رواية الهشّْ للشَّاعر والروائي الإرتري أحمد عمر شيخ

بقلم الأستاذ: حسن محمد إدريسْ المصدر: صحيفة الراكوبة

الإهداء في الرواية إلى من صبروا وثابروا لمْ يثنهمْ فقدٌ وقهرٌ وأوجاعْ منهم مَنْ قضى نحبه ومنهمْ مَنْ ينتظرْ وهو تناص الى حال

الذين بقوا في أرض الوطن وهم شعلة التغيير القادمْ، وتليه هذه الجملة البلاد نائمه لعنَ اللهُ مَنْ أيقظها وهذا المقطع الشعري قبل الدخول إلى متن الرواية:

أنيمينيْ على الأوتار مِنْ زندكْ ومَنْ غابوا
وهم عندكْ جذورُ شوامخ
الماضيْ وانقاضيْ أنا راضيْ
هوى بلدي اليُنازعكِ يُنازعنيْ
نسائمُ عودتيْ فيكِ وماعدنا
ولكن عادَ راوينا وهذا المقطع يضيف الى الإهداء قليل من عبق التحدي والصمودْ.

الشخوص هم (صابر) وهو البطل الرئيسي في الرواية،، وهو خدمة وطنية - الدفعة السابعة وزوجته (ساره) من الدفعة الثامنة في الخدمة الوطنية ويعملان في قسم المياه بـ (أسمرا)،، وابنهما (يوسف) ذو الخمسة أعوام وزوجه (ساره) وهي مسيحية تموت في حادث انفجار حافلة بفعل لغم أرضي وهي في طريقها لزيارة خالتها المريضة في (شامبقو) وشخصية محورية أخرى بخط موازي وهو (ميكئيل تولدي مدهن) صديق لـ (صابر) والذي يقال أنه انتحر غير أنه تمَّت تصفيته من بعض المسؤولين الفاسدين حيث كان يحاول فضحهم وتخلصوا منه وحبييته (روتْ كحسايْ) والتي تأتي من (أمريكا) وهي مغنية لها حضور في (أمريكا) و(الغرب) وتحبه كثيراً ليموت منها فجأة وتكره البلاد بسبب ظروف موته الغامضة،، و(ميكئيل تولدمدهن) يعمل مدرسا لمادة (الكيمياء) في مدرسة (إبراهيم سلطان) الثانوية،، وهناك شخصية تظهر فجأة في مطعم (موناليزا) لـ (صابر) بعد موت زوجته وتبنيه لـ (أمان) وتواعده في بيتها وهي وحيدة فيه بعد أن ورثته عن أبويها الذين توفيا واسمها (ريحانه) وتدخله في حالة جنس محمومه !! ولكن لا تُنسيه الحالة المُزرية التي يعيشها.

هذا وتقيم (ريحانه) في (الدوحة) وتعمل في مجال بيع العطور،، وقد تزوجت وطُلقت وهي صغيرة السن ولم تكمل عامها الأول في الزواج،، ومن تزوجها كان موسراً ونحيلاً وشاحبا ولايرويها جنسياً.

وهناك مشاهد تتخلل الرواية مثل مسؤولين يتآمرون لتدمير الواقع بأجندة خارجية !! وكذلك أخبار "مواقع الإنترنت" وأنَّ المعارضة الإرترية تحتاج هي أيضاً إلى من يعارضها ويردها الى صوابها وعن فساد الوضع الداخلي وتنتشر في الرواية أجواء القمع والتصفيات مثل مقتل (مكئيل تولدمدهن) واختطاف (نور عبدالله) وزرع الألغام وموت (ساره) زوجة (صابر) وابنه (يوسف) وحديث من قبل زميل (نور) في كلية (أروتا) للطب (عامر خليفة) الذي يتناول الخدمة الوطنية على أنها سُخرة ويستفيد منها آخرون وعن تفاهة النخب الإرترية في الخارج وهم يشوهون بعضهم البعض ويغرقون في أحقاد وقضايا إنصرافية جانبية،، ويتذمر (عامر خليفة) من الوضع ويهرب بعد طلبه لإجازة إلى (ظرونا) وهى بلدة متاخمة للحدود الإثيوبية.

وهناك (نور عبدالله الشريف) وهي فتاة فائقة الجمال من أسرة ميسورة من مدينة (تسني) والتي تصر أن تكمل دراستنها في (أسمرا) مع أخاها (أحمد)،، فتوافق أمها على ان تدرس مع أخاها المُسرَّح المعاق والذي أصيب في الحرب الأخيرة،، والذي يمتلك بقالة كبيرة في (ماركاتو) وهو سوق وسط العاصمة ويسكن في (قزاباندا) وتكمل (نور) دراستها في معسكر (ساوا) للتدريب العسكري وتعود لتدخل كلية (أروتا) للطب لينتقل (صابر) بعدها إلى (قزباندا) من (ماي تمناي) ويسكنا في حي واحد مع (نور) ولتبدأ علاقة عشق محمومة تأخذه بعيداً وتنسيه بعض من مواجع الفقد والحنين،، وتعود الدنيا لتبتسم له قليلاً ويتبنى أحد أبناء الشوارع واسمه (أمانئيل) ويسميه (أمان) ويبدو ذلك بحثاً عن أمان وتعويض عن موت إبنه (يوسف) في انفجار الحافلة غير ان القدر لا يلبس أن يضربه صفعة أخرى لتختفي فجأة (نور) بسبب مطاردة أحد الأشخاص لها والذي يبدو نافذاً،، ويُفهم من السياق أنه اختطفها،، وليصاب (صابر) بنكسة جديدة ليهرب (أمان) الذي تبناه وتستفحل الأزمة في دواخله وتراه متهجماً،، حزيناً،،غاضباً من كل شئ،، يحتسي من الخمر بقدر مايجعله بعيداً عن الصحو عله يداوي جراح الغبن الذي صار زاده،، وليمضي متجها من خط (براديزو) إلى (ماي تمناي) وثم إلى (عدي أبيتو) و(ماي سروا) بعد أن أضحى مجنوناً وشريط الذكريات يدور في رأسه كمشاهد متقطعة.

