كتيب مذكرات مناضل وقلب الحقائق الدامغة

بقلم الأستاذ: آدم محمد صالح - الرياض

اطلعت على كتيب مذكرات مناضل "الطبعة الثانية" للزميل علي محمد صالح. فوجدت في معظم صفحاته تمجيداً لذاته، مجافياً فيه

مذكرات مناضل ارتري تجربتي في الكفاح الوطني الارتريللصدق والشجاعة. ولم أصدق أنه كاتبه، لأن علي محمد صالح لا زال ينصب الفاعل. ويقيناً أنه مستكتب.

إن معرفتي بالأخ علي محمد صالح تعود إلى الفصول المدرسية في مدرسة كرن الوسطى (1954 - 1956) ثم العمل سوياً في اللجنة المركزية كعضو في السودان، ثم في الميدان (1970 - 1971). وبعد ذلك كنا نلتقي خلال زياراته للسعودية، وكنا نتبادل الحديث عن هموم الثورة الإرترية. وكنت أعتبره أخاً باراً بأخوته وزملائه عندما كان يشيد بهم وبمناقبهم النضالية مراراً وتكراراً ولم أتوقع منه قط أن يقلب الحقائق المعروفة ويفتري عليَّ وعلى الشعب الإرتري.

وكما قال الشاعر:
يلقاك يحلف أنه بك واثق

وإذا توارى عنك فهو العقرب

وبصفتي عضوا مشاركاً في المؤتمر بفاعلية مشهودة، رأيت أن أرد وأوضح للقارئ الكريم، وللحقيقة والتاريخ، ما جاء فيما استكتبه علي محمد صالح من كذب وافتراء وتشويه للحقائق.

أولاً: في الفصل الخامس وتحت عنوان "المؤتمر الوطني الأول" الصفحة 106 قال: "دفعت مرارات الانقسام التي برزت في الساحة بعض المناضلين إلى تبني مواقف غاضبة، فاقترح البعض تصفية المناضل عثمان صالح سبي باعتباره عائقاً في مسيرة الثورة".

وهذا غير صحيح إطلاقاً، بل هو كذب وافتراء. والحقيقة التي يعرفها المئات من المناضلين الذين حضروا الاجتماع في عصر ذلك اليوم، وكان مقرراً لنقاش الخلاف مع قوات التحرير الشعبية، أو الثورة المضادة كما كان يسميها علي ومن كان على شاكلته، وكذلك الخلاف مع قوات إسياس أفورقي. الصحيح أن من طالب بتصفية عثمان صالح سبي وجميع القادة العسكريين لقوات التحرير الشعبية هو علي محمد صالح، وليس غيره. وهو اليوم ينكر كلامه مجافياً بذلك الصدق والشجاعة التي يدعيها. ولم يخرج المؤتمرون من ذلك الاجتماع بتوصيات لحل الإشكالات التي كانت قائمة عبر الوسائل السلمية كما ادعى.

وفي الصفحة 162 يمجد بالمناضل عثمان صالح سبي ويشيد به حيث يقول "أنه من الرموز الوطنية والقيادات التاريخية، وأن الحديث عن سبي يحتاج إلى كتاب ...إلخ". هكذا يقول اليوم، وهو نفسه الذي كان يعادي المرحوم عثمان سبي ويحقد عليه، بل طلب من المؤتمرين الموافقة على تصفيته جسدياً مع زملائه. ماذا نسمي هذا، أي نوع من النفاق هذا يا ترى؟

وفي الصفحة 107، قلب علي محمد صالح الحقائق وأتى بكذبة مروعة ضد شخصي عندما قال أنني رفضت إدانة الصهيونية!!! والصحيح الذي يعلمه المئات من الثوار، هو أنني رفضت إدانة قوات التحرير الشعبية كما رفضت بعض قرارات المؤتمر. ولم ولن ارفض أبداً إدانة الصهيونية كما يتخيل ويكذب. فهل يعقل أن أرفض أنا العروبي إدانة الصهيونية.

وفي الصفحة 108 أتى بكذبة كبرى مدوية عندما قال "أن المؤتمرين خرجوا بتوصيات لحل الإشكالات تراعي خصوصية المرحلة التي تمر بها الثورة الإرترية". وهذا غير صحيح إطلاقاً، بل ما خرج به المؤتمرون في البيان الختامي للمؤتمر، وقد كان أخطر بند في هذه القرارات وهو: إدانة قوات التحرير الشعبية، وإعطاءها مهلة ثلاثة أشهر للانخراط في صفوف جبهة التحرير الإرترية. وبعد انقضاء المهلة المحددة (ثلاثة أشهر) علي قيادة جبهة التحرير الإرترية اتخاذ الإجراءات اللازمة ضدها، بما في ذلك الحل العسكري!!! وتم توزيع منشور قرارات المؤتمر في جميع بلدان الشرق الأوسط وأوربا، وفي كافة المناطق التي يتواجد فيها الإرتريون في أرجاء المعمورة. وقد رفضت أنا هذا القرار. كما رفضت الكثير من بنود قرارات المؤتمر لخطورتها ولكونها كانت تؤدي إلى اقتتال أهلي. وطالبت بالحوار لحل الخلاف بين الأخوة المناضلين. فقليلاً من الحياء يا علي. وحقاً كما يقول المثل "الإختشوا ماتوا".

