قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة العاشرة
بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر
إستهداف الجبهة: أمريكا - السعودية - السودان - السوفيت ...إلخ، أكد الأستاذ في كتابه أن خطة
إستهداف الجبهة وضعتها المخابرات المركزية الأمريكية وحلفاؤها في الاقليم وخاصة السعودية وجهاز الأمن السوداني في عهد النميري، كما أن نفس الجبهة أراد القضاء عليها أو إضعافها السوفيت وحلفاؤهم من خلال دعم نظام الدرق بإعتبار أنها تسهم في تقويض النظام التقدمي في إثيويا (الدرق) ونخلص من قراءة ما طرح الأستاذ أن الجبهة قوة غير مطلوبة من كتلتي العالم، إذاً الجبهة كانت قوة غير مطلوبة من المعسكرين يرفضها النظام الرأسمالي لكونها حركة تحرر وطني يسارية الهوى ويرفضها أهل اليسار العالمي وعلى رأسهم السوفيت بحسبانها أداة تقويض للنظام التقدمي في إثيوبيا وبحسبانها تمثل أقوام لم يرتقوا بعد لدرجة الشعب وكل ذلك لتبرير مواجهة ثورة الشعب الارتري.
وإذا اعتمدنا التحليل أعلاه واعتبرناه سليماً فهل يمكن أن نقول أن المخابرات الأمريكية ومخابرات دول الأقليم (السعودية، والسودان) تواطأت من حيث تدري ولاتدري مع السوفيت لمصلحة الدرق ولمصلحة إستراتيجية السوفيت في الاقليم وبالنتيجة ضد جبهة التحرير الارترية، لم يبين الاستاذ لأي مصلحة وطنية وإقليمية لهؤلاء تم هذا التواطؤ ولحساب من؟
هل فات على أجهزة تلك المخابرات أنها تغامر لمصلحة الدرق والسوفيت و أطراف أخرى غير ظاهرة؟ هل كانت المخابرا ت المركزية الأمريكية تنفذ مصلحة الدرق أيضاً الدرق الذي غير مسار معسكر الدولة الاثيوبية من الغرب للشرق أم كانت لها أجندة أخرى؟ هل علينا أن نصدق مع الاستاذ أن السعودية ومخابرات النميري شمرت عن سواعدها لتنفيذ تعليمات المخابرات الأمريكية لشطب جبهة التحرير الارترية؟ هل علينا أن نقتنع أن مخابرات السعودية والنميري مجرد أدوات تنفيذ صماء لاتقرأ الابعاد تنفذ التعليمات القادمة من السيد وراء البحار؟ أجهزة لا إرادة لها ولاهامش ولاحق في الاختلاف والرفض وهل إستأذنت السعودية السيد الامريكي للوقوف بجانب الحق الارتري في ستينات القرن الماضي ونظام الامبراطور أقرب إليها في نمط الحكم؟ إذا قبلنا هذه الرواية فالامر ليس أكثر من تآمر من البداية للنهاية. هؤلاء يستلون سيوفهم فقط لمجرد الأوامر...
هذا التحليل الغريب إتكئ على دعاية التحالف الشيو صليبي التي أطلقها الاستاذ وقال أنها من (باهبري) يعرف الأستاذ قبل غيره أن هذه الدول بحكم الارتباط والمؤازرة تعرف تفاصيل تفاصيل الجبهة وان التيار المؤدلج ليس أكثر من لحاء فوقي وظاهرة صوتة تحاول أن تغطي حقيقة الجبهة كحركة تحرر وطني ودعاية التحالف الشيو صليبي كانت تصدره بعض الاقلام ليست المعادية أو المختلفة مع قيادة الجبهة بل التي تسعى ليل نهار لهدم الجبهة لأسباب شخصية وتاريخية وايديولوجية، وحتى الاستاذ كشخص ممن نالت منه تلك الأقلام، اما الاستاذ حاول الاستفادة من هذا التحليل الذي يعرف مطلقيه لتبرير غرضه في النيل من رفاقه!!!
