في رحاب كتاب بعنوان الرئيس أسياس أفورقي مسيرة قيادة الثورة والدولة
بقلم الأستاذ: موسي عَوِلْ خير - كاتب إرتري
صدر مؤخراً عن دار هادي برس للنشر كتاب بعنوان الرئيس أسياس أفورقي
مسيرة قيادة الثورة والدولة، للدكتور عمر زرآي.
جاء الكتاب في طبعة فخمة وراقية جداً من الحجم المتوسط وفي (229) صفحة وهذا يعني أن حجم الكتاب (طول وعرض وعدد صفحات) يعد مثالياً، فلا هو بالضخم الممل ولا هو بالقليل المخل، هذا من الناحية الفيزيائية، أما العنوان الذي أثار جدلاً واسعاً وأسال حبراً كثيراً فقد قلت فيه قولتي التي قلت في حينه، وهو أنه من الناحية الأكاديمية المحايدة لا يمكن أن يأتي العنوان على غير هذا النحو من حيث المضمون، بالرغم من أنه من الناحية الشكلية يمكن اشتقاق أكثر من صورة دون الاخلال بالمضمون والذي يقف على ثلاثة أرجل وهي (أسياس أفورقي، ثورة، دولة) ثم شكِّل العنوان كيفما تشاء.
رب سائل يقول: لماذا أسقطت الرجل الرابعة وهي كلمة (الرئيس) لأقول: لم أسقطها كرهاً وبغضاً (وان كنت كذلك) أو تغريداً خارج السياق كما فعل البعض، ولكني أرى أن أسياس أفورقي لا يحتاج التعريف بإضافة "الرئيس" لاسمه، لأن هنالك أسياس أفورقي واحد وواحد فقط يمكن الكتابة عنه، لذا لا يحتاج إلى تعريف إضافي، وأن تعريفه بإضافة كلمة الرئيس أراه تعريفاً زائداً لكنه غير مخل فهو بصورته الحالية مقبول ومقبول جداً.
جاء الكتاب في ثلاثة فصول أو عناوين رئيسية وهي:-
الفصل الأول: جذور وأسلاف الرئيس أسياس أفورقي.
الفصل الثاني: صناعة الدكتاتور.
الفصل الثالث: ارتريا المحررة.
كل فصل أو عنوان رئيسي من هذه العناوين يحتوي على العشرات من العناوين الفرعية.
المادة:
والآن نأتي للأهم وهو لب الموضوع، فقد بذل الكاتب جهداً جباراً بل خرافياً في تجميع وتصنيف وتبويب وتدقيق وتبسيط المادة، حيث اعتمد على الكثير من المصادر، الموثق منها (مكتوب، مسموع، مرئي، عربية، انجليزية، تغرينية ...الخ) والشفاهي، مقارباً بين ما هو منطقي وخرافي، متقصياً الحقيقة بعقل راجح ومبضع جارح، لا بقلب قابع في سردية الجلاد والضحية وسفر البكائية والمرثية، لم يترك الكاتب شاردة أو ورادة من تفاصيل حياة شخصية الرئيس المليئة بالتفاصيل منذ أن كان "كروموزوماً" يسبح في مورثات جده أبرهام حقوص.
اللغة:
استخدم الكاتب أسلوباً لغوياً جذاباً لا يبعث الملل، فقد ينتابك احساس للحظة بأنك أمام رواية خيالية من سرديات ماركيز أو نجيب محفوظ أو حتى حجي جابر، لكنه سرعان ما يعيدك إلى جادة الكتاب، إلى اللغة التقريرية، بالرغم من أن هذه البحوث تكتب بلغة تقريرية، إلا أن الكاتب زاوج بين هذه وتلك، بين اللغة الأدبية الابداعية واللغة التقريرية الرسمية، لكنه لم يجنح إلى اللغة الابداعية كثيراً حيث استخدمها في شكل مقبلات فقط، وقد فعل خيراً فلربما انتقدناه لو أكثر من هذه "العُرَبْ" والبهارات، لأن طبيعة البحث الذي قدمه وهو "سيرة غيرية" لا تحتمل الاسراف في المنمنمات.
تعليق:
من الأهمية بمكان أن يقوم البعض بقراءة الكتاب قراءة متأنية (أولى وثانية وثالثة) حتى يتمكن من تقديم ملاحظاته كي يساهم في اكتمال الصورة، خصوصاً من بعض المثقفين والمطلعين على تاريخنا السياسي الحديث، بل ان بعض ممن صنعوا هذا التاريخ لا يزالون على قيد الحياة، لذا وقبل أن أدلي بدلوي أدعوهم لقراءة الكتاب قراءة فاحصة ثم الادلاء بدلائهم، اتفاقاً أو اختلافاً، وأنا على ثقة من أن اضافاتهم ستجد آذاناً صاغية لدى الكاتب، وانظلاقاً من هذا المبدأ وبالرغم من أنني لست سوى متابع لتاريخنا السياسي، أعلم عنه شيئاً وقد خفيت عني أشياء.
وددت تقديم بعض الملاحظات الطفيفة جداً وآمل من أخي الدكتور/ عمر زرآي أن يتمكن من الاطلاع عليها ولا يهم ان اتفقنا أو اختلفنا.
