قراءة في كتاب ”مواطنوا البحر الأحمر“ دراسة أكاديمية عن مصوع وضواحيها
بقلم الأستاذ: إسماعيل إبراهيم المختار المصدر: فرجت نت
د. جوناثان ميران هو أستاذ مساعد في مادة الحضارة الإسلامية في قسم الدراسات الليبرالية بجامعة
واشنطن الغربية. وهو باحث له إهتمام كبير بالتاريخ الإريتري.
وقد أصدر العديد من الأوراق البحثية عن إريتريا، ولا سيما منطقة البحر الأحمر. و كتابه ”مواطنوا البحر الأحمر“، Red Sea Citizens هو من أهم وأبرز إصداراته حول إريتريا.
في هذا الكتاب يكشف المؤلف النقاب عن التاريخ الحافل والباهر لمدينة مصوع العريقة وضواحيها المحيطة بها. كتاب الدكتور ميران يتميز بعمقه، وسعة مناحيه، ودقة بحوثه. مراجع الكتاب متعددة، وواسعة النطاق؛ وهي بلغات متعددة، ومن كيانات متباينة. تشمل مراجع الكتاب وثائق محكمة مصوع الإسلامية المدونة باللغة العربية، والتي تعود لقرون سلفت ولم تنل حتى الآن حظا كافيا من الدراسة والتنقيب؛ وتشمل مراجعه أيضا مخطوطات تاريخية غير منشورة لمفتي إرتريا الراحل إبراهيم المختار، ومقابلات موسعة مع سكان مصوع، وممثلي العائلات التاريخية في مصوع.
قضى الدكتور ميران بعض الوقت في مصوع متقصيا تضاريسها الطبيعية، وهندستها المعمارية، ومعالمها التاريخية، وعاداتها المحلية. كتاب الدكتور ميران لا غنى عنه لكل مهتم بالتاريخ الأريتري بشكل عام، ومنطقة البحر الأحمر ومصوع بشكل خاص.
كتاب سد حاجة ماسة:
هناك ثلاثة عوامل، على وجه الخصوص، تجعل كتاب الدكتور ميران حول مصوع في غاية الأهمية والأولوية.
العامل الأول، أهمية مصوع التاريخية والحضارية. لا شك أن مصوع كانت على مدار القرون أهم مدينة أريترية على الإطلاق. فقد ظلت لقرون مضت بوابة الداخل، ومركزا تجاريا على المستوى العالمي. ونظرا لأهميتها الإستراتيجية استقطبت مصوع وما حولها إنتباه الأمويين، والبرتغاليين، والعثمانيين، والخديدويين المصريين، والإيطاليين. وأصبحت مصوع مهوى أفئدة التجار، والعلماء، والباحثين عن الفرص من كافة الأمكنة والبقاع. وقد لاحظ المراقبون الأوروبيون تميز مصوع، وتطور هيئتها الاجتماعية، فوصفوها بال ”متحضرة“ وبال ”شبيهة بأوروبا“. وبعد إعلان إريتريا كمستعمرة ذات كيان في عام 1890م، بقيت مصوع عاصمة إريتريا حتى عام 1899م. إن مصوع عريقة في تاريخها، عميقة في جذورها، وأي توثيق لتاريخها الحافل، كما فعل الدكتور ميران، هو قيمة مضافة، وجهد محمود الأثر.
