قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة التاسعة
بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر
الثورة الارترية والعالم الخارجي، في هذا المجال قال الأستاذ إبراهيم في صفحة
260 إصطدمت محاولات الحركة الوطنية الارترية منذ البداية بثلاثة عوائق أجملها في التالي:
1. مزاعم إثيوبيا بأن أرتريا قبل الاحتلال الايطالي كانت جزءاً منها وهي قد عادت!!! وإن إنفصالها مجدداً يهدد الوحدة الاقليمية للدولة وهذا الزعم أثار مخاوف بعض الدول الأفريقية ذات المشكلات الداخلية مضاف إليه قرار الأمم المتحدة الذي ربط إرتريا بإثيوبيا دون إرادة شعبها.
2. ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية الذي إلتزم بعدم المساس بالحدود الموروثة من الاستعمار الغربي وإعتبارها حدود نهائية.
3. علاقات الامبراطور وامريكا ومنحها قاعدة تجسس في عاصمة إرتريا أسمرا.
* المواقف العدائية للحكومات السودانية المتعاقبة منذ عهد عبود عدا فترتي حكومة الهيئات وبداية مايو.
إجتهد الأستاذ لتبيان العوائق وهي في تقديري عوائق طبيعية ومتوقعة من دولة تريد إلحاق شعبنا وبلادنا بأملاك الامبراطورية، وهي ليست أكثر من متاريس هشة لاتقف متماسكة أمام رواية أصحاب الحق وحججهم القوية المسنودة بتاريخ المنطقة وتوقيع أباطرة إثيوبيا على الحدود مع الدولة الايطالية في أوتشيالي، ولكن في عالمنا فإن الحجة القوية والقضية العادلة ليست كافية وحدها فالحق دون قوة تنافح عنه ومطالب يجتهد لتبيان حقه تظل قضية ميتة وشعبنا دفع بقوته للدفاع عن حريته حتى في العهد الايطالي نفسه، وما لم يقله الأستاذ هو تغليق الأبواب والاذان أمام صوت الثورة الارترية والموقف المسبق للدول والمنظمات الأفريقية التي غلقت آذانها وعيونها بل وحتى ضمائرها في مواجهة إبادة الشعب الارتري فلا الضمير الأفريقي ولا الضمير الانساني تحرك لحماية الشعب الارتري وما يزال لم تكلف الدول الأفريقية مجرد عناء الاستماع للطرف الارتري للوقوف على وجهة نظره، وحتى الفرصة اليتيمة التي أتيحت للثورة الأرترية في يوغندا وكينيا في عهد الرئيس عيدي آمين لم تستغل بما فيه الكفاية لتوسيع آفاق علاقات الثورة ربما لضعف وقلة خبرة من كلفوا بالملف مباشرة في تلك المناطق بما فيها الصلات التي كانت مع بعض تيارات الثورة الأفريقية في أنغولا وموزمبيق وزمبابوي وجنوب أفريقيا وما كان قبلها في غينيا بيساو ولايمكن أن نقول الخطاب فقد إستقام وأقر من مؤسسة مؤتمر عام، وعلينا أن نوجه النقد الذاتي لأنفسنا فنحن لم نتمكن من خلق علاقات تضامن ثوري بين جموع المضطهدين والمقهورين في القارة السمراء فلم نستفد من اليسار بشكل إستراتيجي كنا مجرد يساري جملة ثورية رنانة ومحاولات تقمص لايعكسه واقع الحال وعندما إصطدم أدعياء اليسار مع أول صخرة تفتت اليسار وظهر المخبوء القومي والجهوي والعشائري الأحقاد والضغائن الشخصية وغيرة الأقران التي وصلت لحد الاضرار بالتنظيم، ولفرط شطارة بعضنا غلف كل تلك السوءات بأثواب اليسار القديمة، وما يحزن أن كل ما كان يزين إعلامنا عن تلك الثورات أحداث معارك مجازر سجون إنتفاضات تضامن وإن كانت واجبة لزوم التنوير والتعرف على قضايا الآخرين، لم تكن لواقع تضامن متبادل بين الثورات