ملاحظات حول بعض ماورد وما كان ينبغي أن يرد في كتاب المناضل/ إبراهيم محمد علي - مسيرة جبهة التحرير الإرترية بداية ونهاية

بقلم المناضل الأستاذ: محمد نور أحمد - ديبلوماسي سابق وسياسي ارتري مقيم في أستراليا

ورد في كتاب المناضل أبراهيم محمد علي الذي يحمل العنوان أعلاه (ص311) أن "إنقلاب 25 مارس عام 1981 جاء استمرارا

للمحاولة الإنقلابية الفاشلة وإستكمالا لانجازات عدوان الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا وتتويجاً لتنفيذ مخطط دولي ـ أقليمي".

مسيرة جبهة التحرير الإرترية بداية ونهايةالسؤال الذي لم يجب عليه المناضل الكبير ابراهيم محمدعلي أطال الله عمره لمزيد من العطاء هو لماذا أشتركت وياني تقراي في الهجوم ضد جبهة التحرير لأن عدوان الجبهة الشعبية علي جبهة التحرير كان يهدف لإقصاء الجبهة والإنفراد بالساحة فما هي مصلحة وياني في ذلك؟ سوف نؤجل الإجابة علي هذا السؤال مؤقتاً لتسليط الضوء علي مفهوم الإنفراد بالساحة فقد بدأ هذا المفهوم دون الإعلان عنه مع تكوين حركة تحرير أرتريا وتحقيق إنتشار لها وسط الجماهير الأرترية في الداخل والخارج وبعد سنتين من ميلاد الحركة تم تأسيس جبهة التحرير الأرترية التي اعلنت الكفاح المسلح وحاولت قيادتها اللقاء بقيادة الحركة لتوحيد التنظيمين وتبني استراتيجية الكفاح المسلح بدلا من الإنقلاب الثوري الذي كانت تتبناه الحركة وأثبت فشله، لكن الحركة رفضت اللقاء وطلبت من الجميع الإنضمام اليها ولم تستجب قيادة الجبهة وشقت طريقها بشكل مستقل وأثبتت وجودها علي الأراضي الأرترية وأستقطبت معظم قواعد الحركة في داخل أرتريا وخارجها وسارت جبهة التحرير علي نفس النهج عندما تهربت قيادتها (المجلس الأعلي) ممثلاً في إدريس عثمان قلايدوس وعثمان صالح سبي فقد تهرب الإثنين من حضور الإجتماع المشترك بين قيادتي الجبهة والحركة الذي دعت له هيئة الدفاع عن الشعب الأرتري ـ السودانية التي تشكلت مباشرة بعد ثورة أكتوبر 1964 وكان علي رأسها المحامي الشهير مرغني النصري متعللين بأن الحركة لا تخوض كفاحاً مسلحاً وأن عليها ان أرادت الوحدة مع الجبهة أن تنضم اليها دون قيد أو شرط فكانت النتيجة إستجابة الحركة لما أعتبرته تحدياً فسلحت مجموعة من أعضائها من الشباب وأدخلتهم الي أرتريا لتأكيد وجودها العسكري وبما يتناقض مع استراتيجية الإنقلاب الثوري ويقال أنها حصلت علي الأسلحة من الحزب الشيوعي السوداني حليف الحركة منذ ولادتها وقد كان الحزب الشيوعي أيضا عضوا بهيئة الدفاع عن الشعب الارتري وكان مسانداً للثورة الأرترية حتي عام 1980 وتلك قضية أخري ليس لها مجال في هذه الورقة. لم يمض وقت طويل علي دخول مجموعة الحركة المسلحة بأسلحة روسية خفيفة حيث أصدرت قيادة الجبهة تعليماتها الي الوحدات العسكرية بمنطقة الساحل الشمالي لتصفية مجموعة الحركة وقد تم ذلك فعلاً في مكان يعرف ب "عيلا طعدا" ثم بررت قيادة الجبهة ذلك بأن الساحة لا تتحمل أكثر من فصيل واحد. من هنا أنطلق مفهوم الساحة لا تتحمل أكثر من فصيل عسكري واحد إقتداءً بتجربة جبهة التحرير الوطني الجزائرية في تصفيتها لحركة تحرير الجزائر لنفس السبب، وكانت تجربة جبهة الوطن الجزائرية تمثل نموذجاً ومثلاً لقيادة الجبهة وكذلك نظام الحزب الواحد الذي ساد ماعرف وقتئذ بمعسكر القوي المعادية للإمبريالية والاستعمار وكان يناصر حركات التحرر ضد الاستعمار التقليدي.

