أحمـد عمر شـيخ مبدع إرتري جميل

بقلم الأستاذ: فاروق شوشة المصدر: الأهرام اليومي

المصادفة وحدها هي التي جعلتني أتعرف علي أحمد عمر شيخ من خلال الدورة العربية لمعهد الإعلاميين الأفارقة حيث جاء

أحمـد عمر شـيخ و فاروق شوشة 

إلي القاهرة ممثلا للإعلام الإرتري في دورة هذا العام ضمن مجموعة متميزة من الدارسين تمثل جزر القمر وغينيا كوناكري وتشاد وإرتريا واثيوبيا وموريتانيا وجيبوتي‏.‏ وكان لحواراتنا حول الثقافة والبرامج الثقافية‏ -‏ في الإذاعة والتليفزيون‏ -‏ من حيث المفهوم والوسائل والأهداف والمشكلات فضل اكتشاف علاقته الحميمة بالإبداع شاعرا وروائيا‏،‏ وقراءتي لروايتيه‏:‏ نوراي وأحزان المطر ومجموعة من قصائده الجديدة التي يستعد لإصدارها في ديوان بعد أن صدر له من قبل ديوانا حين لم يعد الغريب ‏(1993)‏ و تفاصيل امرأة قادمة من السودان‏ (1994)‏ وروايته الأشرعة‏ (1999)‏ وهي الجزء الأول من أحزان المطر‏(2001).‏

وكما يفصح العطر عن نفسه من أول شميم كان إفصاح شاعريته المتوقدة عن نفسها في شعره وفي روايته‏.‏ فهو شاعر في المقام الأول ثم هو شاعر حين يبدع رواياته في لغة مترعة بوهج الشعر ويضمنها الكثير من الوقفات الشعرية ويتوج فصولها ببعض الأبيات الشعرية الدالة لإضفاء المزيد من المعني قبل الإيغال بالقارئ في مفاصل كتابته الروائية كما يسميها‏.‏

وسرعان ما اكتشفت أن ناشر كتاباته يشاركه مغامرته حين ينشر روايته نوراي الأم هي التي تطلق علي وليدها هذا الاسم وهو اسم مشتق من النور وينتشر هذا الاسم في المنخفضات الإرترية الغربية علي الرغم من ارتباط الشخصية في النص بالبحر كدلالة رمزية للعبور العبور الي الوطن ومحاولة القبض علي تفاصيل الصورة هكذا يقول أحمد عمر شيخ في تقديم روايته‏،‏ أما ناشره الذي يقدم أولي تجاربه في النشر فيقول‏:‏ نحن شعب يطمح الي ان يتواصل مع محيطه‏،‏ ارتريا بلد اللغات التسع والتعدد الثقافي العرقي تراث وفلكلور مهجر ولجوء واقع الشتات بكل امتدادات‏،‏ تاريخ نضالي طويل‏،‏ تشابكات وتقاطعات ما بعد التحرير نسجها كاتبنا الشاب عبر إرث الماضي وهموم وتطلعات الحاضر.

تقع ارتيرا في شمال شرق افريقيا علي البحر الأحمر عاصمتها أسمرة أو أسمرا كما ينطقها أهل البلاد يحدها السوادن في الغرب وإثيوبيا في الجنوب وهي هضبة ذات تضاريس تنتهي الي سهل ساحلي ضيق‏.‏ وأودية خصيبة في الوسط يسكنها ـ كما تقول الموسوعة العربية الميسرة الصادرة عام‏1965‏ ـ رعاة من أصول حامية ومن منتجاتها الموالح والحبوب والقطن والجلود‏.‏ لكن الموسوعة بالطبع لا تشير الي النزاعات والحروب بين ارتريا واثيوبيا‏-‏ طيلة السنوات الأخيرة‏-‏ حول الحدود والأرض التي اقتطعت من ارتريا وضمت لإثيوبيا بقرار من هيئة الأمم في عام‏ 1949‏ أو قيام دولة إرتريا المستقلة منذ عام‏ 1992.‏