وهم ركنوا في دعايتهم الشعواء على رفاقهم المتهمين بل المدانين بلا دليل ومستمسك وتحت هذه المبررات يريد إخفاء أنهم إستلموا التنظيم وقادوه لفترة من الزمن إمتدت على حد ما يقر لنصف عام ثم تطاولت حتى دخول الجبهة أو القضاء عليها، وإذا كانت قيادة الأستاذ قد إستندت على التحليل السابق في تحديد دائرة الخصوم والأعداء فإنها تتحمل مسؤولية حصار الجبهة وجعلها بلاصديق أو نصير تتحمل مسؤولية توسيع دائرة الأعداء، وعليها أكدت أنها قيادة غير حكيمة لم تتمكن من تدريج خصومه كما أنها فقدت خاصية إدراك أن الجبهة الشعبية تقاتل لتجتث التنظيم الذي تقوده فكانت تتغالط بأنها تريد أن توسيع خلفيتها... أنها تخوض معركة محلية صغيرة... أن الذين يقولون أن الشعبية تريد إقتلاع الجبهة لهم خصوماتهم الشخصية مع قيادتها ...إلخ
إذاً قيادة الجبهة السياسية وضعت التنظيم في وضع لايحسد عليه فقدت خاصية القراءة للأحداث والوقائع التي تدور أمامها لهذا وضعت التنظيم في مواجهة جبهات معددة للخصوم والاعداء في آن معاً واجهت قوات التحرير الشعبية وأجهزت عليها وأبعدت من تبقى بعيداً، كانت في وجه جبهة المخابرات الأمريكية وحلفائها في المنطقة على حد إفادة الأستاذ، كانت في مواجهة السوفيت وحلفائهم في الاقليم، كانت في وجه الجبهة الشعبية وتحالفها مع وياني تقراي، كانت لها تناقضاتا الداخلية التي وصل لقمة التنفيذية حتى عد البعض ولو إنتصار عسكري ولو جزئي إنتصار لأفراد إذاً قيادة الجبهة وعلى رأسها الأستاذ وضعت التنظيم في وجه كل تلك العواصف عواصف من كان عدوها ومن إستعدته، قيادة الجبهة هيأت مسرح المهزلة وإستفاد من الظرف أسياس وفتح معركته في التوقيت المناسب، كانت الجبهة الداخلية في ذلك الوقت تمور بالتناقضات المصنوعة، كان حزب العمل يعيش في أسوأ لحظات حياته الحزبية، كان الصراع الداخلي على أشده فكان الرفاق ينهشون لحم لرفاق يمين يسار مدنيين عسكريين... إلخ
لمن يواجهون الموت اليومي ومن ينظرون يحللون يحرمون يخطئون يصوبون يوزعون شهادات الأداء والتقدمية والرجعية... كان في ساحة الجبهة الداخلية من هو مهموم بتقدمية نظام العسكر الأثيوبين رغم كل جرائمه بحق شعبنا والشعوب الأثيوبية كان هؤلاء مهمومين بأنها الثورة الأثيوبية والعسكر ليسوا أكثر من أداة أتت بها الطفرة ربما شدة هؤلاء تماثيل ماركس ولينين تماثيل العمال والفلاحين والجنود البيارق الحمراء التي ترفرف في الساحات العامة في أديس والمدن الأثيوبية، كان فيها من يدافع بشراسة عن مواقف السوفيت الداعمة والمقاتلة بجانب الدرق، كان المدافعون يرغون ويذبدون رغم أن طائرات الميج 23 - 29 ودبابات التي 54 - 72 وراجمات الصواريخ وستالين أورغان تفتت تحت ضرباتها لحم شعبنا ومقاتلينا، كان هناك من ينافح ويقول لنا يجب أن تنظروا للأمر من زاوية الصراع العالمي بين الخير (الإشتراكية) والشر (الرأسمالية) وكان هؤلاء إذا تحدثت معهم لنقاش ما يطرحون يتهمونك باليمينية بالرجعية وكل الألفاظ الجاهزة في هذا الاتجاه ويسممون ضدك الاجواء وبمنظور هؤلاء إذا حرم الشعب الارتري من حقوقه الوطنية (وهي عبارة شكلية ومعنوية) فهي لاشيئ هي أمر عادي مادامت الامبريالية ستهزم والاشتراكية ستوطد أركانها وهنا يكون حق الشعوب بالمعنى الحقيقي بمعنى الكرامة والرفاه ولهذا كانوا يرون أن الشعب الارتري أرضه ماله وجوده فداء للثورة العالمية، ومن هؤلاء من فهموا أن الفكر التقدمي هو بتاع السوفيت وليس فكراً إنسانياً يأخذ به من شاء من غير إذن أو مباركة من السوفيت وعموم اليسار الذي عادى في ذلك الوقت رهط كثير منه قضيتنا الوطنية إلا نفر قليل آمن أن تقدمية إثيوبيا مرهونة بالإعتراف بحق الشعب الارتري بتقرير المصير لمصلحة الثورة والتقدم والسلام في المنطقة والاخوة بين الشعبين الارتري والاثيوبي.