العامل الثاني، تاريخ مصوع المأساوي، والخسائر التي تكبدتها على مر العصور. تعرضت مصوع لعدد من أسوأ الكوارث في تاريخها. الزلزال الأرضي القوي الذي أصاب المدينة في عام 1920 دمر العديد من مبانيها ومنشئاتها التاريخية، وترك على وجهها بصمة حزينة. دفعت مدينة مصوع ثمنا باهظا في حرب التحرير الإريترية؛ ففي المحاولة الأولى لتحريرها عام 1977م، والمحاولة الثانية الناجحة لتحريرها (1990م)، تعرضت المدينة لأضرارا فادحة، جراء القصف المدمر من قبل ئظام منغستوا. وعلى خلاف بعض المدن الإريترية الأخرى، فإن نظام منغستو قاتل بشدة من أجل إبقاء مصوع تحت سيطرته، مما أدى إلى الكثير من الدمار والخراب. إن إنقاذ ما تبقى من آثار مصوع، ومخطوطاتها التاريخية، وتاريخها الشفهي أمر ملح للغاية، حتى لا يطوى وينسى على مدار الأيام. وكتاب الدكتور ميران هو خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
العامل الثالث، التغيير الاجتماعي والديمغرافي الذي شهدته مصوع في العقود الماضية. شهدت مصوع وضواحيها تحولات كبيرة في تركيبتها الديموغرافية والإجتماعية. حروب التحرير الإريترية في مصوع، والمجازر الوحشية التي تعرضت لها حرقيقوا في منتصف السبعينيات، أجبرت مواطنيها على الهجرة الجماعية. كانت مصوع وحرقيقوا عامرة لقرون مضت بعائلات لها وجود راسخ ومؤثر. عائلات مثل: عائلة النائب، والشنيتي، والباطوق، والحبونا، والصايغ، والشاويش، والعدولاي، والكيكيا، والبادوري، والباجنيد، والبوشناق، والسردار، والمانتاي، والحيوتي، والأفندي، و أبو علامة وغيرهم الكثير ممن كانوا معلما من معالمها، ووجها من وجوهها لقرون سلفت.
اقتلعت كثير من هذه العائلات من جذورها العميقة في المنطقة، نتيجة للمعارك والمذابح التي تعرضت لها مصوع وضواحيها، حيث نزحت تاركة وراءها فراغا كبيرا، لم ينحصر في الفراغ البشري فقط، بل تعداه إلى الفراغ الإجتماعي، والعرفي، والقيمي، والتاريخي، إضافة إلى إختفاء السمة المميزة للشخصية المصوعية عن المدينة. كتاب الدكتور ميران جاء في وقت مناسب ليكون إسهاما مقدرا في الحفاظ على تاريخ مصوع وتراثها. آمل أن يكون كتابه هذا باعثا للمزيد من الدراسات والبحوث حول تاريخ هذه المدينة العريقة، التي تحولت اليوم، وللأسف، إلى ”مدينة أشباح“.
يتكون كتاب الدكتور ميران من 380 صفحة؛ تحتوي على هوامش ضافية، ورسوم توضيحية، وصورا تاريخية مهمة، ومقدمة، وخاتمة. والكتاب مكون من 5 فصول. يناقش الفصل الأول الحياة السياسية في منطقة البحر الأحمر، مع التركيز بشكل أكبر على دور”النواب“، حكام المنطقة. يقدم الفصل الثاني دراسة مفصلة عن الحياة التجارية لمصوع، ولا سيما علاقاتها التجارية مع المناطق الداخلية والعالم الخارجي. الفصل الثالث يتناول ”التركيب المميز لمجتمعات مصوع“ وكيف شكل النمو التجاري ”مجتمعات السمسرة والتجارة“ فيها. الفصل الرابع، يناقش الحياة الدينية في مصوع، ولا سيما تأثير الإسلام على المدينة. يركز الفصل الخامس على ”ماذا يعني أن تكون مصوعيا“، مع مناقشات حول البنية الاجتماعية للمدينة، وتجلياتها الواقعية.
دور النواب:
كانت أسرة ”النائب“ المتمركزة في حرقيقوا لاعباً رئيسياً في التاريخ السياسي للمنطقة. و أسرة ”النائب“ تنتمي إلى عشيرة ”البلوا“ المنحدرة من قبيلة البجا القوية. استقرت العشيرة في مدينة حرقيقوا منذ قرون مضت. وفي عام 1557م، قام العثمانيون، الذين كانوا يسيطرون على منطقة البحر الأحمر، بتفويض السلطة إلى زعيم عشيرة البلوا، الذي أصبح يعرف بعدها بلقب ال ”النائب“. بعد هذا التفويض أصبح النائب حاكما فعليا للمنطقة، ليصبح على مر الأيام ”أقوى الحكام في منطقة شاسعة تمتد بين ساحل البحر الأحمر وهضبة المرتفعات“. كان النائب مستقلا في حكمه في معظم الأحيان، مع تدخل محدود من العثمانيين. وهذا ما عبر عنه النائب حسن (1840م) حين قال: ”السلطان يحكم في اسطنبول، والباشا في مصر، ونائب حسن في مصوع!“
لعب النواب دورا سياسيا مهما في المنطقة، وامتدت علاقاتهم السياسية مع الداخل مع ”بحر نجاش“ في ”دباربوا“ في منطقة الحماسين، وملوك الحبشة في الهضبة، والقوى الإقليمية الأخرى. كان لدى النواب جيش مكون من ميليشيات مختلطة يرأسها قادة عسكريون مرتبطون بعائلة النائب. ولقد أصبحت هذه المراتب العسكرية وراثية على مر الأزمان في عائلات حملت ألقابا عسكرية، مثل بيت عسكر، بيت شاويش، بيت كيكيا، بيت سردار، بيت أغا وآخرين.