يقول أحمد عمر شيخ عن موطنه‏،‏ إنه قرية علي ضفاف البحر الأحمر تسمي زولا وفي روايته يسميها عزولي كما تنطق علي لسان أهالي المنطقة تحريفا للاسم التاريخي القديم عدوليس وهو ميناء تاريخي قديم تعاقب عليه البطالسة والعرب القدماء ـ تقوم قريته علي أطلالة‏،‏ وعدوليس هذه هي التي جاء ذكرها في معلقة طرفة بن العبد حين قال‏:‏

عدولية أومن سفين ابن يامين
يجور بها الملاح طورا ويهتدي
يشق حباب الماء حيزومها بها
كما قسم الترب المفايل باليد

هكذا يقول احمد عمر شيخ بينما يجمع شراح المعلقات علي ان طرفة يصف موكب محبوبته خولة التي سماها المالكية بما يضمه من حدوج أي هوادج ـ جمع هودج ـ تشبه الخلايا أي السفن الضخمة التي تمضي في أرجاء البحر ويقول عنها إنها عدولية نسبة الي عدولي وهي مدينة علي سواحل البحرين مشهورة بصناعة السفن أما ابن يامن فملاح من أهل هجر ـ الواقعة علي سواحل البحرين أيضا ـ كان مشهورا في هذه المنطقة‏.‏ فأي الروايتين‏،‏ نصدق رواية أحمد عمر شيخ أم رواية شراح المعلقات‏!‏

ولد أحمد عمر شيخ في جدة بالسعودية عام ‏1966‏ ـ وفي روايته نوراي تصوير بديع لرحلة العودة الي الوطن ارتريا والموطن زولا عبر ميناء ارتريا الرئيسي مصوع علي البحر الأحمر‏.‏ حصل علي البكالوريوس في علوم الاقتصاد والادارة في عام‏ 1990 ‏ وعمل منذ عام ‏1992‏ معدا ومقدما للعديد من البرامج الاذاعية والتليفزيونية في بلاده وفي مقدمة انجازاته الاعلامية تأسيسه لملتقي الحوار الارتري اول وأهم منبر جماهيري مفتوح يناقش أهم القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية في مرحلة انتقال ارتريا من الشرعية الثورية الي الشرعية الدستورية يرتاده القضاة والمعلمون والسياسيون والموظفون وتتابعه وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فضلا عن صحف الشرق الأوسط و الحياة وصوت ارتريا وبعض مواقع الانترنت‏.‏

حصل احمد عمر شيخ علي جائزة في الشعر من جامعة الملك عبد العزيز عام‏ 1987‏ ـ وهو لايزال طالبا بالجامعة ثم علي أول جائزة تخصص للشعر الإرتري المكتوب بالعربية عام‏ 1995‏ وهي جائزة رايموك ثم حصل علي أول جائزة رايموك تخصص للأدب الارتري المكتوب بالعربية عام ‏1997‏ وعلي جائزة أرتيون للسلام والدفاع عام‏ 1999‏ وأتيح للعديد من قصائده ان ينشر في الصحف والمجلات الأدبية العربية ـ السعودية خاصة ـ والمنتدي الاماراتية الموقف الأدبي السورية وإبداع المصرية‏.‏

يعتز أحمد عمر شيخ بإجادته للعربية والكتابة بها ـ في بلد يضم تسع لغات ويتسع للتعدد الثقافي العرقي ـ ويقول عن نفسه انه يكتب عجمته باللغة العربية ويهتم بتكريس هذه اللغة من الواقع الارتري ولكن بوجهها المشرق والمتجدد سهما بهذا الموقف في جدل الهوية الارترية ‏(‏وهل هو انتماء عربي أم افريقي اسلامي ام مسيحي‏)‏ آملا أن يمد المثقفون العرب أيديهم الي المبدعين بالعربية من أبناء ارتريا ـ فنحن منهم وهم منا كما يقول ـ وهناك من وشائج القربي والامتدادات المتواصلة عبر العصور مما يحتم ذلك‏.‏