إن مفهوم الساحة لا تتحمل فصيل عسكري واحد هو الذي ساد في الساحة الأرترية بعد ذلك وأدي الي سلسلة من الحروب الأهلية العبثية أودت بحياة كثير من الشباب بلا مبرر حقيقي وكانت النتيجة هزيمة جبهة التحرير وخروجها من الساحة الأرترية وتمزقها ولم تلعب بعد ذلك أي دور في حرب التحرير علي الصعيد العسكري خلال السنوات التسع التي سبقت التحرير.

إن هجوم قوات الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا علي وحدات الجبهة نتيجة وليس سببا فقد بدأته جبهة التحرير وواصلته الجبهة الشعبية لأن مستوي التفكير لدي القيادات الأرترية لم يرتق الي مستوي التسامح مع الرأي المخالف والبحث عما هو مشترك فقد كان التفكير السائد هو إما معي أو ضدي وقد اضر هذا بالأجيال الشابة، لأنها لم ترث ثقافة لبرالية فما وجدته وما سارت عليه كان إما أبيض أو أسود أما أكسب أو أخسر وليس ما يعرف بكسب الطرفين ولقد خيم هذا التفكير علي التحالف لفترة لكن التحالف الآن يشهد تطورا ملحوظاً في مسألة التسامح مع الطرف الآخر وهو ما أوصله الي مرحلة المؤتمر العام الذي تعلق عليه الجماهير ألأرترية آمالاً كباراً لتوحيد كافة القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني وبقية تكوينات المجتمع الأرتري في اطار جامع شامل.

أما لماذا شاركت الجبهة الشعبية لتحرير تقراي (وياني تقراي) مع الجبهة الشعبية في قتالها ضد جبهة التحرير فذلك يعود الي سلسلة من الأخطاء أرتكبتها قيادة الجبهة في حق وياني تقراي، بدأ بالإعتراف بجبهة تحرير تقراي وحدها وكانت خصماً ومنافساً للوياني علي الساحة التقراوية وكان ينبغي الإعتراف بالإثنين والحيدة بينهما وقد تمت تصفية الأولي علي يد الثانية.

كان الخطأ الثاني عند إستقبال قيادة الجبهة للحزب الثوري لشعوب إثيوبيا الذي جاء هارباً من وياني تقراي لأن الحزب الثوري لم يكن يؤمن بإستقلال أقليم تقراي الذي كانت تتبناه الوياني أنئذ فإستراتيجية الحزب كانت تنبني علي إقامة نظام فدرالي علي أساس القوميات وأن تقراي جزء من الكيان الإثيوبي فلا يجوز لها الإنفصال ينطبق هذا علي أرتريا لهذا لم يعترف أيضا بحق تقرير المصير للشعب الأرتري، لقد جردته قيادة الجبهة من أسلحته علي أن يستردها في أي وقت يغادر فيه الساحة الأرترية.

أعتبرت الوياني إستضافة قيادة الجبهة للحزب الثوري عملا معادياً وهو أمر طبيعي مما يدفعها أكثر لوضع يدها في يد الجبهة الشعبية وجاء الخطأ الثالث عندما اعادت قيادة الجبهة تسليح الحزب الثوري وساندته للدخول الي منطقة "بجمدر" الإثيوبية عبر سلسلة من المعارك ضد قوات الوياني في منطقة "والقايت" وعاصمتها "الحمرا" وهي الآن جزء من أقليم تقراي بينما كانت تتبع قبل سقوط نظام منغستو لأقليم "بجمدر" الأمهري وكان لواء الجبهة الذ قام بدعم تقدم الحزب الي "بجمدر" بقيادة تسفاي تخلي ونيابة محمود منجوس.