كانت ساحة الجبهة الداخلية مثخنة بجراح المواجهات مع ما سمي بحركة الفالول ومع ردات الفعل على الاعتقالات لبعض قيادات وكوادر الجبهة تحت حجة اليمين كان فيها تفسيرات خاصة جداً لمعنى القرار المستقل ، كان فيها قرار حل أول منظمة جماهيرية تنجز وحدتها الفئوية (قرار 4/ 6 بشأن الطلاب) كان فيها مذكرة المنظمات الجماهيرية التي طالبت بالاصلاح (العمال، الفلاحين، الشباب ...إلخ) كان من بين موقعيها رجال في قامة إبراهيم قدم، الشهيد سيوم حرستوت، محمد طاهر على كرار، الشهيد حشكب أبوراشد، عمر جابر عمر رجال ظلوا على عهد النضال حتى آخر لحظة من حياتهم، وهي حدث كبير له دلالته العميقة، والاستاذ تجاوز كل تلك الأحداث ربما عدها أحداث صغيرة أو حقيرة أو مستصغرة.
إذاً كانت ساحة الجبهة الداخلية تغلي بالتناقضات وكانت في شك عظيم وكان يدور حديث كثير حول القيادة شرعيتها ومشروعيتها، بل أن البعض كان يرى ضرورة التغيير لذلك الساح الداح، كانت المطالب الملحة لعقد الاجتماع الدوري للمجلس الثوري كان مجرد آذان في مالطة، إلا أن القيادة إستعاضت عنه بإجتماع لقيادة حزبها المركزية التي لم تك تمثل الجبهة في عمقها وبعدها، ومشروعيتها فقدت القيادة شرعيتها ومشروعيتها بحسبانها مشروعية مربوطة بمواقيت وآجال النظام الداخلي (ثلاث سنوات)، مددت القيادة لنفسها ليس لعام بل لمدة تعادل مدة أجلها القانوني المقر في المؤتمر نفسه ويزيد، ولم تلتفت لأحد ولم يتحدث الاستاذ في هذه الناحية المهمة جداً، عله لايريد فتحها لأنها تهد ما يدعيه من مقولات القيادة الشرعية المنتخبة!!! كان هناك همس يتعلق بمشروعية القيادة نفسها، وفي إعتقادي كانت قيادة خارج الزمان والمكان والمشروعية القانونية كانوا خارج سياقات المرجعيات المعهودة للجبهة لهذا فإن تلك القيادة آخر من يتشدق بالقانون والشرعية والمشروعية والاختيار والانتخاب وعلى رأس كل هؤلاء السيد السكرتير للحزب الأستاذ.