ولقاءات وإتفاقات بين قياداتها وتبادل خبرات بين مناضليها، ولكن لإرضاء ثوريتنا نحن ويساريتنا نحن المتهمة والمطعون فيها، وروح الصحفي عند كتاب مجلاتنا على قلتهم (أرتريين)، ونحن نشعر بضرورة الاثبات لثوريتنا لنمنح شهادة الثورة والتقدم ممن دأب على منح مثل تلك الألقاب والشهادات والبعض منا كان يطرب لتلك الألقاب، خاصة وأن هؤلاء أبناء ذلك المتهم بأنه إنعكاس لأقوام أو شعوب ماقبل التاريخ وأصبحت الحملة المتخفية وراء الأرثذوكسية الشرقية وروح التضامن الفطرية المغلفة بالماركسية بعد مجيئ حكم العسكرفي أديس وتغييره لمعسكر الاصطفاف التاريخي لأثيوبيا من الغرب للشرق، أصبحت تتحدث بالصوت العالي لحد أن البعض كان يطالب الضحية (الشعب الارتري) وثورته بالغاء السلاح تحت دعاوي لايعقل أن تتحارب ثورتان وهؤلاء ساووا بين ثورة الشعب الارتري وإنقلاب حفنة من جنرالات النظام الامبراطوري الكهنوتي مع كل ما يمثلونه من أبعاد طبقية (برجوازية صغيرة) وقومية وفكرية ومورثات تاريخية جماعية وفردية كانوا هؤلاء يلحون على الارتريين لقبول أي فتات يقدم لهم بل لاداعي لها والحقوق الوطنية والقومية تتراجع بل وتتلاشى عندما تكون المصلحة الأعلى لخط إنتصار الثورة العالمية.
كانت بتقديري العقبة الأهم علاقات الصداقة التي كانت تربط الامبراطور بأمريكا وأن إستخباراتها بجانب الموساد هي التي لعبت دور المضيق على حركة الثورة الارترية سواء عبر حركتها الذاتية المباشرة أو أصدقائها بل وعملت على تدريب قوات الكماندوس لوأد الثورة والاجهاز عليها.
وتفننت الامبراطورية ونخبتها الحاكمة في تزين تاريخ الاستبداد القومي في إثيوبيا والادعاء بأنها الدولة الأفريقية الوحيد التي لم تُحتل من الاجانب، لهذا وضعت نفسها في مكان الدولة النموذج التي يجب أن تفتخربها أفريقياً وإدعاء أنها أقدم دولة في التاريخ الأفريقي، فهي الدولة الأفريقية الوحيدة التي لم يدخلها الاستعمار قط، كما إستغل الامبراطور الأمر الديني فاضفى على نفسه هالة من القداسة وإنطلى الأمرعلى العديد من الفعاليات الأفريقية وتعداه لأمريكا اللاتينية ومعروف حركة الراستا التي جعلت من الامبراطورأحد رموزها ثم من أحد مناطق إثيوبيا مزاراً مقدساً لها، لهذا كانت مواقف الدول والمنظمات الأفريقية معادية للقضية العادلة لشعبنا الارتري حتى اللحظة التي انتزع فيها أبناء إرتريا لبلادهم عنوة وإقتدارا، وحتى لايتوهم البعض بتأثير الدين في هذا الموقف الأفريقي فإن دولة ذات كثافة عالية من المسلمين مثل نيجيريا كانت مسكونة بهاجس قضية بيافرا وهي بالطبع حالة مختلفة جداً، وما يسمى بحدود الدولة الوطنية الموروثة ليست بؤرة مفتوحة أمام حكوماتها لتفعل بشعبها ما شاءات خارج سياق العلاقات المحكومة بالقانون المحلي والانساني وليس من حق أي حاكم جعل بلاده سجناً بيده مفاتيح أبوابه وأغلال معتقليه بل وحتى بيده أمر قتلهم أجمعين، ولعلم القراء في عالمنا المعاصر اليوم فإن السيادة الوطنية أصبحت نسبية وليس من حق، أياً كان قتل شعبه وإضطهادهـ وإزلاله، بل ليس من حق أي حزب أو قومية السيطرة على القوميات أو المكونات الأخرى وإضطهادها وإبقائها عنوة أو قتلها ودفعها من مساكنها التاريخية وتغيير البنية السكانية والعبث بالمكونات.