عزز النواب دورهم وتأثيرهم السياسي في المنطقة من خلال التزاوج مع القبائل المحيطة، ورؤوسها البارزة في المنطقة. كما أقامو تحالفات مع العائلات الدينية المؤثرة في المنطقة، مثل عد شيخ، وعد دارقي، وبيت معلم، وبيت الشيخ محمود وغيرهم. وقد إعتمدوا في ميزانيتهم المالية على جباية الضرائب من القوافل التجارية التي كانت تعبر من خلال منطقتهم.
إتخذ النواب مدينة حرقيقوا عاصمة لهم. ويشير المؤلف إلى أن حرقيقوا سبقت النواب في وجودها، ووفقا للأخبار الشفهية المتناقلة، فقد تأسست من قبل قبيلة ”إدا“ السيهاوية، بالتعاون مع بيت شيخ محمود من زولا. عرفت حرقيقوا أيضًا باسم أخر وهو ”دخنوا“ - ومعناه الفيل في لغة الساهو.
حافظت أسرة النائب على نفوذها إلى مابعد العهد العثماني، لكن نفوذها تقلص عندما سيطر المصريون على المنطقة في عام 1813م. وحتى بعد الاحتلال الإيطالي، بقي للأسرة سلطة رمزية في المنطقة.
يقدم الدكتور ميران تقييمًا موضوعيًا لدور النواب، ويرد على بعض الأوصاف السلبية التي عبّر عنها بعض الكتاب الأوروبيين الأوائل. إن طرح الدكتور ميران لتاريخ النواب وتأثيراتهم، ومناوراتهم السياسية، وصراعاتهم الداخلية، وتحالفاتهم المتبدلة مثيرة للاهتمام، وغنية بالتفاصيل.
الحياة التجارية:
كانت التجارة والسمسرة، كما يشير المؤلف، ”سبب وجود“ مصوع، وأساس كينونتها وازدهارها. في أيام ازدهارها التجاري في عام 1870م و 1880م، وصفت مصوع بأنها ”زنجبار البحر الأحمر“. موقع مصوع الاستراتيجي جعلها مركزًا للتبادل التجاري بين المناطق الداخلية والعالم الخارجي. وصلت شبكة العلاقات التجارية لمصوع إلى عمق أرض أوروميا في الجنوب، والهضبة في الحبشة، وكسلا في السودان. وصلت علاقاتها التجارية بالعالم الخارجي إلى بومباي، وكجرات في الهند، بالإضافة إلى إندونيسيا، ومناطق شاسعة في الشرق الأوسط.
أضحت مصوع محطة جذب للوسطاء، والتجار، والعمال من مختلف المناطق في الداخل، ومن جميع أنحاء العالم. وفد الناس إلى مصوع من مناطق تمتد إلى تونس، وألبانيا، وتركيا، ومصر، وكردستان، وبخارى، وكجرات، وبومباي، واليمن، والصومال، والسودان. جاء هؤلاء بلغاتهم المختلفة، وثقافاتهم ودياناتهم المتعددة، فوفرت لهم مصوع الجو المناسب لإجراء الصفقات التجارية، والمبادلات المالية. بعض من جاء من هؤلاء إلى مصوع إستقر فيها، وأصبحا جزءًا من مكونها الإجتماعي المتنوع. وقد انصهر في مصوع دم الداخل الأفريقي بالدم الخارجي، ليكون هوية مصوعية، مميزة، ومنصهرة.