وفعلاً وقع المحظور، واندلع الاقتتال الأهلي في فبراير 1972، عندما شنت قوات جبهة التحرير الإرترية هجوماً غادراً على مجموعة من قوات التحرير الشعبية، واستشهد في ذلك الهجوم المناضل عامر طاهر شهابي ورفاقه الأماجد، تنفيذاً لقرارات المؤتمر الوطني الأول وبيانه الختامي المذكور آنفاً.

وقد استمر ذلك الاقتتال بين الأخوة حتى عام 1975، ولم يتوقف إلاّ عندما خرج الأهالي في مشارف مديرية أسمرا والحماسين وحالوا بين القوات المتقاتلة. وهنا توقف هذا الاقتتال الأهلي الذي فقدنا فيه عدد كبير من الشهداء الأبرار من كلا الطرفين نتيجة لتلك القرارات الرعناء وغير الوطنية.

لماذا لم تذكر هذه الوقائع الدموية يا علي فيما أسميته كتاباً؟ أم تصورت أن الشعب الإرتري قد فقد الذاكرة ونسي دماء أبنائه!

وللتذكير، فقد حوت قرارات المؤتمر الوطني الأول فيما حوت، قراراً بتطوير اللهجات الإرترية بدعوى الحفاظ على الفلكلور الإرتري "كلمة أريد بها باطل". وكان المقصود بذلك في واقع الأمر تعمية الشعب الإرتري وفرض التجهيل عليه، وذلك بتهميش اللغة العربية والقضاء عليها بالتدريج، والتي كانت ولا تزال لغة الثقافة والدين بالنسبة للمسلمين منذ أمد بعيد. وقد كانت اللغة العربية تقوم مقام ثماني لهجات مثلاً في التخاطب بين الإرتريين في غرب وشرق إرتريا.

وقد كان مشروع تطوير اللهجات أحد مخططات من كانوا يسمون أنفسهم بالتقدميين، وذلك لفرض عقيدتهم الشيوعية باللهجات المحلية القاصرة، لأن اللغة العربية كلغة عالمية نشرت بها كل سلبيات وعيوب النظرية الشيوعية "الماركسية" التي لا يفهم منها الرفاق الإرتريون إلاّ القشور المتعفنة. وقد نقل نظام الجبهة الشعبية فكرة تطوير اللهجات من قرارات المؤتمر الوطني الأول، وقام بتهميش اللغة العربية لحساب اللهجات، ولكن تحت مسمى لغة الأم. ولا يزال برنامج اللهجات هذا مستمر على قدم وساق للقضاء على اللغة العربية حتى يومنا هذا. والأمر العجيب أن علي محمد صالح لم يعارض ذلك القرار، في الوقت الذي عارضت فيه أنا وغيري من المناضلين هذا القرار اللاوطني، وتكلمنا فيه بمرارة مشهودة.

جاء في الفصل الرابع "القيادة العامة" الصفحة 96 أن مشاجرة وقعت بيني وبين الأخ عبد الله سليمان حول حاملات الطائرات. وإنه لأمر عادي وطبيعي أن تدور مناقشات بين جماعات الثوار في أوقات الراحة حول الوضع الدولي ووضع الثورة الإرترية وعن مؤيديها وأعدائها من الدول، وهذا أمر عادي كما أسلفت، لا يستحق الذكر إلاّ إذا كان بقصد التشويه.

فقد دار هذا الحديث فعلاً حول قوة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. فتحدث عبد الله سليمان عن حاملات طائرات جبارة يملكها الاتحاد السوفيتي. فقلت له أن الاتحاد السوفيتي لا يملك حاملات طائرات وقتها "1970" بل حاملات هليوكوبتر. وأن هذا لا يقلل من قوة الاتحاد السوفيتي الذي يملك أسلحة فتاكة كالصواريخ بعيدة المدى مثل أمريكا. وخلاصة القول أن هنالك توازن في قوى الرعب بين الطرفين. وهنا ثارت ثائرة عبد الله سليمان (ولم أفطن إلى أنه يقوم حقاً بالتعبئة) فقد اتهمني بالرجعية واتهمته بدوري بالعمالة للاتحاد السوفيتي. ولم أسمع من عبد الله سليمان أو غيره اتهام أخي المرحوم الأمين إدريس بالعمالة. والذي سآتي إلى ذكر مناقبه الوطنية بعد قليل. ولم أذكر إطلاقاً السفينة "Liberty" في ذلك النقاش، وهي سفينة استخبارات أمريكية دمرتها إسرائيل في حرب يونيو عام 1967. ولم تكن حاملة طائرات، كما يعلم الجميع. كما أنني لم أقل فليقتلني العدو يأساً عندما تأخرت في الزحف بسبب ألم في ركبتي من حادث سابق.

ومن المعروف أن الأخوة اليساريين وأنصاف اليساريين في الميدان، كانوا يصفون أنفسهم بالتقدميين. وقد كانوا مفتونين بالاتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية ويرمون غيرهم من الوطنيين الأحرار بالرجعية! هكذا بكل بساطة. وكانوا ينسبون كل دعم تحصل عليه الثورة الإرترية من الأمة العربية إلى اتحادهم السوفيتي!!!

ألم تنكر قيادة حزب العمل التي كانت تسيطر على جبهة التحرير الإرترية مشاركة جيوش كوبا واليمن الجنوبي جيش إثيوبيا في قتل الإرتريين تحت حكم منغستو هيلي ماريام!! غير أن رد قادة الجبهة الشعبية كان أكرم وأصدق عندما قالوا أن قوات حلفاء السوفييت من اليمنيين وغيرهم لم تأت إلى إرتريا للعب كرة القدم، بل جاءت لقتال الثورة الإرترية!

فماذا نتوقع يا تري من الأخوة التقدميين بعد أن لفظهم حليفهم الاتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية التقدمية إلاّ الارتماء في أحضان الولايات المتحدة الإمبريالية وحلفائها مثل بريطانيا العظمى وغيرها بعد أن شوه بعضهم البعض بتهم بشعة. واليوم يتجرعون جميعاً محاسن الإمبريالية العالمية بحرية أنكروها زمناً طويلاً.

وعلى ذكر النقاشات العادية التي ملأ منها كتابه، من الغريب أن علي محمد صالح لم يذكر للقراء مشاجرته مع الأخ محمد عثمان صائغ في اجتماع كسلا. ولماذا لم يذكر أيضاً في كتيبه هذا حادثة الخصام والملاكمة التي كان طرفاً فيها في المقعد الخلفي بإحدى سيارات التاكسي بشوارع دمشق؟

على أية حال، ولمعلومية علي محمد صالح وغيره، فإن للأخ الأمين إدريس سجلاً وطنياً ناصعاً تمثل على سبيل المثال لا الحصر في دفاعه عن أهالي تسني وعلي قدر عندما كان محافظاً لمديرية أغوردات مع صديقه الكولونيل الشجاع محمد علي قرقوش "حكمدار بوليس مديرية أغردات" عندما أغار جيش إثيوبيا على الأهالي لإبادتهم بعد نهب أموالهم.

وفي عام 1967 قامت إثيوبيا بحملة إبادة في المديرية الغربية (وكان المرحوم الأمين محافظاً لمديرية أسمرا والحماسين وقتئذ) ولجا نتيجة لذلك آلاف الإرتريين إلى السودان مما خلق استياءً بين الإرتريين العاملين في الحكومة. وفعلاً قرر أكثر من خمسين من كبار الإداريين وضباط البوليس وعلى رأسهم المرحوم السيد الأمين إدريس والمرحوم الكولونيل محمد علي قرقوش، الالتحاق بالثورة الإرترية. إلاّ أن المجلس الأعلى للثورة نصح المرحوم الأمين وزملائه بالبقاء في الداخل لأنهم يفيدون الثورة في الداخل بدلاً من الخارج في الوقت الحاضر، ولذلك بقوا في مراكزهم.

هذا جزء بسيط من المناقب الوطنية للمرحوم السيد الأمين إدريس وزملائه. والتي يجهلها الجاهلون ...سلام.

وليس غريباً أيضاً على علي محمد صالح ومن هو على شاكلته التطاول على آباء حركة الاستقلال الإرتري من أمثال المرحوم مولانا القاضي موسى آدم عمران، والمربي الكبير المرحوم الأستاذ سعد الدين محمد، وطمس تاريخهما النضالي البطولي الذي يعرفه الشعب الإرتري بصفة عامة، وأهل مدينة كرن الباسلة بصفة خاصة، دون حياء أو خجل. فهل يعتقد أن الإرتريين قد فقدوا الذاكرة كما فقدها هو.

وكما قال الشاعر:
سلام على الدنيا
إذا ما ارتفع القط وانخفض النسر‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍

ومن المؤسف أن يساهم الأخ إبراهيم توتيل في كتيب كهذا يعج بالأكاذيب وقلب الحقائق عن فعاليات المؤتمر الوطني الأول من قرارات وغيرها. خصوصاً وأن توتيل كان يرأس سكرتارية المؤتمر، والتي احتفظت بكافة وثائق وقراراته وقامت بنشرها على الملأ. فلماذا لم يقم الأخ توتيل بتذكير صديقه علي بحقيقة ما دار في المؤتمر، وما جرى بعده من اقتتال أهلي وغيره، بدلاً من سكوته على هذه الأكاذيب المروعة.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click