وكنت أتوقع من الأستاذ أن يقول: كان لنا قصور ذاتي في هذا المجال أو ذاك، في الرجال الذين يديرون ملف الثورة وملف علاقاتها في التوجيه والموجهات، كان هناك إنعدام للتدريب في فنون الدبلوماسية والعلاقات العامة ونقص في الدراسة العميقة لأبعاد القضية ومقارابات طرحها في محافل الدول والمنظمات الاقليمية الدولية حتى من كان يتم إنتقائهم لأداء المهمة ففي غالبهم مناضلين عاديين وجرحى وجهوا لأداء المهمة وحتى هؤلاء لم يدربوا ليؤدوا رسالتهم بشكل أكمل.
أما حكومات السودان وما ذكره الأستاذ عن مواقفها المعادية فهي كانت محكومة بقضية جنوب السودان والتعاطي في الشأن الارتري تحت تأثير هذا المنظور وروح الحفاظ على إمتيازات ونفوذ الحفنة التي ورثت الاستعمار الانجليزي وصارت حاكماً على أهل السودان، وحتى في بعض فترات التعاطي كانت فترة قصيرة جداً ومحدودة وكانت مرتبطة بالجانب الأمني وما نسيه الأستاذ... أن السودانيين (النخب والأحزاب والحكومات) وعلى مر عهودهم لم ينظروا للقضية الارترية من الزاوية الاستراتيجية زاوية الأمن القومي والعمق الثقافي والاستراتيجي السوداني الذي له روابطة العميقة جداً فإرتريا من زاوية الامتدادات الثقافية والحضارية والبشرية هي إمتداد لدولتي أثيوبيا والسودان، وما يؤسف له أن السياسة السودانية لم تنطلق يوماً من البعد والعمق الثقافي والبشري والاستراتيجي، وهي محكومة بهاجس المحافظة على إمتيازات القابضين على السلطة منذ فجر الاستقلال، وإن سياسة التعاطي السالب مع المناضلين الارتريين بعيداً عن الأفق الاستراتييجي سواء في مرحلة الاستعمار أو الاستبداد كانت هي السائدة إلا أن ما يجب تسجيله للتاريخ أن الشعب السوداني عامة وأهلنا في شرق السودان خاصة قد لعبوا دوراً تاريخياً في إحتضان الثورة الارترية وهم ردم الهوة في العلاقات الرسمية فارق التي حكمتها وما تزال الهواجس والمخاوف والمصالح الآنية العابرة .
وذكر الأستاذ إبراهيم في صفحة 263 قائلاً: إن إنحصار علاقات الثورة الارترية ممثلة بجبهة التحرير الارترية بتيارات القومية العربية ذات التوجهات اليسارية وخطابها السياسي قد شكلت في حد ذاتها سلوكاً ذا حدين سياسياً ودبلوماسياً وتواصلت مع كوريا، كوبا، الصين الشعبية.
ويتبادر للأذهان هل كانت الثورة في تلك البدايات في وضع يجعلها ترفض تلك الصداقة وذلك التأيد للثورة من بلدان القومية العربية والاسلامية وتخسر ذلك الدعم الذي كانت بأمس الحاجة أليه، وما الخلل في أن يتحدث رجال البدايات عن الروابط الدينية والثقافية لقطاع واسع من الشعب الارتري وهل تلك العلاقات والروابط ليست موجودة؟ وبالتالي هي إختراع رجال البدايات لخداع العرب والمسلمين وما العيب أن تستفيد الثورة من هكذا روابط ممتدة لجزء كبير من الشعبا لارتري، إن الاقطار العربية التي دعمت الثورة دعمتها ليس لأن هؤلاء مسلمين وأشقاء فقط ولكن لأن قضيتهم بكل المقايس قضية عادلة وكانت تأتي عبارة الأشقاء فضلاً عن أنهم ثم ألم يكن لبعض الدول العربية والمسلمة مواقف مشهودة إبان مناقشة القضية الارترية في أروقة الأمم المتحدة (مصر + العراق + باكستان).