وعندما يقع الاختلاف والتباين ويكون المتحدث بين أقطاب الخلاف ليس في المكان الوسطي فلا مجال للحديث والتمترس وراء القيادة المنتخبة الشرعية فكلها عبارات جوفاء لامعنى لها لانها ليست إلا أداة تغطية ومنافحة عن موقف وخيار سياسي، المجلس الثوري كقيادة تشريعية في أكبر حركة مسلحة أصبح من سقط المتاع...
كان هناك إختراق منظم يتم داخل الجبهة من قبل الجبهة الشعبية خصم الجبهة اللدود كان هؤلاء بين من يسلمون للجبهة (ليس الكل) وكان يتم إستقبالهم والتحري معهم في الأمن ثم يدفعون لمدارس التعبئة في عليت ثم يوجهون للعمل في الوحدات، كان التمرير لهذا المشروع يتم تحت غطاء التلسيم للجبهة، وكان طواويس جبهتنا يتوهمون أنهم أصبحوا محطة جذب وهذا بفضل أيديولوجياهم التي تبثها الأذاعة الجديدة!!! وكانت إستخبارات الشعبية تهتبل هذه الفرصة وترسل رجالاتها للعبث مستفيدين من هذه الروح.
حُكي لي أن أسياس إلتقى (في الخرطوم) وفد من قيادة قوات التحرير الشعبية اللجنة الثورية المؤقتة وكان هدفه الحصول على ذخائر لدبابات سوفيتية إستولوا عليها من العدو وكان يريد تزكيتهم لدى العراق، وبعد أن فاتح الوفد بالأمر قال له القائد الشهيد آدم صالح شيدلي بلهجته المعروف عاوز سلاح عشان تكتل الارتريين (يقصد الجبهة) فرد أسياس قائلاً أنا لست بحاجة لسلاح أصلاً لمقاتلة الجبهة سأدخلهم السودان دون طلقة واحدة أنا يدي واصلة حتى الرأس في الجبهة، فرد عليه الشهيد آدم صالح العراق دولة لاتتعامل بمنطقة التزكيات عليكم الذهاب إليهم وطلب ما تحتاجون مباشرةً وبالفعل ذهب وفد بقيادة الأمين محمد سعيد العراق.
هذه الرواية على طريقة قيل التي يعشقها الأستاذ وعليه أن يبلعها كما نبلع نحن قيلاه.
إذاً واقع الجبهة الجواني كان في أسوأ حالاته كان جسداً كالغربال، وهذا الواقع زادت إشكالاته القيادة التي إستلمت التنظيم سراً ثم علانية منذ عام 1979م وكانت بقية قيادة التنظيم مجرد كوادر توجههم تلك القيادة للمهام بدليل أنها بعثت بحامد آدم سليمان للتعبئة في السودان وتسفاماريام ولدماريام لكبسا وتسفاي دقيقة لإكلي قوزاي ودنكاليا ...إلخ. هؤلاء أعضاء تنفيذين يوجههم رصفائهم (إبراهيم توتيل، إبراهيم محمد علي، ملأكي تخلي) بأية صفة وهؤلاء ما جاؤوا لمساعدة نائب الرئيس توتيل ولماذا هم هذه القيادة أقرت من قبل الجهاز التنفيذي والحزبي بالأغلبية وكان معها من كان من الخلف من قيادة الحزب (الشهيد الزين، عمر محمد).
وحتى مسألة وجود خرق لصالح الجهة الشعبية يقرها في ذات كتابه تارة بعبارات قد يكون وتارة بينت الأيام بعد أن ذهب وإلتزم بالشعبية، وعلى هذا السياق يعد في عرف الأستاذ كل من إلتزم بالجبهة الشعبية ومن بينهم نائب الرئيس وتسفاي تخلي ودكتور قرقيس (كان في مكتب الاقتصاد) وزمهرت وغيرهم أدوات إختراق للجبهة فقط لأنهم ذهبوا للشعبية ولا يقبل منه الكيل المزدوج.