ثمة سؤال يفرض نفسه وهو هل كانت مهمة ذلك اللواء هي إيصال الحزب الثوري الي مواقع آمنة داخل إثيوبيا أم كانت مجرد تغطية لمهمة أخري؟ سنرجئ الإجابة علي هذا السؤال حتي ننتهي من إحصاء أخطاء الجبهة في التعامل مع الوياني.

كان الخطأ الثالث وكان خطأ كبيراً لم يتوقف عند دفع الوياني للإنحياز بشكل نهائي الي جانب الجبهة الشعبية فحسب بل دفعها للمشاركة في المعركة التي أنتهت بخروج الجبهة كليةً من الأراضي الأرترية وبالتالي من ساحة المعركة من أجل التحرير.

كما يتذكر الذين عاصروا نهاية السبعينات أن الولايات المتحدة الأمريكية أولت إهتماماً كبيراً بإثيوبيا خاصة بعد وصول منغستو الي السلطة وإعلان سياسته الهادفة الي تحقيق الإشتراكية في اثيوبيا وانتمائه الي معسكر ماكان يدعي وقتها بمعسكر القوي المعادية للإمبريالية والإستعمار، مايهدد مصالح تحالف الغرب في منطقة القرن الفريقي الاستراتيجية فكان لا بد من دعم مناوئي نظام منغستو لهذا عندما جاء بوش الأب وكان وقتها نائباً للرئيس ريغان الي السودان ذهب الي ودشريفي حيث قابل بعض قياديي وياني وقدم لهم بعض المساعدات من بينها سيارات كانت سبقته الي السودان وكان من بين هذه السيارات شاحنات كبيرة حسب ما شاع في ذلك الوقت ويبدو أنه طلب من حكومة حليفة في ذلك الوقت الرئيس جعفر نميري تزويد الوياني بإمدادات عسكرية ولما كانت أقرب الطرق لوصول تلك المساعدات هي منطقة القاش ـ سيتيت التي كانت تحت إدارة الجبهة أتصل بي العميد عثمان السيد وهو حي يرزق، وطلب مني الحضور الي مكتبه فذهبت اليه بمعية المناضل الكبير الزين يسين شيخ الدين بإعتباره عضوا بالمجلس الثوري، فبادرنا العميد عثمان السيد وكان نائباً للواء عمر الطيب رئيس جهاز الأمن بقوله " أن تنظيم الوياني يتعرض لهجوم مكثف من قبل جيش الدرق في منطقة تجراي وأن جهاز الأمن السوداني قرر تقديم امدادات عسكرية فورية له ونرجو من قيادة الجبهة تسهيل وصولها الي منطقة جنوب تقراي حيث مواقع الوياني المجاورة لمنطقة القاش ـ سيتيت في غرب وجنوب غرب ارتريا، فأتصلنا بعد عودتنا الي مكتب الجبهة في الحال عبر جهاز اللاسلكي بالمناضل أبراهيم توتيل وكان الرجل الثاني في قيادة الجبهة فأبدي موافقته علي أن يأتي وفد يمثل الوياني الي مركز القيادة بمنطقة لوكاييب للإتفاق معه حول الترتيبات الأمنية اللازمة لوصول تلك الإمدادات الي مقار الوياني إلا أن قيادة الوياني أبدت تحفظها بسبب الخلاف بين التنظيمين حول منطقة بادمي وما أثاره من مصادمات عسكرية بين وحدات التنظيمين في منطقة جنوب القاش، وأقترحت أن يتم اللقاء في "كسلا" بإعتبارها ارضاً محايدة فلم تمانع قيادة الجبهة وبعثت بوفدها الي هناك برئاسة تسفاماريام ولدماريام عضو اللجنة التنفيذية ورئيس مكتب الإعلام آنذاك، وعكس التوقعات باء الإجتماع بالفشل وكانت تلك فرصة ذهبية هبطت علي الجبهة الشعبية من السماء فتلقفتها في الحال وأبدت إستعدادها لنقل تلك الامدادات عن طريق الساحل الشمالي حيث تسيطر ومنه الي سمهر فأكلي غوزاي وصولا الي جنوب تقراي وهو طريق طويل ومحفوف بالمخاطر ولست أدري ان كان استغرق أسبوعاً أو أكثر وأما عن طريق القاش ـ سيتيت ماكان سيستغرق اكثر من 24 ساعة فضلاً عن سلامته.

مما لاشك أن مصلحة الوياني أقتضت إزاحة الجبهة عن منطقة القاش ـ سيتيت وهي طريق إمداداتها والاتصال بالعالم الخارجي الأقرب، بالتالي تقع علي قيادة الجبهة مسئولية دفع الوياني لتكون شريكاً للجبهة الشعبية في معركتها الأخيرة ضد جبهة التحرير الأرترية.

تلك كانت أخطاء قيادة الجبهة تجاه وياني تجراي وكنا نتوقع من المناضل الكبير أبراهيم محمدعلي أن يتعامل بموضوعية مع هذه المسألة ويعطي كل ذي حق حقه.

نأتي بعد هذا الي ماذكر عن المخطط الأقليمي والدولي في تصفية الجبهة فهما مترابطان إذا ما كانت مصلحتهما مشتركة وانا أتفق مع ماجاء في كتاب المناضل ابراهيم محمدعلي لكن هذا يدل أيضا علي قصر نظر قيادة الجبهة لعدم قراءتها قراءة صحيحة لمحيطها وسياسة الغرب في تلك الفترة في ظل الصراع بين المعسكرين وأن شعاراتها اليسارية وتأكيد تحالفها الإستراتيجي مع الإتحاد السوفيتي وحلفائه وتحديد قوي الثورة بالعمال والفلاحين وبرجوازية المدن الصغيرة ومعاداة الإمبريالية العالمية وإرسال وفد مكون من رئيس التنظيم ومسئول العلاقات الخارجية الي الإتحاد السوفيتي رغم إعلان الأخير تأييده لنظام منغستو وإسهامه في قمع جبهة تحرير الصومال الغربي المدعومة من قبل نظام زياد بري وهو ما أدانته الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا في حين اصدرت قيادة الجبهة من بيروت في ذات الوقت بيان عن الصراع بين منغستو ونائبه أطنافو اباتي وصفت فيه الأول بالتقدمي وأضفت صفة الرجعية علي الثاني وسكتت عن دور الإتحاد السوفيتي وحلفائه اليمنيين الجنوبيين والكوبيين وحتي الألمان الشرقيين في دحر القوات الصومالية ووحدات جبهة تحرير الصومال، أضف الي ذلك اللقاء الذي أجراه في روما وفد الجبهة مع الوفد الإثيوبي برئاسة وزير الداخلية في نظام منغستو للبحث عن حل للصراع الأرتري ـ الأثيوبي وكان رأي الوفد الاثيوبي هو نفس رأي السوفيت ـ حل المسألة الأرترية في اطار إثيوبيا الاشتراكية الموحدة، كان ذلك كله يتم علي مرءي ومسمع من القوي المحافظة في محيط أرتريا وخارجه ما يعزز وجود الاتحاد السوفيتي في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر وهي منطقة حيوية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، لهذا لا يمكن أن نتوقع منهم أن يظلوا ساكتين علي سياسة الجبهة. ويمكن أن نفسر تجربة تجريد جيش التحرير من اسلحته بمجرد ولوجه الأراضي السودانية من قبل القوات السودانية تجسيدا للمخطط الأقليمي والدولي معاً ثم إنقلاب 25 مارس لا يمكن أن يكون بعيداً عن ذلك المخطط.

إن قيادة الجبهة بالتأكيد تتحمل مسئولية ماآلت اليه الجبهة بعدم قراءتها بتمعن السياسة الدولية والأقليمية بما ينسجم والخط العام للثورة الأرترية وهو تحرير البلاد من الإستعمار وإعلان إستقلالها، قد يجادل البعض بالقول بأن النهج اليساري لم يكن قاصراً علي الجبهة فإذا كان هناك حزب العمل السري كعقل مفكر للجبهة كان هناك حزب الشعب داخل الجبهة الشعبية إلا أن الفرق بين الإثنين أن الاول كان موال للنهج السوفيتي والسوفيت لم يقدموا أي دعم للثورة الأرترية بإستثناء بعض المنح الدراسية في دول الكتلة الاشتراكية الأخري بينما كانت الصين تدعم الثورة بأسلحة وذخائر والتدريب العسكري لبعض كادرات الجبهة ولم تكن الصين في ذلك الوقت تشكل أي تهديد لمصالح الغرب في المنطقة ولم يؤخذ علي الجبهة الشعبية وجود حزب يساري داخلها.

هناك واقعة أرتبطت بدعم مجموعة الـ EPRP للوصول الي منطقة "بجمدر" الأثيوبية وهي دخول أول دفعة من "الفلاشا" من نفس المنطقة الي القضارف بتغطية خلفيتهم من قبل نفس اللواء الذي حمي الـ EPRP من الوياني وقد ورد إسما المناضلين عبدالله إدريس وأبراهيم إدريس توتيل في محاكمة اللواء عمر محمد الطيب رئيس جهاز أمن الدولة في عهد الرئيس السوداني الراحل جعفر محمد نميري لدور جهازه في استقبال مجموعة الفلاشا في الأراضي السودانية والسماح لطائرات إسرائيلية أو مؤجرة من قبل إسرائيل لنقل تلك المجموعة الي إسرائيل. وقد نشرذلك في الصحف السودانية كما نشرته صحيفة حزب التجمع الديمقراطي المصري (حزب خالد محي الدين) ذو الإتجاه اليساري.

والسؤال هو لماذا قام ذلك اللواء الأرتري كلا أو جزءً بحماية خلفية الفلاشا للدخول الي منطقة القضارف السودانية؟ ماذا كانت مصلحة الجبهة في ذلك؟

المناضل أبراهيم محمدعلي لم يشر الي هذه الواقعة من قريب أو بعيد مع أنه يعرف جيداً أن مقدمة هذه الواقعة طرحت في إجتماع اللجنة التنفيذية بالخرطوم من قبل المناضل/ تمسقن فسهازيون مدير مكتب المناضل/ أحمد محمد ناصر رئيس الجبهة في ذلك الوقت، فقد كلفت قيادة الجبهة المذكور بالذهاب الي ايطاليا والبحث عن جهات تقوم بتزويد كمية من جوازات سفر إثيوبية لتسهيل حركة كادر الجبهة في العالم الخارجي وبيعه بقيمة تكلفته للأعداد الكبيرة من النازحين الأرتريين لتسهيل دخولهم الي أروبا والولايات المتحدة الأمريكية ولم تكن سفارات دول هاتين القارتين آنذاك تدقق من شرعية الجواز الإثيوبي لأن ماكان يهمها هو تسهيل دخول المواطن الأرتري الي أراضيها بحكم موقفها المناوئ لنظام منغستو هيلي ماريام من جهة وحوجتها الي أيد عاملة رخيصة من جهة ثانية، وقد صارحني بذلك السفير الإيطالي بالخرطوم في عام 1979/ 1980 عندما كنت ممثلا لتنظيم الجبهة هناك حين طلبت منه تأشيرة دخول الي إيطاليا لثلاثة من حاملي تلك الجوازات بأنه يعرف أنها مزورة لكن المهم أنها تفي بالغرض وهو دخول حامليها الي إيطاليا.