ولاغبار في رأي أن يطلب رجال البدايات الدعم والموآزرة والمساندة والتضامن من أشقائهم وإن لم يفعلوا يكونون قد خان الشعب وقضيته وحسن فعل ذلك الجيل فبفضل علاقاتهم تعلم ألوف الارتريين وتغييرت أحوال كثيرة وتدرب المئات بل الألوف من أبطال إرتريا في الكليات الحربية لتلك الدول.
وقال الأستاذ أن الولايات المتحدة رأت في خطاب جبهة التحرير الارترية السياسي والاعلامي المعادي لها وللصهيونية وعلاقاتها الوطيدة مع قوى حليفة للسوفيت؟؟؟ ويبدو أن الاستاذ نسي الموقف التاريخي من الولايات المتحدة في المسألة الارترية وذلك الموقف ليس له علاقة بعبارة الامبريالية والصهيونية فهو سابق لها ونسي أيضاً أن الثورة الارترية كانت لها علاقات أيضاً بدول لها إرتباط بأمريكا ولأمريكا سفاراتها التي تعد السكنات في تلك البلدان وليس بالضرورة أن يتطابق الأصدقاء فموسكو لم تكن تنصر القضية الارترية بل كانت معادية لها في ظرف تاريخي آخر.
وقد يستغرب الناس ويتساءلون ماذا يريد الاستاذ من هذا الطرح ألم يكن من صناع ذلك الخطاب على الأقل منذ المؤتمر الوطني العام الأول وبشكل قوى في المؤتمر الوطني العام الثاني، وهل كان الأستاذ ورفاقه سيقبلون بأي طرح برغماتي للتعاطي مع الوضع السياسي المحلي والاقليمي والدولي، ولإن قلنا في ذلك الزمان أن مقياس الثورة في المواقف من الدول والوضع الاقليمي والعالمي هو موقفها من عدالة قضية شعبنا الارتري كان أمراً مقبولاً في ذلك الظرف التاريخي أم أن المقال يتغيير مع تغيير الزمان والمكان ويصح أن نحاكم التاريخ بمعطيات اليوم وأدواته وهذا غير صحيح وغير عادل ولايقبل أن تكون كل كتاباتنا لو ولولا والمفروض، وحتى لاننسى الثورة معادية بطبيعتها للامبريالية والصهيونية والعنصرية وهي كانت لغة ذلك العصر التي يعشقها الثوريون والارتريون جزءاً منهم.
والسؤال هل إنحصرت علاقات الثورة بالمنطقة العربية لرغبة في قيادة الثورة التاريخية؟ أم أن هناك عوامل تاريخية وضعت الثورة في هذه الزاوية؟ وهل ترفض أية حركة نضال شعبي علاقات توفر لها الدعم والاسناد هكذا مجاناً بتوهم ما يقال ولايقال وحتى لاتظلم قيادة البدايات فقد وصلت بعلاقات الثورة الارترية لسور الصين وأبواب كوريا وجزيرة كوبا ولكن من جاء بعدهم لم يطور تلك العلاقات بل لم يحافظ عليها حتى، من الطبيعي أن يستغل أو أن يختلق العدو أية ثغرة يرى أنها تهد مشروع ومتكاءات خصومه ويستغلها حتى لوجاءت من منظور التخلف في النظرة حتى لأمر الدين في ذلك البلد، وكان هذا التخلف موجود ويغذى في إرتريا بقوة وبشكل مقصود إلى حدٍ كان يؤمن البعض أن كل من تحدث بالعربية فهو مسلم بالقوة أو بالضرور) وطبيعي أن يفكر مجتمع منغلقل تتاح له حتى فرصة التعرف على مواطنيه وربما قد يتساءل هل الآخرين بشر مثلنا يأكلون ويشربون، بل قد يروج لهكذا أفكار نمطية مسبقة، وكان أصحاب الغرض والأهداف المعادية لوحدة الشعب الارتري يستغلون وما يزالوا هذا القصور في الفهم لأقصى درجاته، وتعمد هؤلاء تجاهل أن المنطقة العربية كانت مهد الدعوة النصرانية المسيحية واللغة الاقعزيانية نفسها، وان الكنيسة الارثذوكسية هي كنيسة شرقية ومعقلها في أنطاكية، والقدس، والاسكندرية، واذكر هنا طرفة تقال في بلادنا لاأدري مدى صدقيتها أم أنها مجرد سخرية، أن قساوسة من الاسكندرية وهي معقل تطويب كبار القساوسة (ألأنبا أو الباباس) الارثذوكس جاء ليخطب في كنيسة أرثذوكسية باسمرا عندما باشر خطابه بالعربية إندهش الناس وعندما واصل قاطعوه بالإحتجاج وعندما تابع خرجوا من الكنيسة والسؤال من أوصل هؤلاء لهذه الجهالة المركبة والضارة حتى للتدين الذي يدينون به وبمنظور هؤلاء أن الدين الاسلامي هو فقط للناطقين بالعربية ومن تحدث بها فهو مسلم حتماً وبهذا يمسحون من سجلات المسيحية ملاين المؤمنين من العرب الذين يشعرون أنهم أول من نصر المسيح في الناصرة وبيت لحم والقدس وأذكر أحد المناضلين القدامى وهو من الجرحى أعتقد أنه الآن في فرنسا جاء للعلاج لدمشق وكنا نسير معاً في شارع الصالحية فرأى وجهاً ملائكياً يشبه صورة السيدة العذراء المنتشرة في الكنائس وأماكن بيع الصوروالنفائس الجميلة، فركع لا إرادياً وسط دهشة المارة في الشارع قائلاً (وي أدي ماريام معريني) باركيني يا أمي مريم ثم عرف أن في سوريا أقدم كنيسة في التاريخ بعد بيت لحم والمقدس والناصرة ومايزال سكانها يتحدثون ذات لغة السيد المسيح عليه السلام ويحافظون عليها وبالمناسبة هم خليط من المسلمين والمسيحيين من يومها بدأت تتغيير عنده الصورة النمطية المكتسبة من حكاوي البيئة المحلية وعرف عشرات الكنائس في دمشق نفسها وعرف مركز الكنيسة الارثذوكسية في حي القصور أبو رمانة وكان كلما يتذكر صوره النمطية يضحك.
إعتبر الأستاذ خطاب الجبهة التاريخي (البدايات) خطاباً عاطفياً هل حقيقة كان خطاب الجبهة التاريخي خطاباً عاطفياً؟، من المعلوم أن الثورة الارترية تعاطت مع دول حليفة للسوفيت تماماً كما تعاطت مع دول حليفة للولايات المتحدة وكان لها موقفها التاريخي المؤيد لقضية الشعب الارتري مثل السعودية، والكويت وعموم دول الخليج، ولكن السياسة المعادية للثورة الارترية عملت بمبدأ الانتقاء متوهمة أنها تشوه الثورة ومحاولة خداع المسيحيين الارتريين وإثارة مخاوفهم وهذه واحدة من أدوات فرق تسد، ونجح الاستعمار في تأخير قطار الثورة وحال دون تدفق المسحيين للثورة ومن جاء بكل ذلك الذهن المحشو بتلك الأكاذيب وكان يقيس أتفه السلوكيات بتلك المقايس النمطية إلا أنه ورغم المتاريس وصل للمحطة الأخيرة، والسؤال هل الروابط الروحية والثقافية لجزء من الارتريين تهدد الآخر؟
وحتى يطمئن ذلك الآخر هل عليهم أن يتخلوا عن هويتهم وروابطهم التاريخية والثقافية ؟، ويعلم الأستاذ أن الروابط الروحية والثقافية عند الشعوب ليست موضوع أخذ وجذب بل هي موضوع إقرار وإعتراف متبادل وتفهم عميق لمعنى الثقافة الوطنية الارترية بكل مكوناتها وحتى المسيحية واللغة الجئزية قادمة من قلب الجزيرة العربية ولاتزال شواهدها على أوابد سد مأرب وفي متاحف اليمن وجنوب جزيرة العرب... ومن أراد البحث عن تلك الجذور فاليذهب إليها، إذاً الأمر أمر قصور وعي عند البعض وسوء نية وتعمد وصولي إنتهازي عند البعض الآخر... وهو يثار لأغراض سياسية ليست لها علاقة بحقيقة الواقع الارتري وحياة مكوناته وعيشهم المشترك.