وذهب الأستاذ إبراهيم لأبعد من ذلك حيث قال أن هناك قيادات إخترقت التنظيم لصالح السعودية والسودان والأمريكان!!! وقال هذه القيادة تمثلت في مدبري إنقلاب 25 مارس بقيادة الشهيد عبد الله إدريس وفي موضع أخر يسميها بمراكز القوة... القوة العسكرية ممثلة في عبد الله إدريس والقوة الاقتصادية ممثلة في حامد آدم سليمان وقوة العلاقات ممثلة في الشهيد صالح أحمد إياي ومحمود إسماعيل الحاج.
وأنا هنا لست للدفاع عن الشهيد عبد الله إدريس أو الشهيد صالح أياي ورفاقهم لأنهم ليسوا بيننا اليوم ليدافعوا عن أنفسهم في وجه هذا الاتهام الظالم ولا أخجل في الدفاع عنهم إن كان هذا هدفي وهم يستحقون ذلك وأكثر... ولكن هؤلاء تدافع عنهم أعمالهم في سبيل القضية الوطنية وسبقهم في الالتحاق بالنضال الوطني على من سواهم بما فيهم الأستاذ إبراهيم، ولكن الأمر عندي دفاعاً عن الحقيقة التي علمت الكثير من تفاصيلها دفاعاً عن جيش التحرير الارتري المظلوم وأنا أحد أبنائه. والاستاذ أراد بهذا الاتهام الخطير القضاء على كسب أولئك الرجال وهو أمر لا يمكن بلعه هكذا على الأستاذ أن يأتي ببراهينه وأدلته أم هي إهداء لخصوم الجبهة ليقولوا وشهد شاهد من أهلها.
أم أن تهمة الخيانة مفردة عادية تقال هكذا حتى في المحاكم تحتاج لاثباتات وشهود فكيف هكذا أم أن الخصومة كافية لنلقى على الخصم ما شئنا من الاتهامات. بما فيها الخيانة العظمة لوطن وقضية ولعهد ولكن إن لم تستحي فقل ما تشاء.
وهنا يجب في البداية أن أتحدث عن المملكة العربية السعودية التي جحد الاستاذ عطائها للشعب والقضية الارترية، السعودية التي إفترى عليها وعلى السودان الأستاذ إبراهيم ورسم لها صورة قاتمة في ذهنية القراء في ذهنية الارتريين وجعلها قوة متواطئة لضرب الجبهة بكل ما تمثله الجبهة من عمق ودور وتاريخ وأشواق، والأستاذ هنا كان يبحث عن مشجب يعلق به هزيمة الجبهة فوجد عبد الله إدريس ورفاقه وهذا المشجب لم يشف غليله فعرج على الأمر وربطه بالتواطؤ الاقليمي والدولي، وهؤلاء ليسوا إلا مجرد أدوات، وفي تقديري ليس التعليق لفشلهم في حماية الجبهة وعجزهم في حفظ نضالاتها واستمرارها، يحاولون أن يستروا جبنهم عند اللقاء بخصوم الجبهة يدارون سواءات فرارهم كالخراف المذعورة أمام الشعبية... لهذا يضخمون الأمر ويتطاولون على السعودية.
المملكة العربية السعودية هي دولة وقفت مع الحق الارتري منذ الوهلة الأولى وفتحت أبوابها أمام الارتريين وساندت الجبهة كحركة شعب مظلوم نزع حقه جهاراً نهاراً والسعودية كانت دولة شاهدة على ذلك في هيئة الأمم، لهذا ساندت السعودية الجبهة كحركة تحرر وطني وكممثل يدافع عن قضية الشعب لارتري المظلوم، وحتى عندما حادت مركب كانت قادمة للثورة وعلى متنها كتيبات ماو وخلافه من أدبيات الصين بجانب أسلحة للثورة لم تغير موقفها وإن أبدت إمتعاضها لقيادة الثورة وحتى عندما صبغ حزب العمل الجبهة بصبغته بلونه بشعاراته العابرة للوطنية وحتى عندما كانت أدبيات الثورة تشتم الرجعية آناء الليل والنهار، كانت السعودية مع الثورة وكانت مقار الثورة تعمل بوتيرة أعلى في الرياض وجدة وغيرها من المدن السعودية التي كان يتواجد فيها الارتريون كانت أدبيات الجبهة تسب الدول الرجعية إلا أن تلك المجلات كانت تطبع بأموال وهبات تلك الدول الرجعية...!!!
وحتى يكون الناس أوفياء مقدرين لكل من وقف معهم ولو لحظة ونحن شعب كذلك ولهذا أذكر الارتريين بمواقف السعودية حتى لايضيع المعروف بين الله والناس، فتحت السعودية أبواب البلاد أمام الارتريين للعمل للعلم وأعطت جبهة التحرير الارترية ميزات فمنحت المئات عبرها فتحت المجال واسعاً أمام جواز ال U.N أمام الوثائق الصومالية الأثيوبية الصحيحة وغير الصحيحة وغيرها من الأوراق التي حملها الارتريون، وكان كل الهدف التخفيف من الارتريين نصرتهم السعودية كانت تمارس مسؤوليتها من جانب حضاري عقدي فهي تساند شعب مظلوم صاحب قضية عادلة ومن جانب آخر فيها كم كبير من المسلمين وبحكم أنها أرض الحرمين وقبلة المسلمين فعليها مسؤولية أخرى، لهذا لم تلتفت لكل من أرغى وأزبد في الساحة الارترية لم تلتفت لما كان يكتب حولها وحول الدول العربية في العموم والخصوص في وسائل إعلام الثورة آنذاك... بلدان الرجعية المتعفنة وحتى العرب والقومية العربية كانت أمراً محتقراً، أم الاسلام فحدث ولاحرج فهو منهل الرجعية ورمز التخلف... ومع ذلك لم تلتفت السعودية لكل تلك الترهات ووقفت مع الشعب الارتري مع كل أطيافه وتياراته... تعاطت مع الجبهة وهي تعلم ما يقال في مدارس كادرها تعاطت مع الشعبية وهي تعرف تركيبها بل وكل جوانياتاها مايقال تعاطت معها وزعيمها أسياس أفورقي الذي تنكر للدعم العربي للقضية الارترية، الأستاذ واحداً من هؤلاء الذين يريدون أن يرموا السعودية بما فعله وقرره باهبري ومواقفهم من شخصه وبما لم يفعله أبداً وألصق به وحتى باهبري هذا الذي أدخله البعض التاريخ وبصرف النظر عن إتفاقنا أو إختلافنا معه مع ممارسته الشخصية فهو من بين من يعرف إرتريا والارتريين وفتح الباب أمام عشرات الكوادر وقادة الثورة عامة وجبهة التحرير الارترية خاصة للعمل عندما تاهت الجبهة في صحراء الضياع والتيه الذي مازال مستمراً فتح أبواب الرزق أمام العشرات بل شغل في مكتبه الخاص من يساعده من الارتريين من بينهم أسماء كبيرة وأنا لا يمكن أن أذهب في التفكير بإتجاه إتهام هؤلاء والطعن في ذمتهم، وفيهم من علم الناس أبجديات النضال وباهبري عندما أكرمهم بالعمل في مكتبه كان لسان حاله يقول... أكرموا عزيز قوم ذل... وهؤلاء فقدوا الحق في بلدهم كان فيهم من هوم طارد... كان فيهم من لايطيق العيش إلا بالعزوإن تجرع كأس الحنظل... وما فعل باهبري فلعمري من صميم شيم الانسانية وقيم الإسلام والعروبة إن كان قد أجار أو شغل رجال كانوا بالأمس ملئ السمع والبصر وإنقلبت الدنيا عليهم بوجهها.
البعض عندما يشخصن سياسات وموجهات دول ويحملونها بالكامل للأفراد المكلفين بتنفيذها رغم أن ما يعرفه هؤلاء من إنطباعات له تأثيره إلا أنهم يظلوا أفراد يتلقون الآوامر والتوجيهات، وتحميل أولئك الأفراد يعبر عن قراءة الزاوية الواحدة أو الصفحة الأصغر من الأمر وما يتحمله الأفراد هو أسلوب هم الشخصي طريقة التواصل أما السياسة العامة فلا يمكن لهم رسمها أو الخروج عليها، وإذا لغرض تشكيل تنظيم كبير يوازي الشعبية يوفر نوع من التوازن المجتمعي إرتريا، فالفشل فيه يتحمله الارتريون.
والأستاذ في قصة باهبري بأكملها جانبه الصواب وهي ليست أكثر من إختلاق رواية وحتى مصطلحات التحالف الشيو صليبي إدعاء وإتهام إكتشاف إرتري وهي ليست صناعة مكتب باهبري وأعتقد أنها روايات وإتهامات تكثر بقوة في بلدان التنوع التي تعيش القلق الدائم على المصير والصراع المستمر على النفوذ والتوجس من الآخر والاستعداد لتقبل كل ألوان الصور النمطية عنه، البلدان التي يعيش سياسيوها بإثارت المشاكل والمخاوف بين المكونات والاستاذ من مهندسي هكذا توجه إذا ما حللنا كل ماكتب...
إن الأستاذ نسي أنا في عصر مختلف عصر لاينفع فيه تسويق البضائع القديمة فضلاً عن أنه عصر التنوع السياسي والفكري والعقدي والايديولوجي وعليه فإن المقايس ليست ذات المقايس فمن حق من يتطابق مع السعودية في كل شيئ أن يطرح ما لدية ومن حق الناس القبول الرفض السير.
إذاً نسي الأستاذ أننا في عصر مختلف لاتنفع معه اللغة القديمة العقيمة.
وما آلمني أن يوثق الأستاذ كتابة ليقول أن دولة بحجم السعودية عملت مخبراً لدى أمريكا بل وشغلت بعلاقاتها الطيبة مع المخابرات السودانية في عهد النميري، وشغلتهم في قصة التواطؤ على جبهة التحرير الارترية وإزاحتها من الساحة الارترية ليتحكم أسياس أفورقي بكل أبعاده!!!
يبدو أن الاستاذ نسى هامش الدول في لعلاقات التحالفية وحتى الحلفاء ليس بالضرورة أن يتطابقوا ولكن يمكن أن يتحاوروا لايجاد حلول لمشكلاتهم بدل التصادم وإذا طبقنا رأي الاستاذ أن التحالفات تعني العمالة، إذاً كل الدول الحليفة للأمريكان هي دول عميلة لا إرادة لها ولا قرار وقادتها مجرد رقع شطرنج يحركها الحليف الأكبر.
سوريا من أول الدول التي دعمت ثورة الشعب الارتري وهي مكان حب وتقدير خاص من الشعب الارتري وهذه الحبيبة هي حليفة السوفيت، وكذلك العراق، واليمن القديم بشقه شمال جنوب، ليبيا (القدافي) الجزائر، مصر إذاً كل هؤلاء مجردعملاء للسوفيت أم أن في حالة السوفيت علاقات نضال وكفاح وفي حالة أمريكا علاقات تبعية وعمالة... مالكم كيف تحكمون يا أستاذ...
ولا أعتقد أن عاقل يبلع أن السعودية تواطأت ليحكم جارتها بين البحر والبر أسياس أفورقي وبطانته وليكون المواطنون المسلمون في إرتريا مواطنون مطرودون من قبل النظام مطرودون من أرضهم التي فاضت في سبيلها أنهار من الدماء وفقدوا أعزة أبنائهم ليكونوا بعدها مواطنون من أدنى سلم المواطنة في إرتريا، مواطنون عليهم القتال مرة أخرى من أجل إستعادة حقوق مواطنتهم، المساواة، رفع الظلما لحلم مجرد الحلم بوطن إرتري ديمقراطي عادل.
وأنا لا أستغرب من إستسهل إتهام الرفاق ولم يتردد في إتهامهم بإختراق تنظيم لهم فيه الصدر دون العالمين أو القبر، وهنا أسأل إذا كان الشهيد عبد الله إدريس ومدبري إنقلاب 25 مارس خونة لجبهة التحرير الارترية فهل الأستاذ إبراهيم وبطانته وكل من أخذ معه المواقف المعروف، هل توتيل، هل تسفاي دقيقة، وهل ثم هل هم الآمناء على جبهة التحرير الارترية... أو ليس هذا الطرح في ذاته شر البلية وقمة المهزلة.
الذين كانوا يدافعون عن جبهة التحرير الارترية في خطوط القتال اليومية الذين كان الموت منهم قاب قوسين أو أدنى خونة متواطؤن لازاحة تنظيمهم من مسرح الفاعلية.
أما الذين كانوا ينامون ملئ جفونهم ملئ أشداقهم يشخرون ويذبدون تحت ظلال الأشجار الذين كانوا يملؤن وقتهم في التسلية والسمر مع الرفيقات في إدريس دار بساوا ووأكاي في عاليت وهوميب وهواشيت وكل الخلفيات التي يعرفها... هذا الكلام أقل ما يقال عليه ما قال الأستاذ محمد أحمد محجوب هذا زمانك يا مهازل فأمرحي قد عد ...الصيد من الفرسان.
أخيراً في هذا الاتجاه يقول الاستاذ كانت الجبهة ضحية (وهنا يقصد جبهة يعرفها هو) لمشروع تصفوي أجنبي عمل على إشعال الحرب بين الجبهة وحلف الشعبية التقراي 1980م وتواطؤ بعض قياداتها .... وإذا تركنا الشق الأول من كلام الأستاذ وركزنا على فرضية الأستاذ تواطؤ بعض قياداتها فماذا فعل غير المتواطئين من أمثال الأستاذ فهو حكماً برئ براءة الذئب من دم إبن يعقوب.
يريدنا الأستاذ أن نتعامل مع ماكتب في هذا المضمار ليس كثمرة للخلاف والاختلاف نتاج حنق ونتاج مشاعر متضاربة والأستاذ كتبها على طريقة مبدأ العصبون أو السيالة العصبية كل شيئ أولا شيئ إنها تقبل أو لاتقبل، تقديري كل الأمر لأبعاد الإشتباه وتوجيهه الاتهام لمن قاد الجبهة جهاراً نهاراً للهزيمة الماحقة الغرض شغل الناس وتبيض صحائف والأستاذ بكل ألقابه وصفاته التنظيمية والحزبية كان واسطة عقد من قاد الجبهة للهزيمة ولامهرب له من تحمل المسؤولية الاخلاقية والأدبية والتاريخية في التحمل مسؤولية الهزيمة ولامجال أمامه بغته من التنفيذية التي قادت الجبهة حتى 1981م لهذا لامجال أمامه فهو واحداً ممن أهدر تضحيات مناضلي جبهة التحرير الارترية طوال عقدين من الزمان.
وما يحزن أن طريقة ربط الأحداث ومحاولة السرد لاتشبه إلا منطق ومعطيات ما بعد الهزيمة وهو منطق الشينة متروكة والهزيمة يتيمة لا أب لها أما النصر فآباؤه كثر.
ما يحزن أن الأستاذ رمى رفاقه بالخيانة العظمى بالتواطؤ بإسدال الستار على تاريخهم الشخصي وجعلهم كابا رغال في التاريخ (العراق) رمى بهذا دون أن يرمش له جفن أو يحس بوخذ من ضمير - رماهم فقط لأنهم إختلفوا معه في التقيم في المسار في القراءة ويعد ما قاله الأستاذ تشويه عن سبق إصرار وترصد وهو تناقض واضح مع مسارات وحقائق الواقع والأحداث اليومية والتي سوف نقف على حقيقتها تباعاً بدأ من أحداث الحرب ويومياتها وسيعرف الناس حجم التدليس... الاتهام ليس إلا محاولة فاشلة لتغبيش طريق البحث عن ماذا جرى وكيف جرى ولماذا هزمت جبهة التحرير بتلك البساطة.
نواصل... في الحلقة القادمة