وهذه ملاحظاتي:-
1. هناك عنوان جانبي في الصفحة رقم (137) بعنوان: برغماتية أسياس أفورقي، وعتبي على الدكتور أنه كان مقلاً في هذا العنوان حيث جاء التفصيل في حوالي صفحة ونصف الصفحة، لكني اعتقد أن برغماتية أسياس أفورقي تمثل ثلاثة ارباع حياته ان لم تكن كلها، لذا كنت أود من الدكتور عمر الاسهاب في هذا الجانب خصوصاً لو تناول بالتفصيل المفاوضات التي خاضها مع النظام الاثيوبي بدءً من ألمانيا الشرقية وانتهاءً بنيروبي من ناحية وجبهة التحرير من ناحية أخرى، حيث كان يتأرجح من التطرف والاعتدال، كانت ستعطيه مساحة كبيرة للغوص في برغماتية اسياس أفورقي.
2. أتفق مع الكاتب فيما ذهب إليه من موقف معتدل فيما يتعلق برواية لقاء أفورقي مع المخابرات الامريكية الـ CIA والتي ضاعت بين التفريط والافراط.
3. أعتب على الكاتب عدم ذكره لإتفاقية أكتوبر بين جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والاكتفاء بالتلميح الطفيف جداً في الصفحة (109) حتى أنه لم يأت على ذكر اسمها بالرغم من اسهابه بعض الشيئ في اتفاقية الخرطوم 1975م، فلو تحدث قليلاً عن سلوكيات أفورقي مع قيادة جبهة التحرير والمعوقات التي واجهت تنفيذ اتفاقية اكتوبر لتمكن من عكس صورة أخرى لشخصية أفورقي وهي الرقص على رؤوس الأفاعي، بالرغم من أنه أوضح ذلك في مواطن كثيرة، ولكنها كانت ستكون اضافة قيمة للأجيال التي لا تعرف من ارتريا الثورة إلا إسمها .
4. أعجبني كثيراً التوصيف الدقيق الذي قدمه الكاتب بشأن حصن (عمبربب) الذي كان يتحصن فيه الملك المتوج قبل أوانه، حيث ذكر الكاتب تفصيلات حتى أنا الذي أعتبر نفسي متابع لم أكن أعرفها فضلاً عن الأجيال التي نكتب لأجلها اليوم.
5. في الصفحة (131) وردت معلومة أن جبهة تحرير شعب تقراي شاركت الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا في مواجهة الحملة السادسة عام 1978م، والصحيح أن الحملة السادسة هي الحملة التي سميت بحملة النجم الأحمر والتي انطلقت في 15 فبراير 1982م وربما كان يعني الكاتب حملة استعادة المدن بعد تدخل الاتحاد السوفياتي في القضية الارترية الى جانب نظام منقستو هيلاماريام في 1978م.
6. في صفحة (146) ذكر الكاتب بأنه وأثناء المؤتمر الثاني لحزب الشعب الثوري الذي كان يقود الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، ذكر بأن رمضان محمد نور طالب بذكر نضالات الشعب الفلسطيني وتقديم الشكر للثورة الفلسطينية على ما قدمته للثورة الارترية في البيان الختامي، وهو الامر الذي اعترض عليه أسياس أفورقي بحسب الكاتب، ملاحظتي هي: أن النص بصيغته التي وردت في الكتاب قد يتسبب في لبس لأنني أعتقد البيان الختامي المعني هو بيان مؤتمر التنظيم الذي انعقد في 1987م لأن الحزب كان سرياً ولا اعتقد أنه كان يصدر بيانات ختامية لمؤتمراته لكنه بما أنه هو القائد الحقيقي للتنظيم كان يتم الاتفاق على البيان الختامي لمؤتمر التنظيم داخل مؤتمر الحزب بدليل أنهم اختاروا قيادة التنظيم "الصورية" القادمة داخل مؤتمر الحزب وهذا ما كان يحدث بالفعل، لذا كنت أود من الكاتب توضيح الأمر بشكل أفضل.
7. هذه ملاحظة فنية أو سمها ذوقية وهي تتعلق بالعناوين الجانبية، حيث جاءت العناوين الجانبية في شكل عناوين رئيسية تتوسط الصفحات بدلاً من أن تتحاذى يميناً، فمثلاً لو أخذنا العنوان الرئيسي للفصل الأول وهو: جذور وأسلاف الرئيس أسياس أفورقي، نجد في الصفحة التي بعدها مباشرة ما اعتبره عنوان جانبي وهو: هجرة الجد أبرهام حقوص يتوسط الصفحة وكنت أتمنى لو جاءت العناوين الجانبية بمحاذاة يمين الصفحة وهو ما درج عليه الناس.
ختاماً: شكراً بحجم السماء للدكتور/ عمر زرآي على هذا السفر الثمين، فقد وجدت فيه ما يضيف لي وهذا يعني أنه يعتبر مرجع للأجيال الحديثة أولاً من حيث قيمة المعلومة، وثانياً لأنه ينقلنا من المشافهة - التي أهلكتنا وأهلكناهها بالقيل والقال - إلى التوثيق، كما لا يفوتني أن أشكر كل من ساهم في هذا الجهد وفي انتظار اجتهادات قادمة بمشيئة الله.
التعليقات
تعليق انيق لقارئ فاحص متمكن مقتدر ،
شكرا اخي موسى عول ، علي هذا التلخيص المفيد لكتاب عنوانة مثار جدل بين العامة ، شوقتني لقراءته