والرواية تعود إلى الوراء في دوائر مثل حركة المياه،، ويستخدم الكاتب أسلوب التداعي الحرّ ويفهم القاريء أن الجثة في المشهد الأول هي لـ (صابر). وهناك خطوط جانبية مثل (عبدالصمد محجوب) ابن (القضارف) السودانية الذي لم يحتمل منذ البدء ذهاب (نور) إلى أسمرا ومغادرتها (تسني) فهرب إلى (السودان) وعمل فيها باليومية ثمَّ قطع البحر ودخل إلى (إيطاليا). ويصاب (صابر) بإحباط شديد ويمر بتقلبات بسبب هذه الحالة من الحزن مابين إحتساء الخمر والسُّكر والصلاة والعبادة المتقطعة.

وتتقاطع الرواية في خطوط متوازية ما بين الشك واليقين والطمأنينة واليأس،، وتبدأ الرواية أساساً بمنظر جثة تطفو في مياه خزان (توكر) بـ (ماي سروا) ويبدأ المشهد الثاني في (قلوج) وأسرة (صابر حجي صالح محمود بريراي) وأبوه (الحاج صالح) مقاتل قديم في الجبهة،، وخاله (عجولاي محمد حامد عنجة) أخو أمه (حليمه محمد حامد عنجه) يستشهد في منطقة (بركه) بجوار جبل (آدال). وهناك (فلاش باك) على معارك الثورة في بداياتها،، (كر وفر) !! ويموت أخو (صابر) واسمه (عبدالنور) بسبب سلّ رؤي،،
والمشهد الثاني يكون في عزاء بـ (قلوج) ومعهم أخته (رايتْ) وهي متزوجه وساكنه في مدينة (كرن) ولديها ثلاثة أبناء وزوجها اسمه إبراهيمْ.

وهناك الابن البكر لـ(حجي صالح) مات في حملة (وقاو إز) 1984 واسمه (محمود) بما يعني أنها أسرة مناضلين،، وجده لأمه (حامد عنجه الكبير) أحد أساطير المنطقة،، وهو الصعلوك الذي يغيث الملهوفين ويبدو شهماً وقوياً ومتشرداً لتنهي حياته بالصلاة والعبادة بعد أن ساد الإسلام بفضل أسرة (سيدنا مصطفى) في عموم بركه وبسبب زوجته (ختمه) التي أحبها وانتزعها وتزوجها بالقوة وماتت بسبب مرض عضال ألم بالمنطقة (بركه)،، وهناك بعض المشاهد لفضاء (بركه) والتصوف وحلقات الذكر في فناء (سيدنا مصطفى).

وكذلك مشاهد لسرادق العزاء في كلِّ المدن والقرى الإرترية حول غرق المهاجرين وهناك كذلك خطوط موازية حول (الربيع العربي) والمظاهرات في (مصر وتونس واليمن) وكذلك (داعش) وقبائل العراق مثل (الكرمة) و(الفالوجة) التي تبايع (تنظيم الدولة الإسلامية)،، واختطاف (بوكو حرام) لفتيات (نيجيريات) في تقاطع مع المشهد الإرتري حكومة ومعارضة واهتراء الوضع بما يدل عن أن العنوان (الهشّْ) قد يعني هشاشة الوضع والمجتمع والوطن خاصة وفي المنطقة عموماً وليس حصره في هشاشة الفرد فحسبْ؟؟.

ومن قراءة النص تستنتج أنّْ القمع والظلم وفساد المسؤولين والطبقات السياسية حكومات ومعارضة هي التي دمرت الوضع وأوصلته إلى هذا الحالْ.

واللغة المستخدمة شعرية وموغلة في الرمزية والبساطة والجمل الحوارية قصيرة تختزل الكثير من اللغة وتكثف الأحاسيس والراوى العليم ببواطن الأمور يظهرأحياناً والسرد الحواري والتداعي الحر يكثفان المشاهد وتتداخل أحيانا من الحكي والحوار!!.

عدد صفحات الرواية 122 ومع التفاسير - أي الهوامش والمؤلف: 128ص وهي في حجم روايات الجيبْ.
بيوغرافيا عن المبدع شعراً ورواية الكاتب الإرتري/ أحمد عمر شيخ

Top
X

Right Click

No Right Click