البعثة الإنجليزية إلى ملك الحبشة يوحنا ستة 1887م الحلقة الثانية
ترجمة الأستاذ: عبدالحميد الحسن تأليف الأستاذ: جيرالد هـ بورتال - مبعوث دبلوماسي
مقدمه: سالني أصدقائي أن اكتب قصة مغامرات الوفد الكيزي الذي زار ملك الحبشة، ذلك الوفد
الذي كان لي شرف ترؤسه وبالنظر إلى أنني أنوي أن اكتب روأيه شخصية لامقاله سياسية أرى لزاما علي أن أكتفي بقصة رحتنا إلى معسكر الملك ذهابا وايابا مع وصف شديد الإيجاز للمناطق التي قطعناها والناس الذين صادفناهم.
ما زلنا نذكر أنه في سنة 1883م بعد وصول أنباء ابادة الجيش المصري في ملييس في كردفان الذى كان يقوده الجنرال هكس باشا. قررت الحكومة المصرية بناء على ايحاء من انكترا اخلاء المقاطعات السودانية وتركيز طاقتها كلها على سحب جالياتها المنتشره في كافة تلك الارجاء المترامية لقد كان وضع تلك الحاميات لاشك بائسا لكنها لم تكن مهدده بالخطر المريع الذى كان يتهدد الجنود الذين حوصروا في سنحيت وكرن والقلابات وغيرها من الحصون المنتشره على طول الحدود الحبشية، أولئك الذين وجدوا أنفسهم بين جحافل المهدي المنتصره الى جانب وبين ما لا يقل عنها تعطشا للفتك أي جيوش النجاشي من الجانب الاخر، مكروه من الطرفين وليس لها أقل أمل في الحصول على الامان عند أي منهما.
فبقاءها في مراكزها يجعل فناءها نتجية الحصار والمجاعة والخيانه مجرد مسالة وقت بينما قدما في محاوله لبلوغ مصوع وان يعتبر بيانا الضعف مم لاشك يجعل كافة المناطق المحيطة تنحاز الى المهدي، هذا ما يجعل هربها مستحيلا. لم يكن ثمة الا أمل واحد في أخلاء هذا الجزء من السودان بنجاح، وهو أن يمكن استمالة ملك الحبشة بتأثير النفوذ الانكليوي أو بعرض جائزة مناسبة لكي لايمتنع عن مهاجمة الحاميات المصرية فحسب بل أن يمنحهها الامان في المرور داخل اراضية حينيذ يكون وصولها الى مصوع ليس فقط ممكنا بل شديدالاحتمال ولهذا الغرض سافر الادميرال سير وليام هيويت مع هيئة كبيره من الضباط الانكليز وبرفقة مفوض مصري مطلق الصلاحيات، لمقابلة ملك الحبشة في عدوا وهي المدينة الرئيسية في الحبشة وتقع على بعد 120ميلا تقريبا الى الجنوب الغربي من مصوع وبدون كثير من الصعوبات أقتنع النجاشي بتوقيع معاهدة وعد فيها بالسماح للحاميات المصريه على حدوده بالتراجع سلميا داخل أراضيه وباعضائهم الحمايه حتى جوار مصوع.
مقابل ان تكون المحلات التى يخليها المصريين على الحدود الحبشيه للحبشة، وهي حصون القلابات وعماديت وسنحيت وأقليم البوغوس، ومها كل المخازن والاسلحة والذخائر الحربية المتجمعة في المستودعات، ولم يكن ثمة ذكر في تلك المعاهدة لعاليت وسحاليت وويا وأم كلو التى أصبح أحتلال ايطاليا لها بعذئذ سببا في الكثير من سفك الدماء وأنفاق الدماء والاموال والارواح. ولقد تم تنفيذ بنود الاتفاقية بأخلاص من قبل الطرفين. وصلت الحاميات المصريه بسلام الى مصوع، وتسلم الملك يوحنا مئات الوف من بنادق الرمنجتون وملاين الطلقات من الذخائر، مع المواقع المخلاة. لاضروره لذكر كل الظروف التى ادت الى احتلال مصوع من قبل الجيوش الايطالية بعد قليل من توقيع الاتفاقية يكفي القول أن المصريين كانوا يرغبون في أجلاء المدينه والسلطات التى كان يجب ان تعود اليهم طبعا لم يكن مستعدا لاخذها،والانكليو لم يكونوا يريدونها، فتقدم الطليان واحتلوها وسريعا بدات المنازعات بين الحاكم الايطالي والنجاشي.