وعلي مدي عشر سنوات ـ منذ عام‏ 1992‏ ـ وأحمد عمر شيخ يري في وضع الشعر العربي علي خريطة البرامج الاذاعية والتليفزيونية تأكيدا لهذا الاتجاه ومواكبة لميلاد الدولة الارترية التي تجتاز عامها العاشر الآن والتي يتواصل مبدعوها من أصحاب الوجه الثقافي العروبي مع الواقع الثقافي العربي بكل ملامحه وتنويعاته‏.‏ فاللغة العربية انتماء ووجدان في ارتريا وتمثل طموحا لعدد كبير من الارتريين الذين ينتمي ثمانون في المائة منهم الي سلالات هاجرت بعد انهيار سد مأرب في جنوب الجزيرة العربية والي الهجرات التي حدثت بعد ذلك وأهمها هجرة الصحابة الأوائل الي الحبشة واقامة أول مسجد بني في الاسلام في مدينة مصوع التي كان اسمها القديم باضع من حمل البضائع ونقلها ـ كما ذكر المسعودي‏.‏

لذا كان طبيعيا أن نجد من رواد الكتابة بالعربية في ارتريا الشاعر احمد محمد سعد الذي توفي في السنوات الأخيرة من سبعينيات القرن الماضي والشاعر عبد الرحمن سكاب الذي تجاوز السبعينات من العمر ويقيم الآن في اليمن‏.‏ ثم يجيء من بعدهما أحمد عمر شيخ ليصبح إبداعه بالعربية في الشعر والرواية حلقة جديدة في هذه السلسلة الذهبية وإضافة عصرية تحمل لغتها الجديدة المتوترة وهمها الوطني والقومي وفوران جدل الهوية ومواجهة العولمة او الهيمنة في محاولة دائبة ـ كما يقول ـ لتجاوز المألوف والعادي في قيمة جمالية تنحاز الي كل ماهو إنساني عبر مضامين وأشكال جديدة‏.‏ فالقصيدة ـ في رأيه‏ -‏ لا يمكن ان تركن الي السائد وتجتر الماضي في رتابة بل يجب ان تكون بنت عصرها وثائرة علي مستوي الشكل والمضمون‏.‏

يقول أحمد عمر شيخ في قصيدته أنشودة ساحلية:-
كتب أحمد عمر شيخاقترب‏..‏
فالليالي تتيه علي منكبيها الشهب
والرؤي واهمة
ازرع الهم وامض بدرب الغضب
إنها الخاتمة
تستطيل بقاماتنا والسحب
فالوصيد الوصيد
واشتعل عبر بهو القصيد
وتهاد علي همهات الوريد
إنها الخطوة القادمة
ايها الأسمر المتلألئ عبر الفضاء النشيد

‏***‏ ‏***‏ ‏***‏ ‏***‏ ‏***‏ ‏***‏
وطني ايها الانتماء
اي سهد يؤرق هم النخيل
انه المستحيل
يترنح عبر فيافي الرحيل
وطني ايها الكبرياء
اي طفل يغوص ببحر العراء
والرؤي واهمة
أيها المرتقب
ارحل الآن عبر اشتعال الغضب
أيها المستباح
إنها الخاتمة
فازرع الهم وامض بدرب الصباح‏ !‏

ويقول في قصيدته رقصة الطيور التي صاغ مقطعها الأول في بناء كلاسيكي محكم وكأنه يقيم جدلا شعريا بين الصيغتين‏:‏ العمودية والتفعيلية أو لعله يريد أن يذكر بالاساس التراثي الذي يتكئ عليه ويقدمه في صورة تنضح بالعصرية حين يقول‏:‏