ولنا في لبنان نموذجاً حياً للتداخل الديني والمذهبي وتأثيره العميق وإمكان إيجاد حلول للمشكلات مهما تعقدت أو تخلفت إن كانت هناك إردة... في لبنان تقاسم طائفي واضح للسلطة وإن كان غير مكتوب ولكنه متفق عليه منذ العهد الفرنسي، وقد حاول اللبنانيون كسره إلا أنهم دخلوا في حرب أهلية طاحنة أو شكت أن تأتي على لبنان ككيان وأن يبقى أمراء الحرب وحدهم في جزر مقطعة الأوصال محدودة السكان، لبنان هذا من أجمل بلاد العرب فيه أروع المناطق السياحية وألطف المناخ وفيه أكبر المطابع العربية التي تنتج الكتاب العربي، لبنان هذا رئيس دولته مسيحي ماروني ورئيس الوزراء مسلم سني ورئيس البرلمان مسلم شيعي... إلخ وعندما يفوز رئيس الجمهورية من بين جموع الموارنة المتقدمين للمركز يصبح رئيس لكل اللبنانيين بكل أبعادهم وكذلك بقية الرئاسات... إذا الرئيس يمثل الدولة اللبنانية التي فيها قطاع واسع من المسلمين وهم أكثرية السكان... هذا الرئيس يمثل لبنان في جامعة الدول العربية في منظمة المؤتمر الاسلامي... تجده في الفاتيكان... تجده في بكركي رئاسة الكنيسة المارونية... تجده في الكنيسة الأرثذوكسية... عند الأرمن... عند الروم الكاثوليك... تجده عند الشيعة... عند السنة... عند الدروز... عند العلويين في جبل محسن، بهذا الفهم أنه يمثل الدولة وإن جاء عبر بوابة الطائفة بشكل مباشر وواضح بلاطواقي إخفاء وممارسات باطنية أما عندنا فأزمة الوعي في النخبة وهناك إنفصام كامل فالتنظير في واد والممارسة في واد آخر، ففي دولة أسياس هناك 4 وزراء مسلمين يمثلون 9 قوميات بينما بقية الوزراء أكثر من 10يمثلون قومية واحدة وهناك 5 قائد عسكري يمثلون 9 قوميات من أصل 200 قائد من رتبة مقدم فما فوق ويمثل البقية قومية واحدة ...الخ أما أثيوبيا الدولة التي كانت مستعمرة لنا ففيها 7 وزراء من الأورومو وهي أكبر القوميات الأثيوبية و5 وزراء من الأمهرا و3 وزراء من التجراي وهي القوميات الأكبر بالتدريج... لهذا أستغرب أن يكون الأستاذ إبراهيم يجتر ذلك الهوس هكذا دون رد وتفنيد ربما يكون ممن يسلمون بحقيقته لا أدري ولا أستطيع أن أتهم رجل في قامته أتناول الحقائق كما أومن بها وأرى أنها الحق هل يصح أن يقال في مثل هذا المقام مقام التحميل والبكائيات.
لماذا تبكون كالنساء ملكا لم تحافظوا عليه كالرجال
نواصل... في الحلقة القادمة