بخصوص الضرائب التي فرضت على البضائع الواردة الى الحبشة والصادره منها فتذمر النجاشي بسبب اعتقاده بأن الطليان أخلوا بتنفيذ تحفظات الاتفاقية التي ادعيى انها تمنع فرض آية ضرائب على مثل تلك التجارة واشتد التوتر الذي أحدثته هذه المنازعات واشباهها، وصل الى نقطه خطرة حينما عمد الطليان لكي يحموا طريق القوافل بين مصوع والداخل الذي انتشر عليه الاجرام والنهب بحيث قارب على قطع كل تجاره مما دفع اللطليان الى ارسال فوجين لاحتلال موقع سالحليت وهو موقع أجرد منعزل لكنه ثمين لانه مسيطر على المياه الوحيده التى يمكن العثور عليها خلال رحلة يوم كامل على الطريق. وي ذلك الوقت كان الرأس الولا الرئبس الحبشي الحاكم لمقاطعتة الحدود (حماسين) والذى يقود جيشا مجهزا من تلك المنطقة ومنطقة تجراي ز مشغولا بحمله موجهة ضد الدراويش المجتمين قرب كسلا ولقد تمكن الجنود الحبشيون فعلا من دخول المدينه منتصرين، ولكن يكون من الحكمة اليقاء هناك فاضطروا الاكتفاء يهذا النصر الفارغ المشكوك في جدواه والى العودة ثانية الى الحمايه التي يوفرها لهم موطنهم الجبلي.
واغتباط الرس الولا من خسارته الكبرى للرجال ومن فشله الكامل من على الدراويش في كسلا فانه التفت ليجد اللطيان أخذوا سحاتي لذا قرر الهجوم في كانون الثاني (يناير) 1887م وجه هجوما على المراكز الايطالية لم يكن الهجوم ناجحا لكن شرذمة صغيرة من 450 رجلا كانت في اليوم التالي مرسله من مصوع لتعزيز الحاميه في سحاتي هاجمها 10000حبشي بقيادة الراس الولا ذاته. وبعد مقاومه بطويله يائسه ابيدت القوه على بكرة ابيها حدث الهجوم في مكان ديعى دوكالي ينحصر على طريق سحاتى فيه سهل أجرد أتساعه حوالي ثلاثة أرباع الميل وتشرف عليه من كل جوانب تلال صخريه أنهمر منها وابل من النيران جيدة التصويب على مجموعه اللطليان الصغيرة.
لقد جرى في ذلك اليوم عرض جيد لاسلوب الحبشين المفضل في القتال اذ انهم رغم تفوقهم العددي الساحق لم يتركوا أماكن تمركزهم حتى لم يكد يبقى على قيد الحياة ايطالي واحد، قال أحد الناجين وهو ضابط ايطالي أنه لم ير حبشيا واحد حتى حين لم يبقى من اللطليان ثلاثون رجلا قادرين على أطلاق النار لكن الوابل الشديد من الطلقات كان ينهمر من خلف كل شجره في التلال المجاوره المحيطه بهم واخيرا جاء الاندفاع بما يرافقة عادة عند الاحباش من نهب وتقتيل للجرحى وتمثيل بالجثث وبعد يومين سحبت الحامية من سحاتى الى مصوع بدون ان تلاقي آية معارضة.
يذكر الجميع الصيحات التي تعالت من كل جانب بوجوب الثار بعد أن وصلت أنباء الذبحة الى ايطاليا. لقد بدأت حالا التحضيرات لحملة على مستوى ضخم يمكنها ان تصيب الحبشين بعقوبه مؤثره لا تنسى بدأ تحصين موصوع وضواحيها أم كلو بغرض جعل تلك المواقع منيعة ضد هجوم أية قوه بدون مدفعية واتخذت اجراءات لارسال قوه تتراوح بين عشرين الفا الى ثلاثين الفا من الرجال عن طريق البحر الاحمر لكن الفصل الموسمي المناسب، كان على أية حال يقضي بسرعة وكانت الحرارة والامطار الاستوائية قد بدأتا فتقررعدم البدء ياية اعمال عدائية حتى الشتاء القادم.
ومع انقضاء شهور الصيف وبدات تتضح طبية الموضوع الخطر أمام أنظار ايطاليا شيئا فشيئا فالحرب الثارية لن تعود الا بفائدة ضيئلة لكنها قد تتكلف الملاين من الجنيهات وكثير من الارواح العزيزة ولسوف تتعثر نشاطات ايطاليا في اوروبا بمقدار يتناسب وحجم عملياتها في افريقيا وبالنظر الى واقع الاحوال في اوروبا كان من المستحسن بل ربما قد يصبح في اية لحظة لابد منه أن تكون يدا ايطاليا طليقتان غير مقيدتين. وهنا رؤي وبحق أن لانكلترا من النفوذ لدى النجاشي ما يربو وزنه اية قوة أخرى وكانت حكومة جلالة الملك راغبه في مساعدة أصدقائها الطليان وهكذا تقرر أخيرا أن وفد انكليزيا يجب أن يرسل الى الملك يوحنا لكي يقدم له بعض الشروط التي يمكن بناء عليها لايطاليا أن تقبل الامن الامتناع عن الاعمال الحربية.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة