام 1889م بعد معركة كرري بالقرب من أم درمان ووقوع السودان تحت الاحتلال البريطاني، وكانت المهدية قد هزمت قوات الحبشة وقتلت ملكها يوحنا في عام1889م.

وفي الصومال قاد السيد محمد عبدالله حسن، الذى درس العلوم الاسلامية في مكة المكرمة حركة الجهاد ضد الانجليز والطليان والاحباش مجتمعين وكانت معركة دلما دوبي احدى معاركة المشهورة وقتل فيها القائد البريطاني الجنرال كوفليد.

وحملت عناوين الصحف البريطانية في صفحاتها الاولى (ماساة رهيبة لقواتنا في بلاد الصومال). والقىالسيد محمد عبدالله حسن بهذه المناسبة قصيدة شعرية رائعة باللغة الصومالية - وكان خطيبا وشاعرا حكيما سواء بالصومالية أو بالعربية - بعنوان (أخبرهم في جنهم) يتفاخر فيها كيف قتل الجنرال وهو موليا الادبار، ويشيد يشجاعة الدراويش وهو الاسم الذي كان يطلق على جيشة.

ولاسباب محلية وخارجية لم تنجح حركة السيد محمد عبدالله حسن الذى تكالبت ضده كل قوى الشر ومات عام 1920م في منطقة أيمي بأقليم أوغادين، مسقط رأسه، اثر مرضه بالانفلونزا عن عمر لم يزد عن 56 عاما قضى عشرين عاما منها في الجهاد.

اثر انتصار منليك ملك الحبشة على الطليان في معركة عدوا 1896م توددت اليه القوى الاروبية حماية لمصالحها وتدفقت اليه الاسلحة من بريطانيا وايطاليا وفرنسا وروسيا، ويقول لويس في كتابه (التاريخ الحديث): ان دولة الحبشة المسيحية التى ساهمت عبقرية منليليك في أقامتها قد تحولت الان الى قوة ذات سيادة يجب الاخذ الاعتبار بموقعها وطموحاتها بصورة جديده اذا كان يراد للمصالح الامبريالية الاروبية ان تزدهر) ويشير الكاتب الصومالي على حمد نور طرابلسي في كتابه (النزاع الصومالي - الاثيوبي) الى أن (عبقرية منليليك لم تكن لتوجد لو لم تستند الى العون المادي والمعنوي الذى تدفق عليها من الدول المسيحية الاروبية الامبريالية، ليس لان الحبشة دولة مسيحية ينبغي العطف عليها، وحسب وانما لانها دولة استعمارية يمكن الاعتماد عليها في حماية المصالح الامبرليالية في المنطقة أيضا).

وتلى ذلك المعاهدات التى عقدتها بريطانيا وايطاليا وفرنسا مع الحبشة وبموجبها تم تقاسم بلاد الصومال بين هذه الاقطار الامر الذى أبقى المشكلة جرحا لايندمل يتمثل في حروب طاحنة تشهدها المنطقة حاليا بين شعب الصومال وأثيوبيا.

واستفادت الحبشة كدولة قائمة منذ عهد قديم أحترام الاروبين لاسباب دينية ومصلحية استقلالها واستفادت من حضور المؤتمرات التى نظمتها الدول الاستعمارية الاروبية لتقاسم أفريقيا. فحضرت مؤتمر برلين 1884-1885م ومؤتمر بروكسل 1890م وبذلك صار للحبشة حق الحصول على الاسلحة النارية بالاضافة الى الوارد منها من الهدايه التى تتنافس في تقديمها الدول الاستعمارية على سواحل الصومال وارتريا حتى أصبح للحبشة جيش ضخم يحمل أكثر من مائتي الف قطعة سلاح فيها بعض المدافع.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click