هدهد سماءك حلق ايها البطل
غيث المجاهل والاحلام تشتعل
شوق المدائن لاريث نقابله
موج الأصائل في الأحداق يرتحل
عزف النوارس ياويح الهوي قدر
صمت الشواهد أم ياريح قد ثملوا
صفو الأرائك لا نأسي لموعدنا
شدو السنابل لاتيه ولا ختل
هذي الدروب لنا لابد نعرفها
كيما نردد‏:'‏ يا للفجر يكتمل‏'‏
يغفو المدار علي شباك حجرتنا
بوح الفواحل والأوتار تنهمل
عزم الارتري والآماد جاثية
سخر القوافل يا إنسان يا أمل
غيث المواسم لا خل يجافينا
هذي سماؤك رفرف ايها البطل‏!‏
للطيور النذور
للمواقيت آجالها
والردي
للعراجين ظل التصوف في الأفئدة
للتفتح غب انهيار الدخول لنا
كل هذا المدي
أي شئ سدي
هل سدي
حين صاغ السؤال العتيد
تتماهي ببهو الرحيل
غفا طيفه السرمدي علي المائدة
رب طفل عراه الشحوب النبيل
سما وتناهي الي
سمعه البصري الدوي
شوارع من زمهرير الندي
آل‏..‏ قوس الفدا
لانشطار المرايا
علي الوجه وجه
وسهد الوجوه حدا‏ !‏

‏***‏ ‏***‏ ‏***‏ ‏***‏ ‏***‏ ‏***‏
ليت الصديق العزيز الدكتور سمير سرحان‏ -‏ رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ يتيح لكتابات أحمد عمر شيخ وأقرانه من المبدعين الارتريين بالعربية طبعة مصرية تصدر من القاهرة وتتيح لهذه الابداعات الجديدة ـ لغة ورؤي وتوجهات ومغامرة دورانا بين القراء في مصر والوطن العربي ومشاركة في القضاء علي حاجز العزلة بينناوبين مبدعين ـ ينتمون الينا وننتمي اليهم ـ تراثا ولغة ووجدانا ومعاصرة في معركة مصيرية واحدة هي معركة بقاء الحرف العربي صامدا في وجه عصر الأمركة والعبرنة واقتلاع الهويات والقوميات واستحداث خرائط جديدة للعالم الذي يصوغونه علي هواهم‏.‏ لكننا ـ كما يقول الشاعر الفلسطيني ـ علي رءوسهم باقون راسخون كالجبال ‏!‏

التعليقات  

عبدالله
#عبدالله2022-07-21 06:48

بدابة أشكر موقع سماديت الذي يسعى لتنوير القراء بالحقيقة، والشكر أيضا موصول لكاتب المقال: الأستاذ فاروق شوشة.
الأخ فاروق
للأسف المعلومة التي نقلتها من الموسوعة العربية الميسّرة والصادرة بتاريخ 1965م، غير صحيحة لا سيما ما يتعلق منها بأصول الشعب الإرتري، حيث نسبة (الموسوعة زورًا أصول سكان إرتريا كله للعنصر الحامي وهذا غير صحيح)، حيث قالت الموسوعة كما كتب الناقل فاروق (ويسكنها، أي إرتريا رعاة من أصول حامية)،
- هذه المعلومة غير صحيحة، وكاتب الموسوعة يجهل أصول سكان إرتريا وبحكم موقعها في القرن الإفريقي ربما تصور أن الشعب الإرتري ينحدر كله من أصول حامية.
والصحيح أن جُلّ الشعب الإرتري ينحدر من أصول سامية، ولا ينكر أحد أن في إرتريا من ينحدر أصوله حامية، يوجد في إرتريا من أصوله حامية ومن أصوله سامية وبهذه الحقائق الله خلق أبناء أبونا آدم سام وحام ويافث.
هذا ما أردت الإشارة إليه. وكباحثين وقراء إن شاء الله أن نتحرى المعلومة الصحيحة ومصدرها، وكاتبها الأصلي وناقلها الحالي,.
هذا للتوضيح.
وشكرا للجميع
رد
Top
X

Right Click

No Right Click