وقد استفاد كثير من أبناء مصوع من مكانتها التجارية، فقاموا بدورالوسيط التجاري بين تجار الأقطار والمناطق المختلفة. وقد وفر هذا الظرف الفرصة لبعض سكان مصوع للإزدهار الإقتصادي، والبروز الاجتماعي. وقد إشتهرت عدة عائلات في المجال التجاري في مصوع، ومنها عائلات الصافي، الغول، وباطوق، وبازهم، والنهاري، وقد جمعت هذه العائلات ثروات طائلة جعلتها من أغنى أغنياء المنطقة. وقد ظلت أبواب مصوع مفتوحة للباحثين عن فرص الإزهار والتفوق، بما فيهم أولئك الذين جاءوا إليها متأخرين نسبيا. والتاجر المعروف عبيد بن أحمد بن عبدالله باحبيشي الذي جاء إلى مصوع في عام 1871م، يعتبر نموذجا لذلك. استقر الباحبيشي في مصوع، وكانت بدايته متواضعة، ولكنه مع مرور الأيام حقق نجاحًا باهرا في أعماله التجارية في مصوع، ثم تزوج بإمرأة من المناطق الداخلية (من مندفرا)، وتوسعت أعمال أسرته التجارية لتصل إلى الهضبة، حتى أصبح اسم العائلة معروفا في كافة أريتريا، بمشاريعها التجارية، وأعمالها الخيرية.
الحياة الدينية:
وصلت دعوة الإسلام إلى مصوع وضواحيها في فجر التاريخ الإسلامي. وينقل الدكتور ميران كلمات لشخصية مصوعية استجوبها: ”لقد قبلنا نحن المصوعيين الإسلام قبل أهل مكة!“. ويبرز الدكتور ميران الدور الهام الذي لعبه الإسلام في تشكيل المدينة، فيشير إلى أن الإسلام أصبح ”ركيزة أساسية تحدد هوية المجتمع“. يعتقد المصوعيون أن المهاجرين الأوائل من أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هبطوا إلى مصوع قبل توجههم إلى الداخل، حيث يقع مقر النجاشي في الحبشة. يرى الدكتور ميران أن هذه الهجرة كانت ذات أثر ”رمزي“، ولم تترك أثرا ملموسا في المنطقة. ويرى الدكتور ميران أن التأثير الحقيقي للإسلام في مصوع والمناطق المحيطة لم يبدأ إلا بعد هبوط الأمويين في دهلك في القرن الثامن. إنتشر الإسلام في وقت لاحق، على يد بعض الشخصيات الدينية المؤثرة، وأسرها التي حملت لواء الدعوة بعدهم. ومن بين هذه الأسر تشتهر أسر بيت الشيخ محمود، عد درقي، عد معلم، عد زبير، عد كبيري. وأكثر هذه الأسر شهرة وأبعدها أثرا كانت عائلتان وهما:عائلة عد شيخ، وعائلة الميرغني، وهما من أتباع الطريقة القادرية والختمية على التوالي. كان تأثير عائلة عد شيخ بعيد المدى، وطويل الأمد. وقد بدأ تأثيرهم يتراجع مع وصول الإيطاليين الذين كانوا أكثر قربا من المراغنة، وأكثر توجسا من عد شيخ بسبب علاقاتهم الودية مع مناؤئيهم من أتباع الحركة المهدية في السودان.
كانت مصوع وضواحيها مليئة بالأضرحة، والمساجد، والجوامع. وكان أبرز ضريحين في المدينة وضواحيها ضريح الشيخ حامد نافعوتاي في إمبيريمي، من عد شيخ، وضريح السيد هاشم الميرغني في حطوملوا. وأهم الجوامع وأقدمها في مصوع هما جامع الحنفي، وجامع الشافعي، ويقدر عمرهما بأكثر من 800 عام. وكانت لدى مصوع محاكم إسلامية منتظمة نسبيا، تتمتع بسلطات قضائية واسعة. ووثائق محكمة مصوع المتبقية هي مورد تاريخي مهم، وقد أشار إليها الدكتور ميران في مواضع كثيرة من كتابه. وكانت لمصوع أوقاف كثيرة تبرع بها أبناؤها وأثرياؤها على مر العصور.
الشخصية المصوعية:
مدينة مصوع تميزت بطرازها المعماري المتميز الذي يشابه طراز مدن البحر الأحمر الأخرى مثل جدة، وسواكن. ويشير الدكتور ميران إلى أنه حتى اليوم، وعلى الرغم من كل عمليات التدمير، يمكن بسهولة مشاهدة النقوش العربية الجميلة على منازل وشوارع مدينة مصوع. وقد شهدت مصوع تغييرات كبيرة في هيئتها المعمارية، في فترة حكم الخديويين المصريين، حيث قام الخديويون بمشاريع إنشائية مهمة، أهمها بناء جسر يربط بين جزيرة مصوع وجزيرة طوالوت، ويربط طوالوت بأرض الداخل وذلك في عام 1870م.
يتحدث الدكتور ميران بتفصيل عن الشخصية المصوعية، مسلطا الضوء على دور العائلات في مصوع، وأثر التزاوج بين هذه العائلات عبر الأجيال، ثم يستطرد في الحديث عن معايير النخبوية في مجتمع مصوع.
ولقد شكلت مصوع لنفسها عبر قرون من التمازج سمة إقتصادية وإجتماعية مميزة، تتسم بالتكامل، والإنصهار. يعبر عن هذا ”إيلاريو كابومازا“، وهو ضابط استعماري إيطالي واسع الإطلاع، حين يصف مصوع وأهلها قائلا: ”بفضل عاداتها السلمية، وعلاقاتها التجارية مع العرب، والهند، ومصر، فضلاً عن اتصالها المستمر والمتواصل بالأوروبيين، فإن سكان مصوع وضواحيها هم، بدون شك، الأكثر تحضراً، وأكثرهم استيعابا للحضارة الغربية من بين جميع سكان المستعمرة“.
الخلاصة:
إن تاريخ مصوع، حافل، ومثير، ومبهج، ولكنه في نفس الوقت أيضا محزن ومبكي. لقد قام الدكتور ميران بعمل رائع في كشف خفايا بعض الجوانب التاريخية والتراثية لمصوع. ومع الأسف فإن مدينة مصوع التي يصفها الكاتب في كتابه في أيام ذروتها هي أبعد ماتكون مما تبقى منها في حاضرها. إن الصورة التي نقلها الكاتب من خلال آخر زيارة له لمصوع، بعد سنوات من نشر كتابه، هي صورة قاتمة، تعكس الحالة المحزنة للمدينة اليوم. يقول الدكتور ميران: ”الرحلة الأخيرة إلى مصوع - بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على زيارتي للمدينة للمرة الأولى - تركت انطباعًا عن مدينة أشباح، مهجورة، لا حياة فيها، على الأقل بالمقارنة مع ما سبق أن شاهدته“.
ولقد زرت بصفتي الشخصية مدينة مصوع في أوائل السبعينيات، قبل الدمار الذي حدث فيها في وقت لاحق. وإنني على يقين، بأن مصوع التي رأيتها في السبعينيات بطرازها المعماري الفريد، وعاداتها الأصيلة، وأسواقها النابضة بالحياة، وأسرها العريقة، غير مصوع البائسة الحزينة التي رآها الدكتور ميران في زيارتية الأولى والثانية. إن البون بين مصوع في أيام عزها وسؤددها وبين حالها اليوم بون شاسع وكبير، وإن التاريخ ليتقطع ألما وحسرة لما أصاب وحل بها من تراجع وضمور. وبلدة حرقيوا المجاورة، والتي ظلت مركز القوة والحكم لقرون، هي بدورها بلدة مهجورة، لا حراك فيها، تشكوا العزلة، وفقدان فلذات أبنائها، وأسرها العريقة.
إن مصوع مدينة صلبة، شهدت الكثير من التقلبات في تاريخها، لكنها لم تترنح لعوادي الأيام. لقد أصيبت بالعديد من النكبات في تاريخها، لكنها سرعان ماكانت تنهض، لتكمل مسيرتها في العطاء الحضاري والإنساني. وإني كلي أمل ورجاء في أن تنفض مصوع عن نفسها آثار الحرب والإهمال، لتتبوأ مركز الصدارة، لتعود كما كانت مدينة التبادل التجاري الحر، ومدينة الفرص، والازدهار، والعطاء!
شكرا للدكتور على هذا الكتاب الرائع، وأظن أن كتابه هذا جدير بالترجمة إلى العربية، كما ترجم إلى العربية قبله كتاب ”مفوضية مصوع“ لمؤلفه الإيطالي أود ريسي.
أنظر إلى هذا الربط لقائمة إصدارات المؤلف: https://chss.wwu.edu/files/Liberal%20Studies/Miran%20Publications%2010-7-15.pdf
ومن هذه المخطوطات: كتاب ”الجامع لأخبار جزيرة باضع“.
ملحوظة: النسخة الإنجليزية لهذا المقال منشورة في موقع عواتى