كانت قيادة الجبهة قد زودت المناضل/ تمسقن بمبلغ عشرين ألف دولار لذلك الغرض لكن حسب روايته أمام الإجتماع بأن الجهات التي تقوم بعملية التزوير للعدد المطلوب من الجوازات أبلغته بأن المبلغ لا يفي بتغطية تكلفة ذلك العدد في ذات الوقت أتصلت به جهات معينة وأبلغته بأن ثمة مشروع لترحيل عدد من أفراد الفلاشا الي القضارف وذلك يتطلب حماية حركتهم من تعرض الأمن الإثيوبي اليهم والحيلولة دون وصولهم الي الأراضي السودانية وهي أي تلك الجهات ستدفع مبلغاً مجزياً لمن يقوم بتلك المهمة، لكن المناضل الشهيد/ ملاكي تخلي تصدي له بأن ليس للجبهة مصلحة في هذا المشروع بل سيفقدها حلفاءها العرب اذا تسرب الخبر عن دور الجبهة فيه ولم يتجرأ أحد من أعضاء اللجنة التنفيذية علي تأييده أي المشروع، وبعد إنفضاض الإجتماع أختلي أبراهيم توتيل بتمسقن وطلب منه عرض الموضوع علي عبدالله ادريس رئيس المكتب العسكري فهو بمقدوره اذا أقتنع به أن ينفذه وهو ما حدث بالفعل، هكذا كان قرارا إيصال ال EPRP الي بجمدر مجرد تغطية لتنفيذ الخطة ألأصلية وهي كما تقدم ذكرها مساعدة أفراد الفلاشا لدخول الأراضي السودانية. أما عن المبلغ الذي تقاضاه تمسقن نظير هذا الدور للجبهة، فأنا لست علي علم أن كانت قيادة الجبهة كلاً أو جزءً تدري به كما أسلفت، ويذكر من عاصر هذه الفترة أن اسمي أبراهيم توتيل وعبدالله ادريس ورد أثناء محاكمة عمر الطيب ونشرته الصحافة التي كانت تتابع المحاكمة.

هناك أيضا قضية اختطاف قيادة 25 مارس لمحمود منجوس من مدينة كسلا واعدامه سراً وثمة أقاويل بأن محمود منجوس هدد بكشف دور القوة العسكرية التي كانت ضمن قيادتها في حراسة خلفية الفلاشا وقد أبدا عبدالله سليمان احتجاجه علي ما لحق بمحمود منجوس لكنه تم إلزامه السكوت وفرض عليه مغادرة السودان وسهل له ذلك للوصول الي القاهرة وما زال ساكتاً وهو حي يرزق ويعيش في ولاية كالفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية أما عن السلاح الذي أستخدم ضده لأطباق فمه فلست بصدد ترديد القيل والقال بهذا الصدد.

فيما يتعلق بإنهيار الجبهة ودخولها الأراضي السودانية وما تلاه من تفتت فأني اتفق من حيث المبدأ مع ماورد في مقال الأخ عمر جابر الأخير الذي نشر في موقع "عدوليس" وغيره من المواقع الأرترية بأن قيادة الجبهة تتحمل بصفة عامة مسئولية ذلك الإنهيار لكن ما غاب عن الأخ عمر جابر ان قيادة الجبهة كانت تتشكل من مجلسين هما المجلس الثوري واللجنة التنفيذية وكانت الأخيرة تتكون من مكاتب تنفذ مهام خاصة في مجالاتها ويحسب لها أو عليها النجاح والفشل كل في مجالها ولا تحمل وازرة وزر اخري. ولما جاء الانهيار في الجبهة في عمودها الفقري المكتب العسكري فمن البديهي أن يتحمل هذه المسئولية من كان علي رأس هذا المكتب ومعه من كان علي رأس التنظيم وهما بالتدرج المناضلين عبدالله ادريس واحمد محمد ناصر، وصحيح ماورد في كتاب أبراهيم محمدعلي بأن عبدالله ادريس غاب عن مكتبه ستة أشهر ابتداء من منتصف سبتمبر عام 1980 وحتي منتصف مارس 1981 حين تسلم مهام مكتبه وكانت القيادة العسكرية التي شكلتها اللجنة التنفيذية برئاسة المناضل ملاكي تخلي وعضوية كل من المناضل حامد محمود نائباً لملاكي وعضوية الشهيدين سعيد صالح ومحمد حامد تمساح والمناضلين قرماي قشي وحسين خليفة والأخير كان في الجناح الغربي من خط الجبهة وقد أجبرت قوات الجبهة قوات الجبهة الشعبية ليس الي وقف تقدمها وحسب بل وتراجعها عن المواقع التي وصلتها وقاسمتها جبل سلطان الاستراتيجي في "كركبت" مما أجبرها علي قبول الهدنة بالوساطة السودانية في شهر ديسمبر 1980 وبعد عودة المناضل عبدالله ادريس تسلم مهام مكتبه العسكري كما عاد بقية أعضاء اللجنة التنفيذية الذين كانوا قد توزعوا مؤقتاً في لجنتين لمواجهة هجوم الجبهة الشعبية احداهما في جبهة بركا بقيادة توتيل والثانية في جبهة دنكاليا والمرتفعات بقيادة تسفاي دقيقة ولم يمض علي تسلم المناضل عبدالله ادريس لإدارة مكتبه إلا واصدر تعليماته الي المناضل تمساح بشن الهجوم علي قوات الجبهة الشعبية للأنجرار في معركة غير متكافئة وقبل استكمال النواقص التي وردت في تقرير المنضل توتيل وكان عبدالله مشاركا في الاجتماع الذي اتخذ ذلك القرار ويمكن للقارئ أن يعود الي ارشيف "عونا" فهناك مقالا كنت نشرته رداً علي ماورد في كتاب لأحمددين ابراهيم عن الحركة الطلابية، ولا بأس من ذكر بعض ماورد من فوارق بين قوات الجبهة والجبهة الشعبية ظهرت اثناء المعركة وهي أولاً: التكتيكات العسكرية كالألتفافات التي برعت فيها قوات الجبهة الشعبية وثانياً: الأسلحة الثقيلة كسلاح الدبابات وحتي استخدام الخرط التي كانت تتزود قيادات الجبهة الشعبية بينما لم يكن يستخدم الخرط في قيادات جبهة التحرير غير الشهيد محمد حامد تمساح أما البقية فالمواطن كان دليلهم في حركاتهم وسكناتهم. فالجبهة الشعبية كانت أفضل تسليحاً وأكثر عدداً بإضافة قوات الوياني اليها وقد حصلت علي كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة من مصر، بينما أضاعت قيادة الجبهة الفرصة عندما رفضت عرض الحكومة المصرية بإرسال وفد يحمل احتياجاتها من الأسلحة والذخيرة وكان تبريرها أن حلفاءها العرب من معارضي اتفاقية "كامب ديفيد" Camp David سوف يغضبون من ذلك وقد يقطعوا الصلة بالجبهة عقاباً لها وكان ذلك يدل علي ضيق أفق تلك القيادة في حين أرسلت الجبهة الشعبية وفدها برئاسة رمضان محمد نور فنالت ماشاء لها أن تنال من الأسلحة والذخائر وقد ظهر ذلك في المعارك وهو مادفع بقيادة الجبهة بأرسال وفدها الثنائي أحمد ناصر وعبدالله ادريس اللذين غابا عن الساحة ستة أشهر وعادا بخفي حنين. لقد كانت الفكرة في الأصل من جهاز الأمن السوداني وهو الذي أقترح فكرة الوفد المشترك من التنظيمين وكان ذلك قبل إندلاع القتال علي أن يرافق الوفد رجل أمن سوداني برتبة عقيد، لقد كان بمقدور قيادات الجبهة لو فكرت بعقلانية أن تبرر حصولها علي أسلحة من مصر أو من أي جهة أخري بأستثناء اسرائيل بالطبع لأن هذا عنصر مهم في معركتها من أجل التحرير وما كان سيلومها هؤلاء الأصدقاء العرب. والبرغماتية في مثل هذه الأحوال مبررة بل وضرورية.

بالعودة علي السؤال "لمن تعود مسئولية انهيار الجبهة"؟ نكرر ما سبق وأن قلناه وهو بالرغم من أن القيادة ككل من حيث المبدأ إلا أن رئيس التنظيم ورئيس المكتب العسكري ينالان النصيب الأكبر من مسئولية ذلك الإنهيار.

Top
X

Right Click

No Right Click